الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة (ثالثاً: الشعر الصوفي)

ثالثاً : الشعـر الصوفـي :

كان لآيات الله سبحانه التي يزهّد فيها بالدنيا الفانية أثر في القلوب، وقد استولى حب الله ورسوله على بعض الأفئدة فاتجهت وجهة المتصوفة، وهي تتوسم في هذه الفئة الخير والصلاح، ولم تدر أن بعضها حاد عن سواء السبيل إذ كان التصوف في بادئ أمره نزيهاً صافياً يشير إلى التعبد والنسك وإلى التحلي بالخلق القويم، وترك كل ذميم وقبيح، وقد يجنح بعضهم إلى التجرد من الدنيا والأخذ بشظف العيش، ويسمون الفقراء، وهؤلاء ينزعون من نفوسهم ودنياهم كل ما يحول بينهم وبين بارئهم، وهذه مرتبة طلاب الآخرة كما يقول ابن قيم الجوزية([1]) ، ولكن بعضهم تطرفوا تطرفاً أخرجهم عن سواء السبيل .

وتعود كلمة التصوف إلى الصوف لتقشف أهله ولبسهم الصوف كما يرى ابن تيمية([2])، أو إلى «أهل الصفة»([3]) وهم فقراء المهاجرين الذي نزل فيهم قوله تعالى: )للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض( ([4]) وذلك لتخليهم عن الدنيا وهجرتهم إلى الله .

أما عبد القادر الجيلاني وعبد الغني النابلسي فإنهما يعيدان الاشتقاق إلى الصفاء ويقول الثاني «صافى فصوفي حتى سمي الصوفي» ([5]).

وقد انتشر التصوف في عصر الدول المتتابعة انتشاراً واسعاً، ومن يطلع على كتب تراجم العصر ير من ذلك العجب العجاب، فمن راغب في الآخرة معرض عن الدنيا، إلى مبتدع لأمور ما أنزل الله بها من سلطان، وإن كان صاحبها لا يعد في الكافرين، إلى فئة ثالثة تطرفت حتى قدست ذواتها ونسبت إليها ما لا ينسب إلا إلى الله سبحانه،  متأثرة في آرائها الإلحادية بالفلسفة اليونانية والمجوسية الهندوسية، وبانحرافات النصرانية، وقد انعكست هذه الأفكار على ما خلفه أصحابها في أشعارهم حتى بات ظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة وتبيان الرأي فيها.

وعلى هذا فالشعر الصوفي ينقسم إلى ثلاثة أقسام :معتدل ،وبدعي وإلحادي ،وسأوضح هذه الأنواع الثلاثة([6]) مبينة رأيي فيها.

1-    التصوف المعتدل :

وهذا يعني التخلق بالحميد من الخلال، والسلوك بالنفس نحو تزكيتها، وترك الرذائل حتى تسعد في الآخرة بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن المرء مع من أحب يوم القيامة، ولهذا فإن الصوفي المعتدل يقبل على الله بنية خالصة رجاء الظفر ببغيته في الفردوس الأعلى، وقد أبدى الشاعر «القاسم بن أحمد»([7]) رأيه في المتصوفة المعتدلين من خلال رسالة وجهها إلى عالم اليمن في القرن الثاني عشر الهجري «محمد بن علي الشوكاني»([8]) يسأله فيها عن أصحاب الحب الإلهي ، ويبين فيها أنواع التصوف ما اعتدل منه وما انحرف عن جادة الصراط المستقيم، يقول في المتصوف المعتدل :

فرمى بها في الدمعِ من تسكابِهِ

 

يجدُ الخطيئةَ كالقَذاة لعينهِ

نهجَ النبي قد اقتدى بصوابِهِ

 

أخذ الطريقةَ بالحقيقة سالكاً

للنفس قبلَ وقوفِه لحسابه

 

تمضي به اللحظاتُ وهو محاسِبٌ

مخَّ التصوفِ وهي لبُّ لُبابِه

 

هذي الطريقةُ للمُريدِ مُبَلَّغٌ

    فالشاعر يرى المتصوف الحقيقي من خاف من الآثام واتبع نهج الحبيب المصطفى r، وحاسب نفسه قبل أن تحاسب يوم القيامة، وهذا هو عين الصواب. وقد أجابه الشوكاني على ذلك في رسالة سماها «الصوارم الحداد القاطعة لعلائق مقالات أرباب الاتحاد» مبيناً أن المتصوف الزاهد هو من:

يوماً لنيلِ طعامِه وشرابِهِ

 

قد طَلَّقَ الدنيا فليس بضارعٍ

للأمرِ لا يلوي لِلَمْعِ سرابِه

 

يمشي على سَنَنِ الرسولِ مُفَوِّضاً

يَغْتَمَّ عند نفارِها عن بابه

 

يَرضى بمَيْسورٍ من الدنيا ولا

بدُروس رَوْنقِها وقُرْب ذهابِه

 

مُتَقَلِّلاً منها تَقَلُّلَ مُوْقِنٍ

وثنى عِنانَ الحبِّ عن أحبابه

 

جعل الشعارَ لـه محبةَ ربِه

أحبِبْ بهذا الجنسِ من أحزابه([9])

 

أكرمْ بهذا الصنفِ من سكانه

    فالشاعر يرى أن الصوفي من هجر دنياه ولم يبال بلذيذ طعامها وشرابها ونعيمها، بل سار على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم واتخذ حب الله قصده فيها، وهذه الفئة هي الفئة المصطفاة من البشر.

ومن التصوف المعتدل أيضاً قول الشاعر «عبد القادر بن محمد بن حبيب»([10]) وكان عالماً زاهداً يدعو إلى عدم الانشغال بترهات الدنيا، وإلى ضرورة العبادة في جوف الليل ومناجاة الله سبحانه بتلاوة كتابه الكريم، مع ضرورة حسن الظن به، والاستعانة به في قضاء الحوائج، ومن كان قلبه معلقاً بالله سبحانه فإنه يذوق حلاوة العبادة، فلا يشغل نفسه بعد ذلك في دنيا زائفة زائلة، يقول في ذلك:

تُسَوِّفُ العُمْر ولّى في المحالاتِ

 

يا صاحِ كم ذا التواني والتلاهي وكم

وافتَحْ فؤادَك وانشَقْ طِيْبَ نَفْحاتِ

 

الحقُّ يدعوك في الأسحارِ فاسْعَ وقُمْ

وناجِ ربَّك في ترتيلِ آياتِ

 

واستحْلِ واستجْلِ أبكارَ المعاني وطِبْ

فاستغْنِ والجَأْ إليه في الأمورات

 

وأحسِنِ الظنَّ فيه واستعِنْ وبه

ودامَ حتى حَظِيْ منه بكاساتِ

 

طوبى لمَنْ ذاقَ كأساً من محبتِه

    ويصف «أبو الهدى الصيادي»([11]) المتصوفَ المحب لله سبحانه فإذا هو بعيد عن الرياء، خاشع قلبه لمولاه، يذرف الدمع وجلاً من عذابه، وقلبه مشغول بحب خالقه،يقول:

وأخو الرياءِ من الظلالِ يميل

 

ذو الصدقِ في سَوْحِ المحبة ثابتٌ

مجلى الخشوع على الفؤاد دليلُ

 

يلهو إذا خَشَعَ المحبُّ وإنما

ودموعُ أصحاب الولُوعِ سُيول

 

ولكم تباكى المُدَّعون وما بكوا

فيمن يحبُّ وعقلُه مذهول

 

ولربما سكتَ المحبُّ لفكره

    وهكذا كان هذا التصوف ينم عن ورع شديد، وزهد في الدنيا وحب لله سبحانه وعبادة واستقامة، وهذا حال المسلم الصادق مع الله سبحانه، وحال الصحابة الكرام.

ولكن بعض المتصوفة تطرفوا وابتدعوا ما لم ينزل به الله من سلطان، وهذا يدعونا إلى شرح :

2 -التصوف البدعي :

وهو تصوف حاد أصحابه عن النهج القويم، وادعوا أموراً لم توصلهم إلى درجة الكفر وإنما بعدوا عن النقاء الإسلامي بشطحات لا يقبلها عقل سوي وقلب تقي، ومع ذلك كان أصحابه يعدون أنفسهم المسلمين الصادقين، ومن هذه الشطحات قولهم بـ:

أ- الحب الإلهي([12]) :

وهو التعبير عن حب المولى تعالى تعبيرا ينم عن عاطفة شجية ، ولكن هذا التعبير داخله أحيانا حديث عن المرأة وجمالها، ونجد ونسماتها، والغلام وحبه، والخمرة وتأثيرها، ويزعم أصحابه أنهم إنما يرمزون بذلك إلى الذات الإلهية، أو النبي صلى الله عليه وسلم،أو يعبرون بهما عن المعاني الإيمانية التي تسعدهم، وإذا كان هذا قد يقبل في حق الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه «بشر» فإنه لا يقبل في الذات الإلهية، وتعالى الله أن يمثل بامرأة أو بغلام أو بخمرة، وأن يحكى عن عبادته بأحاديث ماجنة ولو في الظاهر ، أو يمزج الحديث عنه بفكرة الحلول فهذالا يليق بمقام المولى عز وجل وشعائره الدينية، وأحسب أن الشاعر «عمر بن الفارض»([13]) قد بدأ حياته الصوفية بالتعبير عن الحب الإلهي دون أن يدمج حديثه بالحلول والفناء ، من ذلك قوله:

أنا القتيلُ بلا إثم ولا حَرَجِ

 

ما بين مُعْتَرَك الأحداقِ والمُهَجِ

شوقاً إليك وقلبٌ بالغرامِ شجِ

 

لله أجفانُ عين فيك ساهرةٌ

ولا غرامٌ به الأشواقُ لم تهِج

 

لا كان وَجْدٌ به الآماقُ جامدةٌ

أوفى محبٍّ بما يرضيكَ مُبْتَهِجِ

 

عذِّب بما شئْتَ غيرَ البعدِ عنك تجدْ

لا خيرَ في الحُبِّ إن أبقى على المُهَج

 

وخذْ بقيةَ ما أبقيْتَ من رَمَق

وكم أماتَتْ وأحيَتْ فيه من مُهَج

 

تباركَ اللهُ ما أحلى شمائلَه

ومقلة من نجيع الدمعِ في لجج

 

انظر إلى كبد ذابَتْ عليك جوى

    وأما «البهاء العاملي» فقد رمز لحلاوة العبادة وسعادته بها بسعادته بلقاء غلام يحبه، وقد جاءه هذا الغلام سحراً وطرق الباب خائفاً، ولست أدري لم جعله يخاف مع أن الكلام رمز للعبادة، ثم تحدث عن ليلته التي قضاها معه في حديث طهور نقي، وذكر أنه وسّده يمينه حتى الصباح، وذلك في قوله :

وحدَه وحدَه بغير شريكْ

 

لسْتُ أنساه إذ أتى سَحَراً

قلْتُ مَنْ؟ قال كلُّ ما يرضيكْ

 

طرَقَ البابَ خائِفاً وجِلاً

ماسَ لما بدا به التحريكْ

 

ذو قوامٍ كأنه غُصُنٌ

واعتنَقْنا فقال لي يُهْنيك

 

قمْتُ من فرحتي فتحْتُ لـه

قلْتُ زِدْني فقال لا وأبيكْ

 

قال خُذْها فمُذْ ظفِرْتُ بها

أن دنا الصبحُ قال لي يكفيك

 

ثم وسَّدْتُه اليمينَ إلى

فاحَ نشرُ الصباحِ، صاحَ الديكْ ([14])

 

قلت مهلاً فقال قمْ فلقد

  ولا أرى داعياً لهذه الرموز عن العبادة فهي بدعة غير مستحبة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يلجأ إلى هذه المعاني، وإنما كان يعبر عنها بسمو خلقي وإيماني على نحو قوله المعروف «وجعلت قرة عيني في الصلاة».

وقد يرمز لهذه العبادة بالخمرة الصوفية، وذلك على نحو قول النابلسي وقد نعتها بأنها قد زكاها الشرع والدين، وقد احتساها أفاضل يعبدون الله سبحانه بها في ذكرهم فيحسون أن أرواحهم قد عادت إلى أبدانهم فأحيتها بعد موات:

على شُعْثِ الرجالِ الأَنْدرينا

 

أدِرْ صِرْفاً خمورَ الأندرِيْنا

طَهوراً لَذَّةً للشاربينا

 

وروِّقْ أيها الساقي شراباً

على صِرْف زَكَتْ شرعاً ودِيْنا

 

ألا يا بن المُدامةِ كنْ رفيقي

بها فتقومُ جمعاً طائِعينا

 

هي الروحُ التي الأمواتُ تحيا

بها من عهدِ آدمَ عن أبينا([15])

 

مُعَتَّقَةً ورِثناها ففُزْنا

    ويعبر البهاء العاملي عن هذه الخمرة فيبين أنها تهدي إلى خير السبيل ذلك لأنها من الجنة ولهذا فهي تذهب الأدناس، وتأخذ بلبه بمهر حلال، وهي إلى ذلك متأثرة بنار موسى الكليم، ولكنه في البيت الأخير يزيد في الشطح حينما يذكر أن الله تواب غفور، ولهذا فليطمئن من نفر منها وأعرض عنها، ولو بقي إيحاء كلامه للمعاني الدينية لكان أقبل ولكن الشطح أدى به إلى تجاوز للحد، يقول:

يا نديمي قمْ فقد ضاق المجالْ

 

قد صرفْنا العمر في قيلٍ وقالْ

إنها تهدي إلى خيرِ السبيلْ

 

واسقِني تلك المُدامَ السلسبيلْ

دعْ كؤوساً واسقِنيها بالدنانْ

 

هاتِها صهباءَ من خمرِ الجِنانْ

واملأِ الأقداحَ منها يا غُلامْ

 

واغسُلِ الأدناس عني بالمُدامْ

دنُّها قلبي وصدري طورُها

 

خمرةٌ من نارِ موسى نورُها

لا تخفْ فاللهُ توابٌ غفورْ ([16])

 

قلْ لشيخ قلبُه منها نفورْ

    وقد يعبر الشاعر عن شوقه إلى مكة المكرمة بمعاني الغزل أيضاً كما في قول ابن الفارض مخاطباً الكعبة الشريفة:

قلوبُ أولي الألباب لبّتْ وحجَّتِ

 

أيا كعبةَ الحُسْن التي لجمالها

وكم من دماء دون مرماي طُلَّتِ

 

أرومُ وقد طالَ المدى منك نظرةً

عن اللثمِ، فيه عِدْتُ حَيّاً كميّت([17])

 

جمالُ مُحَيّاكِ المصونُ لثامُه

     ومن الملاحظ أن ابن الفارض حينما كان يثني على الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتحدث عنه كما يتحدث مداحه، وإنما يتغنى بحبه له وبشوقه إلى مواطنه، فكأنه عبارات الغزل غلبت على شعره وغدت وسيلة تعبيره، من ذلك قوله :

لأسيرِ إِلْف لا يريدُ سَراحا

 

يا ساكني نجد أما مِنْ رحمة

في طَيِّ صافيةِ الرياحِ رواحا

 

هلاّ بَعَثْتُم للمَشُوق تحيةً

ملأَتْ نواحي أرضِ مصرَ نُواحا

 

مُذْ غِبْتُمُ عن ناظري ليَ أَنَّةٌ

إلا وأَهْدَتْ منكم أرواحا([18])

 

ما رَنَّحَتْ ريحُ الصَّبا شيح الرُّبى

   وهكذا عبر المتصوفة عن حبهم لله سبحانه و للرسول صلى الله عليه وسلم وللشعائر الدينية متخذين من المرأة أو الغلام سبيلاً إلى ذلك، وفي ذلك تطرف لأن مجال العبادة أسمى من ذلك بكثير،وإن كان هذا التطرف لم يبلغ بهم درجة الإلحاد فيما أرى.

