فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية، وتطبيقات معاصرة

ملخص البحث باللغة العربية

خضير باعلي وسعيد، فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية، وتطبيقات معاصرة ، رسالة ماجستير، فقه وأصوله، كلية الشريعة، جامعة اليرموك، 2015م، إشراف د.أسامة عدنان الغنميين.

   يهدف البحث إلى الكشف عن منهج التوصّل إلى الأولويات التي لها حقّ التقديم على غيرها في مجال السّياسة الشّرعية، ثم كيفية تطبيق ذلك على بعض النماذج ذات الأهمّية في الواقع، وقد اعتمد الباحث في ذلك المنهج الاستقرائي والمنهج التحليلي. وتوصل إلى أنّ ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية يتمّ من خلال دراسة الخيارات السياسية المتاحة؛ في ضوء مقاصد الشريعة وفقه الواقع والمآل وسد الذرائع؛ مع مراعاة التدرج، والقيم السياسية في الإسلام، وثوابت الشريعة ومتغيراتها، والأخذ (( الأصح أن يقال هنا : آخذين بعين الاعتبار كذا وكذا ../ أو مع أخذ كذا وكذا بعين الاعتبار))***  بعين الاعتبار مقتضيات التخطيط والاستشراف ودراسة السنن الكونية، ونتائج العلوم الحديثة؛ ليتمّ تحديد أولويات التصرفات السياسية بناء على كلّ ذلك.  كما توصل إلى أنّ السياسة الشرعية تُعنى بتقديم تنمية الوعي -عن طريق التربية والتكوين- قبل الإلزام بالتشريعات، بالإضافة إلى أنّها تولي أهمية كبيرة لتنمية قيم التسامح وتقوية الدولة؛ بتنميتها من الجانب الاجتماعي والاقتصادي، والاعتناء بالعلوم بمختلف أنواعها إلى جانب تنصيب الكفاءات من أجل تكوين دولة متماسكة وقوية تُثبِت صلاحية التشريع الإسلامي لقيادة البشرية، وهذا كله وفق مرحلية مدروسة. أما ما يتعلق بتوجّه نظام الدولة فيجب فيه تقديم المصلحة الأساسية على المصلحة الشكلية، والتركيز على المبادئ والقيم لا على المسمّيات. ويوصي الباحث بتطوير المنهج الذي قدّمه بخصوص كيفية ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية، والاستفادة منه في الدراسات السياسية المعاصرة بمختلف مجالاتها.

الكلمات المفتاحية: فقه، مقاصد، ترتيب، الأولويات، السياسة، الشرعية.

المقدمة

تمهيد:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومتبعيه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

يشهد العالم تغيرات جذرية في عدة جوانب ((الأصح في جوانب عدّة ))*** ؛ وخاصة (( الأفضل هنا : ولاسيما))*** على مستوى الجانب السياسي، وفي هذا الخضم أضحى لزاما تكوين رؤية واضحة للتعامل الإسلامي مع القضايا السّياسية على مختلف أصعدتها(( الأصح صعدها: صعيد جمعها صعد))***  ؛ إنْ على مستوى علاقة الدولة بالأفراد، أو على مستوى علاقة الدولة بغيرها من الدول والتنظيمات العالمية؛ لتكون هذه الرؤية نبراسا تستضيء به المجتمعات المسلمة في الوقت المعاصر؛ لتحُلّ كثيرا من إشكالاتها.

 ومن جانب آخر؛ فإن غياب تصوّر واضح فيما يتعلّق بتعامل الشّريعة الإسلامية مع القضايا المعاصرة أدّى بالبعض إلى القول بأن الشّريعة الإسلامية غير صالحة لهذا العصر؛ نظرا لبعدها عن الواقع، وأدّى بالبعض الآخر إلى التهوّر في التعامل مع هذه القضايا السّياسية؛ انطلاقا من نصوص مبتورة من سياقها النّصي والتاريخي؛ فأدّى ذلك إلى تشويه صورة الإسلام لدى العالم، والتشكيك في صلاحية هذا الدّين لتحقيق طموحات البشرية من التنمية والعدل والكرامة.

ومن التصوّرات الخاطئة في ذلك؛ الاعتقاد بأن الهدف الأول والأخير للحكم الإسلامي هو قطع الأيدي وجزّ الرقاب تطبيقا للحدود؛ في غفلة عن الرؤية الشمولية والكلية للتصور الإسلامي للحكم من وجوب أداء الأمانات، والعدل، فكان ذلك سببا لتشويه صورة الإسلام. ومن ذلك أيضا بعض الممارسات التي فَرضت -باسم الإسلام- بعض التعاليم الإسلامية على كافة المواطنين جبرا؛ دون إقناع، وكذا من ينادي بالحرية والديمقراطية، لكن ما إن يتسلم زمام الأمور يتحوّل إلى الاستبداد، وكأن الديمقراطية مجرّد سلَّم في طريق الحكم.

ومن ذلك انشغال بعض الدعاة ببعض الخلافات المذهبية الفرعية التي تناولها العلماء عبر التاريخ –وإشغالهم( وشَغلهم) *** الناس بذلك- بعيدا عن التحديات التي تواجه الأمة وما يلزم لها من تكوين في فقه سنن التغيير وفقه النهوض الحضاري ونحو ذلك.

وربّما ليس الخلل في النّصوص أو الأدلة التي يعتمد عليها هؤلاء جميعا؛ لكن في فهم تلك النّصوص وتنزيلها؛ بتقديم ما هو أولى باختلاف الظروف والحالات. ومن هذا المنطلق وجب إجراء بحوث ودراسات حول هذه القضايا وتبيين حكمة تشريعها وكيفية تطبيقها بما يتناسب مع سماحة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان.

وفي هذا السّياق يأتي هذا البحث بعنوان: "فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية، وتطبيقات معاصرة"؛ يسعى فيه الباحث إلى الكشف عن الأُسُس التي من خلالها يتمّ ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية،  ثم يحاول تطبيق ذلك على بعض النماذج العامة التي لها علاقة بالواقع المعاصر؛ استنادا إلى الأدلة الشّرعية والقواعد الأصولية ومقاصد الشّريعة الغرّاء.

مشكلة الدراسة وأسئلتها:

المشكلة الرئيسة للدراسة: كيف يمكن التوصّل إلى الأولويات التي ينبغي سلوكها في مجال السّياسة الشّرعية، وكيف يمكن تطبيقها على بعض النماذج ذات الأهمّية؟

وتتفرّع عن هذه المشكلة عدة أسئلة ((أسئلة عدّة))** فرعية؛ أهمها:

1.                ما المراد بفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية؟

2.                ما التأصيل الشرعي لفقه الأولويات في السياسة الشرعية؟

3.                كيف يتمّ ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية؟

4.                كيف يمكن تطبيق فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية على نماذج ذات صلة بالواقع المعاصر؟

أهداف الدراسة:

يهدف البحث إلى التوصّل إلى أُسُس ترتيب الأولويات التي ينبغي العمل عليها فيما يتعلّق بالقضايا السّياسية انطلاقا من التشريع الإسلامي، ثم تطبيق ذلك على بعض النماذج ذات الأهمّية لصلتها بالواقع. ويندرج تحت هذا الهدف العام عدّة أهداف ((أهداف عدّة)) *** كما يأتي:

1.                تحديد معنى فقه الأولويات في السياسة الشرعية.

2.                تأصيل فقه الأولويات في السياسة الشرعية.

3.                التوصل إلى كيفية ترتيب فقه الأولويات في السياسة الشرعية.

4.                تطبيق فقه الأولويات في السياسة الشرعية على نماذج من الواقع المعاصر.

أهمّية الدراسة:

تتمثل أهمّية الدراسة في كونها:

1.      تلقي الضوء على الواقع المعاصر من خلال مقتضيات الفقه السياسي؛ خاصة (( لاسيّما))*** في هذا الوقت الذي التبس فيه مفهوم تطبيق الشّريعة على كثير ممّن ينادي به؛ في ظل غياب منهج واضح ونموذج عملي في هذا؛ فتجد البعض يسعى إلى إعادة صياغة الماضي كما هو بتفاصيله وجزئياته، والبعض الآخر ينادي بإلغائه مطلقا.

2.      توضح الرّؤية للعاملين في المجال السياسي؛ بتقديم أسس لترتيب الأولويات للوصول إلى حُسْن التّعامل مع التّحديات المعاصرة في قضايا السّياسة الشّرعية محلّ البحث.

3.      تظهر مدى صلاحية الشّريعة لكل زمان ومكان، وأنها رسالة رب العالمين للخلق أجمعين؛ بمختلف ثقافاتهم وعصورهم وظروفهم.

4.                 تطبق فقه الأولويات على بعض القضايا في السّياسة الشّرعية ذات الصلة بالواقع؛ بهدف إيجاد حلول لإشكالات عالقة.

حدود الدراسة:

يقصُر الباحث دراسته على الجانب النّظري التأصيلي لـ"فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية"، وأسس التربيب (( الترتيب))*** بين الأولويات وضوابطه في مجال السياسة الشرعية، ثم يُتبِع ذلك بنماذج تطبيقية مختارة؛ تمّ اختيارها على أساس صلتها بالواقع.

ولا يتطرّق الباحث إلى تأصيل فقه الأولويات بصفة عامة؛ لكونه قد بُحث فيه، ولا إلى بعض المجالات في السّياسة الشّرعية؛ كنظرية الإمامة بين المذاهب وواجبات الحاكم وغير ذلك، لأن الدراسة لا يمكنها أن تسع لهذا. ((تسَع هذا.. أو تتسِع لهذا )) ***

منهج الدراسة:

طبيعة الدراسة تقتضي العمل على عدّة مناهج (( مناهج عدّة )) ***؛ أهمّها:

1.      المنهج الاستقرائي: باستقراء النّصوص الشّرعية المتعلقة بفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية، وكذا استقراء بعض حوادث التاريخ المتعلقة بالموضوع، لاستخلاص قواعد عامة وأحكام كلية.

2.      المنهج الاستنباطي: بتحليل النّصوص الشّرعية محلّ البحث ودراستها، لاستنباط الأحكام منها، لإدراك أبعادها ومضامينها والاستفادة منها في كشف سلم الأولويات في السّياسة الشّرعية، وكذا تحليل الواقع في بعض القضايا؛ لفهمه وإدراك الحكم الشّرعي المتعلق به.

الدراسات السابقة:

توصّل الباحث -قبل البحث وأثناءه- // وفي أثنائه : جمع ثِني//*** إلى عدد من الدراسات السابقة في الموضوع؛ وهي ما يأتي:

1.      دراسة الغنميين، وآخرون، مسالك التّمكين في السّياسة الشّرعية؛ -الموازنة في المصالح والمفاسد-([1])، وكانت إشارات مختصرة عن أهمّية فقه الموازنات وضرورة تفعيله للتمكين في السّياسة الشّرعية، مع نماذج وأمثلة واقعية لذلك؛ استنادا إلى نصوص الشّرع وتطبيقات الخلفاء الراشدين، وكانت –بحجمها- مختصرة درست جانبا من الموضوع في شقّيه التأصيلي والنموذجي، وذُكر فيها بأنّ الأمر لا يزال بحاجة إلى بحث وتمحيص ومدارسة ونقاش، وهو ما سيتطرق إليه الباحث في هذه الدراسة، مع محاولة الكشف عن المنهج العام لترتيب الأولويات في السياسة الشرعية.

2.      دراسة الكربولي، فقه الأولويات في ظلال مقاصد الشّريعة([2])، وتناول تعريف فقه الأولويات وعلاقته بمصطلحاتٍ ذات صلة، ثم تأصيل فقه الأولويات من القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين، ثم تطرّق إلى أسس الترجيح بين المصالح والمفاسد، ثم تطبيقات عامة على فقه الأولويات. وقد استفاد الباحث من هذه الدراسة –كغيرها- من قضية الموازنات وبعض الأمثلة النموذجية، وحاول بعد ذلك إيجاد التصور الكلي للأولويات من منطلق السياسة الشرعية، ثم إسقاطه على نماذج تطبيقية.

3.      دراسة ملحم، تأصيل فقه الأولويات وتطبيقاته في حفظ الدين في السّياسة الشّرعية([3])؛ ركّزت على الجانب النّظري لتأصيل فقه الأولويات بشكل عام، وأسس الموازنات بين المصالح والمفاسد، ثم تطرقت إلى معنى السياسة الشرعية ومقاصدها ومجالاتها، وأتبعت ذلك بنماذج لأولويات من السياسة الشرعية.

وما يضيفه الباحث هو محاولة الكشف عن منهج ترتيب الأولويات في مجال السياسة الشرعية بشكل خاص؛ تبعا لخصوصية المجال وتغيره، وهذه النقطة لم تتطرق إليها جميع الدراسات السابقة – على حدّ اطلاع الباحث-، ثم محاولة تطبيق ذلك المنهج على قضايا نموذجية.

4.      دراسة رازي، فقه الأولويات ودوره في الحكم على القضايا السّياسية المعاصرة([4])، وركّزت –كسابقتها-على الجانب النّظري من تأصيل فقه الأولويات بشكل عام، مع التّطرّق إلى أهميتها وأثرها في الواقع، ثمّ أوردَت نماذج لترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ متمثلة في حكم تولية المرأة وغير المسلمين للوظائف العامة، وإمامة غير المجتهد، وعلاقة الدولة المسلمة بغيرها والمشاركة السّياسية.

وما يضيفه الباحث –إضافة إلى الكشف عن منهج ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية- هو محاولة تطبيق ذلك المنهج على مزيد من القضايا السياسية لإيجاد حلول لبعض الإشكالات في الواقع.

5.      دراسة رحال، تأصيل الأولويات وكيفية تحديدها([5])، وتناولت مفهوم الأولويات وتأصيلها من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال بعض العلماء، ثم كيفية ترتيب الأولويات؛ من خلال بعض المحددات.

6.      حساني، نظرية الأولويات في الشّريعة الإسلامية([6])؛ تطرقت إلى اهتمام كلٍّ من القرآن الكريم والسنة النبوية والصحابة والتابعين بفقه الأولويات، ثم نتيجة الخلل في ترتيب الأولويات، ثم عرض نظريته؛ بدءا من الأولويات في التعامل مع السنة، ثم مع الأوامر والنواهي، ثم أولويات المصالح والمفاسد، وعلاقة الأولويات بالظروف والواقع، وبعده ضوابط لترتيب الأولويات، وأخيرا تطبيقات معاصرة لفقه الأولويات.

7.      دراسة الوكيلي، فقه الأولويات([7])،عرف فيها فقه الأولويات، وتطرق إلى أسباب ظهوره، ثم التأصيل الشّرعي للأولويات، وطرق معرفتها، وضوابط الأولويات في حالة التزاحم وحالة التدرج الدعوي.

والجديد الذي تضيفه هذه الدراسة -فقه الأولويات في السياسة الشرعية- على الدراسات الثلاثة الأخيرة والتي قبْلها؛ هو محاولة التأسيس لفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية بشكل خاص؛ إذ إنّ أسس الترتيب بين الأولويات قد تختلف من مجال إلى مجال، ثم محاولة تطبيق هذا الفقه في بعض النماذج المختارة من السّياسة الشّرعية؛ على أساس صلتها بالواقع، ومن ذلك ما يخصّ الجانب السياسي للدولة، ثم الجانب الاقتصادي، والجانب الاجتماعي، ثم الجانب الدعوي والإعلامي. ويتخلّل ذلك المناقشة والترجيح في بعض المسائل المختلف فيها. والله الموفّق.

خطة الدراسة:

قسم الباحث دراسته إلى ثلاثة فصول وكل فصل يتضمن مباحث ومطالب، وخصص الفصل الأول لتعريف فقه الأولويات في السياسة الشرعية وبيان أهميته، أما الفصل الثاني فكان لتأصيل فقه الأولويات في السياسة الشرعية،  ومناقشة أسسه وضوابط الترتيب فيه، أما الفصل الثالث (( فهو))***  لنماذج تطبيقية لفقه الأولويات في السياسة الشرعية.

وفي الأخير؛ لابد من الإشارة إلى أن هذا البحث هو مقاربة للصّواب فيما يتوصّلَ إليه؛ إذ فيه كثير من القضايا التي تتعدّد فيها وجهات النّظر؛ وهذه طبيعة المسائل الفقهية والمقاصدية بشكل عام، وفي السياسة الشرعية بشكل أخصّ. ويأمل الباحث من هذه الدّراسة أن تكون إضافة نوعية في ميدان الفقه السياسي الذي لا يزال بحاجة إلى مزيد من البحث والتّحقيق، وأن تؤتي ثمارها فهما سليما لبعض القضايا الشّرعية لدى المسلمين وغير المسلمين، وأن تكون إسهاما في الرّقيّ الحضاري بما ينبغي أن تكون عليه الإنسانية من عمارة للأرض بالعدل والخير والتسامح.

الفصل الأول: معنى فقه الأولويات في السياسة الشرعية وأهميتُه

الفصل الأول: معنى فقه الأولويات في السياسة الشرعية وأهميتُه

        تمهيد:

قبل الولوج إلى صلب الدراسة؛ لابد من تحديد المصطلحات الأساسية، لتكون بمثابة أرضية يُتّفق عليها في بناء المفاهيم ومناقشة القضايا فيما يأتي، ولهذا سيتمّ تعريف السّياسة الشّرعية لغة واصطلاحا، ثم فقه الأولويات، ثم المعنى الاصطلاحي لـ"فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية"، وبعد ذلك يتمّ التطرّق إلى أهمّية فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية.

المبحث الأول: تعريف السّياسة الشّرعية

مصطلح "السّياسة الشّرعية" -في الحقيقة- من المصطلحات الواسعة، وسيتمّ التطرق إليه وفقا لما يأتي:

المطلب الأول: السّياسة لغة واصطلاحا

المطلب الثاني: الشّريعة لغة واصطلاحا

المطلب الثالث: السّياسة الشّرعية عَلَما مركبا

المطلب الأول: السّياسة لغة واصطلاحا

ولتعريف السّياسة XE "م:السّياسة" ؛ سيتمّ إيراد المعنى اللغوي لهذا المصطلح، ثم تعريفه عند علماء السّياسة الوضعية، ثم عند فقهاء الشريعة الإسلامية.

الفرع الأول: السّياسة لغة.

1. السّياسة لغة: السّياسة من (س و س)، وترجع في معناها اللغوي إلى ثلاثة أصول: "الأول فسادٌ فِي شَيءٍ، ومن ذلك سَاسَ الطّعامُ يَسَاسُ، وَأَسَاسَ يُسِيسُ، إِذَا فسَد بِشَيْءٍ. والثاني: جِبِلَّةٌ وَخَلِيقَةٌ، فالسُّوسُ هو الطَّبعُ. وَيُقالُ: هذا مِن سُوسِ فلانٍ، أَيْ طبعهِ"([8])، والثالث: "حُسنُ القيام على المال"([9]) "والدّواب وغير ذلك، ومنه يُقال: الْوَالِي يَسُوسُ الرّعيةَ سِياسةً؛ أيْ يَلِي أَمرَها"([10]) "وسَاس الأَمرَ سِياسةً: قَام بهِ، ورجل ساسٌ مِن قومٍ سَاسةٍ وسُوّاس؛ والسَّوس: الرِّياسة، يُقالُ سَاسُوهُم سَوْساً، وإِذا رَأَّسوه قِيلَ: سَوَّسُوه وأَساسوه. وَفِي الحديث: (كَانَ بَنُو إِسرائيل يَسُوسُهم أَنبياؤهم XE "ح:كَانَ بَنُو إِسرائيل يَسُوسُهم أَنبياؤهم" )([11])، أَي تتولّى أمورَهم، فالسّياسة بهذا المعنى هي القيامُ على الشّيء بما يُصلحُه"([12]). والمعنى الأخير هو الأقرب إلى المعنى الاصطلاحي الآتي ذكره.

