التعريف بكتاب: جمعية العلماء بدمشق

د. محمد مطيع الحافظ

التعريف بكتاب: جمعية العلماء بدمشق

من سنة 1356-1360هـ و 1937-1941م

د. محمد مطيع الحافظ

كان للعلماء خاصة في هذه الفترة جهود كبيرة في نهضتنا الحديثة، وذلك في توجيه الناس وتوعيتهم، ونشر العلوم العربية والإسلامية، وذلك على يد الكثيرين، منهم: مؤسس جمعية العلماء بدمشق الشيخ محمد كامل القصاب الذي كان عطاؤه في التربية والتعليم والتوجيه كبيراً، وما قدّمه للأمة في عدة أقطار: سورية – فلسطين – الحجاز والرياض – اليمن .... تدل على مدى حبه للعلم والعلماء ونشر العلم، ومحاربة الفساد والطغاة. ومن أعماله التي تدل على إخلاصه إنشاؤه المدارس وجمعه كلمة العلماء بسورية، وإنشاؤه جمعية لهم أسسها سنة 1356هـ/ 1937م، وكان من أهدافها رفع كيان العلم والعلماء، والتصدي لعبث العابثين في عقائد النشء، ساعده في ذلك نخبة كبيرة من كبار العلماء المخلصين.

في هذا الكتاب تفصيل لما قدمته الجمعية من إنجازات وقرارات. ولتوضيح ذلك أذكر فيما يلي مقدمة الكتاب وفيها تعريف به وما ضمه من إصدارات تعطي صورة واضحة لهذه الإنجازات وترجمة موجزة لرئيسها.

من المعلوم أن أمتنا العربية قد مرّت منذ أواخر القرن التاسع عشر بمحن ومصائب كبار إلى أن أذن الله لنهضة عربية تقوم على أيدي طليعة من علمائها ومفكريها: شبابها وشيوخها، آمنوا أنَّ أولى مقومات الأمة: دينها ولغتها، وأدركوا ما عليهم من واجبات جسام نحو أمتهم، فرأوا أن ديناً قويماً أعز الأمة، ولغةً في الأَوج ولكن الرعاية لهما في الحضيض، والناسُ يغطون في نوم عميق، سببه الحكم التركي الأخير الذي سار به الاتحاديون نحو تتريك الممالك العثمانية بالحديد والنار، فهبُّوا في أعصب الأوقات وأحلكها. فأسسوا الجمعيات السرية في عاصمة الخلافة العثمانية، وفي عدد من البلدان العربية للدفاع عن مقومات الأمّة العربية، وقاموا بإنشاء عدد من المدارس التي تجمع بين العلم الشرعي والعلم الكوني مثل المدرسة الكاملية التي تأسست سنة 1323هـ/ 1905م، ومدرسة الشيخ عيد السفرجلاني، ومدرسة التهذيب الإسلامي بإدارة الشيخ محمود ياسين والمدارس التي أنشأها الشيخ طاهر الجزائري، واستمر هذا العمل على حذر من بطش السلطات التركية ثم الفرنسية، مع افتقار إلى النصير وعوز من المال، لكنه الإيمان الذي ملأ القلب، فكل عسير يهون.

وخطا الزمان خطوة في امتحان هؤلاء المؤمنين الأخيار المتنورين، فأصيبوا بالإرهاب والأحكام العرفية في الحرب العالمية الأولى، وامتلأت السجون بهم في أيام جمال باشا السفاح، فاهتزت بكثير منهم أعمدة المشانق، وغاب في الصحاري من نجا منهم بعنقه.

فلما وضعت الحرب العالمية أوزارها نشأ في الشام أول حكم عربي – بعد غياب طويل – برئاسة الملك فيصل بن الحسين، وساعده عدد من العلماء والوطنيين الغيورين على دينهم وعروبتهم، وكان لهؤلاء الأثر الكبير في قيام نهضتنا الحديثة، وعلى عاتقهم قام هذا الواجب، وكان أداؤهم وتضحياتهم عجباً من العجب([1]).