ب- السماع والإلهام:

ومن البدع التي أوجدها المتصوفة حركات يؤدونها أثناء ذكرهم لله سبحانه، ويقوم واحد منهم بإنشاد قصائد لهم، ويتمايل من معه ويبكون ويضجون ويتواجدون، وتدهم "الأحوال" من يكون في الذكر، وربما صرخ أحدهم أو نزع ثيابه، أو هام على وجهه، ويذكر «عبد الغني النابلسي» بعد وصف لمثل هذا (الذكر) في مسجد عمر بن الفارض في القاهرة (أنه تحضره روحانية النبي صلى الله عليه وسلم) ([19])، وقد يطلق في الذكر البخور ويعزف على العود والرباب وتوقد الشموع([20]).

ولكن العود والرباب، والطبل والطنبور، والأرغون والصنوج مزامير شيطان يحرمُ سماع أنغامها، وإن أباحها النابلسي وادعى أن في هذا سماعهاأسرارا لا يعرفها إلا قلب اشتغل صاحبه بحب مولاه سبحانه، وعلوماً لا يدركها إلا الكَمَلَة من المتصوفة،أما غيرهم فقد طمس الله – بزعمه- على بصيرتهم، يقول في هذا:

وهو بالأُرْغون يدعى في المَلا

 

قد سمعْنا نغماتِ الأُرْغُلا

بتفاصيل تبدَّت جُمَلا

 

نغمات جُمِعَتْ في نغمة

وربابٌ ثم مزمارٌ تلا

 

صوتُ طنبور وسنطير معاً

هو إلا عبرةٌ للنبلا

 

آلةٌ تجمعُ آلاتٍ فما

غيرُ قلبٍ بالإلهِ اشتغلا

 

مجمعُ الأسرارِ لا يعرفُه

صوتِه بالوجْدِ قومٌ جهلا

 

وذوو الكفر وإن هاموا على

وعقولٍ عنه ضلَّتْ خَلَلا

 

سمعوه بنفوس طُمِسَتْ

سمعِنا يدريه مَنْ قد كَمُلا([21])

 

قد أخذنا منه علماً رقّ في

    ويصف النابلسي تواجد هؤلاء المتصوفة في ذكرهم أو ما يسمونه بـ"الحال " فإذا أصحابه يطوفون حول شيخهم وترتعد أعضاؤهم ويقومون ويقعدون، ونيتهم في ذلك العبادة ، ويرى أنهم بذلك صادقون في أحوالهم، مجذوبون إلى المولى سبحانه ، يقول:

تروحُ بأهلِ الذكرِ وَجْداً كما تغدو

 

وحيثُ رياضُ الذكرِ عابقةُ الشذا

وما هو إلا الجَذْب في الله والوَجْدُ

 

همُ القومُ سِرْ يابن الجباوي بسَيْرِهم

بأسرارِ غيبٍ شاهدٌ أنه الشَّهْدُ

 

وترتعدُ الأعضاءُ منه تواجداً

ولا سببٌ إلا المحبةُ والوُدُّ

 

تجلَّتْ بذكرِ اللهِ ذاتُ ستورِنا

على سَنَنِ الأشياخِ إذ فِعْلُهُمْ رشْد

 

فقمْنا بها طَوْراً ونقْعُد تارةً

كما جاءَ في قرآنِنا ذلك القصد([22])

 

وما القصدُ إلا الذكرُ في كلِّ حالةٍ

    وتعتقد الفرقة المولوية أنها تطوف حول شيخها كما تطوف المجموعة الشمسية حول الشمس، ولذلك يقول النابلسي، وكان قد حضر مجلس السماع للفرقة المولوية ، وكان يستمع فيه إلى الطنبور والصنوج والرجال يدورون كالأفلاك:

رجالُ الحُبِّ في مبسوطِ قاعِ

 

وللدورانِ كالأفلاكِ قامَتْ

عن الأمرِ الإلهيِّ المُشاع

 

يَرَونَ مواقعَ الحركاتِ كَشْفاً

على الإيقاعِ والوزنِ المُراعي([23])

 

فيختلجونَ بالآداب منهم

    ويرى "محمد بن إبراهيم الوطواط"([24])  أن السماع يجعل صاحبه يتمايل من الشوق ، وليس في ذلك حرج :

يباحُ وإلا فالسماعُ حرامُ

 

إذا حَرَّكَ الوجْدَ السماعُ إليكم

ومالَ من الأشواقِ ليس يُلام

 

ومن هزَّهُ طِيْبُ السماعِ حديثكم

فليس لأحوالِ المُحبِّ نظامُ

 

ولا عجبٌ إن شَتَّتَ الحبُّ جَمْعَهُ

    لكن شعراء آخرين ردوا على المتصوفة لتصرفاتهم هذه ، ورأوا فيها بعداً وانحرافاً، فالشوكاني يرى فيهم مبتدعين يتلاعبون بالدين الحنيف ولذلك يقول:

يتجاذبونَ الخمرَ في أكوابه

 

أما الذين غَدَوْا على أوتارِهم

واللحنَ عندَ الذكرِ عن إعرابه

 

ولوَحْدَةٍ جعلوا المثاني مُوْنِساً

بالدينِ وانتُدِبوا لقَصْدِ خرابه([25])

 

فهمُ الذين تلاعبوا بين الورى

    ولما خاصم أتباع ابن عربي([26]) إسماعيل المقرئ([27]) رد عليهم مبيناً أن هذه الحركات من فعل النساء، وأن هؤلاء المبتدعة قد أساؤوا إلى الدين من غير أدلة واضحة، قال:

وهي المَصُونَةُ كالحاناتِ للَّعِبِ

 

فَضَحْتُمونا وصَيَّرْتُمْ مساجدَنا

فَعَلْتُمُ فيه فِعلَ النارِ بالحطب

 

شَوَّشْتُمُ الدين غَيَّرْتُمْ محاسنَهُ

قُبْحٌ ولا سيما إن كان عن سَبَبِ

 

والضَّرْبُ بالدُّفِّ للنسوانِ ليس به

بين الأدلةِ إلا واهيَ السبب

 

تالله ما مذهبٌ هذي أدلتُه

    وقد ذكر ابن تيمية([28]) أن هذه الفعال ليست من مظاهر الخشوع، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم   وصحبه) إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً( ونزلت عليهم السكينة ولم يتصرفوا تصرف السكارى أو المجانين، ومن جعل طريق هؤلاء العباد أفضل من طرق الصحابة في عبادتهم فهو ضال مبتدع([29])  ولا يعقل أن تعد هذه الحركات من صالح الأعمال، بل هي من أفعال الزنادقة، لا ذوي المروءة([30]) وعدّها بعضهم زلة من زلات الخواص ،وتركها أولى ،والعبرة في الأثر النفسي الذي يخلفه السماع .

ج- رأي المتصوفة في أولياء الله:

وأولياء الله بزعمهم هم الأقطاب([31]) والأبدال([32]) والنجباء ([33])، ثم الشيخ والمريد([34]).

وكثيراً ما يضلل هؤلاء العوام بخزعبلات يخالفون بها ظاهر الشريعة ويدّعون أنهم أعلم بالحقائق والبواطن، وأن الفقهاء ،سدنة الشريعة، أصحاب رسوم وظواهر، وذلك لأنهم اقتصروا على معرفة الأحكام الشرعيـة وأدلتها دون أن يتنبهوا إلى أمـراض القلوب أو يطبقـوا الأخلاق المحمديـة من خشوع وزهد([35])، وإلى هذا يشير الشاعر

«أحمد بن عمر الحمامي»([36]) شيخ الطريقة الخلوتية([37]) مندداً بهم:

فاستوَتْ شمسٌ فزالا

 

كانَ لي ظلُّ رسومٍ

بعدما كنْتُ خيالا([38])

 

عشْتُ بالمحبوبِ حقاً

   ويقول عبد الغني النابلسي للمريد الذي يتدرب على يدي زين العابدين البكري:

ولكم ماتَ في هواهُ مجاهِدْ

 

إن تُرِدْهُ فكنْ عن الكونِ زاهدْ

فتفَهَّمْ تَعْلَمْ وجاهِدْ تُشاهِدْ

 

وإذا رمْتَ أن ترى منه شاهدْ

 

              يا مُريدي، ومن مَزِيدي تُعْطى([39])

       

والمريد حينما يصل إلى رتبة ما يرتدي «خرقة»([40]) تكون سبباً للثناء عليه، يقول الشاعر «محمد بن محمد شيخي الحميدي»([41])  في أهل الكساء أو الخرقة:

والتاجُ بيضُهم تحمي عن الضرر

 

من أهلِ خرقةِ تجويدٍ بها ادَّرَعُوا

جَوِّ العلا الأشهبِ العالي عن النظر

 

المنتمين إلى البازِ المحلِّق في

بخِرْقَة منهم تجلو عن الكدر

 

طوبى لـه إذ جلا مرآةَ خاطرِه

     ويقول الشاعر «أحمد الأنصاري اليمني»([42]) في أهل الخرقة أو الكساء:

وودادِكُمْ فارْعَوْا عظيمَ ودادي

 

أهلُ الكسا مارُمْتُ غيرَ جنابِكم

وبكم أنالُ الفوزَ يوم معادي

 

أهل الكسا ما حِلْتُ عن منهاجِكم

ويسمى لابس الخرقة أيضاً الفقير وتعني الفقير إلى الله تعالى، ويقول ابن قيم الجوزية «إن هذا المعنى أجل من أن يسمى فقراً بل هو حقيقة العبودية»([43]) ويقول «ابن تيمية» منددا بمن يتصنع الفقرليبدو تقيا:

وإنما فقرُنا اضطرارُ

 

واللهِ ما فقرُنا اختيارُ

وأكلُنا كلُّه عيارُ

 

جماعةٌ كلُّنا كُسالى

حقيقةً كلَّها فَشار([44])

 

تسمعُ منا إذا اجتَمعْنا

   وتطلق كلمة الشيخ أيضاً على القطب، وهذا مصطفى الترزي يمدح علي الحموي شيخ الطريقة القادرية([45])الذي ينتسب إلى جده عبد القادر الكيلاني الذي دفن في بغداد، فيقول:

وللحقِّ أنوارٌ عليه تَلوحُ

 

يزارُ بزَوْراءِ العراقِ ضريحُ

أبي صالح عالي الجنابِ فسيحُ

 

ضريحُ إمامِ الأولياءِ وقطبِهم

ووافاه من فيض الإلهِ فُتوح

 

فمَنْ أَمَّ عالي بابِه نالَ رِفْعَةً

ويُثني عنان الخطبِ وهو جموحُ

 

به تُكْشَفُ الجُلّى ويرتفعُ البلا

وذُخْرُهُمُ إني بذاك نصوح ([46])

 

وأبناؤُهُ الغُرُّ الكرامُ ملاذُنا

    ويثني «عبد الحي الخال» على عبد الغني النابلسي ويصفه بأنه قطب:

ـر فهو قطب بالدلائل ([47])

 

عبد الغني وإن تأخـ

    والقطب عند المتصوفة تأتيه بزعمهم فيوضات ربانية يعرف بهاأمورالغيب، وقد عبر الشاعر فتح الله بن النحاس عن هذا خلال ثنائه عن أبي المواهب البكري الأستاذ في الجامع الأزهر إذ قال فيه:

حبُكُمْ آلُ أبي بكر به تُمحى الذُّنوبُ

ابنُ مَنْ كان بهِ الغوثُ مع الغيبِ يصوب

شاهدَ الحضرةَ واختصَّ وناجَتْه الغُيوب

واستمرَّ الفيضُ للأستاذِ والفتحُ القريب

قامعُ الكَرْبِ وقد نالتْ من القلبِ الكروبُ

ضاحكُ الوجهِ وهل في طلعةِ القُطْبِ قُطوب ([48])

    فحب البكري وآله تمحى به الذنوب لأنه قربى من الله سبحانه لانتسابهم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهم في كل يوم يقرؤون أو يذكرون ذكراً مقدساً، أما قوله إن قطبهم أوغوثهم يعرف الغيب، وقد شاهد الحضرة المقدسة وناجاه المولى من الغيب، وهو يقضي الحاجات ويفرج الكرب، فمبالغة مستنكرة.

ويدّعي الشاعر السيد «إبراهيم الرفاعي»([49]) أن جده السيد «أحمد الرفاعي»([50]) لثم يُمنى الرسول صلى الله عليه وسلم جهاراً، وهذه كرامة ظهرت له لانتسابه إليه ولعلو شأنه، ولذلك فعلى السالكين في التصوف أن يقتدوا به، يقول في ذلك:

من كساهُ الرسولُ قالاً وحالا

 

وتذلَّلْ واسلُكْ طريقَ الرفاعي

هُ جِهاراً وقد تجلى تعالى

 

وهو بابُ النبي لاثم يُمنا

معجزات لأحمد إجلالا

 

حين أبدى محمدٌ معجزات

باءُ تعلو إن أنجبَتْ أشبالا ([51])

 

كيف لا، وهو شِبْلُهُ، وكذا الآ

     ويكرر الشاعر «أبو الهدى الصيادي» ذكر هذه الكرامة له فيقول :

كالفجرِ لكنْ ما اعتراهُ أُفُول

 

ذو همةٍ برهانُها متواترٌ

لجنابه والحيُّ فيه قفول

 

وكفاهُ أنْ مدَّ النبيُّ يمينه

عَضْبٌ من النورِ الجَليّ صقيلِ

 

خرجَتْ من القبرِ الشريفِ كأنها

مِسكاً بأقطارِ الوجودِ يجول

 

سارتْ بها الركبانُ تنقُل نصها

مِنْ راحِه بحرُ الفيوضِ يسيل ([52])

 

هذا أبو العلمين ذو الكفِّ الذي

فالمتصوفة إذاً يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخرج لأحمد الرفاعي يده، وكانت منورة فلثمها هذا الشيخ، وسارت الركبان بهذا الخبر لتعلن فضيلته…

كما يزعم أمين الجندي أن الغيث يستسقى بعبد القادر الجيلاني، يقول في ذلك:

تَقَنَّطَ عنا الغيثُ أو شحَّ وابِلُه

 

وإنا لنستسقي به الغيثَ كلّما

هو الآية الكبرى فمَنْ ذا يماثِلُه ([53])

 

هو العروةُ الوثقى لمستمسك بها

أما ابن عربي فيذكر أن الأبدال هم أوتاد الأرض الأربعة،وقد اجتمع معهم عيانا ، وذلك خلال تفسيره لقوله:

وعهدي بهم بين النقا والمُشَلَّلِ([54])

 

وبالشِّعْبِ من وادي قناة لقِيْتُهُمْ

   يقول في تفسيره: الشِّعْب طريق في الجبل، والله يقول )والجبال أوتادا( [النبأ /7]، والأوتاد أربعة في العالم، يقول: ولقيتهم في هذا المقام متبرزين.

بين النقا والمشلل: ماء بفديك حيث كانت مناة الصنم المعروف، يقول: وعهدي بهم في رؤية الوسائط والأسباب، يشير بذلك إلى قوله تعالى )ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى( [الزمر/3].

فهل كان يتخذ الأبدال وسيلة للعبادة كما كان يتخذ المشركون الأصنام وسيلة؟ تعالى الله سبحانه عن ذلك علواً كبيراً، وإذاً فإنه اعتقاد إلحادي وليس بدعة من البدع فحسب.