الفرع الثاني: السّياسة في اصطلاح علماء السّياسة الوضعية

لمصطلح "السّياسة" عند علماء السّياسة الوضعية تعريفات كثيرة، ومنها أنّها: "الجهد لإقامة النّظام والعدل وتغليب الصالح العام والمصلحة الاجتماعية المشتركة في وجه ضغوط المصالح الفئوية"([13])، وفي تعريف آخر للسياسة أنها: "علم دراسة المصالح المتضاربة وانعكاسها على تكوين السّلطة والحفاظ على امتيازات الطبقة الحاكمة"([14]) وفي تعريف آخر أن السّياسة هي: "النشاط الاجتماعي الفريد من نوعه، الذي ينظم الحياة العامة، ويضمن الأمن ويقيم التوازن والوفاق من خلال القوة الشّرعية والسيادة بين الأفراد والجماعات المتنافسة والمتصارعة في وحدة الحكم المستقلة على أساس علاقات القوة، والذي يحدد أوجه المشاركة في السّلطة بنسبة الإسهام والأهمّية في تحقيق الحفاظ على النّظام الاجتماعي"([15]).

ويلاحظ أنّ التعريف الأول ركّز على السّياسة من منطلق الطبقة المحكومة، في حين أنّ التعريف الثاني ركّز على المصطلح من منطلق الطبقة الحاكمة، وبين هذا وذاك التعريف الأخير، فالمصطلح يختلف مفهومه باختلاف التوجّهات والمدارس الفكرية.

الفرع الثالث: السّياسة في الاصطلاح الشّرعي

"لم يكن الفصل بين مصطلحي "السّياسة" و"السّياسة الشّرعية" عند الفقهاء المتقدمين؛ انطلاقا من أنّ السّياسة هي الإصلاح، ولا إصلاح حقيقيا إلا بالشّرع"([16])، وفي هذا مقولة: "لا سياسة إلا ما وافق الشّرع"([17])، "فإطلاق لفظ "السّياسة" بدون قيد "الشّرعية" كافيا( الصواب كافٍ***) لإفادة المطلوب، ثم مع ضعف العلم وعدم الفقه الجيد بسياسة الرسول r عند بعض الولاة صارت السّياسة تُخالف الشّرع، فاحتيج إلى تقييد "السّياسة" بـ"الشّرعية"، لإخراج السّياسة الظالمة"([18]).

وفيما يأتي بعض تعريفات الفقهاء للسياسة:

-       السّياسة هي" ما كان فعلا يكون معه الناس أَقربَ إلى الصّلاحِ، وَأَبعدَ عَن الفسادِ، وإن لمْ يَضعهُ الرَّسولُ r، وَلَا نَزلَ بِهِ وحْيٌ"([19]).

ويلاحظ في هذا التعريف أنه يتضمّن ما كان منصوصا عليه، وما لم يكن منصوصا عليه مما يوافق الشّرع؛ وأشار إليه بقوله: "وإن لم يضعه الرسول r ولا نزل به وحي".

وأيضا يتضمّن النسبية في تحقيق الصواب؛ ذلك أنّ السّياسة الشّرعية في أغلبها اجتهادات؛ إمّا في تنزيل النّصوص على الوقائع، أو في استنباط الحكم فيما لم يرد فيه نص بخصوصه من المسائل المستجِدة، وبالتّالي فمجال الاجتهاد فيها واسع، وكما هو معلوم بأن الاجتهاد عُرضة للخطأ والصّواب، وإلى هذا أشار بقوله: "يكون النّاس فيه أقرب إلى الصلاح  وأبعد عن الفساد".

ووردت السّياسة عند الحنفية على معنيين: الأول: معنى خاص، وهو: "السّياسة شَرع مُغلّظ"([20]) فحصروا السّياسة –على  هذا المعنى- في تغليظ التعزير، فهي "تغليظ جناية لها حكم شرعي حسما لمادة الفساد"([21]) ومثّلوا له بـ"قتل السارق إذا سرق ثالثا ورابعا"([22])، وعلى هذا قالوا: "السّياسة والتعزير مترادفان"([23]).

والثاني: عندهم بمعنى عام، وهو: "السّياسة استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطّريق الْمُنجِي فِي الدّنيا والآخرة"([24])، وقريب من هذا تعريف السّياسة بأنّها: "فعلُ شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي"([25]).

والملاحظ في هذا التعريف الأخير أنه ركّز على كون الفعل السياسي ممّا يصدر عن الحاكم؛ خلافا للتعريف الأول؛ الذي لم يشر إلى هذا. فبناء على التعريف الأول؛ يمكن أن يندرج في معنى السّياسة كلّ التصرفات التي يتمّ اتخاذها لإصلاح الأوضاع ولو في غياب الحاكم، فيمكن إذن أن تندرج فيه دعوة الرسول r في المرحلة المكية –قبل قيام دولة المدينة-، كما تندرج فيه دعوات الأنبياء والمصلحين، لكن لا يُتصور وجود سياسة في أفراد بَدويين متشتتين أو رحّل لا تربط بينهم صلة، فلابد على الأقل من وجود كيان؛ سواء أكان ذا طابع قبلي كما في مجتمع الرسول r، أم على شكل دولة كما في عهد موسى u  في مصر دولة الفراعنة، وبالمقابل فـ"العمران البشري لا بد له من سياسة ينتظم بها أمره"([26])، فيندرج ضمن السّياسة كلّ من العلاقة المتبادلة بين القيادة والرعية، والعلاقة المتبادلة بين القيادة وغيرها من الكيانات الأخرى؛ سواء أكانت دولا أم زعماء قبائل إلخ.

وفي تعريف آخر للسّياسة أنّها "القانون الموضوع لرعاية الآداب، والمصالح وانتظام الأموال"([27])، فيلاحظ في التعريف أنه ركّز على الجانب التنظيمي التنظيري للسياسية، وهو "القانون"، ثم قَسّم السّياسة إلى شرعية وظالمة بقوله: "والسّياسة نوعان سياسة عادلة تخرج الحق من الظّالم الفاجر فهي من الشّريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها،  والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشّريعة تحرّمها"([28]).

لكنّ حصْر السّياسة في القانون فيه نوع من تضييق المعنى؛ إذ القانون جزء من عملية السّياسة؛ بما تشتمل عليه من هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية وعلاقات داخلية وأخرى خارجية؛  كما سيأتي.

وبما أن "السياسة" في الاصلاح ( لعلها الاصطلاح***) الشرعي ترجع إلى معنى "السياسة الشرعية"؛ فسيأتي ترجيح الباحث لمعنى السياسة شرعا في المطلب الثالث؛ السياسة الشرعية علما مركبا.

المطلب الثاني: الشّريعة لغة واصطلاحا

الفرع الأول: الشّريعة XE "م:الشّريعة"  لغة:

من "(شرع) الشين والراء والعين أصل واحد، وهو شيء يُفتح في امتداد يكون فيه. ومن ذلك شراع السفينة، وأيضا الشّريعة، وهي مورد الشاربة الماءَ. واشتق من ذلك الشرعة في الدين والشّريعة. قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] ، وقال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} [الجاثية: 18] ويقال: أشرعت طريقا، إذا أنفذته وفتحته، وشرعت أيضا.. في قوله تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} [الأعراف: 163] : إنها الرافعة رؤوسها"([29]).

الفرع الثاني: الشّريعة اصطلاحا:

لها عدّة تعاريف؛ منها أنها "الائتمار بالتزام العبودية"([30])، وعرّفت أيضا بأنّها: "الطريق في الدين"([31]). والتعريف الثاني أقرب؛ لعلاقته القوية بالتعريف اللغوي، وهو بهذا الشكل شامل لكل الديانات، فكل طريق في الدّين صالح في وقته، مالم يُنسخ بما بعده، وعلى هذا يكون المراد بالشّريعة في هذا البحث أنها: الطريق في الدّين مما جاء به الرسول محمد r.

ولعلّ الجامع بين المعنى اللغوي للشريعة بمعنى "مورد الماء" والمعنى الاصطلاحي؛ أن كليهما مصدر يُرجَع إليه بشدّة، أما الجامع بين المعنى اللغوي "الارتفاع" والمعنى الاصطلاحي أن الشّريعة -بالمعنى الاصطلاحي- أيضا ينبغي أن تعلوَ أحكامها لتكون محل تطبيق من قبل العباد.

المطلب الثالث: السّياسة الشّرعية عَلَما مركبا

تُعرف السّياسة الشّرعية XE "م:السّياسة الشّرعية"  بأنها: "فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها؛ فيما لم يرد فيه نص خاص، وفي الأمور التي من شأنها ألا تبقى على وجه واحد، بل تتغير وتتبدل تبعا لتغير الظروف والأحوال"([32]).

ويُعرّف علم السّياسة الشّرعية بأنها: "علم يبحث فيه عما تُدبر به شؤون الدولة الإسلامية من القوانين والنظم التي تتفق وأصول الإسلام؛ وإن لم يقم على كلّ تدبير دليل خاص"([33]).

فالتعريف الأول ركّز على فعل الحاكم فيما لم يرد فيه نص، ويتغير بتغير الظروف، أما التعريف الثاني فركّز على ما يتعلّق بتدبير شؤون الدولة الإسلامية بما يتفق مع أصول الإسلام.

لكن يرد على التعريف الأول بأن سياسة الحاكم لا تختص فقط بما لم يرد فيه نصّ، نعم؛ كثير مما يتعلّق بتدبير الدولة لم يرد فيه نص تفصيلي بتلك الواقعة، لكن قد توجد له نصوص عامة حول هذه الواقعة، كما أنّ أحكاما كثيرة تتعلق بتدبير شؤون الدّولة وردت في نصوص الكتاب والسنة، وعلى الحاكم أن يسير وفقها في تدبيره، وعلى هذا فهذا التعريف غير شامل، وهو أقرب ما يكون إلى تعريف المصلحة المرسلة([34]).

ويجمع الباحث بين التعريفين، فيقول: السّياسة الشّرعية هي ما يتعلّق بتدبير شؤون الدولة داخليا وخارجيا من القوانين والنّظم التي تتفق وأصول الإسلام؛ وإن لم يقم على كلّ تدبير دليل خاص. فالسّياسة الشرعية تشمل كل "الأحكام الشّرعية المتعلقة بشكل الدولة ونُظمها ووظائفها، والحكومة وسلطاتها، والمتعلقة بالرأي العام ومكوناته، والجماعات والهيئات ذات الأثر في السّلطة، كما تشمل الأحكام المتعلقة بالعلاقات الدولية والقوانين الحاكمة لها"([35])، ويخرج بقيد "الشرعية" السّياسة الوضعية التي ليست الشّريعة الإسلامية هي المرجع الأول لها.

المبحث الثاني: تعريف فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية

وهنا سيتمّ تعريف كل من "الفقه" و"الأولويات" لغة واصطلاحا، ثم فقه الأولويات في الاصطلاح، وبعد ذلك المعنى الاصطلاحي لـ"فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية"

المطلب الأول: تعريف الفقه XE "م:الفقه"

الفرع الأول: الفقه لغة

"(فَقَهَ) الفاء والقاف والهاء يدلّ على إدراك الشّيء والعلم به"([36]). والفِقْهُ أيضا "الفهمُ"([37])،  وله معنى أدقّ وهو: "التّوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخصّ من العلم، قال تعالى: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78]"([38])، "وتَفَقَّهَ: إذا طلبه فتخصّص به"([39])، "وَقَول اللَّهِ: {لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ} [التّوبَة: 122] ، مَعْنَاهُ: ليكونوا علماءَ بِهِ"([40]).

والخلاصة هي أنّ الفقه بالشيء لغة يعني إدراك الشيء والعلم به وفهمه، وقد يفيد مقتضي ذلك، وهو ربط العلاقات بالوصل بين الغائب والشاهد لأجل ذلك العلم والفهم.

الفرع الثاني: الفقه في الاصطلاح الشرعي

يُعرف الفقه اصطلاحا بأنه: "العلم بالأحكام الشّرعية العملية بالاستدلال"([41])، وعُرّف أيضا بأنّه "العلم بالأحكام الشّرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية"([42])، وهذا هو التعريف المشتهر.

والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي هو((هي))*** أنّ كليهما يتضمن إدراك الشيء والعلم به، لكن يختص المعنى الاصطلاحي بالأحكام الشّرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.

المطلب الثاني: الأولويات لغة واصطلاحا

الفرع الأول: الأولويات لغة

الأولويات XE "م:الأولويات"  من "(أول) الهمزة والواو واللام أصْلانِ: ابتداء الأمر وانتهاؤه. وأَوَّلَ ذي أوّل، وأوّلَ أوّل، أي قَبْلَ كلِّ شيء"([43]). "وفلانٌ أَولى بِكَذَا أَي أَحْرى به وأَجدرُ. يُقال: هو الأَوْلى وَهُمُ الأَوالي والأَوْلَوْنَ، وتقول فِي المرأَة: هِيَ الوُلْيا وَهُمَا الوُلْيَيانِ وهنّ الوُلَى، وإِن شئت الوُلْيَياتُ"([44]).

"وأوْلَوِيَّة [مفرد]: مصدر صناعيّ من أَوْلَى: أحقيَّة، أسبقيَّة، أفضليَّة، له الأولوية في هذا العمل، هو صاحبُ أولوية في هذا الترشيح، يُرتب المسائل حسب أولويّتها، له الأولوية الكُبرى: أهمّ من أيّ شيء آخر"([45]).

الفرع الثاني: الأولويات اصطلاحا

عُرّفت الأولويات بأنها: "تلك القاعدة المبنية على فهم الأنسب والأجدر من الأعمال، ومعرفة فاضل الأعمال ومفضولها، وراجحها ومرجوحها؛ بناء على العلم بمراتبها، وبالواقع الذي يتطلبها؛ بغرض تحقيق أهم المصالح بأخف الأضرار، ومعرفة النتائج التي يؤول إليها تطبيق تلك الأعمال"([46])، وعرفت أيضا بأنها: "ترتيب الأعمال من حيث التقديم والتأخير، أو بأنها الأحقّيات في التقديم والتأخير"([47]).

ويصحّ القول بأن المعنى الثاني أقرب ما يكون إلى المعنى اللغوي. وخلاصة المعنيين اللغوي والاصطلاحي أن الأولويات تعني الأشياء التي لها الأسبقية والأحقية في التقديم على ما سواها.

المطلب الثالث: فقه الأولويات XE "م:فقه الأولويات"  علما مركبا

لم يرد هذا المصطلح –على ما وجد الباحث- عند العلماء السابقين، ويُعرّف عند المعاصرين بعدّة تعريفات متقاربة؛ منها أنه: "وضع كلّ شيء في مرتبته بالعدل؛ من الأحكام والقيم والأعمال، ثمّ يقدَّم الأَولى فالأولى؛ بناء على معايير شرعية صحيحة؛ يهدي إليها نور الوحي ونور العقل (نور على نور)"([48]).

وهذا التعريف مع أهميته وتحديده للمفهوم؛ إلا أنه "شامل لجميع المسائل ذات العلاقة بالدين (عقدية، أخلاقية، تربوية، ..)، لذا فيصحّ ربطها بالفقه العام، وربّما هذا لاهتمام المؤلف بالمسائل التي تهمّ الأمة الإسلامية بشكل عام"([49])، وقد يكون صاحبه أراد بـ"الفقه" المعنى اللغوي الذي يفيد فهم الشيء والعلم به-كما تقدم-؛ لا ما يختصّ بالأحكام الشرعية العملية.

ويأتي بعده تعريف أدقّ؛ وهو: "فقه الأولويات هو العلم بالأحكام الشّرعية التي لها حقّ التقديم على غيرها؛ بناء على العلم بمراتبها، وبالواقع الذي يتطلّبها"([50]).

وللجمع بين التّعريفين يرى الباحث بأن: فقه الأولويات في الفقه الإسلامي هو وضع الأحكام الشّرعية العملية؛ كلَّ حكم في مرتبته، ثم تقديم الأَولى فالأولى؛ بناء على معايير شرعية صحيحة؛ يهدي إليها نور الوحي ونور العقل.

فيلاحظ في التعريف ثلاثة أمور:

 أولا: وضْع الأحكام الشّرعية العملية، وهذا لإخراج الأحكام الشّرعية العقدية وغيرها.

 ثانيا: تقديم ما حقّه التقديم في التأصيل الشّرعي، ثم في الممارسة والتطبيق.

ثالثا: أن يكون الترتيب بين هذه الأمور والتقديم فيما بينها على أساس إعمال العقل في الوحي الرباني والشّريعة الإسلامية؛ لا على أساس الهوى ونحوه.

المطلب الرابع: المعنى الاصطلاحي لفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية

لم يجد الباحث –حسب اطلاعه- فيمن سبقه من تطرّق إلى تعريف "فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية XE "م:فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية" "، لكن بناء على ما تقدم من تعريف فقه الأولويات، وتعريف السّياسة الشّرعية؛ يمكن القول بأنّ فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية يعني: وضع الأحكام الشّرعية المتعلقة بتدبير شؤون الدولة؛ كلَّ حكم في مرتبته، ثم تقديم الأَولى فالأولى؛ بناء على معايير شرعية صحيحة يهدي إليها نور الوحي ونور العقل.

فـ"وضع الأحكام الشرعية المتعلقة بتدبير شؤون الدولة؛ كلَّ حكم في مرتبته " يُعدّ مرحلة سابقة على ترتيب الأولويات، لكنّها ضرورية في تلك العملية، إذ إن الترتيب بين أمرين أو أكثر مبني على معرفة درجة كل منهما.

وعبارة: "الأحكام الشرعية المتعلقة بتدبير شؤون الدولة " تشمل كل "الأحكام الشّرعية المتعلقة بشكل الدولة ونُظمها ووظائفها، والحكومة وسلطاتها، والمتعلقة بالرأي العام ومكوناته، والجماعات والهيئات ذات الأثر في السّلطة، كما تشمل الأحكام المتعلقة بالعلاقات الدولية والقوانين الحاكمة لها"([51])، ويخرج بهذا القيد السّياسة الوضعية التي لا تجعل الشّريعة الإسلامية المرجعَ الأولَ لها.

وعبارة: "ثم يقدَّم الأَولى فالأولى "تعني تقديم الأهمّ على المهم، والراجح على المرجوح، والأفضل على المفضول؛ فلا يُكبَّر الصغير، ولا يُهوّن الخطير، بل يوضع كل شيء في موضعه بالقسطاس المستقيم دون إخسار ولا طغيان، كما قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 7- 9]"([52])

وعبارة: "بناء على معايير شرعية صحيحة يهدي إليها نور الوحي ونور العقل" تعني الأساس الذي يتم الترجيح بين الأولويات بناء عليه؛ وهو الوحي الرباني مع العقل الواعي، فلابد من تكامل هذين الأمرين، لأن المصدر هو الوحي، لكنه بحدّ ذاته يدعو إلى إعمال العقل والتفكّر في كثير من المواضع، وإذا كانت قضايا السّياسة الشّرعية متغيرة عبر الأزمنة والأمكنة والظروف؛ أمّا النّصوص الشّرعية –بالمقابل- ثابتة؛ فحظّ إعمال العقل فيها كبير وواسع، وهو ما يعبر عنه العلماء بمراعاة المصالح المرسلة واستنباط المقاصد وإعمالها وفقه الواقع، ونحو ذلك.

المبحث الثالث: أهمّية فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية

ويتجلّى هذا بإيراد أهمّية هذا الفقه من خلال أثره في الواقع، ثم من خلال تأثيره على نظرة غير المسلمين إلى الإسلام، وأخيرا من خلال بيان حكمه الشّرعي.