وكان للعلماء – خاصة - دور كبير في توجيه الناس وتوعيتهم لما هم فيه من الجهل وسيطرة الظالمين عليهم، وفي تعليم الناس أمور دينهم ونشر العلوم العربية والدينية وذلك على يد الكثيرين منهم: الشيخ بدر الدين الحسني والشيخ محمد كامل القصاب والشيخ علي الدقر وعلى يد الأخيرين تأسست جمعية العلماء والجمعية الغرَّاء والمعاهد العلمية التابعة لهما، وكذلك قام الشيخ جمال الدين القاسمي بنشر العلوم بواسطة مؤلفاته.

وبعد هذه المقدمة الموجزة نرى أن العوامل الكثيرة، منها: الدينية والوطنية هي التي دفعت بالشيخ محمد كامل القصاب، وهو العالم المربي المصلح، المجاهد إلى تأسيس جمعية العلماء بعد أن سئم من الساسة والسياسيين، فقام بتأسيس هذه الجمعية في رمضان 1356هـ/ تشرين الثاني 1937م، وكان من أهداف الجمعية: رفع كيان العلم والعلماء، والتصدي لعبث العابثين في عقائد النشء المسلم، والعمل بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم عن طريق إنشاء المدارس.

في اجتماع الجمعية الأول تم تشكيل إدارتها من سبعة عشر عضواً وتقدموا إلى وزارة الداخلية في الجمهورية السورية بطلب الترخيص لهم فصدر التصريح تحت رقم 9810 وفيما يلي أَعرض دراسة مختصرة لما تضمنه سجل جمعية العلماء من مقررات([2]) وما نفذ منها على الصعيد الفردي لأعضاء الجمعية وعلى الصعيد الرسمي من الحكومة. وبيان تطور أعمال الجمعية وزيادة أعضائها.

تضمَّن السجل القرارات التي اتخذتها الجمعية ومحاضر الجلسات متسلسلة تاريخياً، كل جلسة يذكر رقمها وتاريخها، وتعداد الحضور، ومن ترأس كل جلسة وغالباً ما يكون الشيخ كامل القصاب هو رئيسها، وقلما يغيب، ويذكر أيضاً من تخلَّف عن الحضور، ومن اعتذر عن عدم الحضور ثم تتلى مقررات الجلسة السابقة ويتم التوقيع عليها، ثم بعد النقاش تُدوَّن القرارات.

ويبدو أن الجلسات من 1-54 لم تسجل في حينها، فقام أمين السر – وهو الشيخ حسن الشطي – باستخلاص ما قرر في هذه الجلسات، وكان عدد المقررات 48 مقرراً، وقد ذكرنا أهمها في ترجمة رئيس الجمعية.

ثم بيان المراسلات التي أرسلتها الجمعية إلى الجهات الرسمية في سورية وإلى عدد من الدول العربية وإلى السادة العلماء، مع نصوصها كاملة، وعددها 26 رسالة.

ثم يتابع السجل تسجيل الجلسات فبدأ بالجلسة 55 بتاريخ 2 شعبان 1357هـ حتى الجلسة 88 بتاريخ 23 ربيع الأول 1359هـ، وفيها أعلن عن انتهاء الدورة الأولى لمجلس الإدارة، وتليت الأعمال التي قامت بها الجمعية على أعضاء المجلس العام وتضمن 12 مقرراً، ثم طلب الرئيس دعوة المجلس العام للاجتماع بتاريخ 22 ربيع الآخر سنة 1359هـ لانتخاب مجلس إدارة جديد. وتم ذلك بحضور 44 عضواً انتَخبوا أعضاء المجلس الإداري.

بعد ذلك يتابع تسجيل الجلسات مبتدئاً بالجلسة الأولى للدورة الجديدة بتاريخ 30 ربيع الأول 1359هـ، وتتابعت الجلسات حتى الجلسة الرابعة عشرة المؤرخة في 12 جمادى الأولى 1363هـ، ويبدو أنه قد حصل خطأ في تاريخ تسجيل الجلسة الأخيرة، والذي ترجح عندي أنه سنة 1360هـ.

يضم السجل 81 صفحة. كتبت محاضر الجلسات بخط متقن وجميل، طول الصفحة 25سم وعرضها 18سم، وهو بخط العلامة الشيخ حسن الشطي أمين السر رحمه الله.