د- التوسل والاستغاثة:

ذكرت في المديح النبوي قضية التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن المتصوفة لم يكتفوا بذلك بل راحوا يستغيثون بالأولياء والصالحين ، وقد حدث خلاف بين الفقهاء في جواز التوسل أو عدمه، مما جعلني أعده من البدع لا من الإلحاد، ويذكر عبد الغني النابلسي أن سائلاً سأله أيجوز التوسل بأهل الخير والصلاح فأجاب (لا يظن عامي من العوام فضلاً عن الخواص أن نحو سيدي «أحمد البدوي» يُحدث شيئاً في الكون، وإنما يرون أن رتبتهم تقصر عن السؤال من الله، فيتوسلون بمن ذكر تبركاً بهم كما لا يخفى، إذا علمت ذلك علمت أن التوسل بالأنبياء والأولياء جائز وارد عن السلف والخلف، سواء كانوا أحياء أم أمواتاً، ولا ينكر ذلك إلا من ابتلي بالحرمان وسوء العقيدة نعوذ بالله منه ومن سيرته)([55])

وبناء على هذا الرأي فقد أكثر المتصوفة من التوسل بالأنبياء والأولياء فالشاعر «عبد الله المجذوب»([56])  يستغيث بأبي بكر الوفائي ويسميه «الولي الكبير قدس الله سره العزيز» ويقول:

أفادَتْ ذوي الأحزانِ كلَّ الرغائِب

 

فيا أيها الغوثُ الذي نفحاتُهُ

لدَفْعِ جيوشِ الهمِّ من كل جانب

 

ولم تَزَلِ الوُرّادُ تنحو لنحوه

وكفُّكَ مَلآنٌ بفَيْض المواهِب

 

أما أنت فالموصوفُ بالصدقِ والوفا

فجاهُك معلومٌ بأهلِ المراتب

 

فلا تنسَ عبداً في ودادِك صادقاً

    فالشاعر هنا يستنجد بالقطب ليتخلص من كربه الذي يعاني منه، وكأنه يعتقد أنه يخرج من قبره كما يزعم «عبد الله الحبشي» ليقضي حوائج الناس ثم يعود إليه ([57]) وأرى أن هذا غير جائز لأن الله سبحانه يقول: "ادعوني أستجب لكم"، ولم يذكر أن من قصرت رتبته فعليه أن يتوسل بالصالحين،ولهذا حرم الشيخ «عبد العزيز بن باز» (التوسل وزيارة القبور واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحوائج ويفرجون الكرب، وأنهم يعينون من يستغيث بهم، وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين للتخلص من الشدائد لأن هذا كله يتنافى مع قوله تعالى )أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء( [النمل /26]، ويذكر" محمد صالح المنجد" في كتابه "محرمات استهان بها الناس" ، أن بعض الناس صارت دعوة شيوخهم ديدنهم… والله سبحانه وتعالى يقول: )ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون( [الأحقاف/5]([58]).

ويقول مؤلف شبهات أهل الفتنة «من قال إن أرواح المشايخ حاضرة تَعْلَمُ فقد كفر، ومن اعتقد أن الميت يتصرف في الأمور من دون الله فقد كفر»([59]) وبناء على هذا فقد تصدى كثير من الشعراء لهؤلاء المتصوفة، كماحاول هؤلاء قتل الأميرمحمد بن إسماعيل الصنعاني لإعلانه استنكاره لأقوالهم فقال:

لأذِيّتي بغياً وحَسْدا

 

جاء العِدا وتجمَّعوا

إيمانِ عُدواناً وعَمْدا

 

سفكُ الدمِ المعصومِ بالـ

فله الثَّنا ماعشْتُ يُهدى

 

فكفى إلهي شرَّهُمْ

لم أجِئْ إِمْراً وإدّاً

 

يا أيها الإخوانُ إني

لفةِ النبي ممَّنْ تعدّى

 

لم أَنْهَ إلا عن مخا

رِ، عن نِدا مَنْ حلَّ لَحْدا

 

ونهَيْتُ عن بِدَع القبو

لي علامَ تعذِلُني مُجدّا

 

باللهِ قلْ لي يا عذو

وهدايتي حرّاً وعَبْدا

 

أَعَلى الرسولِ وحُبِّه

ع هدَّ ركنَ الدينِ هدّا؟ ([60])

 

أم لمْ نَهَيْتُ عن ابتدا

هـ- موقف المتصوفة من العلم والعلماء:

يزعم المتصوفة أنهم يأخذون علومهم عن" الحي الذي لا يموت" عن طريق الإلهام الرباني، وينكرون على الفقهاء أن يأخذوا علومهم بالنظر والتفكر في الكتب([61])، فالبهاء العاملي، وهو متصوف شيعي يرى أن كتب العربية والشريعة أمثال الهداية والنهاية والإيضاح والمصباح لا تفيد شيئاً، يقول في ذلك:

وفي تصحيحِها أتعبْتَ بالك

 

على كُتْبِ العلومِ صرفْتَ مالك

ضلالاً ما له أبداً (نهايةْ)

 

لعَمْري لقد أضلَّتْك (الهدايةْ)

ولا يشفِي (الشفاءُ) من الجهالة

 

فلا تُنْجْي (النجاةُ) من الضلالَةْ

و (بالمصباحِ) أظْلَمَتِ المسائل

 

و (بالإيضاحِ) أشكلت (المداركْ)

فهن على البصائرِ كالغواشي ([62])

 

ودعْ عنكَ الشروحَ مع الحواشي

    كما يعد البهاء العاملي علم الفقه من علم الرسوم، ويطلب أن يعب من الخمرة الرمز برأيه لينقي قلبه وفكره بها من هذا العلم وذلك لينجو يوم المعاد:

دعْ كؤوساً واسقِنيها بالدِّنان

 

هاتِها صهباءَ من خمرِ الجِنان

إن عمري ضاع في علمِ الرسومْ

 

قمْ أزِلْ عني بها رسْمَ الهمومْ

كلُّ ما حَصَّلْتُموهُ وسوسةْ

 

أيها القومُ الذي في المدرسةْ

كلَّ علم ليس يُنجي في المعاد ([63])

 

فاغسِلوا بالراحِ عن لوح الفؤادْ

    ويبين ابن قيم الجوزية خلاف المتصوفة مع الفقهاء في هذه القضية فيقول «إن هؤلاء المتصوفة ينكرون علوم الفقهاء ويعدونها مجرد قوالب وأشباح، ويعدون الفقهاء أصحاب الرسوم ولذلك فهم في تنافر دائم معهم» ([64])، كما يبين أن العلم لا يؤخذ إلا من القرآن الكريم والحديث النبوي، بل إنه يكفر من يرى أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ليس شرطاً عند المتصوفة، أما الأمير الصنعاني، فقد أشاد بمن تمسك بعلوم الفقه، وبالأحاديث التي جاءتنا عن طريق السلف الصالح، فقال:

نشأْتُ على حبِّ الأحاديث في مهدي

 

سلام على أهل الحديثِ فإنني

وتنقيحِها من جُهْدِهمْ غايةَ الجُهْد

 

همُ بذَلوا في حفظِ سُنَّةِ أحمد

كفَتْ قبلَهم صَحْبَ الرسولِ ذوي المجد

 

كفاهمْ كتابُ اللهِ والسنةِ التي

وأهلُ الكِسا هيهات ما الشَّوْكُ كالورد

 

أ أنتمْ بأهدى أم صحابةُ أحمد

فهم قدوتي حتى أُوَسَّد في لحدي ([65])

 

أولئك أهدى في الطريقةِ منكم

    كما ندد بكتاب دلائل الخيرات الذي يحوي أوراداً للمتصوفة وطلب حرقة لما فيه من غلو وافتراءات، وقال:

أصابَ ففيها ما يجلّ عن العَدِّ

 

وحرّقْ عمداً للدلائلِ دفتراً

بلا مِرية فاتركْه إن كنت تستَهْدي

 

غلوٌ نهى عنه الرسولُ وفِريةٌ

تُساوي فِلساً إن رجعْتَ إلى النقدِ ([66])

 

أحاديثُ لا تعزى إلى عالم ولا

    وهكذا انحرف التصوف عن مسيرته الأولى الزاهدة في الحياة الدنيا واتجه اتجاهات لا يقبلها الشرع ولا يستسيغها العقل، كتعبيرهم عن حبهم لله سبحانه وعبادته بالحديث عن حب المرأة والخمرة على سبيل الرمز، وكرأيهم في السماع وما يلهمه لهم، واستغاثتهم بالأولياء، وتنديدهم بالفقهاء،أوادعاء أنهم أصحاب رسوم وهذا كله لجهلهم، أو ليبعدوا الناس عن الشرع الذي تستقيم به أمور الحياة،ولولا خوف مغالاتي في الحكم لجعلت أقوال هؤلاء من النوع الثالث وهو التصوف الإلحادي ولكن هذا مما لا خلاف في كفره.

3-    التصوف الإلحادي :

وهو كما ذكرت لا خلاف في كفره إذ صدر عن أناس اتبعوا أهواءهم وانحرفوا عن عمدٍ لتشويه الإسلام أو لانخداعهم بملاحدة تزيوا بزي الإسلام وأبطنوا العداوة له، أو لجهلهم الذي أدى بهم إلى أن يدخلوا في الإسلام فكراً من فكر الأديان الأخرى فاختلط لديهم الحابل بالنابل .

على أي حال بدت هذه الأقوال الإلحادية في شعر بعض متصوفةعصر الدول المتتابعة، وسأوضحها بادئة بما سمي بالحب الإلهي، ثم أعرج إلى الحديث عن فكرة النور المحمدي وعن الفناء والحلول  والاتحاد، فالمكاشفات والتجليات والرؤيا ، فوحدة الوجود وغير ذلك مما ابتدعوه من إلحاد وزندقة .

أ - العشق الإلهي:

الأصل في الحب الإلهي كما يقول ابن تيمية أن ينجي مُحِبّه من عذابه، وأن يمتلئ قلب صاحبه بتعظيم مولاه، فيؤثر ما رضيه لعباده، ويجد الأنس في ذكره وحفظ حدوده ([67]).

ولكن بعض المتصوفة تخلوا عن كلمة الحب وسموه العشق وراحوا يعبرون عنه من خلال أحاديثهم عن المرأة وما يكون بين العاشق ومحبوبته من وصل وحرمان.

ولم يجز علماء الشريعة هذا النوع من الحب لأنه يقتضي تشبيه الخالق بالمرأة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولأن في كلمة العشق إيحاء بمن ينكح برأي ابن الجوزي ولأن صفات الله سبحانه منقولة نرددها كما ترد إلينا والله سبحانه يقول )يحبهم ويحبونه( ولم يقل يعشقهم ويعشقونه، وأمر آخر هو أن من يقول بهذا  يدعي الغيب إذ من ذا الذي عرفه أن الله سبحانه يحبه؟ كما أنه يحب التعبير عن حبه تعالى بطاعته فحسب ولا سيما أنه تعالى قال: )قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله( ([68])، ولكن بعض شعراء المتصوفة تأثروا بفلسفات وأديان أخرى وراحوا يتحدثون من خلال نظرتها المادية إلى الحب الإلهي، وكان في طليعة هؤلاء ابن الفارض الذي سمي «سلطان العاشقين»([69]) ولعل ذلك لقوله :

وجميعُ المُلاّح تحت لِواكا([70])

 

يُحْشَرُ العاشقون تحت لوائي

    وقد مزج أصحاب العشق الإلهي الحديث عن المرأة بفكرة الحلول والاتحاد كما سنرىعند الحديث عن الاتحاد .

وفكرة تأليه المرأة مستمدة من الفكر الوثني الجاهلي، فقد مثلوا الله سبحانه في السماء بالشمس رمز الدفء والعطاء، وفي الأرض بالمرأة رمز الحنان ووسيلة الإنجاب، وفي الحيوان بالغزال رمز الحيوية والجمال في الصحراء ([71])، ولعل ابن عربي تأثر بهذا حين رمز للذات الإلهية بالشمس وبالمرأة والمها في معرض حديثه عن حبه لها وذلك في قوله:

هِمْتُ ما بين المهاةِ والمَها

 

يا أولي الألبابِ يا أولي النُّهى

من بناتِ الفرسِ أصلاً إنها

 

إنها من فتياتٍ عُرُبٍ

عنده منها جمالٌ وبَها ([72])

 

رابني منها سفورٌ راعني

ثم شرح قوله بـ: «المها: الشمس، والمها بقر الوحش، فهذا سماوي وهذا وقع أرضي، وبينهما وقع الهيمان لهذا العارف» (([73] .

والمتصوفة يسمون المرأة الرمز بالأسماء التي سمى بها الشعراء القدامى محبوباتهم كسُعدى وليلى وسُليمى ونُعم، ومنها قول «العفيف التلمساني» ([74]) :

وقد يتثَنّى حسنُها وهو مُفْرَدُ

 

رأوا عِطْفَ ليلى قد تثنّى فأشركوا

فهذا دميْ حَلَّ لهم لسْتُ أجحَدُ ([75])

 

فإن حاولوا مني الجحودَ أو الردى

    وسماها ابن الفارض نُعماً وسُعدى وجُملاً كما في قوله:

أمْ بارقٌ لاح في الزوراءِ فالعَلَم ([76])

 

هل نارُ ليلى بدَتْ ليلاً بذي سَلَمٍ

    وقد يستطرد الشاعر فيشبه الذات الإلهية بالمرأة مادياً، فشعرها كالليل في لونه وطوله ،وهو يلثم لماها في زيارة ليلية له!!…. وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، يقول العفيف التلمساني:

فيا لله ما أحلى وأهنا

 

وفى لي مَنْ أحبُّ وزارَ وَهْنا

أقبِّل من فريد الدُّرِّ مَثْنى

 

وألثَمَني لماه فبِتُّ منه

ولَوْناً واستِتاراً فيه عنا ([77])

 

ذوائبُه كليلِ الهجرِ طولاً

    وقد يتغزل غزلا ماجنا ، أو بالمذكر :

روحي فداك عرفْتَ أم لم تعرف

 

قلبي يحدثني بأنكَ مُتْلفي

لم أقضِ فيه أسىً ومثلي من يفي ([78])

 

لم أقضِ حقَّ هواكَ إن كنتَ الذي

    وفي البيت الأول شطحة أخرى في قوله «روحي فداك عرفت أم لم تعرف» فالمولى جل وعز لا يفدى لأنه لا يصيبه الضرر، وليس يجهل شيئاً وهو العليم القدير.

أو يتغزل بها غزلا معنوياً ، ويذكر عدم التزامها بالوعود ([79]) ، ويتحدث عن مشاعره تجاهها، ويرد على من يلومه في حبها، ويبين أن لن يتخلى عنها ما عاش، يقول ابن الفارض في ذلك :

كُفَّ المُلام فلو أحبَبْتَ لم تَلُمِ

 

يا لائماً لامنِي في حُبِّهم سَفَهاً

ليس التَّبَدُّلُ والسلوانُ من شِيَمي

 

ما حِلْتُ عنهم بسُلوانٍ ولا بَدَلٍ

أو كانَ يجدي على ما فاتَ وانَدَمي ([80])

 

هيهات وا أَسَفي لو كان ينفَعُني

وقد يتحدث عن رحيل الظعينة كما يتحدث الشعراء الغزلون، كما فعل ابن عربي في قوله:

وحُقَّ لمثلي رقةً أن يُسَلِّما

 

سلامٌ على سلمى ومن حَلَّ بالحِمى

فقلْتُ لها صبّا غريباً متيّما

 

سَرَوْا وظلامُ الليلِ أرخى سدولَهُ

له راشقاتُ النَّبْلِ أيانَ يَمَّما ([81])

 

أحاطتْ به الأشواقُ صَوْناً وأرصدَتْ

    ولكن ابن عربي يرمز بسلمى ،كما يقول في شرح هذه الأبيات ،إلى الحكمة الإلهية التي تأتي عن طريق النبوة ، يقول : «إن سلمى تشير إلى حالة سليمانية وردت من مقام سليمان عليه السلام ميراثاً نبوياً، ولذا فذوق هذه الحكمة نبوية، وحق لمثلي أن يتذوق هذه الحالة، وأن ينتقل إلى عالم اللطف" ،ويتابع قوله فيقول: "سروا في الليل، ومعارج الأنبياء لا تكون إلا ليلاً، وظلام الليل فيه إشارة إلى حجب الغيب، وقد حجب الجسم الكثيف الحيواني عن اللطائف الروحانية، ولكنه بالأعمال البدنية والهمم النفسية وبالحب يترقى، وتأتيه الصورة والتجليات ويجد المحب ذاته كلها نوراً، وتشرق أرضه وسماؤه ([82]) .