المطلب الأول: من حيث أثره في الواقع

المتأمّل في واقع ممارسات بعض المسلمين أو تصوّرهم لما ينبغي أن يكون عليه التّعامل الإسلامي مع القضايا السّياسية؛ يرى خللا كبيرا في الفهم أدّى إلى خلل كبير في التّعامل، ومثال ذلك حصر تطبيق الشّريعة في الحدود والحجاب وبناء المساجد؛ في حين أنّ ذلك جزءٌ يسير جدّا من منظومة معرفية متكاملة –كما يرى الباحث-، وقد يعتقد البعضُ أنّ حُكماً ما –كالحدود- هو كلُّ الشّريعةِ؛ في حينِ أنّه آخِر ما يمكن التوصّل إليه، كما أنه لا يتم العمل به في جميع الظروف. ومن أسباب ذلك –في نظر الباحث- غيابُ التّصور الكلّي والعميق للشّريعة الإسلامية؛ وكيف أنّها تراعي كثيرا من المعطيات في تنفيذها للأحكام، ومن هنا تظهر أهمّية فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ إذ به يتمّ وضع كل أمر في مرتبته؛ بالنّظر إلى الظّروف والمعطيات والواقع.

أضف إلى ذلك أنّ فقه الأولويات في السّياسة الشرعية له دور كبير في نهوض الأمة أو سقوطها؛ فكم من دولة توجهت نحو نظام اقتصادي؛ اتخذته أولوية، وكرّست طاقاتها وإمكاناتها له، ثم ينهار ذلك النّظام ويصير المجتمع في أزمة اقتصادية على حافة الفقر، وقس على ذلك.

ومن الآثار السلبية لغياب هذا الفقه /هو/(( حذف الضمير المنفصل /هو/؛ إذ لا ينبغي وضعه هنا ))*** "انشغال فئات من المسلمين –علماء وغيرهم- في قضايا فرعية"([53])، أو قضايا تاريخية مرت عليها القرون؛ لتكون وسيلةَ تفرقةٍ وعداوة وقطيعة؛ إلى أنْ تتطور القضية، وتتحوّل إلى فتنٍ وحروبٍ أهلية أو إقليمية تأتي على الأخضر واليابس، ثم يتدخّل العدو -باسم حقوق الإنسان وحماية الأقليات وحفظ السلام وغير ذلك- لتحقيق مصالحه؛ فينهب خيرات المسلمين ويطبّق عليهم ما شاء من القوانين.  وسواء أكان النبش في التاريخ وإثارة هذه القضايا((،))*** من هؤلاء المسلمين أنفسهم أم كان من عناصر خارجية؛ إلا أنها (يفضل هنا القول: فإنها، أو فقد .. مع حذف /إلا/ )) لقيت القبول في صفوف المسلمين؛ ( يفضل وضع نقطة، بدلاً من الفاصلة المنقوطة))*** في كلتا الحالتين يرى الباحث أنّ إدراك فقه الأولويات –بضرورة النّظر إلى واقع المسلمين وما يتطلبه من أولوية ترك الخلافات وتوحيد الكلمة في القرارات المصيرية- من الأسباب الرئيسة لتفادي مثل هذه الأوضاع السيئة.

ومن جانب آخر؛ فإن فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية "يمنع من التّهور واستعجال النتائج"([54])، ويوطّنُ على ضبط النفس والتعقل وتقديم المصالح المستقبلية الباقية على المصالح الشّكلية المؤقتة أو الجزئية.

المطلب الثاني: من حيث نظرة غير المسلمين إلى الإسلام

في حالات عديدة يقع نفور أُناسٍ من الإسلام بعدما تتشوّه صورته لديهم؛ بسبب تصرفاتٍ من بعض المسلمين؛ متمثلةً في العلاقة العدوانية؛ إما فيما بينهم وبين إخوانهم المسلمين، أو فيما بينهم وبين غير المسلمين، وكثيرا ما يرجع السبب في هذا –كما يرى الباحث- إلى غياب النّظرة الواضحة والفهم العميق لمقاصد الشّريعة الإسلامية في أبواب السّياسة الشّرعية، وتقديم الأهمّ فالمهمّ وفقا لمختلف الظروف والمعطيات، ولهذا فوَضعُ معايير لترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية، ومحاولة إسقاطها على الممارسات السّياسية يعدّ خطوة كبيرة في سبيل تصحيح النّظرة نحو الإسلام، /وتحبيب الناس إليه./( وتحبيبه إلى الناس  أو.. وتحبيب الناس به)***

ومما يُنفّر عن  هذا الدين –من وجهة نظر الباحث- أن يكون الإسلام مرتبطا بالتخلف والفقر والتبعية شبه الكلية للغير، وهذا طبعا له أسباب كثيرة ليس المجال هنا لتفصيلها، لكن السّبب المرتبط بالموضوع هو الكمّ المتراكم -لعشرات السنين- (( الأصح: عشرات السنين))*** من اختلالات في فقه الأولويات في الفكر أولا، ثم في السّلوك ثانيا. ويأتي التوجيه الرباني للمسلمين بأن  يدْعوا الله تعالى ألا يجعلهم سببا لنفور الكفار عن هذا الدّين: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة: 5]، أي "لا تغلب ( يفضل هنا، وضع الشدّةعلى اللام تغلّب ، دفعاً للّبس))*** الذين كفروا علينا، واصرف عنّا ما يكون به اختلال أمرنا وسوء الأحوال كيلا يكون شيء من ذلك فاتناً الذين كفروا، فيظنُّوا أنّا على الباطل وأنّهم على الحقّ"([55]).

المطلب الثالث: من حيث الحكم الشّرعي

أوّل شيء هنا هو الاقتناع بضرورة هذا الفقه من خلال بيان الحكم الشرعي له، ثم يأتي بعد ذلك العمل على إدراك تفاصيله، وكيفية تطبيقه في كل مجال من مجالات السّياسة الشّرعية.

ويرى الباحث أن تعلّم هذا الفقه وتأصيله والتنظير له من فروض الكفايات على مجموع الأمة الإسلامية؛ بحيث إن قام به البعض أجزى عن البقية، وإن امتنعوا كلهم أثموا، أمّا ممارسته فهو( الأصحّ : فهي))*** فرض عين على من ابتُليَ بشيء من المناصب المتعلقة بالممارسة السّياسية، وأيضا على من كان مؤهلا لها مع تيسّر الظروف ولم يوجَد غيره، كما أنه إن لم يوجد في الأمة من هو أهلٌ لهذه المناصب يجب على الأمة أن تؤهّل لذلك من يصلح لها.

ودليله على الفرَضية عموم الأدلة التي تنصّ على وجوب أداء الأمانات إلى أهلها ووجوب إقامة العدل ونشر الخير ونصرة المظلوم؛ كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا XE "ا"  وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، ونحوها من الآيات، فإذا لم يقم المسلمون بواجبهم في ترتيب الأولويات في ممارساتهم السّياسية؛ فسيعمّ الظلم ويستشري الفساد، وتكثر الفتن ويسُود الخراب؛ كما هو ملاحظ في بعض الأقاليم التي يتشوّف بعض الناشطين فيها إلى إقامة الحقّ ودولة الإسلام، لكن بسبب نظرتهم الجزئية وعدم إعمالهم المقاصد والأولويات آل الأمر إلى عكس ما يطمحون، بل صار إلى أسوأ مما كان، إذْ آلَ إلى ما خطّط له أهل البغي والعدوان، وهذا يؤكّد أهمّية هذا الفقه ووجوب فهمه وممارسته في الحياة العملية.

وعلى هذا فإنّ تقصير المسلمين في هذا الأمر لن يعفيهم من المسؤولية؛ إذ النية الحسنة لا تكفي في ذلك، بل لابد من اتخاذ الأسباب، وفي مقدمتها العلم بكل ما يقتضيه هذا المجال، فـ""ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب"([56]).

وبهذا تظهر أهمية فقه الأولويات في السياسة الشرعية؛ من خلال النواحي الثلاثة المتقدمة.

*************

الفصل الثاني: تأصيل فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية، وأسسه وضوابطه

                                            ويشتمل على:

المبحث الأول: تأصيل فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية

المبحث الثاني: أسس ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية

المبحث الثالث: ضوابط ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية

الفصل الثاني: تأصيل فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية، وأسسه وضوابطه

تمهيد:

لكي يصحّ القول بوجوب العمل بفقه الأولويات واتخاذه منهجا في الممارسة السّياسية؛ لابد من أدلّةٍ من النقل والعقل تشهد لهذا، وإلا كان قولا بغير دليل وترجيحا بلا مرجّح، كما أنه لكي يكون منهجا لابد من بيان الأسس والضوابط التي تحكمه، وتميزه عن غيره.  والناظر في عموم الأدلة الشّرعية يجد قضية إعمال فقه الألويات بشكل واضح وبأدلّة كثيرة؛ في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، وتطبيقات الصحابة الكرام، وهذا كله ما سيتمّ بيانه في هذا الفصل؛ إذ يؤصل فيه الباحث فقه الأولويات في السياسة الشرعية، ثم يبين الأسس التي يتم بناء عليها ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية، ثم الضوابط التي يجب مراعاتها في ذلك.

المبحث الأول: تأصيل فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية

قبل تأصيل فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ يجدر القول بأنه يمكن معالجة هذا إما من عموم الأدلة على وجوب إعمال فقه الأولويات بشكل عام، وهناك من كَتب في هذا الموضوع([57])؛ فلا داعي لإعادته، وقد يستفاد منه هنا. وإمّا يكون تأصيله استنادا إلى الأدلة على وجوب إعمال فقه الأولويات في مجال السّياسة الشّرعية بشكل خاص، وهو ما سيتمّ التطرّق إليه، وإن كان متضمنا في الذي قبله، لكن لعلاقته المباشرة بالبحث؛ سيتمّ الحديث عنه بشكل خاص.

المطلب الأول: من خلال القرآن الكريم

قد لا يوجد نصّ قرآني مباشر على "وجوب إعمال فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية"، لكن ذلك يتبيّن من خلال استقراء النّصوص القرآنية التي تشير إلى هذا، أو يَظهر فيها إعمال هذا الفقه في إحدى التطبيقات والممارسات العملية؛ توجيها للمسلمين أو تصحيحا لما قد وقعوا فيه أو توهّموه، ومن الأدلة على هذا ما يأتي:

1.                قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ XE "ا:يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ"  قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } [البقرة: 217].

وجه الدلالة: لما أنكر المشركون على المسلمين القتال في الشهر الحرام؛ أعلم الله تعالى المشركين بتناقضهم المتمثل في إقامتهم على الكفر مع استعظامهم القتل في الشهر الحرام؛ مع أن الكفر والصدّ عن سبيل الله وإخراج أهل المسجد الحرام منه أعظم جرما وأولى بالعيب([58])، وفي هذا بناءٌ لمنهج ترتيب الأولويات وما ينبغي أن يُركّز عليه أولا.

2.      قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ XE "ا:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ"  شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء: 135]

وجه الدلالة: في الآية وجوب مراعاة أولوية تقديم حقّ الله تعالى على حقوق الأقارب أو الشفقة على الفقراء عند أداء الشهادة، لأن الله تعالى أعلم بمصالح الجميع([59])، لأن الشهادة في القضاء ترتبط بمصلحة كليةٍ؛ هي إقامة العدل، وهي مقدمة على المصالح الجزئية من اعتبارات القرابة أو الغنى أو الفقر.

3.                قول الله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ XE "ا:عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ"  حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43]

وجه الدلالة: أذِن النبي r للمنافقين الذين استأذنوه في التخلف عن الخروج معه؛ حملا على الصدق؛ إذ كان ظاهر حالهم الإيمان، وعلما بأن المعتذرين إذا أُلجئوا إلى الخروج لا يُغنون شيئا؛ لقوله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا XE "ا:لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا" } [التوبة: 47]، لكن أخبره الله تعالى بأنّ ترك الإذن كان أولى؛ لكي يتبيّن حالهم، وهو غرضٌ أكبر لم يتعلّق به قصد النبيء r ([60]).

4.      قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ XE "ا:مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ"  تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [الأنفال: 67 - 69].

وجه الدلالة: لما أسِر المسلمون من المشركين سبعين؛ رأوا –بعد المشاورة- أن يأخذوا منهم الفداء لمصلحةِ أن يتقوى المسلمون بذلك المال، ورجاءَ أن يسلم هؤلاء المشركون، لكن عاتبهم الله تعالى على هذا، وذكر أنه لا ينبغي للمسلمين أخذ الفدية إلا بعدما تقوى شوكتهم وتعظُم هيبتهم في قلوب الأعداء وتفشو قسوتهم فيهم، لأنهم إن قبلوا الفدية دون ذلك هان على المشركين الإقدام على محاربة المسلمين مرة أخرى، لأن تقديم المال أمر يسير عليهم، ولهذا فالأمر بقتال / بقتل*/ الأسرى في تلك الحالة فيه تقديم لأمرٍ أولى؛ وهو الحفاظ على هيبة المسلمين ومنع الاعتداء عليهم مرة أخرى([61]).

5.      قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ XE "ا:فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ"  فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 36، 37].

وجه الدلالة: قدّم سليمان u عدم قبول الهدية رغم اهتمام الملكة بها، وفي ذلك مراعاة للمبدأ الذي انطلق به وهو الدعوة إلى الإسلام، ولا يصح أن يتنازل عنه مقابل هدية يَقْبلها لأجل أن يتخلّى عن المبدأ([62]). فتلك الهدية لا تتعدى تحسيني المال بالنسبة لسليمان u، أما مبدأ الدعوة فهو من ضروري الدين، وهو مقدم على تحسيني المال –كما سيأتي-.

وتوجد نصوص قرآنية أخرى تشير إلى ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية([63])، لكن يكتفي الباحث بما تقدم.

المطلب الثاني: من خلال السنة والسيرة النبوية

إلى جانب الآيات القرآنية؛ فالسنة النبوية حافلة بالتطبيقات النبوية لفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية، كيف لا والرسول عليه السلام قد جمع بين النبوة والسّياسة. وفيما يأتي بعض النماذج:

1.      صلح الحديبية: لمّا أراد النبي r العمرة في العام السادس؛ XE "ح:لمّا أراد النبي  العمرة في العام السادس"  لم يقبل منه المشركون ذلك خوفا على سمعتهم، وبعد مراسلات بين المسلمين والمشركين لجأ الطرفان إلى عقد الهدنة، وفيها من الشروط ما يُظهر تساهل الرسول r مع المشركين في كل ما يطلبونه بدافع الحمية والأنفة لديهم، عند ذلك اغتاظ بعض المسلمين عادّاً ذلك من قبول الدنية في الدين([64]).

وجه الدلالة:  يرى الناظر لأوّل وهلة في الشروط التي وافق عليها النبي r– كما رأى بعض الصحابة- أن هذه شروط مجحفة؛ تتنافى مع عزة الإسلام وكرامة المسلمين، لكن الرسول r اختار قبول الهدنة والمعاهدة على ما فيها من شروط؛ توَخيا لمقاصد أكبر وأهمّ ظهرت فيما بعد. "وذلك أنّ المسلمين لما أمنوا مكائد قريش وتحالفاتها مع اليهود ومع القبائل الأخرى ضد الإسلام؛ تفرغوا لنشر الدعوة بين القبائل، كما أن تسامع العرب عن منع المشركين المسلمين عن البيت الحرام في الأشهر الحرُم كان دعاية كبيرة بشأن عدوان المشركين؛ وبهذا كسب المسلمون التعاطف، أضف إلى ذلك أن هذه المعاهدة تُعد ُّاعترافا ضمنيا من قريش بدولة المسلمين طرفا مساويا، ومن ثَمَّ فُتح المجال للمسلمين للتحالفات مع القبائل التي لم تكن تطمئن لقوة هذه الدولة الفتية"([65])، وبذلك يظهر معنى تسمية الله تعالى لهذا الصلح {فَتْحًا قَرِيبًا XE "ا:فَتْحًا قَرِيبًا" } [الفتح: 18].

 وفي هذا دليل واضح على مراعاته r لفقه الأولويات من خلال اعتبار فقه المآل؛ بعيدا عن المصالح الضيقة والمؤقتة التي تتراءى من خلال النّظر الأوَّلي دون تأمل، فالمصلحة الأساسية مقدمة على المصلحة الشكلية –كما سيأتي في الموازنة في المصالح والمفاسد-.

2.      قسمة الغنائم في حنين: "لما انتصر المسلمون يوم حنين قسّم الرسول r الغنائم، فأعطى لأناسٍ من قريش وقبائل العرب XE "ح:فأعطى لأناسٍ من قريش وقبائل العرب" ، ولم ينل الأنصار من ذلك شيئا، فوَجَدوا في أنفسهم [حزنوا أو غضبوا([66])]، فجمعهم r –بعدما رفع سعد بن عبادة أمرهم إليه-، ثم ذكّرهم بنعمة الإسلام العظيمة عليهم، ونبّههم إلى أن هدفه r من العطاء هو تأليف قلوبٍ ليُسلموا"([67]).

وجه الدلالة: "كان الرسول r يعطي الأولوية في الغنائم لبعض الناس تأليفا لهم على الإسلام؛ وفيه مصلحة دنيوية وأخرى أخروية. وإن كان في عدم إعطاء الأنصار مفسدة متوقعة بالظن المرجوح؛ ففي عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم مفسدة متيقنة؛ وهي نفورهم عن الإسلام أو كيدهم له أو صدهم عنه بحسب حال كل من هؤلاء المؤلفة قلوبهم"([68]).

3.      النهي عن رد العدوان في مرحلة الضعف: "عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي r بمكة، فقالوا: يا نبي الله؛ كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة. قال: (إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا فكُفُّوا XE "ح:إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا فكُفُّوا" )"([69]).

وجه الدلالة: يرى الباحث أنه من مراعاة الرّسول r  لفقه الواقع وفقه المآل؛ تقديمه u المسالمة وعدم الردّ بالمثل في المرحلة المكية، وذلك لأن المسلمين إذا ردّوا العنف بمثله –وهم أقلّية ضعفاء- فسيسهل القضاء عليهم من طرف العدو الذي يملك القوة والسّلطة، ثم لن يبقى أثر لهذه الدعوة الفتيّة، ومن جانب آخر؛ فإن المسالمة أمام الاضطهاد في تلك الظروف ستُكسب للمسلمين التعاطفَ من قِبل ذوي الإنسانية؛ وربما كان هذا سببا لإسلامهم ونفورهم عن المعتدين بعدما يتبين أنهم الظلمة وأن الإسلام دعوته سلمية. فإذا كان في قبول الأذى في تلك المرحلة مفسدة تتعلق بحاجي النفس الجزئي؛ ففيها بالمقابل مصلحة كبيرة وهي الحفاظ على ضروري الدين الكلي.

المطلب الثالث: نماذج من تاريخ الخلافة الراشدة

الخلافة الراشدة هي الفترة الأولى التي مارسَ فيها الصحابة -في غياب الرسول r- ما تعلموه من فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية، ولهذا يظهر تأثير القرآن الكريم والسنة النبوية في تطبيقاتهم بخصوص ذلك، وفيما يأتي بعض النماذج:

1.      التّعامل مع سهم المؤلفة قلوبهم: "قدّم عمر بن الخطاب XE "ع:عمر بن الخطاب"  عدم إعطاء الزكاة لرجلين من المؤلفة قلوبهم خلافا لأبي بكر"([70])، ويرى الباحث أن ذلك مراعاة من عمر t للمقصد الذي لأجله شُرع هذا السهم، وهو تأليف قلوبهم وتحبيب الإسلام إليهم ودفع ضررهم وكيدهم المتوقع منهم، فلما صار الإسلام في حالة من القوة والمنعة وصار قويا يرغب فيه كل عاقل؛ لم يعد بحاجة إلى تأليف قلوبهم، فلزم توفير هذا السهم لغير ذلك مما هو أولى به، وهنا يظهر ما يسمى بتحقيق مناط الحكم([71])، فسهم المؤلفة قلوبهم ثابت، لكن تأخر شرطه في رأي عمر t؛ بأن كان هؤلاء قد أخذوا حقهم من التأليف سابقا بما فيه الكفاية، وبالتالي فهناك من هو أولى منهم بعد ذلك.