هذا السجل من مقتنيات مكتبة الأستاذ الشيخ زهير الشاويش، قدّم صورة عنه لمركز جمعة الماجد بدبي لما قدم زائراً للمركز، وعن هذه الصورة قمت بإخراجه.

لقد أردت من نشر هذا السجل والتعريف به وتقديم ترجمة مختصرة لرئيس الجمعية، وأعضائها القيامَ ببعض الحق وفاء للعلماء النخبة من الأمة أعضاء الجمعية الذين بذلوا جهدهم ومالهم ووقتهم في سبيل الله، لرفع راية الحق ولإعلاء كلمة الله. وابتغاء مرضاة الله رحمهم الله تعالى.

لقد قدموا الكثير في سنوات قليلة ربما لا تتجاوز خمس سنوات، كان عطاؤهم فيها كبيراً، في هذا السجل يتبين لنا هذا العطاء وأن العلماء قد قدموا ما استطاعوا خدمةً للأمة ورعايةً لأبنائها وتوضيحاً لما خفي مما يحاك لهذه الأمة من مؤامرات. في هذا السجل نتعرَّف أيضاً على تاريخ عدة جوانب في حقبة من الزمن لسورية عامّة ودمشق خاصة.

وبعد فأرجو أن أكون قد قدَّمت المفيد في بيان صورة مشرقة عن جهاد العلماء وحبهم للعلم وتفانيهم في خدمة الدين والعربية، ولإظهار الحقائق عن أعمالهم التي قاموا بها منذ أواخر العهد العثماني حتى فترة الانتداب الفرنسي، وكيف تصدوا للفتن والعمل على إخمادها، وما قاموا به من توجيه الأجيال وتعليمهم والدفاع عن مقدرات الأمة وتراثها. ولتعريف أجيالنا أن كثيرين من رجالاتنا هم الذين حملوا نهضتنا السياسية والعلمية والفكرية والاقتصادية، وقادها العلماء وأمثالهم ... وحتى لا ينسى هذا الجيل فضل الجيل الذي سبقه إن لم يكن قد نسي، لأنه يوشك أن ينسى الجيل الذي يأتي فضل الجيل الحاضر.

ولا بدَّ لنا أن نسأل: لماذا أغلقت حكومة الانتداب الفرنسي جمعية العلماء؟! هل كما قالوا: إن الدولة قد ضاقت من كثرة طلباتها واعتراضاتها؟ أم أن الجمعية اكتشفت حقائق مؤلمة بحق الأمة والوطن فنبهت عليها، ووقفت سداً منيعاً ضدها؟!

وقد ألحقت بعد ترجمة رئيس الجمعية تراجم مختصرة للأعضاء المؤسسين والعاملين. وصُوَر الكثير منهم، وقائمة بالحكومات التي توالت على حكم سورية في الفترة التي كانت فيها الجمعية مستمرة في أعمالها، وألحقت في الآخر فهارس الأعلام الذين وردت أسماؤهم في هذا السجل وعدداً من نشرات الجمعية التي توضح أعمالهم.

ولا بُدَّ لي من تقديم الشكر لكل من الأستاذ محمد حسن نوفلية والشيخ عمر نشوقاتي لما قدماه من صور لبعض منشورات جمعية العلماء، فلهما الشكر والتقدير وجزاهما الله خيراً.

والحمد لله رب العالمين. والله ولي التوفيق.

ترجمة موجزة لرئيس الجمعية

العلامة محمد كامل القصاب

(1290-1373هـ) (1873-1954م)

رئيسُ جمعية العلماء، أحدُ زعماء الحركة الوطنية الاستقلالية أيام الحكم التركي والانتداب الفرنسي، أحد أركان التعليم، خطيب بليغ منشئ متقن.