إذاً فالرحلة التي قصدها هي رحلة قلبه إلى الذات الإلهية، وإحساسه بالشوق إلى مولاه، كما يحس المحب بشوقه إلى المرأة التي ابتعدت عنه وهو يود القرب منها

ب-  النور المحمدي ([83])

وهذه الفكرة دخلت إلى المجتمع الإسلامي بتأثير العقائد غير الإسلامية  كالنصرانية، إذ يزعم النصارى أن عيسى عليه السلام جزء من الله أعطاه للبشرية في صورة بشرية، ولولاه ما كان شيء في الوجود ([84])، والمانوية الفارسية التي ترى أن أرواح الأبرار ذات نورانية انبعثت من النور الأعظم، فهي لذلك تنجذب إليه وتحن إلى العودة إليه، وتحاول الفرار من سجنها الأرضي([85]) .

وكذلك يقول المتصوفة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو قبضة من نور الله خلقها أولاً (أو هي جزء منه - على خلاف بينهم -) ثم  قال لها كوني محمداً فكانت محمداً، وقد بقيت هذه القبضة في السماء كمَلك فيها إلى أن حلت في صلب آدم، ثم انتقلت من صلب نبي إلى آخر حتى وصلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنه إلى فاطمة الزهراء، فابنها الحسن، فالأقطاب واحداً تلو الآخر، وستظل تنتقل حتى قيام الساعة([86])، ولهذا قال السيد علي المرادي ([87])

ومن علَتْ ذروةَ الأفلاكِ رتبتُه

 

من كان من نورِ ذاتِ الحقِّ نشأتُه

يُسقى ويشربُ لا تلهيه سكرتُه

 

من حانةِ القربِ والتقديسِ خمرتُهُ

 

عن المدامِ ولا يلهو عن الكاسِ

           

    وهذا ما كرره «إبراهيم الدسوقي»([88]) وقد أضاف إليه حين جعل نفسه قطباً تنتقل إليه هذه الأنوار المقدسة بزعمه، والتي جعلته يعايش نور الرسول صلى الله عليه وسلم  وأجداده كإسماعيل وإدريس إلى آدم، ولذلك يقول:

وسِرّيَ في الأكوانِ من قبلِ نشأتي

 

نعم نشأتي في الحبِّ من قَبْلِ آدمٍ

على الدُّرَّةِ البيضاءِ في خَلَوِيَّتي

 

أنا كنْتُ في العَلْياء مع نورِ أحمدٍ

بلطفِ عنايات وعينِ حقيقة

 

أنا كنتُ مع رُؤْيا الذبيحِ فداؤُه

وأُسْكن في الفردوسِ أنعمَ بُقْعة

 

أنا كنت مع إدريسَ لما أتى العُلا

أنا العبدُ إبراهيمُ شيخُ الطريقةِ ([89])

 

أنا القطبُ شيخُ الوقتِ في كلّ حالةٍ

    ولهذا يقول « أبو المواهب محمد البكري» ([90]) :

في جميعِ الشؤونِ قَبْضاً وبَسْطا

 

قبضةُ النورِ من قديم أرتْنا

بسَطَتْ فضلَها على الكونِ بَسْطا

 

وهي أصلٌ لكلّ أصل تبدّى

بشرياً أقامَ للعدلِ قِسْطا

 

ولّدت شكلّها فأنتجَ شكلاً

شمسُ سرّ الوجودِ بِكْراً وشَمْطا ([91])

 

هي ناسوتُ أنْسِنا والهُيولى

    فهو يزعم أن قبضة النور أصل كل شيء وقد حلت في النبي صلى الله عليه وسلم في هيئته البشرية ليعيش في هذه الدنيا ويقيم العدل فيها، فهي إذاً برأيه بشرية ولكن جوهرها إلهي، وقد رمز للثاني بالشمس لأنها مصدر الدفء والنور.

ولست أدري كيف أجاز هذا وأمثاله لأنفسهم أن يتكلموا بما لم يرد في شرع الله إلا أن يكونوا متأثرين بالمجوسية والنصرانية، وقد ظهر هذا التأثر عند عبد الغني النابلسي في حديثه عن النور المحمدي، وذلك في قوله:

فهي ملْءُ الدِّنانِ مِلْءُ الكؤوس

 

اسقني من مُدامة القدوس

عن جميعِ المعقولِ والمحسوس

 

فخرجْنا بنشأةِ السُّكر منها

بالتجلي من غَيْبَةِ المحروس

 

وشهدْنا هنالك السرَّ يبدو

هو للمسلمين أو للمجوس

 

ثم لا مسجدٌ ولا بيتُ نارٍ

وعليها الجميعُ كالفانوس ([92])

 

شمعةُ النور لم تزلْ في اشتعالٍ

    لكأن الرجل فقد عقله ، أو أنه كشف عن بواطنه فلم يعد يميز بين مسجد للمسلمين وبيت نار للمجوس، ولا بين عبادة مسلم أو غيره، فالجميع بزعمه صار يعكف على هذه النار أو النور ويستضيء بها !!.

ويقول الشاعر «يوسف الذوق»([93]) في مغالاة إلحادية لا تحتمل أن العرش والكرسي والقلم الذي كتب به اللوح المحفوظ من هبات النور المحمدي وأن دعوة نوح من دعوتها، وكلام الرسل من كلامها، وكلهم أبناؤها وإن كانوا آباءها، وإن العقول لا تعي كنهها:

فوق المنصّةِ أسفَرَتْ وحداتُها

 

في غيهبِ الأكوانِ لما أنْ بَدَتْ

ري شأوَها أو شانَها لمحاتُها

 

ولها تضاءَلَت الفهومُ وكيف تد

يجري على لوحِ الوجودِ هباتُها

 

فالعرشُ والكرسيُّ والقلمُ الذي

لما تحلَّتْ بالتجلي ذاتُها

 

منها على الكونينِ أصلُ سيادةٍ

عنها لتبلُغَ في الورى دعواتُها

 

ودعاءُ نوحٍ قومَه بنيابةٍ

نوابُها وكلامُهم كلماتُها

 

وكذلك الرسلُ الكرامُ جميعُهم

أبناؤُها وبحارُهم قطراتُها ([94])

 

فهم وإن كانوا لها آباءَ فهمُ

    بل إن ابن الفارض يتطرف أكثر حين ينسب النور إليه، ويزعم أن كل شيء خلق من نوره هو، وأنه شهد سجود الناس لآدم، وصعقة موسى، وأن الأفلاك خلقت من نور باطنه، وأن ملكاً بداخله يهدي بمشيئته إلى ما يريده، وأن النور من طلعته والبحر منه كذلك، وبهذا يجعل نفسه كالخالق والعياذ بالله، فهو الآمر الناهي ، الموجد المرسل للأنبياء: يقول اللعين في ذلك:

وذاتي بآياتي عليَّ استدَلَّتِ

 

إليَّ رسولاً كنتَ مني مُرسَلاً

به مَلَكٌ يهدي الهدى بمشيئتي

 

ولا فُلْكَ إلا ومِن نورِ باطني

ومن مَشْرعي البحرُ المحيطُ كقطرة

 

ومن مَطْلَعي النورُ البسيطُ كلمتُه

فحقَّقْتُ أني كنت آدمَ سجدتي

 

وفيّ شهدْتُ الساجدينَ لمظهري

ملائكَ عِلّيِّين أكفاءَ سجدتي

 

وعاينْتُ روحانيةَ الأرضين في

لي النفسُ قبلَ التوبة الموسوية ([95])

 

وفي صَعْقِ دكِّ الحسِّ خرتْ إفاقةٌ

    ولم يكتف هؤلاء الملاحدة المتصوفون بهذا بل راحوا يقولون بالفناء والحلول وبوحدة الوجود وبشطحات أخر:

ج- الفناء والاتحاد والحلول:

قد يعني الفناء في حب الله شدة التعلق به مع الخوف منه سبحانه وعدم الالتفات إلا لما يحبه ويرضاه، وقد يأتي للدلالة على انعدام شعور المرء بحيث لم يعد يميز بين نفسه وغيره، أو بين الخالق والمخلوق مع اعتقاده بالفرق، وهو لذلك فناء مذموم لأنه يسلب العقل والاختيار فلا يؤاخذ صاحبه على ما يفوه به، فإن رد إليه عقله خطَّأ ما كان يقوله مما يخالف الشرع، وعلى أي حال فعبادة اليقظان خير، ولو كان الفناء أمراً حسناً لقاله الرسول صلى الله عليه وسلم([96]) .

وليس من شرط الفناء أن يغيب صاحبه عن وعيه، ولكن يجب ألا يبقى في قلبه حب الدنيا مع اعتقاده بالوحدانية، وإلا فهو حلول تقول الزنادقة به لأنهم يعتقدون بالحلول وبوحدة الوجود، وقد جاءتهم هذه الأفكار عن طريق الوثنية كالجينية الهندية، والطاوية الصينية إذ يقول الهندوس «إن آلهتهم قد حلت في إنسان اسمه (كرشنا)، فالتقى فيه اللاهوت بالناسوت»([97])، ويقول الطاويون الصينيون إن الله سبحانه قد حلّ في الذات البشرية وامتزج بها حتى صارا شيئاً واحداً وإن أعلى مراتب التصوف عندهم مرحلة الوحدة التامة بين الفرد والقانون الأعظم، ويكون ذلك باندماج المتصوف مع الذات العليا ليصيرا شخصية واحدة، ويزعمون أن الخالق يحل في جميع الموجودات([98]).

ويرى المستشرق نيكلسون أن فكرة الحلول مقتبسة من النصرانية واليهودية لأن كليهما ألّه نبيه، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك بقوله )وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ذلك قولهم بأفواههم(([99])، وتقول النصارى إن المسيح له طبيعة إلهية اتحدت مع الطبيعة البشرية، ومريم ولدت الإله الذي أخذ الألوهية من أبيه الله ، والبشرية من أمه مريم ([100])، والعياذ بالله من هذه الأقوال.

ويقول بعض المتصوفة : إن المنقطع إلى الله المتجرد عن الدنيا قد يتحد ،بزعمهم، مع الله  ومتى تم ذلك انقلبت هذه الأجسام البشرية آلهة تعيش مع الناس([101]).

ويعد الحلاج زعيم هذه الفكرة، وقد درس السحر في الهند وتأثر بعقائدها، ثم تبعه في ذلك كثيرون منهم ابن عربي الذي يقول:

كما صيَّرَ الأقنامَ بالذاتِ أُقْنُما ([102])

 

تثلَّثَ محبوبي وقد كان واحداً

 والأُقْنوم تعني الطبيعة الواحدة الإلهية أو البشرية، والشاعر يزعم أن الله سبحانه تكون من ثلاثة أشياء كالنصارى التي تقول بالتثليث، ويصرح بهذا المعنى ثانية في قوله:

قد ركّبَتْ صَدَفاً من الناسوت ([103])

 

يا دُرَّةً بيضاءَ لاهوتيةً

   فهو يزعم أن النور الإلهي قد حل في جسد بشري كان له كالصدفة التي تحيط بالدرة، ويكرر هذا بقوله أيضاً:

وحلَّ موسى اليم تابوتي

 

تدرَّعَ لاهوتي بناسوتي

وقد صح أني الملك الفرد

 

فمن قال عني إنني العبد

 

فرب عليم غرّه المجد([104])

           

    فهل بعد هذا الإلحاد إلحاد… لقد تأثر ابن عربي بوثنية الأفلاطونية الحدثية إذ درسها عن طريق الفلسفة كما تأثر بالنصرانية، فبات الفناء عنده مادياً يشير إلى اتحاد الله سبحانه بالإنسان وهذا عين الكفر، ولست أدري كيف يدافع عنه «أحمد المقري» مؤلف «نفح الطيب» ويطالب بألا تشرح أقواله حسب ظاهرها لأن ظاهرها يخالف الشرع، ويذكر أن رجلاً سأل ابن عربي بعد ما أفرج عنه من سجن عقوبة لأقواله هذه: كيف يحبس من حل منه اللاهوت في الناسوت فأجاب «تلك شطحات في حال سكر، ولا عتب على سكران» ([105]) .

ويدعو ابن عربي أن يجول الصوفي في فنون الاتحاد لأنه به يفوق العابد الذي يتقرب إلى مولاه وهو يرجو عفوه ويخاف ناره ،يقول:

عِبَاد من العُبّاد في كلِّ أمة

 

فطِبْ بالهوى نفْساً فقد سُدْتَ أنفُسَ الـ

إلى فئة في غيرهِ العمرَ أفنَت

 

وجُلْ في فنونِ الاِتحادِ ولا تَجِدْ

تهاد مُجِدٍّ عن رجاء وخِيْفة ([106])

 

فأنت بهذا المجدِ أجدرُ من أخي اجـ

   ويقول في تفسير قوله عن الطلل الرمز:

واليومَ أضحى موحِشاً وعابِساً "

 

"بالأمس كان مُؤْنِساً ومُضْحِكاً

   كان فيه بمغيبه وفنائه مع العالم الأعلى من غير استمرار زمان عن عالم الفناء والإحساس المقيد في عالم الشهادة، مؤنساً وضاحكاً في ابتهاج وسرور وغبطة وحبور، فإنه بمناسبة الروحاني كانت ألفته في هذا المشهد قلما رد في الحالة الثانية، التي كنى عنها باليوم إلى حالة إحساسه، ومشاهدة عالم الضيق والحرج، وفراق تلك الفسحات والفرج العلوية والمسارح،أخذته الوحشة لتلك الفرقة فصار عبوساً مهموماً مغموماً» ([107])

فهو يرى أنه بحكم روحانيته كان يألف الفناء في العالم العلوي ويبتهج به وعندما يفارق هذا العالم يصيبه الغم والحزن لأنه يعود إلى عالمه الضيق الموحش.

وهو في شرحه لقوله:

فأنا ما بينَ نجد وتِهامْ

 

أنجدَ الشوقُ وأتهمَ العزاءُ

فشَتاتي ما له الدهرَ نظامْ:

 

وهما ضدان لن يجتمعا

  "لا أتصل بالمنزه إلا على البسيط، فإن مرتبة التدبير لي وصف لازم لايصح مفارقته لكوني على الصورة الإلهية والرحمانية مخلوقاً، كما أن الألوهية نعت لازم للحق تعالى"([108])

ويدعي «أبو العباس المرسي»([109]) أن الله سبحانه أطلعه على الملائكة بعد أن فني فيه فرآها ساجدة لآدم عليه السلام فسجد له أيضاً لأنه أصل الوجود، وقد كشف بذلك عن سره ونوره :

من رآني فساجدٌ لبهائي

 

أنا معنى الوجودِ أصْلاً وفصلاً

اشْهدوني فقد كشفْتُ غطائي ([110])

 

أيُّ نورٍ لأهلهِ مستبينٍ

   ويدعي ابن الفارض كذلك أنه اتحد مع الذات الإلهية ،المرأة الرمز، بعدما هام في حبها، يقول:

اتحاداً ولا جُرْمٌ تخلّله جرم

 

وهامَتْ بها روحي بحيث تمازجا

فأرواحُنا خمرٌ وأشباحُنا كرم ([111])

 

وقد وقعَ التفريقُ والكلُّ واحدٌ

   ويكرر هذا المعنى أيضاً بقوله:

ويُشْهِدُني قلبي أمامَ أئمتي

 

يراها أمامي في صلاتي ناظري

ثوَتْ في فؤادي وهْيَ قِبْلَةُ قِبْلتي

 

ولا غَرْوَ أن صلى الإمامُ إليَّ إن

حقيقتِه بالجمعِ في كلِّ سجدةِ

 

كلانا مصلٍّ، واحدٌ ساجدٌ إلى

صلاتي لغيري في أدا كلِّ ركعةِ

 

وما كان لي صلى سواي ولم تكن

وحلَّ أُواخي الحُجْبِ في عِقْدِ بَيْعتي ([112])

 

إلى كم أُواخي السترَ؟ ها قد هتَكْتُهُ

وإجمالُ ما فصَّلْتُ بَسْطاً لبَسْطتي

 

وقد آن لي تفصيلُ ما قُلْتُ مجمَلاً

نوادرَ عن عادِ المحبينِ شذّت ([113])

 

أفاد اتخاذي حُبَّها لاتحادِنا

  وعلى الرغم من دفاع محقق ديوانه «عبد القاد محمد مايو» عنه إلا أنه هنا لم يستطع أن يؤول فاعترف بالشطح غير المحتمل وقال: «قوله: «أشهد أنها لي صلت»: من شطحات المتصوفة في الاتحاد والحلول، فبادعائه عندما يصلي والله في داخله أن الله يصلي إليه جل جلال الله على كل حال.. وفي قوله «أفاد اتخاذي حبها لاتحادنا» تلفظ صريح لكلمة الاتحاد بالمصطلح الصوفي، وهو ما ثارت حوله جدليات كبرى» ([114]) .