2.      أولويات في إنفاق المال العام: "كتبت الحجبة إلى عمر بن عبد العزيز يأمر للبيت بكسوة كما يفعل من كان قبله، فكتب إليهم: إني رأيت أن أجعل ذلك في أكباد جائعة، فإنهم أولى بذلك من البيت"([72])، وواضح هنا ترتيب الأولويات، فكم من الأموال يتمّ تبذيرها في زخارف البنيان أو في اللهو وغير ذلك؛ وفي المجتمع من يتضوّر جوعا؛ في غياب فقه الأولويات، فإن كان إطعام الجائع من الضروريات فكسوة البيت لا تتجاوز التحسينيات إن لم يكن فيها إسراف، وإلا فهي من التبذير الحرام.

3.      أولوية التسامح مع المسالمين على قتالهم ولو كانوا غير مسلمين: ويظهر ذلك في معاهدة عمر بن الخطاب لأهل إيلياء –القدس- الذين "لما أقبلوا عليه في معسكر المسلمين الذين فزعوا –إثر ذلك- إلى السلاح، فهدّأهم وطالبهم بتأمينهم، ثم كتب الاتفاقية"([73]) ومما جاء فيها: "هذا ما أعطى عبد اللَّه عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها؛ أنّه لا تسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم"([74])، "وفي هذه المعاهدة أروع الأمثلة لحقوق الإنسان XE "م:حقوق الإنسان" ؛ فقد أمنهم –وهم على غير دين الإسلام- على ممتلكاتهم وأنفسهم، وأعطى لهم كامل الحرية في الاعتقاد وممارسة شعائرهم، وفي ذلك نموذج رائع للتسامح الإسلامي"([75])، وفي هذا أيضا تقديم لأولوية السلم وعدم اللجوء إلى الحرب إلا عند العدوان: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا } [البقرة: 190]، فالمرجِّح هنا هو مثل هذه النصوص الدالة على النهي عن قتال غير المعتدي.

وكلها نماذج تطبيقية لمراعاة الخلفاء الراشدين لفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ انطلاقا من النّصوص الشّرعية، واعتمادا على المصالح وروح التشريع.  وتاريخ الخلافة الراشدة حافل بنماذج من هذا القبيل ونحوه.

ومن خلال ما تقدم من أدلة ونماذج لفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ انطلاقا من القرآن الكريم، ثم السنة النبوية، ثم تطبيقات ذلك في تاريخ الخلافة الراشدة؛ يتبين تأصيل هذا الفقه وضرورته ووجوب مراعاته في التعامل مع القضايا الراهنة في السّياسة الشّرعية، وبدونها قد يؤول الأمر إلى عكس المقصود، ويبقى الآن: كيف يتمّ ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية؟ وما هي الضوابط التي يجب مراعاتها في ذلك؟ وهذا ما سيتمّ التطرق إليه في المبحث الآتي.

المبحث الثاني: أسس ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية

بما أن قضايا السّياسة الشّرعية تتّسم بشدة التعقيد وكثرة التغير؛ لتغير الظروف والمعطيات؛ وتتسم أحيانا بالتسارع الذي يصعب معه المسايرة؛ فلابد من أسس فعالة وواضحة؛ تُوضح أساليب التعامل مع الوقائع، وتُيسر عملية اتخاذ القرارات في ظل تسارع الأحداث وتعقدها. وفي هذا المبحث سيتمّ التعرّض إلى مجموعة أسس للترتيب بين الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ متمثلة في مقاصد التشريع، والموازنة في المصالح والمفاسد، ثم فقه الواقع، ومآلات الأفعال وسد الذرائع.

ومن الجدير بالذكر أنّ أوّل ما ينبغي الاستناد إليه في ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية هو النّص الشّرعي من القرآن الكريم والسنة النبوية؛ امتثالا لعموم الآيات التي تقضي بوجوب اتباع الكتاب وتحكيمه وعدم اتباع الهوى كقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155]، وقوله أيضا: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } [المائدة: 49]، ونحو ذلك من الآيات، لكن الإشكال في ترتيب الأولويات لا يظهر حينما يتعلّق الأمر بالنّص الشّرعي مُفْردا، لكن يظهر عند تزاحم المصالح فيما بينها، أو المفاسد فيما بينها، أو المصالح والمفاسد؛ وكلٌّ من هذه المصالح المطلوب تحصيلها أو المفاسد المراد درؤها يستند إلى نصٍّ شرعي معيّن، وهنا يأتي ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية، وينبني على عدة من الأسس، منها:

المطلب الأول: مقاصد التشريع XE "م:مقاصد التشريع"

"مقاصد التشريع هي المعاني والحِكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها"([76]). ولمقاصد التشريع علاقة قوية بفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ إذ إن "للمقاصد دورا في تفسير بعض النّصوص وإدراك عللها"([77]) ثم معرفة حكمها الشّرعي، ثم وضعها –بعد ذلك- في المرتبة اللائقة بها بين المصالح الأخرى.  ومن جانب آخر؛ فإنه "انطلاقا من مقاصد الشّريعة يُلاحَظ وجود اختلاف في مراتب التصرفات والأحكام ما بين ضروري وحاجي وتحسيني"([78])؛ وما بين مصلحة كلية وجزئية؛ فبناء على هذه الأسس يتمّ ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية.

الفرع الأول: دور مقاصد التشريع في ترتيب الأولويات

مع أنه في استنباط الأحكام يجب الانطلاق من النّصوص الشّرعية؛ إلا أنه لا ينبغي الجمود على تلك النّصوص، وإلا قد يؤول الأمر إلى عكس مرادها، -كما يرى الباحث- لأن مقاصد الشّريعة بمثابة الفهم الكلّي للتشريع، وهذا يجب إعماله بالتوازي مع الفهم الجزئي للنص الواحد. فإذا كان "المقصد  من حدّ السارق هو الرّدع؛ فإن ذلك قد لا يتحقق في المعركة، بل قد يؤول إلى عكس مقصوده؛ بأن يفرّ الجاني إلى العدو ويرجع على المسلمين بمفسدة أكبر"([79])، فدور المقاصد هنا الكشف عن العلل وتوظيفها في إعمال النّص وفقا لها.

ويرى الباحث أنّ تقسيمات المقاصد التي وضعها العلماء([80]) من خلال الاستقراء تُسهم إلى حدّ كبير في معرفة مرتبة كل حكم شرعي مع غيره؛ مما يُسْهم –بالتبع- في إعمال الموازنات وترتيب الأولويات بعد ذلك، فمثلا: حينما يدرك مسؤولٌ أن ضروري النفس مقدم على حاجي المال؛ فإنه يتمّ اتخاذ كل الوسائل من أجل حفظ النفس ولو كلف ذلك أموالا معتبرة، ومن ذلك تنظيم الطرق وإتقانها وقاية لحوادث المرور، وكذا توفير الأغذية الصحية، ومراقبة المستشفيات، وحماية البيئة من التلوث، وغير ذلك.

وبناء على هذا؛ فدور المقاصد في ترتيب الأولويات دور أساسي لا يُستغنى عنه، لأنه من خلاله يمكن معرفة رتب الأحكام، ليتمّ التفاضل بينها عند التزاحم. ويمكن توضيح ما تقدم عبر المخطط الآتي:

1.1. دور مقاصد الشّريعة في ترتيب الأولويات في السّياسة XE "ش:دور مقاصد الشّريعة في ترتيب الأولويات في السّياسة"  الشّرعية([81]). XE "أشكال:شكل1\: دور مقاصد الشّريعة في ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية"  XE "شكل:دور مقاصد الشريعة في ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية"

        الفرع الثاني: مثال لتطبيق المقاصد للتوصل إلى ترتيب الأولويات في مجال الإنتاج الغذائي XE "ف:تطبيق المقاصد للتوصل إلى ترتيب الأولويات في مجال الإنتاج الغذائي"

إذا ثبت أن "الأغذية المعالجة تسبب كثيرا من الأضرار على صحة الإنسان مقارنة بالأغذية الطبيعية"([82])؛ فإنّ هذا يؤثر في الإخلال كليا أو جزئيا بمقصد حفظ النفس؛ وبالتالي فقد يؤول حكمها إلى المنع كراهة أو حرمة؛ بحسب الضرر المترتب في كل حالة، فهنا دور مقاصد الشّريعة في التوصل إلى بعض الأحكام.

فإذا كانت الدولة بين خيارين: أحدهما تشجيع النوع الأول من الأغذية لكثرة تداولها وقلة تكلفتها، والآخر تشجيع الأغذية الصحية مع أنها قد تُكْلف أكثر؛ فإنه بنظرة مقاصدية يتبين أن المحافظة على الصحة ترجع إلى حفظ النفس، وتقليل التكاليف يرجع إلى حفظ المال. وهنا يأتي دور ترتيب الأولويات؛ فحفظ النفس مقدم على حفظ المال بشكل عام، وهنا تتخذ الدولة إجراءات لتشجيع إنتاج الغذاء الصحي؛ بتقليل الضرائب وإجراء التسهيلات وما إلى ذلك؛ حفاظا على صحة المجتمع والفرد في الدولة.

وغنيّ عن القول بأن هذا مثال فقط، وإلا فقد تعتري هذه الحالة نفسَها متغيرات أخرى حسب الظروف والمعطيات؛ مما يُغير ترتيب الأولويات فيها من حالة إلى أخرى؛ كأن تكون الدولة في حالة أزمة بسبب أزمة موارد أو حالة لا أمن، فتتغير المعطيات تبعا لكل حالة.

الفرع الثالث: إعمال المقاصد وإلغاء التعامل بالرّق

يرى الناظر في عموم الأدلة القرآنية قصْد القرآن الكريم وتوجهه إلى تحرير الإنسان من كل القيود وجعله عبدا خالصا لله تعالى، لكن إبقاء القرآن للرّق وقت التشريع كان طريقا في التدرج إلى إلغائه، "لأن النّظام آنذاك كان مبنيا على الرق، ولو قلَبه الإسلام مرة واحدة لانفرط النّظام بصفة يتعذر معها الانتظام، ولكن أغلق كثيرا من أبواب الرق وقصرها على الأسْر مع معالجته تدريجيا"([83])، ولذلك شرع كثيرا من الأبواب لتحرير العبيد والإماء، فشَرع الكفارات، ككفارة القتل الخطأ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ XE "ا:وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ"  XE "ا:وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ" } [النساء: 92]، ورغَّب في تحرير العبيد من باب النوافل: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ XE "ا:فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ" } [البلد: 12 - 14] وغير ذلك.

فإذا انتهت العبودية في وقت ما فليس من الأولوية إعادتُها؛ إعمالا لمقصد الشارع وتوجهه إلى غلق تلك المنافذ وتقليلها، ومقصد إعطاء الإنسان كرامته وحريته في الاختيار والتصرف؛ ومن ثم تحميله مسؤولية أفعاله. وبالتالي فإن هذا يؤدّي إلى القول بأنه لا ينبغي إعادة الرق بعدما ينتهي التعامل به.

ومن هنا يتبين أن إدراك مقاصد التشريع يؤدي إلى العمل وفقا لهذه المقاصد في مجال السّياسة الشّرعية، وقد يكون سببا لإعادة تغيير سلم الأولويات لإعمال المقاصد العامة بعيدا عن حرفية النّص.

 المطلب الثاني: الموازنة في المصالح والمفاسد XE "م:الموازنة في المصالح والمفاسد"  

يُعرَّف فقه الموازنات بأنه: "مجموعة الأسس والمعايير التي تضبط عملية الموازنة بين المصالح المتعارضة، أو المفاسد المتعارضة، أو المفاسد المتعارضة مع المصالح؛ ليتبين بذلك أي المصلحتين أرجح فتقدم على غيرها، وأي المفسدتين أعظم خطرا فيقدم درؤها، كما يُعْرف به الغلبة لأيٍّ من المصلحة أو المفسدة –عند تعارضهما- ليُحكم بناء على تلك الغلبة بصلاح ذلك الأمر أو فساده"([84]).

فالموازنة في المصالح والمفاسد –أو اختصارا "الموازنات"- هي كيفية التقديم بين الأحكام أو التصرفات عند اجتماع مصلحة فأكثر مع مفسدة فأكثر، أو اجتماع مصلحتين فأكثر أو مفسدتين فأكثر.

فـ"إذا اجتمعت المصالح الخالصة، فإن أمكن تحصيلها حصلناها، وإن تعذر تحصيلها حصلنا الأصلح فالأصلح، والأفضل فالأفضل"([85]) و"إذا اجتمعت المفاسد المحضة؛ فإن أمكن درؤها درأناها، وإن تعذر درءُ الجميع درأنا الأفسد فالأفسد والأرذل فالأرذل، فإن تساوت فقد نتوقف وقد نتخير، وقد يُختلف في التساوي والتفاوت"([86])، وإذا اجتمعت المصالح والمفاسد فـ"درء المفاسد أولى من جلب المصالح"([87]). هذا بشكل عام، وعند التدقيق؛ فالترجيح بين المصالح والمفاسد أو بين المصالح فيما بينها والمفاسد فيما بينها تحكمه عدة ضوابط؛ منها([88]):

-                   قوة المصلحة: ضرورية أو حاجية أو تحسينية.

-                   درجة توقع حصول المصالح أو المفاسد: ظنا أو قطعا.

-                   العموم والخصوص: الترجيح ما بين المصالح العامة والمصالح الخاصة أو الجزئية.

-                   الحكم الشّرعي: الوجوب والحرمة أو ما بينهما.

-                   رتبة المصلحة: الدين، النفس والعقل والنسب، المال.

-                   تغيُّر الظروف والأحوال.

الفرع الأول: مثال لفقه الموازنات في تغيير المنكر

من أمثلة فقه الموازنات في مجال الحسبة أن "من رأى فاسقا متغلبا وعنده سيف وبيده خمر وعلم أنه لو أنكر عليه لشرب الخمر وضرب رقبته فهذا مما لا وجه فيه للحسبة وهو عين الهلاك، فإن المطلوب أن يؤثّر في الدين أثرا ويفديه بنفسه، فأما تعريض النفس للهلاك من غير أثر فلا وجه له، بل يكون حراما"([89]) فهنا تزاحمٌ بين مصلحتين: مصلحة القيام بواجب الحسبة مقابل مفسدة التعرض للهلاك، أو مصلحة وقاية النفس مقابل ترك الحسبة، لكن إذا لم يكن لتعريض المسلم نفسه للموت أثرٌ فلا معنى لتقديم النفس حينذاك، فالأولوية ترك الحسبة مادام أن المفسدة لن تزول، بل ستحصل مفسدة أخرى أكبر منها.

الفرع الثاني: نماذج لدور الموازنات في ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية

قد تطرق إلى طرق الموازنة في المصالح والمفاسد صاحب كتاب الموافقات([90])، وأعاد ترتيب هذه الطرق وشرَحها بتفصيل صاحب كتاب "تأصيل فقه الأولويات"([91])، كما تطرق إلى هذا الموضوع غيرهما([92])؛ فلا داعي لتكرار ذلك هنا، لكن سيورد الباحث نماذج لبعضها مع إسقاطها على أمثلة من السياسة الشرعية، وهذا في الجدول الآتي:

نماذج لدور الموازنات في ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية

الحكم

مثال

عند التزاحم بين المصالح

تقديم الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينات

مساعدة الشعب برفعه عن خط الفقر؛ وهذا فيه حفظ لضروري النفس قبل مساعدته بإنشاء المنتزهات التي هي من تحسيني النفس

تقديم المصلحة القطعية على الظنية والمتوهمة

إذا وُجد من يسرق أموال غير المسلمين بدعوى استحلالها لمصلحة التقوّي بها وهي مصلحة متوهمة، فيجب تقديم المصلحة القطعية الثابتة بالأدلة العقلية  والنقلية وهي منع دماء غير المعتدين وأموالهم

تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة

إذا كان الربا يؤدي إلى مصلحة المرابي من حيث تحصيله الربح دون عمل، لكنه يضر بمصلحة الجماعة من حيث الإضرار بالطبقة الضعيفة وحصول الأزمات.. فمصلحة الجماعة أولى

تقديم المصلحة الأساسية على الشكلية

قبول الرسول r التنازل عن بعض الشروط مقابل تحقيق السلام لنشر الدعوة –كما تقدم-

تقديم المصلحة الأكثر دواما على المنقطعة

وقْف عمر أرض السواد على المسلمين لتنتفع بها الأجيال اللاحقة([93])

عند التزاحم بين المفاسد

يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام

تقديم عقوبة المجرم بما فيها من ضرر خاص؛ لدرء الضرر العام وهو الفساد الذي يحدِثه في المجتمع

درء أكبر المفسدتين

إذا تردد الأمر بين تسلط الحاكم وظلمه وبين وقوع فتنة من جراء المطالبة برفع الظلم فيُفتى بدرء أكبر المفسدتين

عند التزاحم بين المصالح والمفاسد

إذا غلبت المفسدة أو تساوت؛ فدرء المفسدة أولى

عند التردد بين إقامة مصنع وسط مدينة ليفيدها بمنتوجاته مع ما فيه من تلوث وإزعاج للسكان، وبين إبعاده ويتحمل السكان نفقات النقل، فيقدم درء مفسدة التلوث على مفسدة تكاليف النقل

تغتفر المفسدة الصغيرة لأجل المصلحة الكبيرة

تَحمُّل مشقة توثيق عقود الزواج والمعاملات وتكاليفها؛ بمقابل مصلحة ضمان الأعراض والأموال بعدم تعرّضها لتلاعب الخائنين

2.1. دور الموازنة في المصالح والمفاسد في ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية([94]). XE "ج:دور الموازنة في المصالح والمفاسد في ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية"  XE "شكل:دور الموازنة في المصالح والمفاسد في ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية"  XE "أشكال:جدول1\: دور الموازنة في المصالح والمفاسد في ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية"

الفرع الثالث: فقه الموازنات والمشاركة السّياسية XE "ف:فقه الموازنات على المشاركة السّياسية"  في دولة لا تدين بأحكام الله تعالى

 ومن المشاركة السّياسية إقامة الأحزاب والترشح للانتخابات التشريعية ونحو ذلك، فهي قضية محل اختلاف على قولين؛ بحسب نظر كل منهما إلى المسألة وترجيح أحد جانبي المفسدة أو المصلحة.

فالقول بالمنع رأى أن "منهج النبي r هو الدعوة والتعليم، أما العمل الحزبي فيؤدي إلى التفرق والعداوة، والشعور بالانتماء والتناصر للحزب لا للإسلام، أضف إلى ذلك ما يكون من تنابز بين تلك الأحزاب، كما أن هذا سبيل إلى تحول الدعوة إلى مبادئ الحزب؛ لا إلى مبادئ الإسلام"([95]).

لذا فـ"الأولوية للبدء بالتربية وتكوين الأجيال الصالحة، أما الزّج بأبناء المسلمين في المعترك السياسي دون أن يكون للمجتمع قاعدة إيمانية واسعة قوية؛ قد يكون سببا لهؤلاء في الوقوع في فتنة المناصب وتستاء أخلاقهم ويكونون دعاية سيئة لهذا الدين. كما أن المشاركة بأحزاب صغيرة -مقارنة بالقوى المتجذرة في السّلطة- سوف لن يقوى أصحابها على المواجهة، ويؤول أمرهم إلى التشتت والضياع"([96]).