ولد بحي العقيبة، ويرجع أصلُه إلى حمص، وعَجِب أهل العقيبة إذ رأَوه يدخل مسجدها (جامع التوبة) فجأة، ويحتلُّ غرفة فيه وينقطع إلى العلم، وأمضى في اعتكافه وأخذه عن الشيوخ أعواماً تفقه فيها، وكان ذكياً، فحفظ القرآن الكريم وجوّده ولمَّا يجاوزُ العشرين من عمره، على المقرئ الشيخ عبد الرحيم دبس وزيت، ثم تفرَّغ للعلم فلازمَ الشيخ عبد الحكيم الأفغاني، قرأ عليه الفقهَ الحنفيَّ حتى برع فيه، وأَخذ عن الشيخ سليم المسوتي، وسمع الحديث الشريف مِنَ المحدث الشيخ بدر الدين الحسني وتضلَّع فيه، وأخذ عن الشيخ أمين الأرناؤوط وغيره علومَ العربية بفروعها.

ولمَّا بلغ الخامسةَ والعشرين سافر إلى مصر، فالتحق بالجامع الأزهر، وحصل على الشهادة العالمية، وخلال ذلك تلقى علم التفسير على الشيخ محمد عبده، وكذلك تلقى كثيراً على الشيخ محمد بخيت المطيعي، وعن أمثالهما.

ألقى في جامع التوبة دروساً خاصّة وعامّة، وبحث في الدليل من الكتاب والسنة، واستمر على هذه الطريقة إلى آخر حياته.

أبرز ما في صفاته نضالُه في سبيل رفعة شأن الأمة والوطن العربي، وسعيُه في مجال نشر العلم والثقافة والتوجيه والنصح. فبعد عودته من الأزهر رأى الدولة العثمانية تنهار،
خاصّة بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد وزجه بالسجن واستيلاء الاتحاديين على الحكم وعملهم على تتريك بلدان الخلافة العثمانية. أَسس مع عبد الغني العريسي، وتوفيق البساط، وعارف الشهابي ورشدي الشمعة وغيرهم من رجال العرب (جمعية العربية الفتاة)([3])  السرية.

واشتغل بالتعليم في مدارسَ ابتدائيةٍ أهلية مدةً يسيرة، ثم أَسس المدرسة العثمانية([4]) بدمشق سنة 1323هـ ثم سميت (الكاملية) تفريقاً لها عن المدرسة العثمانية ببيروت. منفقاً عليها من ماله ووقته في سبيل إنشائها.

انتدبه الوطنيون من جمعية (العربية الفتاة) السرية، للسفر إلى مصر والاجتماع بأقطاب اللامركزية، كالشيخ رشيد رضا، ورفيق العظم وغيرهما، فسافر إليهم وسألهم عن الخطط التي وضعوها للسير عليها، فيما لو انهار الاتحاديون في الدولة العثمانية.

وبعد وصوله إلى دمشق بشهر واحد قبض عليه الأتراك، وأرسلوه إلى (عاليه) حيث سجن أربعين يوماً، ومُنع من مخالطة الناس. ثم حاكمه جمال باشا بنفسه بعد منتصف إحدى الليالي، واستطاع بجرأته وبلاغته إقناعه ببراءته من تهمة الاشتغال بالسياسة، وبأن سفره إلى مصر كان لأسباب ثقافية تتعلق بالمدرسة ولشراء الكتب لها، فأطلق سراحه وعاد إلى دمشق.

وعندما بطش الأتراك بالزعماء الوطنيين لم يمكث كثيراً بدمشق خوفاً من أن يعاد إلى السجن فسافر إلى الحجاز بقصد الحج مع الشيخ بدر الدين الحسني الذي عاد من الحجاز بعد أن أدى فريضة الحج، وترك الشيخ كامل في مكة إلى أن انضمت إليه أفراد أسرته بعد أن توفيت زوجته في الطريق، ونزل ضيفاً على الشريف حسين الذي أقبل عليه واهتم به، وولاه رئاسة مجلس المعارف مع إدارة مدرسة ثانوية كانت مثال التعليم الصحيح والتربية العالية، وبقي هناك سنة ونصف السنة، يتنقل بين مكة المكرمة والوجه ووادي العيش مركز الجيوش العربية، وقد حكم عليه الأتراك بالإعدام غيابياً.

وبعد قيام الثورة العربية انتقل إلى مصر، وأسس هناك حزب الاتحاد السوري، وبعد الحرب العالمية الأولى عاد إلى دمشق ليتابع شؤون مدرسته، وليواصل العمل الوطني، ولما خرجت الجيوش التركية من دمشق كان مع الذين اجتمعوا في سراي (قصر) الحكومة لإعلان استقلال سورية، وانضمامهم إلى الثورة العربية.