ويدعي ابن الفارض أنه حاز هذه المنزلة بالعزلة عن الناس والبعد عن زخرف الدنيا ومتاعها، وبكثرة عبادته من صلاة وذكر أوراد، وصيام واعتكاف، وتدقيق في الحلال والحرام، وتهذيب ورياضات روحية ومجاهدات وقيام ليل، وذلك كله طلباً للأجر من المولى تعالى، يقول:

وأعدَدْتُ أحوالَ الإرادةِ عُدَّتي

 

رجعْتُ لأعمالِ العبادةِ عادةً

وأحيَيْتُ ليلي رهبةً من عقوبة

 

وصمْتُ نهاري رغبةً في مثوبةٍ

وصُمْتُ لسَمْتٍ واعتكافٍ لحرمة

 

وعمَّرْتُ أوقاتي بوِرْدٍ لوارِدٍ

مواصلةَ الإخوانِ واختَرْتُ عِزْلتي

 

وبِنْتُ عن الأوطانِ هُجرانَ قاطعٍ

إلى كشفِ ما حجْبِ العوائدِ غَطَّت

 

وهذَّبْتُ نفسي بالرياضةِ ذاهباً

وليس كقولٍ مَرَّ نفسي حبيبتي

 

فصرْتُ حبيباً بل مُحباً لنفِسه

وأُنهي انتِهائي في تواضُعِ رِفْعتي ([115])

 

وها أنا أبدي في اتحادِيَ مَبْدئي

   ويؤمن عبد الغني النابلسي بهذه الفكرة أيضاً إذ يقول:

في كل ختم وابتداءْ

 

يا باطناً هو ظاهرٌ

واثنان عند الاِنْثِناء ([116])

 

إني وإنَّك واحدٌ

   ويعبر عبد الرحمن العيدروس عهن معنى الاتحاد من خلال حديثه عن الخمرة الصوفية رمز العبادة فيقول:

فأدِرْها لنا حياةَ النفوسِ

 

طابَ شُرْبي لخمرِ تلك الكؤوسِ

لا خمورَ الهوى وخمرَ الخسيسِ

 

خمرُ أنس وخمرُ صفو وقُرْب

نورُ كاساتِها يُزَحْزِحُ بُوسي

 

خمرةُ الاتحادِ أكرمْ بخمر

إن في ذا المقامِ حَطَّيْتُ عِيْسي ([117])

 

غبْتَ عني بها فدعْني أغني

   وقد ندد الشاعر «النجم الغزي»([118]) بهؤلاء المتصوفة من خلال هجائه ليحيى الكركي الذي كان يسب الدين ويقول بالحلول والاتحاد والتناسخ، وكان دجالاً تتبعه العوام ويأمر بالجهالة، يقول النجم:

وهداةِ الناسِ في ظلمائِهِمْ

 

قل لأهلِ العلمِ ساداتِ الورى

من حدوثِ الشرِّ في أرجائِهِمْ

 

يا لَدِينِ اللهِ فيما قد جرى

ثم ينفي الكنْهَ عن أشيائِهم

 

من حلول واتحاد وهوىً

تَزْجُروا الضُّلاّلَ عن أهوائِهم

 

فانصُروا الدينَ وأهلِيه لأن

غامسَ الأمة في أسوائِهم

 

جاهِدوا في اللهِ واحمُوا دينه

رُبَّ خَطْب كان من غَوْغائِهِم

 

لا تقولوا إنها جُزْئِيَّةٌ

د- المكاشفات والتجليات والرؤيا:

يعرف الصوفيون التجلي بقولهم: إذا صفا قلب العبد بالذكر والتلاوة أحس بحلاوة الإيمان وأدرك محاسن الأمور، وهذه أولى مراتب شهود الحق عند التجلي. ويرون أن التجلي نوعان: روحاني يشير إلى صفاء القلب، ورباني يعني ظهور ذات الألوهية وصفاتها، أو ظهور الحق في الخلق ([119]) تعالى الله سبحانه عن ذلك علواً كبيراً.

ومن النوع الأول ما ورد في تفسير قول ابن عربي:

تسبي بها القلبَ التقيَّ الخائفا

 

الساترات من الحياءِ محاسناً

إذ يقول إن الله سبحانه وتعالى يستحيي أن يتجلى لقلبٍ مشغول بغيره، ولكن التقي يتجلى له بقلبه فيجعله يهيم ([120])، ولذلك لا بد من تطهير القلب ليحصل له الشهود بالبصيرة لا بالبصر وهو قرب معنوي يعرف به صاحبه محاسن أسماء الله وصفاته وبدائع صنعه([121]) .

ولا حرج في هذا، وقد عبر عنه الشاعر « عبد القادر قضيب البان»([122]) بقوله:

لأسمعَ من جنابِكُمُ خِطابا

 

أرى للقلبِ نحوكُم انجِذابا

إلى سَحَر سجوداً واقترابا

 

فكم ليل بقُرْبِكُمُ تقضّى

بها حضرَ الصَّفا والقبضُ غابا

 

وكم نفحاتِ أُنْس أسكَرَتْنا

فلم نشهدْ به منكمْ حجابا ([123])

 

توافَقَتِ القلوبُ على التداني

     ولكن بعض المتصوفة يزعم أن الله يتجلى له ، فيراه ويخاطبه مخاطبة حقيقيــة لا قلبية، وكان ابن عربي يقول بهذا في نحو شرحه لقوله:

فسبحانك مجلى وسبحان سبحانا

 

«مسكتُك في داري لإظهار صورتي

ولا نظرَتْ عيني كمثلك إنسانا

 

فما نظرَتْ عيناكَ مثلي كاملاً

    ويشرح هذا بقوله:(وسماني، أي الله، باسم ما سمعته من أحد قط إلا منه تعالى في تلك الواقعة،وهو(بازديار)،فسألته عن معناه فقال (ممسوك الدار)([124])، ويقول ابن عربي:

كم ذا أراه ولا يراني

 

يا مَنْ يراني ولا أراه

    ولما سئل عن معنى هذه الرؤية أجاب مرتجلاً:

ولا أراه آخذاً

 

يا مَنْ يراني مُجرِماً

ولا يراني لائذاً ([125])

 

كم ذا أراه مُنعِماً

    وبهذه الإضافات تغير المعنى ولهذا قال عنه الذهبي (إن له توسعاً في الكلام وذكاء وقوة خاطر… وتوليف حجة في العرفان لولا شطحه، ولعل ذلك وقع منه حال سكره وغيبته فيرجى له الخير) ([126]) .

ويقول ابن عربي أيضاً في شرح أبياته:

بالله قولوا أين هم؟

 

أحبابَنا أينَ هم؟

فهل ترَيْني عينَهم ؟

 

لما رأيْتُ طيفَهم

فلا أقولُ أين هم

 

لتنعمَ العينُ بهم

    قوله (أين هم؟) يريد في قلوبهم، وقوله (رأيت طيفَهم) أي تجليهم في عالم التمثل والصور، وقوله (فهل تريني عينَهم) أي حقيقتهم في عالم اللطف والمعاني من غير تجسد، وقوله: (لتنعم العين بهم) أي بمشاهدتهم فلا أقول بعد ذلك أين هم لحضوري عندهم، وحضورهم عندي"([127]) .

ويزعم ابن عربي أن الله سبحانه يتجلى له في البرق، ويسمي هذه الرؤيا شهود الحق، وقد اختار البرق لنوره وسرعة زواله، كما يزعم أنه يناجي مولاه بالرعد المصاحب للبرق، يقول في تفسير بيته:

قصفَتْ لها بين الضلوعِ رُعُودُ

 

لمَعتْ لنا بالأبرقَيْن برومةٍ

    ويفسر ذلك:« (بالأبرقين): بمشهدين للذات، مشهد في الغيب، ومشهد في الشهادة، فالغيب غير متنوع لأنه سلبي، والشهادي متنوع لأنه في صور، وقد جاء بالرعد الذي هو الصوت للدلالة على المناجاة الإلهية التي أعقبت حالة الشهود، وهذه حالة موسوية»([128]) بزعمه .

ولعمري لو كان ابن عربي ترك شعره على ظاهره لكان شعراً غزلياً، أو وصفاً للطبيعة أو…. ولكن تفسيره هذا تمحّل فيه فكشف عن أقوال تحتمل الشبهة وعدمها، إذ ربما نقول إنه قصد من الرؤيا رؤيا النور، ويعبر ابن قيم الجوزية عن هذا اللبس الذي لبّس عليهم، وعلى قارئ شعرهم، بأنهم (لما حصل عندهم تجاوزوا نور العبادة إلى نور الذات الإلهية، وعقل الإنسان أقصر من أن يبصر الذات الإلهية، والطريق إلى معرفة الله هو التفكر في آلائه لا النظر إليه في الدنيا، فإنه )لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير( [الأنعام/130]، ويستند ابن قيم في رأيه هذا على قول ابن تيمية إذ يبين أن النور إذا استولى على القلب قوّى سلطانها وزالت الموانع والحجب عن القلب… ولا يعتقد أن الذات المقدسة برزت للعبد وتجلت كما تجلى سبحانه للطور، وكما يتجلى للناس يوم القيامة إلا فاقد العقل، وكثيراً ما يقع الخطأ من التجاوز من نور العبادات إلى نور الذات الإلهية، فإن للعبادة نوراً على قدر قوتها وضعفها، وربما قوي ذلك النور حتى يشاهد فيغلط ضعيف التمييز بين خصائص الله سبحانه ومعطيات العبادة، وهيهات هيهات أن يكون نور الذات الإلهية، ولكنه نور الإسلام والإيمان والإحسان الذي يملأ قلب العبد المخلص لله، وليس النور الذي هو صفة الرب تعالى، فإن صفاته لا تحل في شيء من مخلوقاته، كما أن مخلوقاته لا تحل فيه، فالخالق سبحانه بائن عن المخلوق بذاته وصفاته، فلا اتحاد ولا حلول ولا ممازجة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ([129]) .

وقد ذكر ابن الجوزي أيضاً أن هناك من يدعي رؤيا الله سبحانه وملازمته ومصافحته وهذه من الوساوس واستعاذ بالله من خذلان هؤلاء ([130]) .

ومزق «ابن الوردي» ([131]) كتاب «فصوص الحكم لابن عربي» عقب إحدى الدروس التي كان يلقيها في المدرسة العصرونية في حلب، وغسل أوراق الكتاب لئلا يبقى أثرها تنبيهاً على تحريم شرائه ومطالعته، وقال في ذلك:

بنفيسة في نفسها

 

هذي فصوصٌ لم تكنْ

فصوابُها في عكسها 

 

أنا قد قرأْتُ نقوشَها

 ويصرح الشاعر«محمود بن طي»([132]) بالرؤيا في قوله مخمساً جيمية العفيف التلمساني:

ولاح معناك لي في السهلِ والجبل

 

ومُذْ تجلَّيْتَ في كلِّ المظاهر لي

 

حققْتُ رؤياك كشفاً بالعيانِ جُلي 

         

    وكذلك يصرح الشاعر ابن الفارض بالشهود في قوله:

فاسمَحْ ولا تجعلْ جوابي : لن ترى

 

ولقد سألتُكَ أن أراكَ حقيقةً

سرٌّ أرقُ من النسيم إذا سرى

 

ولقد خلوْتُ مع الحبيبِ وبيننا

فَغَدَوْتُ معروفاً وكنْتُ مُنَكَّرا

 

وأباح طرفي نظرةً أمَّلْتُها

وغدا لسانُ الحالِ عني مُخْبرا

 

فدُهِشْتُ بين جمالِه وجلالِه

تلقى جميعَ الحُسْن فيه مُصورا ([133])

 

فأدِرْ لحاظَك في محاسنِ وجههِ

     ويقول أيضاً في مكان آخر:

حِجاي ولم أُثبِتْ حِلاي لدَهْشَتي

 

وقد أشهدتْني حسنَها فشُدِهْتُ عن

سواي ولم أقصِدْ سَواءَ مظنتي ([134])

 

ذهلْت بها عني بحيث ظنَنْتُني

  ويشرح المحقق ذلك فيقول: إنه كان قطباً، وتلقى قطبيته عن جبريل بما نفثه في سواد قلبه،} فهل كان نبيا والعياذ بالله { ،  فأضاء بنوره حتى كانت المشاهدة، فذهل بها عن نفسه، فكأنه لم يكن هو، ولأنه لم يجد عن المظنة فيما أذهله غاب عن ذاته ([135]) .

وأما الشاعر «محمد بن محمد الفومني» ([136]) فيدعي أن المولى تعالى تجلى عليه وخاطبه وقد أحس بأنه صرع من جلال الله وعظمته، يقول في ذلك:

وقال ادْنُ مني يا قتيلَ جَلاليا

 

تجلّى عليه الحقُّ من كلّ وِجْهة

فدونَك قد وافى جميلُ جَماليا 

 

وعشْ وانتعِشْ في حضرةِ القُدس يا فتىً

    ويقول «عبد الحق الأنصاري» ([137]) إن الله سبحانه يفتح بابه الذي كان مغلقاً متى وصل العبد إليه:

تلك المنازلَ نقلة متنكرا

 

فإذا وصلْتَ به إليه فراجعَنْ

في القلبِ من سرٍّ مصون عبّرا

 

فمتى أردْتَ إبانةً عن بعض ما

تُجْنِيْك من غرسِ المنى ما أَثْمرا

 

فارفعْ به ظُلَمَ الحجاب فرفْعُها

للَّبْس حتى لا ترى إلا العُرا

 

فتراه حين تراك ذاتاً رافِعاً

قد كان دونَك مُبْهماً متعذّرا

 

فهناك يُفتح بابُه ولطالما

    ويبين ابن تيمية أن هذا الكشف قد يحصل للكفار وأهل الكتاب ولا يحصل لأهل الإيمان الذي هم أهل الجنة وأولئك أصحاب النار، ففضائل الأعمال تؤخذ من الكتاب والسنة ومن عبد الله بغير علم أفسد وإن حصل له كشف وتصرف، كما أنه لا يجوز لأحد أن يبني على خيالات وأحلام يعتقدها كشفاً «إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً» ([138]) .