والقول بالجواز استند إلى أن "المشاركة من شأنها أن تكون وسيلة متقدمة للدعوة، ومن خلالها يمكن المشاركة في صنع القرار، وتكون للحزب الحريةُ في إقامة المؤتمرات ونشر الصحف، ونشر البرامج الإصلاحية، وفي ذلك مصلحة كبيرة للإسلام؛ بإيصال رسالته إلى أكبر مدى ممكن، وتقديم نموذج حيٍّ لسماحة الإسلام وصلاحيته لقيادة المجتمعات"([97]). كما أنّ "الابتعاد عن هذه التنظيمات المشروعة يترك المجال رحبا لأعداء الإسلام وحدهم، وربما لحقت أضرار بمصلحة المسلمين ومستقبل الإسلام؛ لذا قد لا يكون هذا مشروعا فحسب، بل يؤول إلى الوجوب، فلابد من التعاطي مع الأنظمة المتاحة وتقليل الضرر ما أمكن"([98]).

الترجيح: من الصعب إعطاء حكم مطلق في المسألة؛ إذ إن فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية تختلف أحكامه حسب كل ظرف، فيجب دراسة المصالح والمفاسد والموازنة بينها حسب كل حالة؛ فإن رجحت المفاسد كان عدم التقدم لهذه المناصب أولى، وإن كان العكس فيجب التقدم لهذه المناصب؛ مع العمل على زيادة المصالح وتقليل المفاسد ما أمكن.

 وفي القرآن الكريم ما يدلّ على أن يوسف عليه السلام كان وزيرا للاقتصاد –بالتعبير المعاصر-: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ XE "ا:قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" } [يوسف: 55]، وبديهي أنه بتبوّئه ذلك المنصب تكون لديه سُلطات أوسع؛ من خلالها يمكن أن يُطبّق تعاليم الله تعالى، ويجلب المصالح ويدرأ المفاسد بصفة أكبر مما لو تخلّى عنه في بداية الأمر، "وتتطلب المشاركة السّياسية السليمة عُدّة من العلم والأمانة والقوة، وبعد ذلك يتمّ خوض غمار هذه المشاركة لإصلاح ما يمكن إصلاحه"([99]) .

بناء على ما تقدم؛ فترتيب الأولويات يكون عند التزاحم بينها، وفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية ينبني على فقه الموازنات، كما أن الموازنة في المصالح والمفاسد مرحلة متقدمة على ترتيب الأولويات.

المطلب الثالث: فقه الواقع XE "م:فقه الواقع"

فقه الواقع هو "الفهم العميق لما تدور عليه حياة الناس وما يوجهها وما يعترضها"([100])، "وينبني على دراسة دقيقة مستوعبة لكل جوانب الموضوع؛ معتمدة على أصحّ المعلومات وأدقّ البيانات والإحصاءات"([101]).

لأنّ الحكم الذي ينطبق في ظرف معين غير الذي ينطبق في ظرف آخر، وإذا كان هذا بشكل عام ففي السّياسة الشّرعية الأمرُ أوكد؛ لكون الظروف والمعطيات فيها تتغير بشدة. "ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم؛ أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علمِ حقيقةِ ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما، والثاني: فهم الواجب في الواقع"([102]).

ومن التطبيقات النبوية لفقه الواقع قوله ما ورد "عن عائشة[t].. أن رسول الله r قال لها: (ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟)، فقلت: يا رسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: (لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)" ([103])، ومن أمثلة فقه الواقع في خلافة عمر t حينما أُتي بغلمان ليقيم عليهم حد السرقة، فلم يقمه عليهم، لأن سيدهم ضيق عليهم حتى بلغ بهم الجوع إلى السرقة، ففرض عليه العقوبة، وقال في ذلك: "أما والله لولا أني أظن أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو أن أحدهم يجد ما حرم الله عليه لأكله لقطعت أيديهم, ولكن والله إذ تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك"([104]). وفيما يأتي تحديد مراحل فقه الواقع، ثم مثال عليه.

الفرع الأول: مراحل فهم الواقع

يمكن ذلك من خلال ثلاث مراحل:

الأولى:  "فهم واقع النفس البشرية؛ طبيعتها والعوامل المؤثرة فيها، وجوانب قوّتها وضعفها ودوافعها"([105])، كالإفتاء بحُكمين مختلفين لشخصين في توبة القاتل، والسبب هو نية كلِّ واحد منهما: الأول جاء تائبا فلا ينبغي تأييسه من التوبة، وأما الثاني فنيتُه القتل؛ فوجب ردعه بكل ما أمكن([106]).

الثانية: التحليل الجُمَلي (الكلي) لواقع المسلمين؛ لفهم خطوطه الكبرى وعوامله الأساسية، والمسار العام لأحداثه وطبيعة تفاعلاته الداخلية والخارجية؛ ثم التوصل إلى شبه قواعد كلية تساعد على فهم الظواهر الجزئية"([107]). كقاعدة علم الاجتماع أن "أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب([108]).

الثالثة: "تحليل تفصيلي لمجالات الحياة بحسب أنواعها؛ من اقتصاد وسياسة وثقافة. ثم دراسة الظواهر والحوادث كلّ بظروفها الزمانية والمكانية، بهدف التوصل إلى حقيقتها وأسبابها ومجالاتها التأثيرية وغير ذلك مما يكشف حقيقتها"([109]).

فعندما يجمع المجتهد إلى جانب فهمِ النّص فهمَ الواقع - بما فيه النفس البشرية والظروف القريبة والبعيدة المحيطة بها- يمكنه تنزيل الحكم الشّرعي لكل حالة بحسبها، وهذا ينطبق في الأحكام الشّرعية عموما، وفي السّياسة الشّرعية بشكل أخص.  ومن المقرر عند علماء الأصول أن "العادة شريعة محكمة، وإذا تغيرت العادة تغير الحكم، وأن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها حيث دارت"([110]).

فإذا كان حكم التسعير XE "ف:حكم التسعير"  يختلف حكمه حسب واقع كل مجتمع([111])؛ فكذلك اختيارات الدولة في القوانين في مجال التعاملات الاقتصادية والتجارة الخارجية مثلا، فالتوجه العام في ذلك ينبغي أن يتمّ تحديده وفقا لمتطلبات كل واقع، ولا يصح استيراد نماذج أجنبية وتطبيقها حرفيا دون مراعاة حيثيات البيئة الجديدة، وهذا يتطلب دراسات وبحوثا ميدانية لكل واقع لفهمه، ثم تحديد أولوياته وفقا لذلك الواقع.

الفرع الثاني: فقه الواقع في منظومات التربية والتعليم

إذا تَبين دور مناهج التعليم XE "ف:مراعاة الواقع في مناهج التعليم"  في إعداد الفرد الصالح في المجتمع؛ فإن المناهج يجب أن يتمّ تعديلها وفق كل وقت بما يتناسب مع أولويات ذلك المجتمع؛ فإذا كانت هناك أزمةُ خلافات مذهبية أو عرقية؛ ففقهُ الواقع يقتضي أن تتجه الدولة إلى تدعيم المقرر التربوي بقيم التسامح وحسن التعامل مع الغير ونحو هذا، وإذا كان المجتمع يعاني أزمة بطالة واتكالية على الاستيراد عوضا عن الإنتاج؛ ففقه الواقع يقتضي تدعيم المقرر بقيم احترام العمل والإنتاج والاكتفاء الذاتي؛ على أنها حلول لهذه الأزمات في ذلك الوقت تنضاف إلى الحلول الأخرى التي ينبغي أن تتزامن معها.

وهنا يظهر أثر فقه الواقع في ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية، ولابد في علاج أيّ واقع من المعرفة الدقيقة له. وبناء على ما تقدم، ومن خلال أدلة وجوب اتخاذ الأسباب([112])؛ يجب أن يُستفاد في فهم الواقع وتحليله من الإحصاءات والدراسات الوصفية التي تقف على كل مشكلة على حدة بالملاحظة والتقييم، ثم يلي ذلك اتخاذ الإجراءات الأخرى لترتيب الأولويات وفقا لكل حالة.

المطلب الرابع: مآلات الأفعال وسد الذرائع

ويُقصد بمآلات الأفعال XE "م:مآلات الأفعال"  "النّظر فيما يمكن أن تؤول إليه الأفعال والتصرفات والتكاليف موضوع الاجتهاد والإفتاء والتوجيه، وإدخال ذلك عند الحكم والفتوى"([113]). و"النّظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا، وذلك أنّ المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل"([114]). "وإذا كان تحقيق المناط يقتضي معرفة ما هو واقع؛ فإن اعتبار المآل يقتضي معرفة ما هو متوقع، ومعرفةُ ما هو متوقع لا يأتي إلا من خلال المعرفة الدقيقة بما هو واقع، ومن هنا فإن اعتبارَ المآل ثمرةٌ من ثمرات معرفة الواقع"([115]).

أما الذرائع فهي لغة جمع ذريعة، وهي "الوسيلةُ"([116])، وسد الذرائع XE "م:وسد الذرائع"  اصطلاحا يُقصد به: "حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها"([117]) وبتعريف أدقّ: منع "كلّ وسيلة مباحة قُصد التّوصل بها إلى المفسدة أو لم يُقصد، لكنها مفضية إليها غالباً، ومفسدتها أرجح من مصلحتها"([118]). "وهو أصل متفق عليه في الجملة، وإن اختلف العلماء في تفاصيله"([119]) والدليل عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا XE "ا:لَا تَقُولُوا رَاعِنَا" } [البقرة: 104]، وقوله: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ XE "ا:وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ"  فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].

وبناء على هذا؛ "فلا يسلم من الوسائل إلا ما رجحت مصلحته على مفسدته، وأي وسيلة أدّت إلى نتائج غير محمودة في الحال أو المآل؛ يجب إعادة النّظر فيها"([120])، ومن ذلك منع عمر ابن الخطاب أحد ولاته من زواج الكتابيات([121]) وذلك "خوفا من كساد النساء المسلمات وعنوستهن"([122]) أو "أن يتزوج المسلمون هناك الكافرات بسبب جهلهم باستثناء أهل الكتاب منهن"([123]).

الفرع الأول: العلاقة بين سد الذرائع واعتبار المآلات

ويرى الباحث -بناء على ما تقدم- بأن سد الذرائع جزء من اعتبار المآل XE "ف:سد الذرائع جزء من اعتبار المآل" ؛ إذ يتفقان في النّظر إلى ما يؤول إليه الفعل، لكن سد الذرائع مختص بجانب منع الوسائل المباحة التي تفضي إلى مفسدة. ولهذا "ليس كل الذرائع يُطلب سدُّها، بل إن من الذرائع ما يجب فتحه أو يندب، فالذرائع إلى ما هو واجب يجب فتحها، كما أن من الذرائع إلى ما هو مندوب يندب فتحها"([124]) فإذا "كان في الصّدق سفك دم امرىء مسلم قد اختفى من ظالم؛ فالكذب في [هذه الحالة] واجب"([125]).

وعلى هذا يجب أثناء الممارسة السياسية أو اتخاذ في مجال السّياسة الشّرعية؛ ألا يُنظر إلى أحكام الأفعال مجردة عما تؤول إليه سلبا أو إيجابا، "فقد يكون الفعل غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أُطلق القول بعدم المشروعية ربما أدّى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصحُّ إطلاق القول بعدم المشروعية"([126])، ومثاله "فداء أسرى المسلمين من العدو ببذل المال لهم"([127])، فإنْ كان فيه مفسدة تقوية العدو بذلك المال؛ لكن مصلحة استنقاذ هؤلاء من القتل أقوى، فيجب تقديمها باعتبار المآل.

الفرع الثاني: طرق استكشاف المآلات

لكن كيف يمكن إدراك المآلات وهي أمر مستقبلٌ غائبٌ عن مُدرَكات الإنسان؟ فيما يأتي بعض القواعد التي يمكن الاسترشاد بها لمعرفة مآلات الأفعال([128]):

1-     استكشاف المآلات بالاستقراء XE "م:الاستقراء" : كأن يُلاحَظ بأن مَنح رخصة السياقة لمن دون سنّ معينة يُفضي بصفة متكررة إلى حوادث المرور؛ فيُوضع قانون يضبط ذلك.

2-     الاستكشاف بالعادة الطبيعية: ومن ذلك "تحديد عمر بن الخطاب مدة غياب الرجل عن أهله في الفتوحات؛ انطلاقا من طبيعة المرأة في مدة تحملها غيابَ زوجها"([129]).

3-     الاستكشاف بالاستبصار XE "م:الاستبصار"  المستقبلي: ومن ذلك لما سئل عمر بن عبد العزيز عن عدم إنفاذه لبعض الأحكام، فقال: "أخاف أن أحمل الحقّ على الناس جملة، فيدفعوه جملة"([130]) وهذا انطلاقا من أحوالهم النفسية والإيمانية والاجتماعية.

4-     الاستكشاف بقصد الفاعل: الذي قد يُعلم بالتصريح أو بالقرائن، كالفتوى بعدم قبول توبة القاتل؛ للسائل الذي يبدو على وجهه ملامح الغضب والانتقام.

الفرع الثالث: اعتبار المآلات وخصوصية السياسة الشرعية

ومع الطُّرق الآنفة الذكر؛ يرى الباحث أنه قد يصعُب إدراك المآلات في السّياسة الشّرعية؛ لتعلقها بإدارة شؤون الإنسان في مختلف المجالات، وطبيعة الإنسان ليست ثابتة مثل الآلات والمعادن التي من السهل توقُّع ما سيؤول إليه أمرها بتَكرار التجارِب، لأن الإنسان تُحيط به متغيرات كثيرة يجب مراعاتها جميعا عند اتخاذ القرار، كما أن الأمر يزداد صعوبة في الوقت الحاضر بتعقد الأمور وتسارع وتيرة الأحداث، لذا يجب الاستعانة في ذلك بالدراسات المتخصّصة في علم النفس والاجتماع والدراسات الاستشرافية وعلوم الإدارة وغير ذلك، وهنا يظهر دور المجالس الاستشارية والمجامع الفقهية التي تضم عدة تخصصات علمية ومختلف وجهات النظر للفصل في بعض القضايا ذات الطابع السياسي.

ومن تطبيقات اعتبار المآلات أنه إذا فُرض و"أنْ كان في دولة ما حكم مستبدٌّ؛ وكان لدى الشعب خياران؛ الأول: المناداة بالديمقراطية والحريات والثاني: الإصلاح التدريجي، فإذا كان الخيار الأول يؤدّي-بشكل قطعي أو قريب من القطع- إلى بقاء الاستبداد ثم تدخّل القوى الأجنبية وحدوث فتن داخلية واستباحة دماء وانتهاك أعراض؛ فاعتبار المآل يقضي بْوجوب التحوّل إلى الخيار الثاني"([131]).

بعد هذا يتبين أن ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية ينبني على إدراك الحكم الشّرعي لها؛ استنادا إلى النّصوص الشّرعية ومقاصدها، ثم الموازنة بين الأحكام عند التزاحم؛ مع مراعاة فقه الواقع والمآل، من أجل تحديد أولويات التصرفات بناء على ذلك.

المبحث الثالث: ضوابط ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية

إلى جانب ما تقدم من أسس في ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ لابد من ضوابط تحكم عملية ترتيب الأولويات ولا تؤدي بها إلى نتائج تتسم بقصر النّظر أو يؤدي تطبيقها إلى نقيض مقصودها، وتتمثل هذه الضوابط في التدرج، ومراعاة الثوابت والمتغيرات، ومراعاة القيم السّياسية في الإسلام، والاستشراف والاستفادة من التاريخ في إطار اتخاذ الأسباب، وهذا ما سيتمّ إيراده في هذا المبحث، يعقُبه محاولةٌ لإيجاد رابط بين هذه الضوابط وما تقدم من الأسس في المبحث السابق، لتظهر به الصّورة الكلّية لفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية.

المطلب الأول: التدرج XE "م:التدرج"  في التطبيق

عُرّف التدرج بأنه: "الانتقال في التشريع من الحكم السهل إلى الحكم الصعب لتهيئة النفس إلى قبول الحكم"([132]). ولكن هذا التعريف يقصر التدرج في التشريع، ولعل هذا جاء تبعا للسياق الذي ورد فيه؛ وهو ما يخصّ تشريع الأحكام. ويرى الباحث أنّ هناك نوعين آخرين -إضافة إلى التدرج في التشريع- وهما التدرج في الدعوة، والتدرج في التطبيق –كما سيأتي-، لذا يُعرف الباحث التدرج في الاصطلاح الشرعي بأنه: تشريع الأحكام والدعوة إليها وتنفيذها شيئا فشيئا؛ في سبيل الوصول إلى التطبيق الكامل لأحكام الدين.

الفرع الأول: أنواع التدرج

ثلاثة أنواع كما يأتي:

1. التدرج في التشريع: ومثاله التدرج في تحريم الخمر عبر مراحل؛ بدءا من الإشارة إلى خبثها، وهذا في قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67]، ثم التنبيه على أن فيها إثما كبيرا في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، وحرمت في أوقات الصلوات بقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا} [النساء: 43]، إلى أن جاء التحريم النّهائي المؤبد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ XE "ا:إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ"  فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91]([133]).

2. التدرج في الدعوة: ومثاله ما ورد في السّيرة النبوية "أنّ النبي r بعث معاذا t إلى اليمن فقال: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله XE "ح:ادعهم إلى شهادة أن لا إله"  إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتُرد على فقرائهم)([134]). وواضح فيه الأمر بالتدرج في الدعوة، وما ينبغي البدء به قبل غيره في سبيل الوصول إلى الأحكام النهائية.

3. التدرج في التنفيذ: ومثاله: "ما يُحكى عن عمر بن عبد العزيز أن ابنه عبد الملك قال له: ما لك لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق. قال له عمر: لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة"([135]). ويتبين من هذا الأثر أن التدرّج في تطبيق الأحكام معمول به لدى الخلفاء الراشدين؛ ولو بعد وفاته r واكتمال الدين.

الفرع الثاني: هل انقضى التدرّج بانقضاء العصر النبوي

هنا فيه رأيان: XE "ف:هل انقضى التدرّج بانقضاء العصر النبوي"

 الرأي الأول: يرى أن التدرج انقضى بانقضاء العهد النبوي([136])، ودليله ما يأتي:

1)      "القول بالتمهّل والتدرج في العمل بالشّريعة الإسلامية لا وجه لقياسه على تدرج الأحكام وقت نزول القرآن الذي هو عصر التشريع"([137])، "لأن التدرج في العهد النبوي كان لحمل الناس من الوثنية إلى الشرك، أما اليوم فقد اكتمل الدين، فيجب تطبيق الشّريعة كما أنزلها الله"([138]).

2)      القول بإعداد المجتمع قبل البدء بالعمل بالشريعة قول مردود، لأن المجتمع الإنساني كان منذ بدء الخليقة -وسيظل إلى يوم الدين- تقع فيه الآثام، وقد شُرع العقاب لحماية الجماعة، ومن ثَم يجب أن يتوازى الطريقان الدعوة بالحكمة والعقاب لمن لا يمتثل"([139])

الرأي الثاني: يرى جواز التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية؛ ولو بعد انقضاء العصر النبوي([140])، ودليله:

1.      "الآيات الدالة على يسر الشريعة، ومن ذلك قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقوله I: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، والتدرج ما هو إلا أخذ بالأيسر فالأيسر.

2.      إذا كان الأخذ بالعزيمة يفوت مقصد الشريعة، ويوقع المسلم في الحرج؛ فالأخذ بالرخصة مطلوب، والقاعدة تقول: المشقة تجلب التيسير([141])، وليس من الفقه مطالبة المكلف بالحد الأقصى وهو لا يطيق الحد الأدنى"([142]).