ولما عزمت فرنسة على وضع سورية تحت الانتداب الفرنسي أسس مع عدد من الوطنيين (اللجنة الوطنية العليا)([5]) وترأسها وكان الكاتب العام فيها محبَ الدين الخطيب.

في هذه الفترة وجّه غورو إنذاره([6]) للملك فيصل والحكومة السورية بقبول شروطه فاجتمعت الحكومة برئاسة الملك وقررت قبول الإنذار، ولكن غورو ادّعى بأن ساطع الحصري قد تأخر بتسليم الرسالة إليه، بعدها اجتمعت الحكومة الفيصلية وقررت الدفاع عن البلاد، وصد العدوان الفرنسي بقيادة وزير الدفاع يوسف العظمة، أثناء ذلك اجتمع الشيخ كامل القصاب مع الملك فيصل موفداً من قبل اللجنة الوطنية العليا وصافح الملك وقال له: لقد حملتني اللجنة الوطنية العليا أمانة أقولها لجلالتكم ما دمتم قد قررتم الدفاع عن الوطن بالقوة، فإنا نعدكم بتجنيد عشرة آلاف مقاتل حتى المساء([7]) وللحال بدأت حركة التطوُّع برئاسة زعيم الجمعيات الوطنية الشيخ كامل القصاب وأخذ يلهب حماس الشعب بخطبه الرنانة وحديثه المثير للعواطف لتكون الأمّة بكاملها قوة للجيش، وساعده في ذلك صديقه ورفيق نضاله يوسف العظمة وزير الحربية([8]).

بعدها التقى الجيش السوري بقيادة يوسف العظمة مع الفرنسيين في معركة ميسلون، حيث استشهد يوسف العظمة إثر قذيفة سقطت عليه من إحدى الطائرات الفرنسية المقاتلة.

ولما دخل الفرنسيون دمشق افتتحوا قائمة أحكام الإعدام باسم محمد كامل القصاب، كما حكم عليه الأتراك من قبل.

وبعد معركة ميسلون وتحت التهديد ركب الملك فيصل ورئيس وزارته وبعض الوزراء قطار درعا من القدم إلى حوران، وتوقف فيها، إلا أن الفرنسيين أرسلوا طائراتهم الحربية تنذر الملك بالخروج من حوران بسرعة، وقد لحق بأثره بعض أعضاء اللجنة الوطنية العليا السادة: الشيخ كامل القصاب، والشيخ محمد حمدي الأسطواني الشهير بالسفرجلاني، والشاعر خير الدين الزركلي، وبارح الجميع حوران إلى الأردن وفلسطين وأقام قسم منهم في القاهرة، والقسم الآخر تابع سفره مع الملك([9]).

بعد ذلك توجه الشيخ كامل القصاب إلى حيفا، فرحب به أهلها، وأقام وأنشأ لهم مدرسة تضاهي مدرسته بدمشق، وكان إنتاجه فيها كإنتاجه في مدرسة دمشق، وخلال هذه الفترة تنقل بين فلسطين ومصر يعمل للقضية العربية، وسافر إلى اليمن، وقابل الإمام يحيى حميد الدين سنة 1922م لجمع كيان العرب.

وفي سنة 1925 استدعاه الملك عبد العزيز آل سعود إلى مكة المكرمة، وعهد إليه بمديرية معارف الحجاز، فأسس خلال سنة ونصف ما يقرب من ثلاثين مدرسة في أنحاء مختلفة من الحجاز.

وفي فلسطين اشترك مع الشهيد عز الدين القسّام في الجهاد ضد الإنكليز والصهاينة وكان قد ألف بالاشتراك معه كتاب (النقد والبيان في دفع أوهام خزيران)([10]).

وفي سنة 1356هـ/ 1937م عاد إلى دمشق بعد صدور العفو العام، ورأى مدرسته قد تضاءل شأنها، وقلّ طلابها، إذ مالوا إلى مدارس الحكومة التي قررت وزارة المعارف وقتئذ ألا تقبل سوى شهادتها لدخول الجامعة، فأحب أن يخدم البلاد عن طريق نهضة العلماء بعد أن فشلت مساعيه مع ساسة العرب، فأسس بطلب من أهل العلم جمعية العلماء التي نالت تصريحاً رسمياً من وزارة الداخلية في 5 رمضان 1356هـ/ 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 1937م.