هـ- وحدة الوجود:

يقول ابن الجوزي عن المتصوفة إن الشيطان يستدرجهم فيصدهم أولاً عن العلم حتى يتخبطوا في ظلمات الجهل، ثم يحبب إليهم الجوع والفقر فيؤدي إلى الوسوسة، ثم يجعلهم يستحسنون السماع والوجد ولبس المرقعات، ثم يتدرج بهم أكثر فيقولون بالعشق الإلهي ويتخيلون شخصاً مستحسن الصورة فيصفونه فتفسد عقيدتهم، ثم يقولون بالحلول والاتحاد، ويفسرون تفسيرات غريبة وهكذا حتى يشطحوا شطحاً ([139]) ومنه وحدة الوجود

وتعني وحدة الوجود عند المتصوفة أن الله سبحانه يتمثل في صور مخلوقاته حتى لم يعد هناك فارق بين العابد والمعبود، لأنهما – بزعمهم – شيء واحد، فالله واجد الموجود، والرسول صلى الله عليه وسلم أول التعينات وسبب وجودها، وما يرى في الكون من موجودات هي أشكال وظواهر يبدو فيها الخالق ، وما هذا العالم المحسوس إلا صورة وظل للخالق ، فهو كل والصور أجزاؤه ، أو أنه مرآة تعكس وجه الحقيقة المتمثلة في الذات الإلهية، ويحاولون أن يثبتوا هذا بزعمهم أن الروحانيات تتمثل في أجساد، فجبريل عليه السلام جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في هيئة الصحابي (دِحْية) ([140]) وقد ردد ابن عربي هذه الفكرة الإلحادية في فصوص الحكم حين جعل الرب والعبد سيان لا فرق بينهما وذلك في قوله:

يا ليت شعري مَنِ المُكلَّفْ

 

العبدُ ربٌّ وربٌّ عبدُ

أو قُلْتَ ربٌّ أنى يُكلَّف ([141])

 

إن قلْتَ عبدٌ فذاك ربٌّ

    بل إنه في تفسيره لقوله:

أسكبُ الدمع وأشكو الحِرقا

 

غادروني بالأثيلِ والنقا

بأبي من متُّ منه فَرَقا

 

بأبي من ذِبْتُ فيه كمَدا

    يدعي (أنه من جسم إنساني وهو أعدل النشآت الطبيعية، ولذلك قبل الصورة الإلهية)، ثم يقول :(إن أباه هو الروح الكلي الأعلى وأمه الطبيعة السفلية)([142]) .

وهذه الأفكار تشير إلى تأثره بالنصرانية، كما تأثر ابن عربي بالفلسفة الأفلاطونية الحديثة وبأفكار اليهودية والإسماعيلية وإخوان الصفا والقرامطة، ومن سبقه من المتصوفة وصبغ هذه الأفكار كلها بصبغته الخاصة ثم نسبها إلى الإسلام ([143])، وهذا ما جعل ابن خلدون يفتي بإحراق كتبه لإتلافها،  كما مزق ابن الوردي كتابه فصوص الحكم وغسل أوراقه لئلا يبقى لها أثر، وكذلك كفره شمس الدين الذهبي([144]) .

ومن شطحاته قوله:" إن الحق هو الظاهر والخلق مستور فيه، والعالم ليس إلا تجلية في صور أعيانهم الثابتة، والحق يتنوع ويتصور بحسب حقائق هذه الأعيان وأحوالها، والحق ليس له إلا إفاضة الوجود، ولكن الحكم للإنسان لأنه هو الموجود، فالأمر منه إلى الإنسان، ومن الإنسان إليه، غير أن الإنسان يسمى مكلفاً "، ولهذا يقول:

ويعبدُني وأعبدُه

 

فيحمدُني وأحمدُهُ

وفي الأعيان أجحدُه

 

ففي حال أقربُه

وأَعْرفُه فأَشْهدُه ([145])

 

فيَعرُفني وأُنكرُه

    كما يقول اللعين:

من الصُّوَرِ ما يُخفى وما هو ظاهر

 

فللواحدِ الرحمنِ في كلِّ موطن

وإن قلْتَ أمراً آخراً أنت عابر ([146])

 

فإن قلْتَ هذا الحقُّ قدْ تَكُ صادقاً

    وقد كفره الأمير الصنعاني أيضا ، بل عده أكفر أرض الأرض لقوله بوحدة الوجود التي يسوي فيها بين الخالق والمخلوق، وأن عذاب النار عذب لأهله، وأن عباد العجل كانوا مهتدين، ولا يحق لأحد أن يتهمهم ، يقول الصنعاني منددا به :

إلهٌ، وإن اللهَ جلَّ عن النِّدِّ

 

وأكفرُ أهلِ الأرضِ مَنْ قال إنه

من الكلب والخنزيرِ والقِردِ والفَهْدِ

 

مُسَمّاه كلُّ الكائناتِ جميعُها

سواءٌ عذابُ النارِ أو جنةُ الخُلْدِ

 

وأنّ عذابَ النارِ عَذْبٌ لأهلِه

ولائمُهُمْ في اللَّوْمِ ليس على رُشْدِ

 

وعُبَّادُ عِجْلِ السامِرِيِّ على هدًى

بأنهمُ عن مطلبِ الحقِّ في بُعْدِ ([147])

 

تَسَتُّرُهُمْ بالكَشْف والذَّوْقِ أشعرا

   كما كفره ابن هشام الأنصاري ([148]) وقال فيه:

ضلَّتْ أوائلُ مع أواخرْ

 

هذا الذي بضلالِه

فلْيَنْأَ عنا فهو كافرْ 

 

مَنْ ظَنّ فيه غيرُ ذا

   وأما ابن الفارض فيبين في تائيته الكبرى المسماة «نظم السلوك»([149]) معنى وحدة الوجود ويأتي – بزعمه – بأدلة ليثبت أن الموجودات هي صورة لله سبحانه، الذي تجلى،بزعمه، في صورة آدم كما تجلى في صور العشاق أمثال قيس ليلى وجميل بثينه وغيرهما، ويبين أن الاثنين قد يبدوان واحداً أحياناً فجبريل جاء في هيئة الصحابي (دحية)، يقول في ذلك:

ففي كلّ مَرْئِيٍّ أراها برؤية

 

جلَتْ في تجلّيها الوجودَ لناظري

حِجاك، ولم يُثْبِتْ لبعد تثبُّتِ

 

فإن لم يجوِّزْ رؤيةَ اثنينِ واحداً

بها كعبارات لديك جَليَّةِ

 

سأجلو إشارات عليك خفيةً

فظنوا سواها وهْي فيها تجلّت

 

وما ذاك إلا أن بَدَتْ بمظاهر

بمظهرِ حوا قبل حكمِ الأمومة

 

ففي النشأةِ الأولى تراءت لآدمٍ

على حسَب الأوقاتِ في كلّ حِقْبة

 

وما برِحَتْ تبدو وتخفى لعلة

من اللَّبْس في أشكالِ حُسْن بديعة

 

وتظهر للعشاقِ في كلّ مظهرٍ

وآونة تدعى بعَزَّةَ عَزّت

 

ففي مرة لبنى وأخرى بُثينة

لمهديّ الهدى في هيئة بشرية

 

أ جبريل قل لي: كان دحيةَ، إذ بدا

يَرى رجلاً يُدعى لديه بصحبة

 

يَرى مَلكاً يُوحي إليه وغيرُه

سبيلي واشرَعْ في اتباعِ شريعتي ([150])

 

منحتُك علماً إن تُرِدْ كشفَه فرِدْ

    حتى نار المجوس يجعلها بزعمه إلهاً، والوحدانية الصافية إلحاداً، يقول في تائيته :

كما جاءَ في الأخبار في ألفِ حجة

 

وإن عبدَ النارَ المجوسُ وما انطفَتْ

سواي وإنْ لم يُظهروا عقدَ نية

 

فما قَصَدوا غيري وإن كان قصدُهُمْ

ـتُ من آي جمعي مشركِاً بي صنعتي ([151])

 

ولو أنني وحدْتُ ألحدْتُ وانسلخْـ

    ويعبر «عبد الغني النابلسي» عن وحدة الوجود التي يعتقد بها، فيبين أن الوجود هو مظهر لله سبحانه في الأشياء الموجودة فيه:

مُتجلِّياً جَهراً بغيرِ خفاء

 

ظهر الوجودُ بسائرِ الأشياء

ما أنتَ رائيْهِ من الأشياء

 

واعلمْ بأنك لا ترى منه سوى

من حيث ما هو ظاهرٌ للرائي ([152])

 

إن الوجودَ عن البصائرِ غائبٌ

   ويصرح في أخرى أكثر فيقول:

مثلُ المعاني تُدرِك الأذهانُ

 

والكلُّ خلقُ اللهِ أيْ تصويرُه

كلٌّ لكلٍّ نسبةٌ وقِران

 

تبدو به وهو الذي يبدو بها

خلقٌ يقال وتارةً رحمن([153])

 

وهما جميعاً ظاهران فتارةً

   وهذه العقيدة الفاسدة أوصلته إلى أن يقول إنه والله سبحانه - تنزهت أسماؤه - لا فرق بينهما بزعمه فهو لم يلد، وهو المطلق وكل شيء تحت تصرفه، بل إنه ليس إنساناً ولا يسمى عبد الغني!!!… يقول في ذلك:

وعنْ روحي وعن عقلي

 

وجودي جلَّ عن اسمي

بلا شَبَه ولا مِثْل

 

عليّ اللهُ قيومٌ

لما قمْتُ عن حملي

 

وإني ذلك القيومُ

ولا شربي ولا أكلي

 

وإني لسْتُ مخلوقاً

ذو صنع وذو فعلِ

 

ولا أني أنا الخلاّق

ما يدرون ما أصلي

 

أنا بي حارتِ الأفهامُ

أنا الأفلاكُ من أجلي

 

أنا الأكوانُ بي قامَتْ

ولا من ذلك النسلِ

 

وإني لسْتُ إنساناً

بمولود ولا طفل

 

ولا أني جنينٌ أو

في قيدي وفي غِلّي

 

وإني مُطْلَقٌ والكلّ

فاحفَظْ عنك يا خِلي

 

وما في عالمي غيري

وهذا مقتضى شكلي

 

وما عبد الغنيِّ اسْمي

يراني طالباً وَصْلي

 

فيا مَنْ رام بالدنيا

عن الأكوانِ بلا نقل ([154])

 

تجرَّد وانتزعْ واخرُجْ

    وقد تصدى له الشيخ إبراهيم الحر العاملي ([155]) في قصيدة وصمه فيها بالهذيان والجنون والجهل، وأنه كالأطفال في عقله، وأنه أبرز مكنوناً يشير إلى ضلاله لمخالفته شرع الله سبحانه والعقل السوي، يقول في ذلك ساخراً منه:

مزجْتَ الشهدَ بالخل

 

رويداً يا أخا الفضلِ

يضاهي صبوةَ الطفل

 

لقد أكثرتَ من هَذْرٍ

سوى عار من العقل

 

دعاوى لا يُدانيها

تشبيهٌ مع البُطْل

 

حلولٌ واتحادٌ ثم

وصارَ العِلْمُ كالجهل

 

وكم من مُدَّع علماً

خلافَ العقلِ والنقل ([156])

 

لقد أبرزْتَ مكنوناً

و- الأقطـاب:

مر معنا في التصوف البدعي أن الأقطاب لهم كرامات، ويستغيث بهم أتباعهم، وهم يدربون مريديهم ليكونوا على شاكلتهم، ولكن القطب في التصوف الإلحادي يصل إلى القول بأنه والذات الإلهية سيان، فهو يتصرف ويتحكم ظاهراً وباطناً وقلبه لا يميز بين إسلام ووثنية، وفي ذلك يقول ابن عربي، القطب الأكبر بزعمه:

فمَرعى لغُزلان ودَيْرٌ لرهبان

 

لقد صار قلبي قابلاً كلَّ صورة

وألواحُ توراة ومصحفُ قرآن ([157])

 

وبيتٌ لأوثان وكعبةُ طائف

  ومع ذلك يثني عليه النابلسي، مثيله في عقيدته، ويبين أنه يفهم علوم القوم،المتصوفة، وأما من يخالفه في رأيه فهو أعمى ،والأعمى لا يرى النور ولذلك فهو ينبح ضده !!.

له في المعالي رتبةُ العَلَمِ الفَرْدِ

 

فتىً بين أهلِ اللهِ كان مُقَدَّماً

سواه لديه لا يُعيد ولا يبدي

 

وفي كلِّ علمٍ كاملٌ مُتَحَقِّقٌ

وليس له في نَفْحِها الندّ من ند

 

خصوصاً علومُ القومِ فهو إمامُها

ومن زاغَ كانتْ في بصيرتِه تُردي

 

تصانيفُه فيها الهدى لمن اهتدى

وما حظُّهم منه سوى البعدِ والطرد

 

ومن أين للُعميان رؤيةُ نورِه

وما علمتْ أن النُّباحَ على الأسد ([158])

 

ومن عجبٍ أن الكلابَ تنابحتْ

   أما ابن الفارض فيدعي أيضاً أنه القطب الذي أفاض على العالم من خيره وعلمه :

محيط بها والقطبُ مركزُ نقطة

 

فبي دارتِ الأفلاكُ فاعجبْ لقطبها الـ

ترى حسَناً في الكونِ من فيضِ طينتي طينتي

 

وروحي للأرواحِ روحٌ وكل ما

ولا ناطقٌ في الكون إلا بمدحتي

 

فما عالمٌ إلا بفضلي عالمٌ

تمسكْتُ من طه بأوثق عروة ([159])

 

ولا غروَ أن سُدْت الأُلى سبقوا وقد

   وهو يزعم أنه يعرف لغات العالم، وأنه يرى الناس قاطبة بلحظة ويسمع أصوات الدعاة، ويخترق السبع الطباق بخطوة ويمد أتباعه بإمداداته فيتمكنون من السير فوق الماء أو الطيران في الهواء واقتحام النيران، يقول في ذلك:

وأجلو عليَّ العالمين بلحظة

 

فأتلو علومَ العالمين بلفظة

لغاتِ بوقت دونَ وقتِ لَمْحَةِ

 

وأسمعُ أصواتِ الدعاةِ وسائرَ الـ

يُمتُّ بإمدادي له برقيقة

 

فمن قال أو من طال أو صال إنما

أو اقتحم النيرانَ إلا بهمتي ([160])

 

وما سار فوق الماء أو طار في الهوا

   ويدعي أنه قد وصل إلى هذه المرتبة بمجاهداته وتركه الأهواء:

قواها وأعطَتْ فعلها كلُّ ذرة ([161])

 

هي النفسُ إن ألقَتْ هواها تضاعفَتْ

    وبالعزلة والبعد عن رفقاء السوء وبعصيان نفسه الأمارة بالسوء:

فصارت له أمارةً واستمرت

 

ولا تتبعْ مَنْ سوَّلَت نفسُه له

أُطِعْها عَصَتْ أو أَعْصِ عنها مُطيعتي

 

فنفسي كانت قبلُ لوامةً متى

وأتْعَبْتُها كيما تكون مُريحتي ([162])

 

فأوردْتُها ما الموتُ أيسرُ بعضه

     ويفخر أبو الهدى الصيادي بأنه القطب الذي يستظل الزمان به، وأن ما يكتبه يجري أمره لأن الدهر أطاعه ذلك لأن طريقه هو الباب إلى الله سبحانه ولئن مات فإن أسراره تستمر بعد وفاته، يقول في ذلك:

وأنا الغوثُ في رسيس ثيابي

 

فأنا القطبُ في دَكِيْكَيْنِ طبخي

وأنا المرشدُ الشريفُ انتسابي

 

وأنا الفردُ في الزمان بشأني

واستظلَّ الزمانُ تحت قبابي

 

وقفولُ العراق تمشي بظلي

أَذْعَنَ الدهرُ طائعاً لكتابي

 

قلمي آمرٌ وحكميَ جار

وفيضي يجري إلى الإنجاب

 

وطريقي بابُ الوصولِ إلى الله

بعد موتي والسرُّ تحت ترابي

 

دولةٌ لا تزالُ تنفثُ سراً

وبُعَيْدَ التستيرِ يُفتح بابي

 

وخفائي لا شك عينُ ظهوري

وانحُ نحوي واسمعْ لذيذَ خطابي ([163])