المناقشة والترجيح: يرجح الباحث الرأي الثاني؛ استنادا إلى ما يأتي:

1.      من القرآن الكريم: قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ XE "ا:كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ"  وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] وقوله أيضا:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ XE "ا:اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ" } [الأعراف: 3]، ووجه الدلالة أنّ الله تعالى قد أمر بالتفكر في جميع آياته والاتعاظ بها واتباعها، وهذا يتنافى مع وجود آيات لا دور لها إلا مجرّد التبرك والتعبد؛ إذْ ما الهدف من إبقاء الآيات التي تدلّ على التدرّج -قبل الحكم النهائي- في القرآن الكريم إذا كان مفعولها قد زال؟ بمعنى آخر؛ ما الفائدة من بقاء الآيات الأُولى لتحريم الخمر، ولماذا لم يُبق على الآية الأخيرة النهائية فحسب؟

2.      من السنة: حديث معاذ المذكور آنفا (ادعهم إلى شهادة..)، وهذا ليس إقرارا للرسول r معاذا في الدعوة إلى الأحكام شيئا فشيئا فحسب، بل –إضافة إلى ذلك- يندرج ضمن السنة القولية.

3.      من المعقول أنّ عدم التدرّج يعني إلزام الناس دفعة واحدة بما لم يعتادوه، وهذا قد يؤدي إلى عكس مقصوده؛ من رفض كلي لهذا الدين من أساسه؛ كما في الأثر المتقدم عن عمر بن عبد العزيز، ثم استبدال أنظمة وضعية -ربّما معادية للمسلمين وتكنّ لهم العداء والانتقام- بِـدين الإسلام.

4.      من حكمة التشريع أن "الأمر يرد فيه بحسب قدرة المكلف، فمن لا يقدر على الوفاء بمرتبة من مراتبه لم يؤمر بها، بل يؤمر بما دونها على وجه لا تُخرج المكلف إلى مشقة يملُّ بسببها، وربما اشمأز قلبه عما يخرجه عن معتاده، ومن هنا كان نزول القرآن نجوما في عشرين سنة، ووردت الأحكام التكليفية فيه شيئا فشيئا ولم تنزل دفعة واحدة، وذلك لئلا تنفر عنها النفوس دفعة واحدة، فلم ينزل حكم إلا والذي قبله قد صار عادة، واستأنست به نفس المكلف، فإذا نزل الثاني كانت النفس أقرب للانقياد له، ثم كذلك في الثالث والرابع"([143]). وهذه الحِكم تنطبق على كل زمان ومكان، لأنها تتعلق بالنفس الإنسانية وخصائصها التي جبلها الله عليها.

"وكما يجب إعمال قاعدة "سد الذرائع" إلى الأسوأ؛ فإن بالإمكان إعمال قاعدة "فتح الذرائع" إلى الأقل سوءا؛ إذا أفضى التعامل المؤقّت معه إلى الصلاح الأكثر والأعم"([144])، فأنْ يتمّ الإبقاء على بعض القوانين المخالفة للتشريع الإسلامي لفترة ريثما يتمّ إقناع الشعب بذلك فيصوّتَ عليها؛ خير من أن تُفرض عليه قوانين بالإكراه، ثم يتخلّى عن هذا النّظام كلية.

5.      قد يُبَرّر للرّأي القائل بِعدم مشروعية التدرج بعد انقضاء عصر النبوة؛ بأنه لم يُفرّق في الحُكم بين أنواع التدرج الثلاثة السابقِ ذكرُها، وفي الحقيقة؛ فإنّ التدرج في التشريع هو الذي انقضى بانقضاء النبوة، أما التدرج في الدعوة والتدرج في التطبيق فلم ينقضيا، وهذا لما تقدم من الأدلة آنفا.

الفرع الثالث: مثال للتدرج في السياسة الشرعية

إذا فُرِض وأن فاز حزب إسلامي بالأغلبية في دولة أغلب شعبها ليسوا مسلمين؛ وأرادوا إيقاف الخمر والمسكرات فليس من فقه الأولويات البدء بتحريم ذلك والعقوبة عليه، بل "ينبغي البدء بالإقناع بكل الوسائل القانونية بسمو التشريع الرباني وصلاحيته وتسامحه ونحو ذلك؛ عمليا أكثر منه قوليا، وهذا بالعمل على الرفع من الاقتصاد وتحسين المستوى  المعيشي للناس والعدالة، ونحو هذا من تعاليم الإسلام، يرافق ذلك تبيين أضرار الخمر مثلا من مختلف الجوانب، ثم سنّ بعض العقوبات عليها كغرامات ونحو هذا حينما يترتب عليها أضرار كحوادث المرور ونحو ذلك، وهكذا شيئا فشيئا، مع الأخذ بعين الاعتبار الوصول إلى الهدف النّهائي الذي هو المنع المطلق"([145])؛ وهكذا، لأن المواجهة بالأحكام النهائية من هذا النوع ستصدم المواطنين وتجعلهم ينفرون من هذا التوجه والنّظام كلّية، وينبذونه نهائيا وربما أدّى هذا إلى انقلاب أو حرب أهلية ومفسدة أعظم، كما أنه ليس من المعقول فرض أحكام تكليفية على قوم وإكراههم عليها.

وهكذا يتبين دور التدرج بصفته ضابطا ينبغي مراعاته أثناء عملية الموازنات وترتيب الأولويات في السياسة الشرعية.

المطلب الثاني: مراعاة الثوابت والمتغيرات

ويقصد به الباحث التمييز بين الأمور التي هي أصول ومقاصد لا تقبل التغيُّر بتغير الظروف؛ وبين الأمور التي هي وسائل تقبل التغير؛ في سياق  ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية. 

الفرع الأول: تعريف الثابت والمتغير

فـ"الثوابت XE "م:الثوابت والمتغيرات"  هي الأحكام الصحيحة المحققة المستقرة التي لا تقبل التبديل والتغيير؛ سواء أكانت في العقيدة أم في الأخلاق أم في الأحكام، وسواء أكانت مقررة لغة أم شرعا أم عقلا"([146]) أما المتغيرات فهي "الأحكام التي تتغير حسب الزمان والمكان، وحسب الأشخاص والأحوال؛ لتحقيق المقاصد العامة للشريعة، ومبادئها الكلية ومراعاة الظروف والمناسبات، لكنها تبقى في إطار الشّريعة"([147]).

ومن أمثلة ذلك –في نظر الباحث-: الشورى أمر ثابت بأدلة كثيرة؛ منها قوله تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ XE "ا:وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" } [آل عمران: 159] وجاء في شأن المؤمنين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ XE "ا:وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" } [الشورى: 38]، أما التفاصيل في كيفية الشورى وشكلها والعدد المطلوب ونحو ذلك فهو أمر متغير؛ قد يكون بأن يُفوّض الشعب مجلس شورى نيابة عنه، أو باستفتاء الشعب في بعض التعديلات الدستورية، أو غير ذلك من الأشكال؛ على أن لا يخالف الأطر العامة للشريعة.

وهنا يأتي التساؤل: ما هو الثابت وما هو المتغير؟ هذا ما سيأتي الحديث عنه.

الفرع الثاني: الحدود الفاصلة بين الثابت والمتغير

لا شك أنّ في الشريعة أحكاما شرعية ثابة، وأخرى تتغير تبعا لتغير الظروف، لتحقيق المصلحة ودرء المفسدة، "فلو نصّ الشارع على وسيلة مناسبة لمكان معين وزمان معين فلا يعني ذلك وجوب الوقوف عندها وعدم التفكير في غيرها من الوسائل المتطورة، فالنّص على الخيل في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ XE "ا:وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ"  مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } الآية [الأنفال: 60] لا يعني الجمود على هذه الوسيلة"([148])، وإلا ضاع المقصود منها وربّما لحق بالمسلمين مفسدة أعظم، وقس على ذلك من الأمور، وبهذا يتضح بطلان القول بثبوت الأحكام الشّرعية بكلياتها وجزئياتها.

لكن يرد السّؤال الآن: بالنّظر إلى ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ ما هي الحدود الضابطة XE "م:حدود الثابت والمتغير"  لمسألة الثابت الذي لا ينبغي لولي الأمر أن يتجاوزه أو يتصرف فيه؛ أي بمعنى الخطوط التي لا ينبغي المساس بها؛ وبين المتغير الذي فيه مجال من التصرف ومراعاة الواقع والظروف؟

وهذا يتطلب الكشف عن حقيقة الثابت والمتغير، وإبراز الحدود الفاصلة بينهما، وسيتمّ إيراد بعض الآراء في التفريق بينهما، ثم محاولة التوصل إلى رأي أقرب في المسألة.

الرأي الأول: يرى أن الثابت "ما وقع عليه إجماع العامة، -ليس إجماع المجتهدين لوقوع النزاع في إمكانه وفي صحته([149])، ولا الإجماعات الخاصة- وهذا كاتفاق جميع المسلمين على وجوب الصلاة والقصاص ونحو ذلك، وما عدا هذا فهو المتغير"([150]). فالضابط في تحديد الثابت هنا هنا هو إجماع جميع المسلمين؛ عامتهم وخاصتهم.

وبتطبيق هذا التعريف على المثال المشهور عن عمر t في رفضه سهم المؤلفة قلوبهم بعدما منحه إياهم أبو بكر([151])؛ هل يصحّ القول بأن هذا نوع من الاختلاف في تنزيل النّص أو في تحقيق المناط -لا في النّص ذاته- في قضية قطعية مجمع عليها؟ بمعنى أن سهم المؤلفة قلوبهم أمرٌ مجمع عليه لوروده بدليل قطعي الثبوت والدلالة -وهي آية سورة التوبة-، لكن وقع الاختلاف في تنزيله.

وهل سيؤول الأمر –بعد هذا- إلى القول بوجود أمور ثابتة باعتبار النّص المجمع عليه، ومتغيرة باعتبار تنزيل ذلك النّص وتفعيله في الواقع؟ فسهم المؤلفة قلوبهم هنا أمر مجمع عليه -لقطعية النّص الذي ورد به- إذن سهم المؤلفة قلوبهم يندرج ضمن الثوابت بهذا الاعتبار، أما إعطاء هذا السهم لمستحقيه –أي تنزيل النّص على الواقع- فاختلفت فيه الأنظار بين أبي بكر وعمر –رضي الله عنهما-؛ فهو متغير من هذه الناحية. لكن هذا يهدم القاعدة من أساسها؛ إذ لا معنى لهذا التقسيم مادام الأمر ينتهي بتغير الحكم في ذاته، ويؤول في النهاية إلى النسبية التي لا تحقق الهدف. ولهذا لابد من تعريف آخر للثابت والمتغير.

الرأي الثاني: يرى أن "الثوابت والمتغيرات في الشّرع إجمالا؛ تعبير يُراد به التَّفريق بين مواطن الإجماع الذي كان مُستنده النّصوص القاطعة التي لا تحِلُّ المنازعة فيها ولا يُعتبر فيها الخلاف؛ بخلاف ما لو كان مستنده المصلحة أو العرف، وهذا المراد بقولهم: لا اجتهاد مع النّص أو الإجماع، نظرا لقطعية المستند والمأخذ ثبوتا أو دلالة؛ وبين موارد الاجتهاد التي لا يُنكَر فيها على المخالف ولا يُضَيق فيها النطاق ولا الخناق على المخالف لظنية المأخذ والمدرك ثبوتا أو دلالة"([152]).

فهذا الرأي يحصر الثوابت في الإجماعات التي مستندها النّص، وهذا أولا؛ ينبغي أن يُقيَّد بما ذُكر في الرأي السابق من إجماعات العامة؛ أي اتفاق جميع المسلمين لا العلماء وحدهم ولا الإجماعات الخاصة، وثانيا؛ إذا حَصر القطعيات في الإجماع؛ فأين هي النّصوص القطعية الثبوت والدلالة؟ إلا أن يقال بأنها تدخل فيما أجمع عليه المسلمون ضمنا، بسبب قطعية ثبوتها ودلالتها.

أما المتغيرات فجَعلَها أولا؛ في الإجماع المستند إلى عرف أو مصلحة، -وهذا أمر وارد لأن العُرف قد يختلف، والمصلحة كذلك- وثانيا؛ في النّصوص الظنية الثبوت أو الدلالة أو كليهما. ولعل إبقاء الشارع بعض النّصوص ظنية الثبوت أو ظنية الدلالة؛ لحكمةِ أن يتسع معناها لمختلف الحوادث باختلاف الظروف والأزمان والأمكنة.

الرأي الثالث: جعل معيارين للتفريق بين الثابت والمتغير؛ المعيار الأول: هو القطعية والظنية، ولهذا يرى أن "الثابت من الأحكام ما ورد في نصٍّ قطعي الثبوت والدلالة، أما القابل للتغير من عصر إلى عصر فهي الأحكام التي جاءت في نصوصٍ ظنية تقبل التأويل على أكثر من وجه، أو لم يرد فيها نص مباشر؛ لكن قواعد عامة"([153]). والمعيار الثاني: هو مدى ظهور مقصد الشارع في الحكم وملازمته له، "فما كان من الأحكام مُلازماً لمقصده مهما كانت ظروف الواقع وملابساته فهو الثابت، وما فيه إمكانية أن ينفصل تنزيله عن مقصده فهو المتغير، وهنا يأتي دور الاجتهاد للتفريق بين كل من الأمرين"([154]).

 وينتج عن هذا الرأي أنّ "الأحكام الشّرعية الثابتة هي أولا؛ ما تعلق منها بالإيمانيات، وثانيا؛ الأحكام التي لا تتخلف مقاصدها؛ ككون إقامة الصلاة مما ينهى عن الفحشاء والمنكر، وكون الزنا يؤدي إلى مفاسد في اختلاط الأنساب وانتشار الأمراض وزوال العفة، وثالثا؛ ما خفيت مصلحته كالتعبديات مثل عدد الركعات ونحوها"([155])، وما عدا هذا فيندرج ضمن المتغيرات.

وهذا الرأي هو الأقرب إلى الصواب، فيُشترط –حسب هذا القول- في الحكم الشّرعي الثابت أن يكون أولا: قطعي الثبوت والدلالة، وثانيا: أن لا يتخلف مقصده عنه مهما تغيرت الظروف، أو يكون مما خفيت علته كالتعبديات. وإن كان القول بعدم تخلف مقصده ( أمر نسبي : أمراً نسبياً / خبر كانَ )*** قد تختلف فيه الأنظار، فمثلا: النهي عن قطع الأيدي في الغزو؛ هل يصح القول بأن مقصده -وهو الردع- قد تغير؟ وبالتالي فيكون حد السرقة من المتغيرات؟ نعم؛ قد يصح هذا القول، لكنه يرجع إلى أمر آخر، وهو فقه الواقع ومآلات الأفعال، فهذا تعليق للحكم بسبب ظرف؛ متى زال عاد ذلك الحكم إلى أصله.

وقريب من هذا القول؛ الرأيُ القائل بأن "الثابت في الشّريعة –من خلال الاستقراء- ينقسم إلى ثلاثة أقسام: ثوابت تنتمي إلى مبادئ كلية، وأخرى تنتمي إلى أحكام جزئية، وأخرى إلى مقاصد عامة للشريعة"([156])، أما "المتغيرات فهي الأحكام الشّرعية العملية التي دلت عليها أدلة ظنية الثبوت أو الدلالة، أو أنيطت بمتغير"([157]) أي "بعلة متغيرة أو عرف أو مصلحة أو ضرورة"([158]). وانطلاقا من مقاصد التشريع؛ يصح القول بأن المقاصد والغايات التي من أجلها شرعت الأحكامُ أمورٌ ثابتة، أما الوسائل فهي التي يمكن أن تتغير تبعا لتغير الظروف.

وجمعا بين الأقوال؛ فإن ثوابت الأحكام الشرعية ترجع إلى أمورٍ ثلاثة: 1. مبادئ كلية ثابتة، 2. أحكام جزئية ثابتة 3.مقاصد الشّريعة. والمتغيرات -بدورها- ترجع إلى ثلاثة أمور أيضا: 1. تغير الحكم بسبب طبيعة الدليل وكيفية ثبوته ودلالته، 2. تغير الحكم بسبب بناء الحكم على أدلة أنيطت بمتغير، 3. تغير الحكم بسبب اقترانه بأسباب داعية لتعليق إجراء الحكم.

ويمكن إجمال الثوابت والمتغيرات في الشّريعة من خلال الجدولين الآتيين([159]):

3.1. أقسام الثوابت في الشّريعة الإسلامية XE "ج:أقسام الثوابت في الشّريعة الإسلامية"  XE "أشكال:الجدول2\: أقسام الثوابت في الشّريعة الإسلامية"  XE "أشكال:الجدول2\: أقسام الثوابت في الشّريعة الإسلامية"  XE "شكل:أقسام الثوابت في الشريعة الإسلامية"

القسم

الخصائص

مثال

المبادئ الكلية الثابتة

-       قضايا عامة لا تختص بباب دون باب

-       المرونة في التطبيق في الجزئيات

-                   التوافق مع العقل

-       ترجع إليها أكثر الأحكام الظنية

وجوب العدل لقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ XE "ا:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ" } [النحل: 90]

الأحكام الجزئية الثابتة

-       أحكام جزئية متعلقة بباب واحد من أبواب التشريع

-                   قطعية الثبوت والدلالة

-       أغلبها في التعبديات والأحوال الشخصية

-       منها ما لا تتخلف مقاصدها ككون الصلاة تنهى عن الفحشاء، ومنها ما خفيت مصلحته كعدد الركعات

أسهم المواريث؛ كقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ XE "ا:يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ" } [النساء: 11]

وككون الصلاة تنهى عن المعاصي: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]

مقاصد الشّريعة

-       تنقسم إلى ضروريات وحاجيات وتحسينيات

-                   ثبتت بمجموع الأدلة­­­

-       وجوب النّظر إلى الأدلة الجزئية وفقا لهذه المقاصد الكلية

مقصد حفظ النفس الثابت بأدلة تحريم القتل، وتشريع القصاص، وغير ذلك.

4.1. أقسام المتغيرات في الشّريعة الإسلامية XE "ج:أقسام المتغيرات في الشّريعة الإسلامية"  XE "أشكال:جدول3\: أقسام المتغيرات في الشّريعة الإسلامية"

القسم

الخصائص

مثال

المتغيرات بسبب طبيعة الدليل وكيفية ثبوته ودلالته

-       يكون في ظني الثبوت أو الدلالة أو كليهما

-       مجال اختلاف المجتهدين؛ فيتغير الحكم من مجتهد إلى آخر في وقت واحد، أو يتغير عند مجتهد واحد في وقتين بسبب ظهور رأي جديد له

قوله عليه السلام: (من أحيا أرضا ميتة فهي له XE "ح:من أحيا أرضا ميتة فهي له" )([160]) ومحل الاختلاف هل قاله -عليه السلام- بصفته حاكما؛ فيرجع الحكم فيه لولي الأمر، أم بصفته مبلغا؛ فيكون العمل به دائما

المتغيرات بسبب بناء الحكم فيها على أدلة أنيطت بمتغير

-       يندرج فيه التغير بكل من العرف والمصلحة والعلة القابلة للتغير

-       في حقيقته تغير للحكم بسبب تغير العرف أو المصلحة والمقصد، ولو عاد العرف السابق أو المصلحة السابقة لرجع الحكم إلى ما كان عليه

"حكم الخليفة عمر t بإمضاء الطلاق بلفظ الثلاث لما رأى من تساهل الناس في ذلك، ثم ورد عنه أنه ندم على ذلك –في مرض موته- لِما رأى أن ذلك لم يحقق المصلحة المقصودة"([161])

تغير الحكم بسبب اقترانه بأسباب داعية لتعليق إجراء الحكم

-       يندرج تحته تعليق الحكم بسبب الضرورة المقتضية للترخص، وكذا عدم تحقق المناط في بعض الحالات

-       هو تعليق في الظاهر لا في الحقيقة، لأنه متى ارتفعت الضرورة عاد الحكم الأصلي

النطق بكلمة الكفر بالنسبة للمكره؛ فقد تغير الحكم في حقه لتلك الفترة فقط، ثم يعود (لَمّا : خطأ/ الصواب: عندما أو حالما ) ترتفع حالة الاضطرار

الفرع الثالث: مثال لمراعاة الثابت والمتغير XE "ف:مراعاة الثابت والمتغير في الشورى"  في قضية الشورى

حينما يتمّ إدراك الثوابت والمتغيرات فإن ذلك سيكون من المُحدِّدات والأطر في طريق ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية، فهي تضع للحاكم الحدود التي لا ينبغي تجاوزها، وما فيه مجال واسع للتفكير والتصرف والتقديم أو التأخير.