ووُضع للجمعية دستورٌ بيَّن غايتها، وأموالها، ونظامها الداخلي المفصّل، ونصّ الدستور.

كان من أبرز أعمال الجمعية إنشاء المعهد العلمي الديني بدمشق.

وفكرت الجمعية بتأسيس عدة مدارس أولية ذات صفين في جميع أنحاء البلدة؛ لمكافحة الأميّة.

وكان للجمعية مواقف عظيمة إيجابية مؤثرة، منها: إلغاء قانون الطوائف.

ووقفت الجمعية بحَزْمٍ ضد قانون تصفية أوقاف السلاطين والأمراء والذرية. وكان للمترجم مشاركة ودور في مؤتمر العلماء الأول الذي عقد في دمشق بتاريخ 11-13 رجب سنة 1357هـ/ 6-8 أيلول/ سبتمبر 1938م.

وكان للمترجَمِ لَهُ مشاركة ودور في مؤتمر العلماء الأول الذي عقد في دمشق بتاريخ 11-13 رجب سنة 1357هـ/ 6-8 أيلول/ سبتمبر 1938م.

كان المترجَم له – إلى جانب أعماله هذه – تاجراً أسس شركة تجارية في مصر تمارس تجارة مال القبّان (المواد الغذائية)، جريئاً في المضاربة بأمواله، وله عقارات في حَيْفا استولى عليها الاحتلال.

ترك من المؤلفات كتابين: (ذكرى موقعة حطين) (بالاشتراك)، (النقد والبيان في دفع أوهام خيزران) (بالاشتراك مع محمد عز الدين القسَّام).

أصابه مرض في المثانة في أخريات حياته، فلزم داره مدّة طويلة، ثم شفي، وما لبث أن ألمَّ به عارض في دماغه لم يمهله سوى ثلاثين ساعة، فتوفي رحمه الله يوم السبت 23 جُمَادى الآخرة 1373هـ/ 27 شباط 1954م. وكان قد أوصى أن تشيع جنازته بما يوافق الشريعة الإسلامية، وصادف يوم وفاته اضطرابات لعلع فيه الرصاص في سماء مدينة دمشق زمن الشيشكلي، فصلّى عليه بضعة أفراد في بيته، وتسللوا بنعشه بين الأزقة، ودفنوه في قبر والده بمقبرة الباب الصغير بجوار مقام الصحابي الجليل بلال الحبشي.

صدر الكتاب بدار طيبة

دمشق – بيروت 1435هـ/ 2014م

               

([1])      حاضر اللغة العربية في الشام للأستاذ سعيد الأفغاني (المقدمة). بتصرف

([2])      ألحقت أهمها في ترجمة رئيسها التي تتبع هذه المقدمة.

([3])      جمعية الفتاة العربية أسست في استانبول عام 1909 أو سنة 1911  بعد إعلان الدستور العثماني ثم انتقلت إلى باريس. ثم انتقل مركز الجمعية إلى سورية بعد عودة مؤسسيها إلى بلادهم سنة 1913م وقد اتخذت من بيروت مقراً رئيسياً لها وقد تولى الدكتور أحمد قدري إدارة فرعها في سوريا فاتسع نطاقها وكثر عدد أعضائها، وقد انضم إليها بعد انتقالها إلى بيروت قبل إعلان الحرب العالمية الأولى عدد من الوطنيين منهم نسيب البكري والأمير عارف الشهابي وسيف الدين الخطيب والشيخ كامل القصاب، وكان شعار الجمعية في بداية تأليفها: العمل للنهوض بالأمة العربية إلى مصاف الأمم الحية، وعدم الانفصال عن الترك.

للتوسع انظر: مذكراتي عن الثورة العربية الكبرى للدكتور أحمد قدري ص37، وانظر: الفكر والسياسة لدى الجمعيات والمنتديات والأحزاب العربية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى ص80-81.