 

طِفْ ببابي ولا تمِلْ عن مَداري

  ويزعم النابلسي أن قطب مصر زين العابدين البكري يتصرف في أمورها، بل يتحكم في الأرواح كما يشاء، وهو يعلم السر والجهر، وقد قامت الحياة بسببه، يقول في ذلك:

فما مثلُها في الأرضِ صقْعٌ ولا مِصْرُ

 

إلى القطبِ مَنْ دارت على أمرِه مصرُ

لديه تساوى ذلك السرُّ والجهرُ

 

حقيقةُ علمِ العلمِ في سرِّ سرِّ مَنْ

له وله الأرواحُ منظومةٌ نَثْرُ ([164])

 

ومن قامت الأشباح ضمنَ وجودِه

   وكذلك يزعم «عبد الرحمن بن إبراهيم» ([165]) أن النابلسي قطب يدبر أمر الكون، وقد حاز علومه مذ كان في المهد، يقول فيه:

المدبِّرُ أمرَ الكون من عالمَ الأمر

 

إلى واحدِ الدنيا ومَنْ هو قطبُها

من العِلْم لم تُدرك بفهمٍ ولا فكر

 

إمامٌ حُبي مُذْ كان في المهدِ رُتْبَةً

    ويزعم النابلسي أن بعض الأقطاب لهم دواوين أو سجلات يتصرفون بها كما يشاؤون، ويذكر قصة لصوفي صاحب كرامات أن صبية أزعجته ورجمته بالحجارة حتى حصرته في مكان لا يستطيع النفاد منه، فالتفت إلى السماء وفجر عينيه وقال يا عزرائيل إذا لم تقبض أرواح هؤلاء جميعاً لأَمْحُوَنَّك من ديوان الملائكة، ففي الحال ماتوا كلهم ([166]) ، وكذلك فإن الشاعر «ملا حسن أفندي» ([167]) يذكر أن شيخه أحمد الرفاعي كان صاحب ديوان بزعمه، يقول في ذلك :

في الكائناتِ مدى الأيام منصوبُ

 

هو الإمامُ الذي ديوانُه أبداً

لا تخشَ، أنتَ عليَّ اليومَ محسوب 

 

يا أحمدَ الأولياءِ انظرْ إليَّ وقلْ

   ولست أدري كيف يصدق عاقل هذا الديوان الباطني الذي يحكم به العالم حتى إنه ليتصرف بالملائكة، وهم يزعمون أن هذا الديوان موجود في مكة المكرمة خارج غار حراء ويجلس فيه الأقطاب الأربعة ، وهم على المذاهب الأربعة، ويتصرفون بمقادير البشرية([168]).

ويبالغ الشاعر «عثمان الموصلي» ([169]) في الحديث عن كرامات شيخه أحمد الرفاعي فيذكر أن محبيه لو ذكروا اسمه على نار لأطفئت وأن السيوف لا تؤثر فيهم، يقول:

بها امتاز بين الأولياءِ ولا رَيْبَا

 

إمامٌ له في الخافقَينْ مفاخرٌ

على النارِ أطفَوْها ولو أَوْقدَتْ لهَبا

 

فمنها إذا نادى محبُّوه باسمِه

وأُسْدُ الشَّرى ترتاعُ من ذكره رُعْبا

 

ومنها سيوفُ الهندِ تنبو لبأسِه

بها لم يكنْ من قومِه غيرُه يُحبَى ([170])

 

وأعظمُها تقبيلُ يُمنى نبيّنا

    ويدّعي بعض المتصوفة أن الأرض تطوى لهم، وأنهم يتشكلون أشكالاً متعددة، ويرد الشاعر السيد «القاسم بن أحمد» على هؤلاء فيقول إنه من المحال أن تطوى الأرض لمشعبذ دجال دون أن تسير به ناقته، أو أن يتشكل إنسان في صور متعددة :

لمُشَعْبِذ من دونِ وَخْدِ ركابه

 

فمن المحال ترى المهامهَ تنطوي

مُتمكِّناً من لِبْسِ غير إهابه

 

وخرافةٌ بشرٌ يُرَى مُتَشكِّلاً

واحرِصْ ولا يغرُرْك لمعُ سرابِه ([171])

 

فدع التصوُّفَ واثِقاً بحقيقة

ز- إسقاط التكاليف:

ادعى بعض المتصوفة أن الله سبحانه قد أسقط عنهم الفرائض ، ومن هؤلاء «حسين الحموي» ([172]) إذ قال:

وجاريةٌ ومملوكٌ ودارُ

 

يصلي مَنْ له فرسٌ وعبدٌ

إذا تركوا صلاةَ الخَمْسِ عار 

 

وأما المفلسونَ فما عليهم

  وهذا جحود لشريعة الله، ويشبهه في ذلك ابن عربي الذي تهاون بعذاب الله سبحانه في:

على لَذَّة فيها نعيمٌ مباين

 

وإن دخلوا دار الشقاءِ فإنهم

وذاك له كالقِشْرِ والقِشْرُ صاين ([173])

 

يسمى عذاباً مِنْ عذوبةِ طَعْمِه

    وأخيراً:    فإن التصوف كلمة ظاهرها حسن وباطنها يخفي الغث والثمين، فما كان منه زهداً ونأياً عن زخرف الدنيا ومتاعها فلا حرج فيه، وأما ما ابتدع فيه أو تجاوز فيه صاحبه حد الشرع بتوسل بمن يسمونهم أقطاباً زوراً وبهتاناً، أواعتقاد بتصرفهم في الكون، أو إيماناً بوحدة الوجود، أو بالاتحاد والحلول، أو بالعشق الإلهي أوالنور المحمدي، فذلك بهتان وافتراء ما أنزل الله به من سلطان، وأصحابه خرجوا عن الإسلام وتستروا بالتصوف ، وزعموا التقوى شعارهم والإخلاص نيتهم، وتلاعبوا بالدين لتخريبه، وكان من هؤلاء ابن عربي وابن الفارض والعفيف التلمساني وفي هؤلاء يقول الشوكاني :

يتجاذبون الخمرَ في أكوابه

 

أما الذين غَدَوْا على أوتارِهم

واللحنَ عندَ الذكر من إعرابه

 

ولوَحْدة جَعلوا المثانيَ مونساً

بالدينِ وانتُدِبوا لقصدِ خرابه

 

فهم الذين تلاعبوا بين الورى

وكذاك مُحيي الدين لا حيّا به

 

قد نهج الحلاجُ طُرْقَ ضلالِهم

فَرَضَ الضلالَ عليهم ودعا به

 

وكذاك فارِضُهم بتائياته

كلُّ الفروجِ فخُذْ بذا وكفى به

 

والتلمساني قال قد حُلَّتْ له

ومن المَقال أتَوْا بعين كذابه

 

نَهقوا بوَحْدتهم على روسِ المَلا

فالكفرُ ضربةُ لازبٍ لصحابه

 

إن صحَّ ما نَقَل الأئمةُ عنهم

أنَّ المراد له نصوصُ كتابه ([174])

 

هذيْ فتوحاتُ الشُّؤْمِ شواهدٌ

    وعلى فرض أن كثيراً منهم كانت نواياهم حسنة، وأنهم شطحوا في حال الغيبوبة فإن انتشار التصوف أدى إلى خمول بين المسلمين بسبب تهويماتهم وتقاعسهم عن الجهاد، في وقت كان فيه المسلمون يخوضون غمرات الحروب الصليبية في المشرق والمغرب، وتجتاح فيه أوروبا البلدان الإسلامية، وكأنهم أحسوا بأخطائهم فراحوا يدّعون أن الجهاد هو جهاد النفس، ثم إن الصوفي يركز على فكرة الحب الإلهي، ويرمز للمولى جلّ جلاله بالمرأة وهذه الوثنية ولو بالقول أو بالرمز لا يقبلها الإسلام، وقد جاءتهم عن طريق الفلسفات المادية الوثنية، ومعظم الذين قالوا بها متأثرين بالفلسفة الإلحادية الهندية والصينية ،أو بالنصرانية كما رأينا عند ابن عربي، وهذا الانحراف العقائدي جعل الشاعر المرشدي يقول في الصوفية:

صوفيةُ العصرِ والأواني

 

صوفيةُ العصرِ والأوانِ

بنَقْرزان النَّقْرُزان ([175])

 

فاقوا قومَ لوطٍ

   ويجب ألا نخدع بالأقوال التي تزينه وتجعله من الأدب الرمزي أو الإيحائي لأن الشعر «ما أمتع وهز وعلّم» ([176]) ونحن لا نريد شعراً إلحادياً ينشر ضلالات ما أنزل الله بها من سلطان، ويتعارض مع شرع الله وكتابه، ولا سيما أن أصحابه نددوا بالفقهاء واتهموهم ،وهذا دليل آخر على انحرافهم وجنوحهم، وسعيهم للقضاء على شرع الله وإبطاله باسم الدين ، والدين من ضلالاتهم براء . حفظه الله من أباطيلهم .

([1]) مدارج السالكين /38 .

([2]) الموسوعة الصوفية /89 .

([3]) النسبة إلى صُفَّة هي صُفّي لا صوفيّ.

([4]) البقرة /273، والفكرة في كتاب عوارف المعارف /59 وتلبيس إبليس /158 .

([5]) الموسوعة الصوفية /114 .

([6]) هناك تقسيمات أخرى لشعر التصوف منها تقسيمه إلى شعر الغزل والحب الإلهي ويقصد به ما عبر عن فكرة وحدة الوجود، وشعر الحقيقة المحمدية، وشعر الصوفية السلفية الموافقة للكتاب والسنة، ينظر لذلك: الأدب الصوفي في مصر /221، أو تقسيمه إلى شعر الصوفية العملي، وهو أقرب إلى المواجيد والإيمانيات، والنظري وفيه الكشف والإلهام وحالات الصحو والفناء، الأدب الصوفي /241، وأرى أن تقسيمي أقرب إلى الصواب وأشمل ويبين فيه مدى القرب أو البعد عن الإسلام والإيمان .

([7]) القاسم بن أحمد بن عبد الله المهدي إمام اليمن (ولد 1166هـ)، كان عالماً بالعربية والأصول، وكان يثني على الصوفية سوى الحلاج وابن عربي ومن يساويهم: البدر الطالع 2/31-32 .

([8]) محمد بن علي الشوكاني عالم وفقيه يمني من القرن 12 هـ له كتاب البدر الطالع وهو مصدر شعره المذكور (ت 1250هـ): ينظر له في مقدمة كتابه. وللشعر في 2/ 32-33 .

([9]) البدر الطالع 2/35-36 .

([10]) عبد القادر بن محمد المعروف بابن حبيب (ت 915) عالم زاهد من البقاع، له تائية شهيرة في التصوف، ينظر له في الضوء اللامع /242 وللشعر في 245 .

([11]) أبو الهدى بهاء الدين محمد بن حسن مهدي الرواس الصيادي الرفاعي (1226-1287هـ) شاعر صوفي : حلية البشر 1/400 والشعر في الصفحة نفسها ، ولترجمته في الأعلام 6/94.

([12])  الحب الذي فيه تعبير عن مواجد فحسب، أو فيه رمز للعبادة جعلته من التصوف البدعي، أما ما سمي بالعشق الإلهي وفيه تمثيل وتشبيه ومزج بفكرة الحلول ،تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فقد جعلته من التصوف الإلحادي كما سنرى .

([13]) عمر بن علي شرف الدين المعروف بابن الفارض (576-632هـ) شاعر متصوف من مصر عاش معظم حياته في العصر الأيوبي أيام تنازعهم، وكان يعاصر محيي الدين بن عربي، ينظر لترجمته في شرح ديوان ابن الفارض /9 .وللشعر في المرجع نفسه / 49-51

([14]) خلاصة 3/449 الكشكول 1/109. وبهاء الدين العاملي /108 .

([15]) العصر العثماني /484 نقلاً عن ديوانه 2/170-172، وينظر مثلها في ديوان العيدروس 107-108 .

([16]) الكشكول 1/159-164، أعيان الشيعة 9/249 .

([17]) شرح ديوان ابن الفارض /37 .

([18]) شرح ديوان ابن الفارض /54-56 .

([19]) الحقيقة والمجاز /197 .

([20]) الحقيقة والمجاز /257 .

([21]) الحقيقة والمجاز / 125 .

([22]) سلك الدرر 1/40 .

([23]) الحقيقة والمجاز 209-210 ، وينظر مثله في سلك الدرر 1/40 لإبراهيم السفرجلاوي .

([24]) محمد بن إبراهيم بن عبد الله الأرموني المعروف بالوطواط (645-711هـ) شاعر وعالم ومتصوف من دمشق له نظم رقيق: أعيان العصر 4/215 . والشعر في المرجع نفسه .

([25]) البدر الطالع 2/36، وكان الشافعي رحمه الله قد رأى في السماع، وسماه التغبير ، زندقة وقال (أرى الزنادقة وضعوا هذا التغبير ليصدوا عن ذكر الله وعن القرآن): لسان العرب عند شرح كلمة غبر غبوراً.

([26]) محيي الدين بن عربي (560-638هـ) شاعر متصوف أصله من الأندلس، درس الفلسفة اليونانية والديانات اليهودية والنصرانية والهندوسية والطاوية إضافة إلى الإسلام ومزج بينها مزجاً إلحادياً: ينظر له في ترجمان الأشواق ص5، والطاوية تقول إن الخالق والمخلوق شيء واحد لا تنفصل أجزاؤه، وإلا لاقى المخلوق الفناء: الموسوعة العربية الميسرة/359.

([27]) إسماعيل المقرئ هو شرف الدين أبو محمد إسماعيل بن أبي بكر المقرئ (755هـ-803هـ) شاعر يمني وفقيه شهد له الشوكاني بمكانته ، ينظر له في عنوان الشرف العالي /7 . والشعر في نفسه / ل

([28]) ابن تيمية هو أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية الحراني (661هـ-728هـ) فقيه زاهد وقد هاجم التصوف المنحرف ورفض السماع والرقص عند المتصوفة، وكان عدواً للابتداع، كما نقد الفلاسفة وكفّر ابن عربي لقوله بالاتحاد مع الذات الإلهية، ينظر له في الموسوعة الصوفية /88 .

([29]) موقف أئمة /203-204 .

([30]) شبهات أهل الفتنة /130-131 .

([31]) القطب أو الغوث بزعم الصوفية هو القائم بحق الكون المطلق، وهو يطلع على الغيب، وكلما مات واحد حل محله آخر ليبقى عددهم في الكون ثابتاً: لطف السمر 1/274، ومجموع فتاوى 11/433 .

([32]) الأبدال سمّوا بذلك لأنهم بزعم الصوفية لا يريدون مع إرادة الله بديلاً، يعلمون الأعمال الظاهرة ثم يتفردون بأعمال تخصهم كلما شرفت منازلهم حتى يغيبوا مع الحق عز وجل دون أن يتعدوا حدود الله: الفتح الرباني /40، كما يزعمون أنهم يحفظون الأقاليم فإن مات واحد خلفه بديل عنه، وهؤلاء لايعرفون أسرار الكواكب السيارة وتتحول هيئاتهم من صورة إلى أخرى: لطف السمر /75-76 .

([33]) النجباء: ثمانية بزعم المتصوفة، ومقامهم الكرسي ولهم اطلاع وكشف وتسيير للكواكب: التصوف بين الحق والخلق/  .

([34]) المريد: يتدرب على يدي الشيخ، وينقطع إلى الله للعبادة فلا يريد إلا ما يريده الله سبحانه له، ويقوم برياضات روحية تحت إشراف شيخه ،حتى إذا بلغ مرتبة يفهم فيها من الله سبحانه بتنبيهاته له فقد بلغ مرحلة الفطام، وإلا فإنه يعود ثانية إلى مرحلة الأهواء والشهوات ولذلك فهو يحتاج إلى تدريب آخر، عوارف المعارف /98، والمجتمع العربي السوري /188 ومن أعلام الفكر /430 هـ2 والموسوعة الصوفية /144 .