فإذا ثبت أن الإسلام يأمر بالشورى وينهى عن الاستبداد؛ فيصح –من أجل تطبيق الشورى- الاستعانة بالمجالس البرلمانية اليوم؛ على أن الشورى أمر ثابت، لأنه يرجع إلى المبادئ الكُلية الثابتة، أما هذه المجالس فهي من الوسائل القابلة للتغير؛ يمكن من خلالها إشراك فئة واسعة في القرار، لكن بشرط أن تكون هناك معايير موضوعية لمن يترشح للمجلس؛ لا أن يتمّ شراء أصوات الشعب بالمال أو الجاه أو نحو ذلك مما يؤدي إلى ترقية أفراد ليس لهم مستوى علمي ولا خبرة عملية ولا فقه بالواقع والتحديات ليتصدوا لهموم الأمة.

وأيضا؛ حينما يُراعي مجلس الشورى -أو البرلمان- الثابت والمتغير في السّياسة الشّرعية -بالاستعانة بالوسائل الأخرى كفقه الواقع وغيره- يمكن أن يُميز ما هي القرارات التي تكون محل تقديم، وما هي التي لم يحِن وقتها، والقضايا التي لن تكون موضع تنفيذ.

المطلب الثالث: مراعاة القيم السياسية الإسلامية

القيم جمع قيمة وهي "من الناحية الذاتية صفة في الأشياء قوامها أن تكون موضع تقدير إلى حد كبير أو صغير، أو أن يرغب بها شخص أو جماعة من أشخاص معينين. ومن الناحية الموضوعية هي صفة في الأشياء من حيث إنها جديرة بشيء قليل أو كثير من التقدير"([162]). وعلى هذا فإطلاق لفظ "القيم" قد ينصرف إلى قيم سلبية أو قيم إيجابية، ومن هنا يرِد في العنوان قيد "في الإسلام" ليميز هذه القيم بناء على مرجعيتها الربّانية القويمة.

"والقيم السّياسية هي إطار فكري مثالي يُغلِّف الأهداف المباشرة من الحركة السّياسية ويُضفي عليها سُموّا معينا، وهو ما يسمى بأخلاقيات الحركة"([163]) فالقيم السّياسية في الإسلام هي مبادئ عامة توجه سيرورة عملية الاختيار وتحديد السلوك الأولوي في السّياسة الشّرعية.

ويتمّ الكشف عن هذه القيم من خلال استقراء نصوص القرآن الكريم في مجال السّياسة الشّرعية، للتوصل إلى المبادئ الكلية التي ترد بصيغ مختلفة؛ في شكل أوامر مباشرة أو في سياق قصص السابقين والتوجيهات الربانية للنبي r والمجتمع المسلم، ويُستدل لهذه القيم بشواهد من السنة النبوية، كما يمكن ملاحظة هذه القيم في ممارسات الخلفاء الراشدين.

وبالإمكان التوصل إلى عدد من القيم السّياسية في الإسلام، وسيتطرق الباحث إلى مناقشة ما يخص بعضها؛ نظرا لارتباطها بموضوع البحث بشكل أكبر، وتتمثل هذه القيم في: العدل، الشورى، الحرية، الرحمة والعالمية، المسؤولية المشتركة؛ كما يأتي:

الفرع الأول: العدالة XE "م:العدالة"  XE "م:العدالة"

وتعني "في أبسط معانيها إعطاء كل ذي حق حقه"([164]). وهناك فرق بين العدالة والمساواة، فالمساواة تعني إعطاء الشخص مثلَ ما للآخر وإن اختلفا في المواهب والقدرات والمعطيات، أما العدالة فتقتضي التساوي في المبدأ ولا يهم الاختلاف في الواجب أو الحق، فليس من العدالة أن يتمّ فرض نفس مقدار الضريبة على الفقير والغني، أو يُكلَّف ذو الحاجة الخاصة بمثل الصحيح، وقس على هذا في كامل التشريعات والقوانين.

وقد ثبتت قيمة العدالة بأدلة كثيرة، في عدة سياقات، يذكر الباحث منها الأمر بالعدل بصفة مطلقة:  { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ XE "ا:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ"  } [النحل: 90] ، والعدل في الحكم: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ XE "ا:وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" } [النساء: 58]، واشتراط العدالة في الشهود: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، ووجوب العدل في الصلح: {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} XE "آية:{فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ}"  XE "آية:{فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ}"  [الحجرات: 9]، والرسول r  من مبادئه العدل: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ XE "ا:وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ" } [الشورى: 15] ، ومن تمام العدل أن أوجبه الشّرع ولو مع المخالف: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا XE "ا:وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا"  اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]. وفي الحقيقة؛ فإن العدل من قيم السّياسة الشّرعية، أما تطبيقه فيتطلب فهم فلسفة التشريع، فمثلا: ما هي معايير العدل؟ وهل من العدل توزيع الثروة على الجميع دون اعتبار الجهد أو الفوارق؟ وهذا يتطلب التفصيل لدراسة كل حكم تشريعي ومظهر العدالة فيه([165]).

ومن نتائج العدالة التكافؤ في تولية المناصب، فلا يصح تولية منصب لأجل قرابة أو مصلحة شخصية دون اعتبار الكفاءة. وأيضا التساوي في الحقوق والواجبات والقضاء، لذا "أمر عمر بن الخطاب الرجلَ المصري أن يقتصّ من ابن عمرو بن العاص لما تعدّى عليه بدعوى أنه ابن الأكرمين، ثم قال عمر قولته المشهورة: يا عمرو؛ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"([166]).

ومن العدالة أيضا الأمر برد العدوان بالمثل؛ دون زيادة: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ XE "ا:َنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ" } [البقرة: 194]، ومن أروع نماذج العدالة في سيرة النّبي r حتى مع الأعداء؛ أنّ المرأة حينما تأتي مسلمة من مكة، وبإسلامها XE "ح:المرأة حينما تأتي مسلمة من مكة، وبإسلامها"  ينفسخ عقد نكاحها مع زوجها المشرك؛ "فيجب على المسلمين أن يردّوا إلى زوجها الكافر ما أنفق من المهر على زوجته التي أسلمت"([167])؛ مصداقا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ XE "ا:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ"  اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} الآية [الممتحنة: 10]، "وهنا فيه تقديم قيمة العدالة على مصلحة المال"([168]).

 XE "م:الشورى" الفرع الثاني: الشورى

وهي في إطارها العام: "استطلاع رأي ذوي الخبرة للتوصل إلى أقرب الأمور إلى الحق"([169])، أما في مجال الدولة والحكم فهي:" استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها، وذلك عن طريق المشاركة العامة في شؤون الحكم"([170]) وفي مجال السّياسية الشّرعية فهي: "اشتراك مجموعة من الناس في الاجتهاد للتوصل إلى ما يرضي الله في الأمور التي تعرض للمسلمين ويطلبون حلها"([171]).

و قد ثبتت الشورى بأدلة كثيرة؛ منها الأمر المباشر للنبي r "بعد غزوة أحد التي أشار أكثر أصحابه عليه بالخروج، ثم وقعت الهزيمة بسبب مخالفة أوامر النبي  r -ليس بسبب الشورى ذاتها-، ثم يأتي التأكيد الإلهي على مبدأ الشورى"([172]) في قوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ XE "ا:فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ"  فِي الْأَمْرِ } [آل عمران: 159]، كما وردت الشورى في العهد المكي قبل نشأة الدولة؛ في سياق أركان الإسلام من الاستجابة لأمر الله والصلاة والإنفاق: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ XE "ا:رُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ"  وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38]، كما أن الشورى –كما يرى الباحث- منافية للاستبداد، فكل ما ورد من أدلة تشجب الاستبداد وتعتب على المستبدين؛ إنما هي –بالتبع- تؤكد الأمر بالشورى.

وإذا كان فكر الإنسان محدودا؛ وقد تتطلب بعض الإشكالات النّظر إليها من عدة نواح اجتماعية وسياسية ونفسية واقتصادية وغير ذلك؛ فإن الشورى وتكامل الاختصاصات –في نظر الباحث- من الأهمّية بمكان لتكامل الرؤية وإيجاد حلول أقرب إلى الصواب.  والشورى من أبرز القيم التي توجه ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ إذ قد يرى الواحد في بلد معين أن الأولوية لإصلاح التعليم، في حينِ يرى الآخر أن الأولوية لتنمية الجانب الاقتصادي، ويرى غيره أن الأولوية لتنمية قيم التسامح الديني، .. وتختلف الأنظار، ومن خلال الشورى مع أهل الاختصاص وطرح الخيارات الممكنة ودراسة كل منها على حدة، يمكن التوصل إلى الخيار الأمثل، ويستعان بالشورى الموسّعة عبر الاستفتاء لمعرفة رأي أكبر فئة ممن يعنيهم القرار.

مسألة: الشورى بين الإعلام والإلزام

وثمرة الخلاف: هل يجب على الحاكم أو ولي الأمر أن يلتزم برأي مستشاريه أم هو غير مُلزَم. وهنا فيه رأيان:

الأول: يرى أن "الشورى غير ملزمة للحاكم؛ ودليله أن المجتهد يُشترط فيه الاجتهاد، فيستقل بنفسه في الأمور الدينية والدنيوية، وأيضا من صِفة الحاكم أن يكون غزير العلم، وأن يكون المرجع لتوحيد الآراء المختلفة بعد نقدها بالفكر الأصوب، وأن يكون تابعا غير متبوع"([173]).

الثاني: يرى أن الشورى /غير**؟/ ملزمة، الحاكم مُلزَمٌ برأي المستشارين، ومن أدلته ما ذكره الجصّاص([174]) في تفسير قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ XE "ا:وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ"  } [آل عمران: 159] حيث قال: "غير جائز أن يكون الأمر بالمشاورة على جهة تطبيب نفوسهم ورفع أقدارهم ولتقتدي الأمة به في مثله، لأنه لو كان معلوما عندهم أنهم إذا استفرغوا مجهودهم في استنباط ما شاوروا فيه وصواب الرأي فيما سئلوا عنه ثم لم يكن ذلك معمولا عليه ولا متلقّىً منه بالقبول بوجه؛ لم يكن في ذلك تطبيب نفوسهم ولا رفع لأقدارهم، بل فيه إيحاشهم وإعلامهم بأن آراءهم غير مقبولة ولا معمول عليها"([175]).

والراجح أن الشورى مُلزمة، ويدلّ لهذا "عمل النبي r برأي الأكثرية في الخروج XE "ح:عمل النبي برأي أصحابه يوم احد"  يومَ أُحدٍ؛ رغم أنّه r وكبار الصحابة رأوا عدم الخروج"([176])، كما أنّ الأمر المذكور في الآية {وَشَاوِرْهُمْ}  المراد به الشورى "في غير أمر التشريع، لأن أمر التشريع إن كان فيه وحي فلا محيد عنه، وإن لم يكن فيه وحي  فلا تدخل فيه الشورى، لأن شأن الاجتهاد أن يستند إلى الأدلة لا للآراء، والمجتهد لا يستشير غيره إلا عند القضاء باجتهاده؛ كما فعل عمر وعثمان، فتعين أن المشاورة المأمور بها هنا هي المشاورة في شؤون الأمة ومصالحها"([177]).

وبهذا يزول التعارض الظاهر بين وجوب الاجتهاد على الحاكم وبالتالي عدم التقليد (ماالمقصود بالتقليد هنا؟ لعلها التقيّد) بأخذ رأي المستشارين من جهة؛ ومن جهة أخرى وجوب الاستشارة والأخذ برأي أكثرية المستشارين كما فعل النبي r. كما أنّ المجتهد نفسه عليه أن يستشير في القضايا التي ليست من تخصصه؛ خاصة في الوقت الحاضر الذي تشعبت فيه العلوم، فظهرت المجامع الفقهية التي يمكن عدّها شكلا من أشكال الشورى في مستوى الفتوى. والخلاصة أن نتيجة الشورى ملزمة للحاكم بالأغلبية تماشيا مع منطق منع الاستبداد: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى XE "ا:مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى" } [غافر: 29]، وانطلاقا من فعل النبي r، واحتراما لرأي الأكثرية الذين عليهم أنْ يتحملوا مسؤولية قرارهم وما اتّجهوا إليه؛ ما لم يتمّ إقناعهم بخلاف ذلك.

الفرع الثالث: الحرية XE "م:الحرية"

عرفها ابن عاشور بأنها "تمكن الشخص  من التصرف في نفسه وشؤونه كما يشاء دون معارض"([178]).

وقد كفل الإسلام حرية المعتقد وحرية اختيار الدين: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ XE "ا:لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" } [البقرة: 256]، وقَصر مسؤولية المسلم على الدعوة والبلاغ: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ XE "ا:فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ"  (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} [الغاشية: 21، 24]  أي "لا عليك إن لم ينظروا ولم يذكروا؛ إذ ما عليك إلا البلاغ"([179])، و{لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} أي "بمتسلط، لكن من تولى وكفر {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ} يعني عذاب الآخرة" ([180]).

وقد كفل الإسلام هذ الحقّ وشرع لأجله الجهاد من أجل تحرير المستضعفين ومنحهم الحرية: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا XE "ا:الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا"  وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، وأمَر بالهجرة في سبيل التحرر: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا XE "ا:أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا"  } [النساء: 97].

"كما دعا الإسلام إلى التحرر من أي سلطة تفرض على الإنسان توجها مسبقا يمنعه التفكير، ومن ذلك سلطة الآباء والزعماء ورجال الدين -سلطة خارجية-، وسلطة الهوى -سلطة داخلية-"([181]).  وفي ذلك يقول الحقّ تعالى في سياق إنكار الخضوع لسلطة الآباء: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا XE "ا:قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا"  أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170]، وفي الإنكار على سلطة الهوى قوله تعالى: {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا XE "ا:فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا"  } [النساء: 135]، كما يُنكر سبحانه على الذين {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ XE "ا:اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ"  } [التوبة: 31]؛ تعبيرا عن سلطة رجال الدين، وفي سياق وعيد الكافرين يرِدُ تحسرُهم على خضوعهم لسلطة زعمائهم من دون الله: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا XE "ا:وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا"  فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } [الأحزاب: 67].

والإيمان أعظم الأركان وأجلُّها؛ ومع هذا لم يشرع فيه الإكراه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ XE "ا:أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" } [يونس: 99] لأن المكرَه على اعتناق الدين بأي وسيلة من وسائل الإكراه لن يُغنيَه هذا الإيمان شيئا ولن يُنجِّيَه من عذاب الله تعالى؛ إذ الإيمان تصديق قلبي بصفة أُولى، لذا لا معنى لهذا الإكراه. كما أنّ إكراه المجتمع على الدّين ينتهي إلى وجود أفراد ذوي تدين مظهري يُخفي في داخله نفاقا، وسلبية وتبييتا لنية الكيد للمسلمين متى سنحت الفرصة.

وعلى هذا فقيمة الحرية مما يوجّه ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية بشكل كبير؛ فتؤثر في تعامل الحاكم مع الرعية، وفي علاقة الدولة بغيرها، وهكذا.

الفرع الرابع: الرحمة والعالمية XE "ف:الرحمة والعالمية"

الرحمة والعالمية من القيم السياسية التي ينبغي مراعاتها من أجل ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية، ومع أنهما من خصائص التشريع الإسلامي بصفة عامة، إلا أن لهما أثر واضح(أثراً واضحاً : خبر أن) في مجال السياسة الشرعية.

تتجلى رحمة الشريعة الإسلامية –بصفتها قيمة سياسية- في أنه مهْما اجتهد الإنسان في تفكيره قد لا يصل إلى التشريع الرباني إلا بعد مُددٍ طويلة وتجارب كثيرة، فمن أهم تجلّيات رحمة الله تعالى في رسالته أن يختصر لعباده الجهد والفكر ويوفر لهم التشريعات القويمة التي هي سبيل الحياة الطيبة، ومن أمثلة ذلك أنه "بعد الأزمات المالية ظهرت خطورة الربا وأثره على تدهور الاقتصاد"([182]). ولهذا كانت تشريعات الرسالة الخاتمة رحمة للعالمين، ومن شأنها أن تكون صالحة لكل زمان ومكان ويكون لها حلول وشرائع صالحة لقيادة البشرية وتوجيه التطورات والتغيرات عبر الظروف المستجدة.

ومن الخطأ المساواة بين الكتب السابقة والقرآن الكريم للتوصل إلى القول بأنّ الأديان كلها غير صالحة لهذا العصر مادام قد مرّ عليها مئات السنين، لأنّ هناك فرقا بين الرسالات السابقة التي امتدت إليها اليد البشرية بالعبث والتحريف، وقيدت العقل وحدّته عن البحث والتطور، وأصبحت أحكامها لصالح فئة معينة؛ وبين رسالة القرآن الخالدة التي تكفّل الله تعالى بحفظها، والتي يشهد التاريخ بفعاليتها([183]) في نهضة البشرية بشكل إيجابي كبير، وهذا يؤكد عالمية الرسالة؛ مع أن هناك فرقا بين النّص القرآني في حدّ ذاته، وبين الفهم البشري الذي يُتوصل إليه من خلال جهد الإنسان المحدود.

فالنّص القرآني ثابت، والفهم البشري يجب أن يرقى إلى تنزيل ذلك النّص في الواقع بما يتوافق مع صلاحية التشريع وخلوده ولا يتعارض مع مقاصده وغاياته الكبرى؛ انطلاقا من حفظ القرآن الثابت بالتواتر والإعجاز وقوله I: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وانطلاقا أيضا من كون الرسالة لكل البشرية: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا XE "ا:وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا" } [سبأ: 28] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ XE "ا:إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ" } [يوسف: 104]، "وعالمية الرسالة تقتضي من حامليها أن يكونوا في المستوى لإبلاغ رؤيته الحضارية إلى المجتمعات الإنسانية"([184]).

فالسّياسة الشّرعية -بصفتها جزءا مُهمّا من التشريعات الربّانية- من شأنها أن تستوعب جميع الأصناف البشرية وتتسم بالمرونة والتسامح والتعاون، والتفاعل مع المجتمع الدولي فيما يتوافق مع المبادئ الإنسانية المشتركة من رفع الظلم وتحقيق العدل، ونصرة المستضعفين ودفع ركب الحضارة نحو الأحسن.

ومن مقتضيات الرحمة والعالمية؛ أنه من الخطأ حين مناقشة قضايا السّياسة الشّرعية؛ أن يتمّ مناقشتها بفِكرٍ محصور بأطر قومية عربية، أو بمناطق الامتداد الإسلامي حاليا، فهذا متناف مع عالمية الرسالة ورحمتها وصلاحيتها لقيادة البشرية، فعالمية التفكير تعطي آفاقا أوسع وواقعية أكثر، وهناك حتى من الغربيين أنفسهم من يرى أن "أكبر الأديان تزايدا من حيث العدد هم المسلمون؛ كما يلاحظ في الجدول الآتي؛ ويُرى من خلال الإحصاءات والتوقعات بأنّ هناك من الدول من ستتحول من أغلبية غير مسلمين إلى أغلبية مسلمين؛ كدولة مقدونيا في شرق أوربا؛ بحلول سنة 2050م"([185])، فعلى هذا قد تتغير أحكام السياسة الشرعية في تلك الدول تبعا لتغير الموالين للإسلام فيها، وهذا يؤكد ضرورة عدم التفكير في السياسة الشرعية بأطر محدودة، بل ينبغي التفكير فيها بمنطلق العالمية.