([4])      المدرسة العثمانية (الكاملية) بدمشق: أسسها الشيخ محمد كامل القصاب سنة 1323هـ/ 1905م وهي من أوائل العوامل في بعث الروح العربية والوطنية بدمشق، تطوع للتدريس بها: عبد الوهاب الإنكليزي (لقباً) وعارف الشهابي، وعبد الرحمن الشهبندر، وأسعد الحكيم، وخير الدين الزركلي وصالح قنباز وسليم الجندي ورشيد بقدونس وسعيد العاص وغيرهم. قال الأستاذ سعيد الأفغاني نقلاً عن الأستاذ أبي الحسن القصاب نجل المؤسس الزعيم الشيخ محمد كامل القصاب: "وكان والي دمشق حينئذ إسماعيل فاضل باشا مسلماً ديناً يحب العرب، فكان يزورها تباعاً حتى صار له بها ولوع، وعليها عطف، وخطت المدرسة برسالتها خطوات إلى الأمام بتشجيعه، وأذكر أني حين كنت تلميذاً فيها خرجنا جميعاً طلاباً وأساتذة في مظاهرة كبرى نرتدي الألبسة العربية (العباءات والعُقُل) وننشد في أسواق دمشق بكل حماسة النشيد المشهور:

          (نحــــن جنــــد الله شبــــان البـــــــلاد               نكــــره الــــذل ونأبــــى الاضطهــــاد)

وكان والدي ينتقي للتعليم فيها القديرين من أهل الإخلاص على العربية وبلادها ولغتها. وكان معلموها (وقد مرت أسماء أكثرهم وهم في الرعيل الأول من زعماء البلاد وأحرارها) قل أن تخلو منهم غرفة والدي المؤسس.

واشتهرت المدرسة بتمثيل الروايات باللغة الفصحى والإقبال عليها، وكان يضع هذه التمثيليات (وكلها وطنية) أو يترجمها أساتذة أكفياء كالأستاذ الدكتور أسعد الحكيم والأمير عارف الشهابي =

=       الذي ترجم عن التركية رواية (طارق بن زياد وفتح الأندلس) ومثلت في المدرسة وكانت حدثاً هزَّ البلد في العهد التركي.

ثم خلف الوالي الفاضل والٍ من حلب مُسْتَتْرك اسمه عارف المارديني، حارب المدرسة تقرباً إلى الحكام الأتراك: فدعي يوماً إلى حضور تمثيلية بعنوان (الحق والباطل) فاستاء مما فيها من عيب للحكام وإثارة للمحكومين فانسحب قبل انتهاء الحفلة، وقال لمؤسس المدرسة الذي خرج لوداعه (إني مستعد لكل مساعدة)، ثم قدم وشاية ومرة إلى وزارة المعارف في الآستانة لمحاكمة والدي. فلما أعلنت الحرب الأولى سنة 1914 شُغلوا عنه".

وقال الأستاذ سعيد الأفغاني رحمه الله: كان الشيخ محمد كامل القصاب ومن عاونوه حريصين على رسالة العربية ينشرونها بمختلف الوسائل، وكان من أحبها إلى الطلاب والشعب معاً الخُطب والأناشيد والحفلات، فعكفوا ينتجون منها كل ما طاب روحــاً ومعنى وبياناً، وكــان أكثرهــا في تعريف الناشئ بأمته ووطنه ولغته وأمجاده واستنهاضه لإحيائها، وكان الإقبال على استظهارها وإنشادها في الأسواق والمجامع مما أولع به الصغار والكبار، فبثت الروح المطلوبة وقطفت اللغة العربية أطيب الثمار من هذه المدارس القليلة عدداً الكبيرة إيماناً وإخلاصاً في خدمة الأمة العربية. ومن الحق الإشارة هنا إلى أنها امتحنت بكثير من المضايقات لتخمد أنفاسها، فلم يزدها ذلك إلى قوة في الحياة، وكان ما يتساقط على رؤوسها من المثبطات أضعاف ما يزدحم على المدارس الأجنبية من المشجعات. هذا تاريخ قَلَّ من أشار إليه إشارة، ولعل هذا من تتمة حظها المنكود مادياً ولا يليق بمن يتكلم على نهضتنا أن يغفل باعثيها الحقيقيين، ويشتغل بمن دونهم ممن ظهر على مسرح السياسة الغوغائية".