([35]) موقف أئمة الحركة السلفية /37 .

([36]) أحمد بن عمر الحمامي (ت1017هـ) شاعر من حلب كان شيخ الطريقة الخلوتية : الخلاصة 1/257.

([37]) الطريقة الخلوتية : تقوم على التقشف وتطهير الباطن، ولأتباعها علاقة بالسحر والجان: خلاصة الأثر 1/250، در الحبب قسم 1/222.

([38]) معادن الذهب /2124 الخلاصة 1/257، إعلام 6/176 .

([39]) الحقيقة والمجاز /213 .

([40]) خرقة الصوفية أخذت فكرتها من البردة التي خلعها الرسول r على كعب بن زهير: عوارف المعارف /10 ويرفض ابن تيمية سند هذا الحديث: موقف أئمة /213 ومجموع فتاوى 11/88 وأقول: ليست الخرقة دليل تقوى فلأتباع الديانة الجينية الهندية خرقة زرقاء : الموسوعة العربية الميسرة /193 .

([41]) هو محمد بن محمد شيخي الحميدي الحسيني (ت1043هـ) شاعر متصوف: الخلاصة 4/177 ، ريحانة الألبا 2/279 . والشعر في 1/180

([42]) أحمد بن محمد الأنصاري اليمني شاعر متصوف كان في 1222هـ في كلكتا في الهند ، حلية البشر 1/289 ،والشعر في 297

([43]) مدارج السالكين /38 .

([44]) فشار: هذيان والأبيات في أعيان العصر 1/246 .

([45]) الطريقة القادرية نسبة إلى عبد القادر الجيلاني(471-561هـ) هي أقرب الطرق إلى السنة : الموسوعة الصوفية /113-114 ،ولكن شيخها الجيلاني يدعي أنه يتصرف بمريده حياً وميتاً وقد أعطاه العهد بدخول الجنة وهذه خزعبلة ما أنزل الله بها من سلطان، دراسات في التصوف 249-258 والموسوعة العربية الميسرة 347 .

([46]) سلك الدرر 3/172 وينظر لمثلها في المرجع نفسه 2/295 .

([47]) عبد الحي الخال شاعر دمشقي من القرن الثاني عشر الهجري :علماء دمشق وأعيانها في القرن الثاني عشر 2/117 .

([48]) ديوان فتح الله بن النحاس/98 .

([49]) السيد إبراهيم الرفاعي بن السيد محمد الراوي الرفاعي ولد بعد (1270هـ): حلية البشر 1/65 .

([50]) أحمد بن علي الرفاعي (512-578هـ) مؤسس الطريقة الرفاعية وينسب إلى جده رفاعة المغربي الحسيني. ولد في العراق وقد رمى الحجاج بالافتراء وحذر من التزيد في العبادة، وتقرع في مجالس الذكر عند أصحاب طريقته الدفوف والطبول في ليلة الجمعة، ولهم خرقة يلبسونها : الموسوعة الصوفية /178 .

([51]) حلية البشر 1/66 .

([52]) حلية البشر 1/90 .

([53]) ديوان الشيخ أمين الجندي /36 .

([54]) ترجمان الأشواق/162 .

([55]) الحقيقة والمجاز/272 .

([56])عبد الله بن محمد المجذوب الشهير بابن شهاب الشافعي شاعر حلبي (ولد 1116هـ) أجيز بالكتب النقلية والعقلية بما فيها كتب المتصوفة: سلك الدرر 3/104  والشعر/105 . وهذا الشاهد يصلح أيضاً لرأي المتصوفة في الأقطاب.

([57])شبهات أهل الفتنة /37 .

([58]) محرمات استهان بها الناس /7 .

([59]) ناقش هذه الفكرة مؤلف : شبهات أهل الفتنة /33-37 .

([60]) الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني شاعر يمني ، ينظر له وللشعر في ديوان الأمير الصنعاني /93-94 .

([61]) ترجمان الأشواق /112 .

([62]) أعيان الشيعة 9/249 .

([63]) الكشكول 1/159، أعيان الشيعة 9/249 .

([64]) مدارج السالكين/36-38 ، وينظر لهذا الرأي ايضاً في تلبيس إبليس ص153-156 و 321 .

([65]) ديوان الأمير الصنعاني /130-131 .

([66])نفسه /129 .

([67]) مواقف أئمة الحركة /86 .

([68]) آل عمران /31  والقول في تلبيس إبليس /166 والتصوف بين الحق والخلق/60 .

([69]) الأدب الصوفي في مصر /224 .

([70]) شرح ديوان ابن الفارض /99 و 103 .

([71]) الصورة في الشعر العربي /30-55 .

([72]) ترجمان الأشواق /156 .

([73]) ترجمان /159 .

([74]) عفيف الدين التلمساني (610-690هـ) شاعر مصري أصله من الجزائر، تدرب في بلاد الروم على الخلوة أربعين يوماً ثم عاد إلى دمشق لينشر تصوفه، وهو من القائلين بوحدة الوجود ،وقد شرح فصوص الحكم لابن عربي، وكان ابن تيمية يعده أشد كفراً منه لفجوره ،ولأنه لايرى شيئاً محرماً، وقد قيل فيه (شعره لحم خنزير في طبق صيني) ينظر له في الموسوعة الصوفية /84 .

([75]) العصر المملوكي /203 .

([76]) شرح ديوان ابن الفارض /123 .

([77]) العصر المملوكي /309 .

([78]) شرح ديوانه /91 .

([79]) شرح ديوانه /155

([80]) شرح ديوانه /127 .

([81]) ترجمان /25-27 .

([82]) المرجع نفسه.

([83]) مر معنا النور المحمدي عند الحديث عن التطرف في المديح النبوي، ويضاف إليه ما سيرد هناعن أقطاب المتصوفة .

([84])من شريط فيديو لمناظرة بين الشيخ أحمد ديدات رحمه الله وراعي كنائس السويد القس شوبرج، والشريط صدر عن مؤسسة قرطبة للإنتاج الفني، وقد كرر القس هذه الفكرة أكثر من مرة.

([85]) التصوف بين الحق والخلق/20 و 56-60 

([86])الأدب الصوفي في مصر /37-38 و 135.

([87]) علي المرادي شاعر متصوف من دمشق (ت1184هـ): سلك الدرر 3/228 .والشعر في الصفحة نفسها .

([88]) إبراهيم الدسوقي شاعر متصوف شيخ الطريقة الدسوقية أو البرهامية كان ينحو منحى ابن الفارض: الموسوعة الصوفية /157، والطريقة البرهامية أو الدسوقية تلتزم بالإسلام في جانبها العملي، لكنها في جانبها النظري تعتقد بالتناسخ والحلول وتزعم أن لشيخها التصرف كما يشاء في مريديه، وأن يعرف لغات العجم والطير والوحش، ينظر : الحقيقة والمجاز/245-246و294/وخلاصة 1/250 .

([89]) الأدب الصوفي في مصر/136، ولاتزال هذه الفكرة سائدة في مصر، وقد حكى لي أحد الصالحين أنه التقى في مصر برجل يزعم أنه كان مع إدريس حينما صار نبياً، ومع نوح حينما نجاه الله من الغرق، ومع إبراهيم وناره، ومع موسى حين خلصه من فرعون ،ومع إسماعيل حين أنقذ من الذبح، ومع الرسول صلى الله عليه وسلم .

([90]) محمد بن محمد البكري أبو المواهب (ت1037هـ) عالم مصري له ديوان شعر: الخلاصة 1/145 .

([91]) الحقيقة والمجاز/214 وينظر لمثلها أيضاً عند عبد الغني النابلسي في المرجع نفسه /214 .

([92])الحقيقة والمجاز /273، علماء دمشق وأعيانها في القرن الثاني عشر/110 .

([93])يوسف بن عمر أفندي الطرابلسي الشهير بالذوق (1125) متصوف من طرابلس الشام، سلك الدرر 4/250 .

([94])سلك الدرر 4/251-252 .

([95]) شرح ديوانه /54-56 .

([96]) عوارف /521، موقف أئمة /45 و 229 ومجموع فتاوى 10/337 .

([97]) الموسوعة العربية الميسرة/352 و 359 .

([98]) نفسه 262 و 350 .

([99]) التوبة /30 .

([100]) التصوف بين الحق والخلق/18 .

([101]) نفسه/61 والأدب الصوفي في مصر /37 .

([102]) ترجمان الأشواق/47 .

([103]) نفح الطيب 2/81 .

([104]) نفسه 2/383 .

([105]) نفسه 2/383 .

([106]) ترجمان /43 .

([107]) ترجمان 75-76 .

([108]) ترجمان /28 .

([109]) أحمد بن عمر أبو العباس المرسي (ت686هـ) شاعر وفقيه متصوف من مر وأصله من مرسية في الأندلس: الأعلام 1/186.

([110]) الأدب الصوفي في مصر /243 .

([111]) شرح ديوان /123-124 .

([112]) أواخي الحجب: حبال الأستار: شرح الديوان /214 .

([113]) شرح الديوان/213-215 .

([114]) المصدر نفسه.

([115]) شرد ديوان /229-230 .

([116]) ديوان الحقائق 1/21 .

([117]) ديوانه /49 .

([118]) نجم الدين محمد بن عبد الرحمن الغزي (977-1061هـ)محدث وشاعر من دمشق ومن مؤرخيها :علماء دمشق وأعيانها في القرن الحادي عشر الهجري 2/67 ، ومقدمة كتابه لطف السمر .والشعر في لطف السمر 2/700-701 .

([119]) إيقاظ الهمم /10، لطف السمر 1/351، من أعلام الفكر 450، كشاف اصطلاح الفنون 1/514 .

([120]) ترجمان الأشواق/123 .

([121]) مفتاح الجنة /113 .

([122]) عبد القادر بن محمد قضيب البان (971-1010هـ) شاعر حلبي متصوف وله مؤلفات في الصوفية ، ينظر له في خلاصة الأثر 2/464 ، إعلام النبلاء 6/218 الأعلام 4/44 .

([123]) خلاصة 2/465، نفحة الريحانة 2/558، إعلام النبلاء 6/232 .

([124]) التصوف بين الحق والخلق ص182 .

([125]) نفح الطيب 2/371 .

([126]) ترجمان الأشواق /167 .

([127]) ترجمان /167، وينظر لمثلها في المرجع نفسه /88-89 إذ يتحدث عن المعارف التي لا تنضبط إلا وقت الشهود خاصة، وما يعلم ذلك إلا القليل (وهم الخارجون من البشرية إلى عالم الأرواح واللطائف) ،فهل يقصد أن الشهود يتم لمن يتصل بعالم الأرواح واللطائف، وهل يعني الشهود الحقيقي كما هو في الظاهر أم التجليات التي يحسون بها قلبياً الله أعلم، بنياتهم، ولكن كلامهم لا يريح النفس المؤمنة.

([128]) ترجمان 37 وينظر مثلها في ص54 .

([129]) موقف أئمة الحركة /73-74، وينظر لاستنكار ابن الجوزي للرؤيا أيضاً في تلبيس إبليس /169 ولعدم إمكانية رؤيا الله سبحانه في: الكليات /283 .

([130]) تلبيس إبليس /169 .

([131]) عمر بن مظفر الوردي (ت749هـ) شاعر من حلب وفقيه له تاريخ عرف بتاريخ ابن الوردي: أعيان العصر 3/677 والأعلام 5/67 . والشعر في إعلام النبلاء 2/ 329 .

([132]) محمود بن طي هو جمال الدين العجلوني (ت724هـ)، يعرف بالحافي، صحب عفيف الدين التلمساني وأخذ عنه مذهبه : أعيان العصر 5/368 . والشعر في 371- 372

([133]) شرح ديوانه /106 .

([134]) شرح ديوانه /256 .

([135]) شرح ديوانه/256 .

([136]) محمد بن محمد الفومني شاعر صوفي من بلاد الدكن في الهند ولد 745هـ، وحفظ القرآن الكريم: الضوء اللامع 9/151 . والشعر في الصفحة نفسها .

([137]) الشاعر أبو محمد عبد الحق بن ربيع الأنصاري ت675 شيخ فقيه صوفي ولد ببجاية ينظر له  وللشعرفي عنوان الدراية /59 .

([138]) مجموع فتاوى 11/338 و 395 ، وأما رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ورد ذكره عند الحديث عن التطرف في المدائح النبوية / 69      .

([139]) تلبيس إبليس /159-160 .

([140]) فضائح الصوفية /24-27.

([141]) فصوص الحكم/90 .

([142]) ترجمان الأشواق /57 .

([143]) فصوص الحكم /7 .

([144]) الموسوعة الصوفية /61 .

([145]) فصوص الحكم /80-83 .

([146]) نفسه /88 .

([147]) ديوان الأمير الصنعاني /131-132 .

([148]) ابن هشام الأنصاري عالم نحوي، وهو مؤلف مغني اللبيب ينظر للترجمة والشعر: الموسوعة الصوفية /63

([149]) وتقع في 760 بيتاً وهي في ديوانه /197 .

([150]) شرح ديوانه 221-230 ويشبهه في ذلك عبد الغني النابلسي في قصيدة له في الحقيقة والمجاز ص111 .

([151]) شرح ديوانه /285 .

([152]) ديوان الحقائق ومجموع الرقائق 1/21 .

([153])الحقيقة والمجاز /112-113 .

([154]) لبنان في عهد الشهابيين – الغرر الحسان 1/18-19 وديوان الحقائق 2/23، وأعيان الشيعة 2/123 .

([155]) إبراهيم الحر العاملي الصوري شاعر من صور في لبنان: أعيان الشيعة 2/122 .

([156]) لبنان في عهد الشهابيين 1/20-21 .

([157]) ترجمان /43 .

([158]) الحقيقة والمجاز /17 .

([159]) شرح ديوانه / 234 – 236 .

([160]) شرح ديوانه /62-63 .

([161]) شرح ديوانه /63 .

([162]) شرح ديوانه /220 .

([163]) حلية البشر 1/405-406 .

([164]) الحقيقة والمجاز /182 .

([165]) عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بابن عبد الرزاق شاعر من القرن الثاني عشر الهجري: الحقيقة والمجاز /130-131 . والشعر في الصفحة نفسها .

([166]) الحقيقة والمجاز /221 .

([167]) الملا حسن أفندي الشهير بالبزار بن ملا حسين الموصلي (1261-1305هـ) شاعر متصوف من ذوي الشطح ولكن عقله عاد إليه في أواخر حياته، حلية البشر 1/501 . والشعر 502- 503 .

([168]) التصوف بين الحق والخلق /90 وفضائح الصوفية /50 .

([169]) عثمان بن عبد الله الموصلي المولوي شاعر متصوف من الموصل ولد 1271هـ: حلية البشر 2/1052 .

([170]) حلية البشر 2/1055، ويزعم أصحاب الطريقة الرفاعية بأنهم يدخلون الأفران ولا تؤثر النار فيهم بكرامة شيخهم أحمد الرفاعي: شبهات أهل الفتنة /123، وذكر أن الجن تخدمهم وهم يلفظون ألفاظ الشرك ويتشبهون بالهنود الذين يدخلون النار، وهم يدخلون الشيش (سيف رفيع) في وجوههم وبطونهم، ويشترط عليهم ألا يقرؤوا القرآن الكريم لئلا تخذلهم الجن: المرجع نفسه /123-124 .

([171]) البدر الطالع 2/33 .

([172]) حسين الحموي شاعر من القرن الثاني عشر للهجرة: سلك الدرر 2/67  والشعر في الصفحة نفسها .

([173]) شبهات أهل الفتنة /520 .

([174]) البدر الطالع 2/35-36 .

([175]) خلاصة 1/270-271 .

([176]) فن الشعر /45 .

وسوم: العدد 667