(حاضر اللغة العربية في الشام للأستاذ سعيد الأفغاني ص27-31، الأعلام 7/13).

([5])      اتخذت مركزاً لاجتماعاتها في منتصف سوق الحميدية بالطابق العلوي، تجاه مفرق سوق البورص بالعصرونية، وضمت لعضويتها وجهاء البلاد السادة: الشيخ محمد كامل القصاب، والشيخ السيد محمد سعيد الحمزاوي، والشيخ محمد حمدي الأسطواني الشهير بالسفرجلاني، والشيخ محمد عيد الحلبي، والحاج أمين دياب، والسيد شكري الطباع، والسيد سامي مردم بك، والسيد ياسين دياب، والسيد صبحي القضماني، والسيد عبد القادر سكر، والسيد عوني القضماني، والشاعر السيد خير الدين الزركلي، والسيد توفيق شامية، والسيد عبد الله شموط، والسيد عمر البهلوان، وكان يؤازرهم السيد عطاء الأيوبي، والسيد فريد الغزي، والسيد عمر فرحات، والسيد عبد المجيد الطباخ (العرب من وراء اللهب 34-36).

([6])      تضمن هذا الإنذار خمس مواد يجب أن تعترف بها الحكومة الفيصلية وهي:

1- الاعتراف بالانتداب الفرنسي.

2- يحتل الجيش الفرنسي حلب لتأمين الخط الحديدي.

3- أن تسلم حكومة الملك فيصل 50 رجلاً الذين يضرمون الثورة في المنطقة الغربية.

4- إسقاط وزارة رضا الركابي.

5- إبطال الخدمة العسكرية وحل الجيش، والقبول بالمعاملة الورق السوري.

([7])      العرب من وراء اللهب، ص43.

([8])      حدثني عمي الشيخ عبد الوهاب الحافظ رحمه الله قال: إنه شاهد الشيخ كامل القصاب في اليوم الذي كان قبل معركة ميسلون يدخل إلى دار الحديث الأشرفية ليقابل الشيخ بدر الدين الحسني في هذا الشأن ثم ينتقل من منطقة إلى أخرى في أحياء دمشق حيث كان يخطب بالناس ويحمسهم للجهاد في ميسلون، ويجتمع بالوجهاء وأصحاب النفوذ لتجميع المجاهدين، مما كان له تأثيره الكبير.

([9])      العرب من وراء اللهب، 48-50.

([10])     طبع بدمشق بمطبعة الترقي سنة 1344هـ/ 1925م عن نفقة مؤلفيها محمد كامل القصاب ومحمد عز الدين القسّام نزيلي مدينة حيفا، في 139 صفحة.

وقد جمعا فيه من الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال علماء المذاهب الإسلامية على أن الصياح في التهليل والتكبير وغيرهما أمام الجنائز مكروه تحريماً وبدعة قبيحة يجب على علماء المسلمين إنكارها، وعلى كل قادر إزالتها.

وفي آخر الكتاب شهادات طائفة عظيمة من علماء المسلمين مؤيدة لذلك تبدأ من الصفحة 77 حتى نهاية الكتاب، ص139.

وتتضمن هذه الشهادات كلمات لكل من الشيخ محمد بهجة البيطار، والشيخ محمد بهجة الأثري، والشيخ محمد راغب القباني الحسيني البيروتي، والشيخ صالح نجم الدين التونسي، والشيخ محمد =

=       بخيت المطيعي، والشيخ صالح الحمصي، والشيخ عبد المعطي السقا، والشيخ عبد القادر المغربي، والشيخ محمد جميل الشطي، والشيخ محمد بن يوسف الكافي، والشيخ محمد توفيق الغزي العامري، والشيخ عبد الكريم الحمزاوي الحسيني، والشيخ محمود ياسين، والشيخ محمد بن خليل عيد التاجي، والشيخ عبد القادر بدران، والأستاذ محمد سليم الجندي، والشيخ مصطفى الشطي، والشيخ خالد النقشبندي الأزهري، والشيخ السيد سعيد الحمزاوي.