5.1. الديانات الكبرى في العالم؛ الواقع والتوقعات XE "ج:الديانات الكبرى في العالم؛ الواقع والتوقعات"  ما بين سنة 2010 - 2050م XE "أشكال"

المصدر: PEW Research Center, The Future of World Religions, APRIL 2, 2015

حسب هذا الجدول ستكون نسبة المسلمين

في سنة 2050م تقريبا ثلث العالم، في حين ستتناقص بعض الديانات الأخرى.

الفرع الخامس: المسؤولية المشتركة XE "ف:المسؤولية المشتركة"

من قيم السياسة الشرعية قيمة المسؤولية المشتركة بين الحاكم والرعية، فمسؤولية الحاكم تتمثل في العدل وأداء الحقوق ورفع الظلم عن المستضعفين: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا XE "ا"  وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، ومسؤولية الرعية تتمثل أولا؛ في الرّقابة على الحاكم؛ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ XE "ا:الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ"  أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41]، وثانيا؛ في طاعة الحاكم مقرونة بطاعة الله تعالى ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ XE "ا:أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" } [النساء: 59]، و"أُعيد فعل: وأطيعوا الرسول -مع أن حرف العطف يغني عن إعادته- إظهارا للاهتمام بتحصيل طاعة الرسول، لتكون أعلى مرتبة من طاعة أولي الأمر"([186])، فطاعة أولي الأمر واجبة -لكي تنتظم الأحوال- ما لم يأمُروا بفعل المنكر أو ترك الواجب، والله تعالى لم يعْذُر قوم فرعون الذين أطاعوه مع علمهم بظلمه وطغيانه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ XE "ا:فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ"  إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54].

ومن تطبيقات المسؤولية المشتركة ما جاء في خطبة الصديق t عند توليته؛ إذ يقول: "أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني  أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم"([187]).

وهكذا يتبين أن إدراك القيم السّياسية في الشّريعة مهم جدا من أجل مراعاتها عند ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية، لأنها تضع الحدود التي لا ينبغي تجاوزها، وتسهم في تحديد التصرف الأولوي الذي سيتمّ اتخاذه. والقيم السّياسية بحد ذاتها بحاجة إلى استقصاء وتأصيل كي يتمّ العمل عليها في تطبيقات السّياسة الشّرعية([188]).

المطلب الرابع: الاستشراف والاستفادة من التاريخ

ويدخل في هذا كل ما يخصّ التخطيط والاستشراف، والاستفادة من التاريخ وسنن الله تعالى في المجتمعات. وهي من الضوابط والمحددات التي تراعى في ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية.

الفرع الأول: التخطيط والاستشراف

يُعرّف التخطيط XE "م:التخطيط"  بأنه "تحديدٌ لمجموعة من الأهداف المتناسقة التي يُراد تحقيقها وفق أولويات معينة، وخلال فترة زمنية محددة، مع اختيار لمجموعة الوسائل والإجراءات اللازمة لتحويل هذه الأهداف إلى واقع"([189]).

ويعرّف أيضا بأنه: "عملية التحضير من وضع معين في الحاضر إلى وضع أفضل في المستقبل، وينتج عنها خطة موثقة"([190])، فالتخطيط إذن هو إجابة عن الأسئلة: أين نحن؟ وإلى أين؟ وكيف؟ "والتخطيط على مستوى الدول عادة ما يكون من نحو 20 سنة فاكثر، وقد يمتد لأجيال لاحقة"([191]).

أما الاستشراف XE "م:الاستشراف"  فهو "القدرة على تصور وتخيل المستقبل"([192]) وتمر العملية الاستشرافية عبر "خمس مراحل:

1. تحديد المشكلة واختيار الأفق.

2. بناء المنظومة وتحديد المتغيرات الأساسية.

3. جمع المعطيات وصياغة الفرضيات.

4. بناء المستقبلات الممكنة غالبا.

5. الخيارات الاستراتيجية"([193])

لهذا "فالاستشراف يتمحور حول السؤال: ماذا يمكن أن يحدث؟ أما سؤال: ماذا سأفعل؟ فهو محور التخطيط والاستراتيجية"([194]).

وعلى هذا يمكن القول بأن التخطيط عبارة عن بناء خطة بأهدافها لأجل محدد، أما "الاستشراف فهو محاولة توقع المستقبل بناء على الدراسات الدقيقة للماضي والحاضر بما فيهما من متغيرات وفواعل مؤثرة، ثم وضع عدة افتراضات لما يمكن أن يؤول إليه الوضع في المستقبل، ودراسة كلٍّ على حدة، ثم وضع الخطط الاستراتيجية بناء على ذلك"([195]). وبهذا يُقدم الاستشرافُ ما ينبغي أخذُه بعين الاعتبار أثناء عملية التخطيط.

مسألة1: العلاقة بين الاستشراف واعتبار المآل

والعلاقة -في نظر الباحث- بين الاستشراف واعتبار المآلات XE "ف:والعلاقة بين الاستشراف واعتبار المآلات"  هي أن هذا الأخير جزء من الأول ومتضمن فيه؛ إذ إن اعتبار مآلات الأفعال يتعلّق بما سيؤول إليه التصرف المراد فعله، أما الاستشراف فيتعلّق بما هو متوقع في المستقبل؛ سواء بسبب التصرف المراد فعله أو بعوامل خارجية تؤثر فيه. فالاستشراف له مفهوم أوسع؛ لأنه يراعي النّظر إلى الفعل المقصود بالموازاة مع المحيط والعوامل الأخرى المؤثرة فيه، لذا فاعتبار المآلات جزء من الاستشراف.

مثال ذلك: إذا وُجدت في مدينة ما بناءات فوضوية تؤدي إلى تلوث البيئة والإضرار بحفظ النفس والنسل؛ فقد يقتضي اعتبار المآلات أن يأمر الحاكم بتجهيز مساكن في إحدى مناطق تلك المدينة. لكن إذا ثبت من خلال الاستشراف أن هذه المدينة بعد عشر سنوات أو أكثر سوف لن تستوعب عدد السكان في ذلك الوقت لعدة عوامل؛ أو أنها مهدّدة بجفاف أو زلازل من خلال الأبحاث العلمية؛ فهذا ربما يقتضي أن يكون بناءُ تلك السكنات في مدينة أخرى تتوفر فيها الظروف المناسبة؛ تفاديا للخسائر، فالاستشراف يأخذ في حسبانه عدّة عوامل،  وإنْ كان السبق الإسلامي لتأصيل اعتبار المآلات مبحثا قائما بذاته؛ ممّا يدلّ على نضج الفقه الإسلامي وثرائه.

مسألة 2: أهمية التخطيط للدولة وخطورة غيابه

غياب الاستشراف والتخطيط –في نظر الباحث- يجعل الدولة تعيش في مفاجآت ومستجدات لم تكن في الحسبان؛ مما قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. ولهذا فإن وجوب الاستشراف والتخطيط في السياسة الشرعية أساسه وجوبُ اتخاذ الأسباب المادية –إضافة إلى الروحية- انطلاقا من قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال : 60]، وقوله I عن ذي القرنين: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا XE "ا:آتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا" } [الكهف: 84، 85]، ومعناه: "أعطيناه من كل شيء من الأمور التي يتوصل بها إلى تحصيل ذلك الشيء، فإذا أراد شيئا أتبع سببا يوصله إليه ويقرِبه منه"([196])، والعلوم الحديثة تندرج ضمن الأسباب المادية بما تقدمه من مناهج أكثر دقة لفهم الظواهر وتحليلها وبناء التوقعات عليها؛ في إطار مقاصد التشريع الكبرى.

الفرع الثاني: دراسة التاريخ وسنن الله في المجتمعات

وجوب دراسة التاريخ وفهم الظواهر وسنن الله تعالى في المجتمعات يندرج –في نظر الباحث- ضمن قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ XE "ا:قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ"  فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران : 137] "والمطلوب من هذا السير المأمور به هو حصول المعرفة بذلك، فإن حصلت بدونه فقد حصل المقصود، وإن كان لمشاهدة الآثار زيادة غير حاصلة لمن لم يشاهدها" ([197])، فهناك سنن أو قوانين منضبطة تحكم المجتمعات: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا XE "ا:وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا" } [الفتح: 23].

فيجب إذن العلم بهذه السنن واعتبارها أثناء ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية، ومن هذه السنن: "سنة التدافع بين الحق والباطل، سنن التغيير، سنة التداول الحضاري، "([198]). وبمعرفة أن هذه السنن ثابتة لا تتغير ولا تحابي أحدا –كما يفهم من الآية السابقة-؛ فإن الأمر يقتضي دراسة هذه السنن وفهمها؛ من أجل مراعاتها في ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية.

والاستفادة من التاريخ –كما يرى الباحث-  تندرج في إطار وجوب اتخاذ الأسباب من أجل تحديد الأولويات في السياسة الشرعية، فإذا ما ظهر عدم نجاح تجربة ما؛ فليس من الأَولى تَكرارها بنفس الظروف، أما إن تبين نجاح تجربة ما نسبيا في إحدى ( أحد) المجالات؛ ففقه الأولويات في السياسة الشرعية يقتضي الاستفادة من هذه التجربة مع مراعاة الواقع الذي تُنقل إليه؛ إذ لا يستلزم نجاح تجربة ما في ظروف معينة أن تنجح في مكان آخر، وهنا يأتي دور الضوابط الأخرى لترتيب الأولويات؛ من فقه الواقع والمآل، والاستشراف، وغير ذلك.

وبهذا يظهر تكامل الاستشراف والتخطيط والاستفادة من التاريخ بصفتها وسائل موجهة في عملية ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية، فقد يتغير ترتيب ترتيب أحد الخيارات السياسية لمّا يتبين أن التجارب التاريخية أثبتت عدم نجاحه، أو لما يتبين بالاستشراف أن هناك عوامل ومتغيرات ستطرأ؛ ولابد من مراعاتها. فإذا كانت الدولة تعتمد في مواردها على صادرات النفط بصفة كبيرة، وتَبين بالاستشراف أن النفط سيؤول إلى انخفاضِ سعره في وقت لاحق، أو أن طاقات بديلة ستحلّ محلّه ويقلّ الطلب عليه وتنقص قيمته -كما حدث للفحم الحجري سابقا-؛ فإن هذا ممّا يُعيد ترتيب الأولويات بالنسبة لتلك الدولة؛ لتجعل من أولوياتها إيجاد موارد مالية بديلة عن النفط كدعم الصناعة والزراعة أو غير ذلك.

المطلب الخامس: خلاصة واستنتاج

ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية يتمّ وفق سلسلة من الإجراءات يتخذها الحاكم أو أهل الحل والعقد؛  من أجل التوصل إلى اختيار القرار السليم من بين الخيارات الأخرى. وفي الغالب ما من موقف من مواقف السّياسة الشّرعية إلا وتظهر فيه عدة خيارات، والذي يُرجح إحدى (أحد) هذه الخيارات هو ما تقدم من ضوابط  وأسس يمر عبرها العقل ليتمّ في النهاية التوصل إلى القرار الأقرب إلى الصواب.

وغالبا ما يرجع الترتيب بين الأولويات في السّياسة الشّرعية إلى المسائل الاجتهادية؛ يرى الواحد فيها ما لا يراه الآخر، وقد يختلف الترتيب بين الأولويات من مجتهد لآخر في القضية الواحدة، وهذا أمر وارد حتى بين الصحابة، ومن ذلك اختلافهم في "إيفاد جيش أسامة بن زيد"([199]) وأيضا في قضية التعامل مع القبائل المرتدة التي حاولت الخروج عن السّلطة الإسلامية في عهد أبي بكر([200]) وغير ذلك. ويمكن إجمال المسائل السابقة في المخطط الآتي:      

6.1. إجراءات ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية.

من إعداد الباحث؛ استنادا إلى ما تقدم من مطالب في المبحثين الأخيرين. XE "ش:إجراءات ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية."

وهذا المخطط للتوضيح فقط بشكل عام؛ وإلا ففي بعض الحالات قد لا يظهر أثر لبعض هذه الخطوات في عملية الاختيار بين الحلول الممكنة، وبعض الحالات تتطلب التركيز على إحدى الخطوات أكثر.

الفصل الثالث: تطبيقات معاصرة لفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية

الفصل الثالث: تطبيقات معاصرة لفقه الأولويات في السّياسة الشّرعية

تمهيد:

مهما تحدث المسلمون عن سماحة الإسلام وعن قدرة التشريع الإسلامي على مسايرة التطورات السّياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ فلن يكون مُقنعا لغير المسلمين بالقدر الكافي، ما لم توجد نماذج عملية تثبت صحّة ذلك.

لذا فإن العمل على تجسيد هذه القيم والنماذج قد يكون من الضروري لمن أراد إثبات صلاحية التشريع الإسلامي فِعليا، وهذا يتطلب فهما عميقا للدين على حقيقته من جهة، وفقها بالواقع من جهة ثانية، ثم كيفية إسقاط الأول على الثاني؛ كما تقدم.

وإذا كانت طبيعة الدولة في الوقت المعاصر تقتضي التدخّل في معظم تفاصيل الحياة في شكل قوانين؛ فهذا يقتضي ممن يريد العمل طبقا للسياسة الشرعية أن تكون لديه رؤية واضحة في كيفية التعامل الإسلامي مع القضايا في مختلف المجالات السّياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي العلاقات الخارجية؛ على شكل قوانين لا أن تكون تكرارا لما يذكره الفقهاء بحرفيته([201])، وإلا فسيظهر هذا النّظام للبعض بمظهر "الأفكار النّظرية البعيدة عن الواقع؛ مما يعني أنه غير عملي أو أنه أقرب ما يكون إلى أن يُحصر في زوايا التعبدات الشخصية / مما يجعل منه/ ( من أن يكون ) دينا يتوافق مع جميع الأنظمة العلمانية والديمقراطية ؛ لبعده عن الحياة"([202]).

وعلى الرغم من أنّ تطبيق فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية على النماذج الواقعية مجال واسع جدا، ويختلف من واقع إلى واقع؛ إلا أنه يمكن إيجاد بعض النقاط المشتركة التي تتّسم بالشمولية، أمّا التطبيق التفصيلي فيختلف في إجراءاته تبعا لكل ظرف، وجدير بالذكر أن شمول الإسلام لا يعني أنه –بالضرورة- تطرَّق إلى جميع التفاصيل في مجالات السّياسة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، بل إنه قدّم الخطوط العريضة، وترك المجال للاجتهاد وفق متغيرات كل عصر.

ويحاول الباحث في هذا الفصل تطبيق القواعد المتقدمة في الفصل الأول؛ -فيما يخصّ أسس ترتيب الأولويات وضوابطه- على نماذج متنوعة في السّياسة الشّرعية، لأنه بدون نماذج عملية قد لا يكون للجانب النّظري ما يثبت فعاليته /من: أو/  عدمها.

ونظرا لكثرة مجالات السّياسة الشّرعية وتشعّبها وسَعة كل مجال منها؛ اختار الباحث بعض النماذج انطلاقا من علاقتها بالواقع، وكونها تتصف بالشُّمول؛ بحيث تنطبق على أكبر عدد ممكن من الحالات والمناطق، أما النماذج التطبيقية لتفصيلات السّياسة الشّرعية في كل مجال من مجالاتها؛ فيتطلب دراسات معمقة متخصصة حسب كل قسم منها، وحسب كل دولة وفترة زمنية معينة، لأنّ السّياسة تتسم بالتغير من زمن إلى زمن، ومن ظرف إلى ظرف.

وإلى جانب ذلك؛ حاول الباحث أن يُرفق القضايا التي عالجها بأدلة وشواهد من إحصاءات ودراسات حديثة قدر الإمكان؛ محاولا بذلك إعمال الأسس والضوابط التي توصّل إليها في الفصل الأول.

ومن الجدير بالذكر أنّ قضايا السياسة الشرعية من الأمور التي للمصلحة والمقاصد الكلية فيها دور كبير، وهذه المصلحة تتغير بتغير الظروف والأحوال، كما تقول القاعدة الفقهية: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان"([203])، لذا قد يصعب إيجاد نصّ شرعي لكل مسألة جزئية من مسائل السياسة الشرعية، وكذا قد يصعب إيجاد أقوال للفقهاء السابقين في المسائل التي لم تكن مثارة لديهم، لكن لابد أن تكون هناك مقاصد كلية وقواعد فقهية عامة تنضوي ( ينضوي) تحتها جميع ما يستجدّ من مسائل السياسة الشرعية.

وسيتم التطرق في هذا الفصل إلى نماذج تطبيقية لفقه الأولويات في الجانب السياسي للدولة، ثم الجانب الاقتصادي، ثم الجانب الاجتماعي، وأخيرا الجانب الدعوي والإعلامي، وبالله التوفيق .

المبحث الأول: تطبيقات معاصرة لفقه الأولويات في الجانب السياسي للدولة

سيتمّ التّطرّق في هذا المبحث إلى نماذج تطبيقية لفقه الأولويات في السياسة الشرعية؛ على قضايا ذات صلة  بالجانب السياسي والإداري التنظيمي للدولة وعلاقتها بالإسلام ونظامه.

 ويحاول الباحث في المطلب الأول التوصل إلى صيغة واقعية للتوفيق بين نظام الحكم في الفقه الإسلامي ومتغيرات الواقع المعاصر، وهي من الأمور التي مازالت محلّ نقاش.

ومن خلال المطلب الثاني؛ يسعى الباحث لتصحيح بعض الأفكار بخصوص علاقة الدولة بتطبيق القوانين التشريعية ذات الامتداد التكليفي الشرعي، وما هي الأولويات في ذلك.

وفي المطلب الثالث سيتمّ التعرض لموضوع تنصيب الكفاءات في الدولة، ومدى أثره على منع الفساد؛ للتوصل إلى ترتيب الأولويات بينهما.

المطلب الأول: ترتيب الأولويات في اختيار توجه النّظام

لمْ تُحدّد الشّريعة الإسلامية شكلا معينا للدولة، بل قَدّمت مبادئ عامة؛ كوجوب العدل والشورى، وتركت التفاصيل للاجتهاد حسب كل عصر. ولهذا من أبرز الأمور التي مازالت محلّ نقاش في السّياسة الشّرعية؛ الإجابة عن التساؤل: ما هو نظام الدولة المطلوب في ظلّ الواقع المعاصر؟ وما تعامله تجاه مختلف التنوعات العرقية والدينية في المجتمع؟

فإذا كان لدى الدولة عدّةُ خيارات؛ إما أن تكون حاكمة باسم الإسلام وتنادي بتطبيقه، أو تكون علمانية ديمقراطية، أو تُنشئ صيغة جديدة؛ ما هو الخيار الأولى اتباعه من خلال فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية؟

وليس هدف الباحث هنا التوصّل إلى طرح توجّه معين للنظام، لأن هذا يَتغير من واقع إلى واقع، وإنما سيناقش بعض القضايا؛ من خلالها تتعين الأولويات التي ينبغي مراعاتها أثناء اختيار توجه النّظام. ومن أهمّ الأمور التي يُمكن من خلالها تحديد الأولويات بخصوص توجه نظام الدولة في الوقت المعاصر؛ الإجابة عن الأسئلة الآتية:

1. انطلاقا من فقه الواقع؛ ما أساس الدولة وما دورها في واقع اليوم؛ مقارنة بما كانت مقرّرة عند فقهاء الإسلام سابقا؟([204]) وما هو الأثر المترتب على التغير في أساس الدولة ودورها بين الماضي والحاضر؟

2.  هل يفرض الحكم الإسلامي قوانينه على جميع أفراده بغضّ النّظر عن ديانتهم، وما مدى انطباق هذا على الواقع المعاصر؟

3.  هل يُفرّق الفقه الإسلامي بين المسلمين وغيرهم أو بين المسلمين فيما بينهم في الحقوق والامتيازات السّياسية؟

4.  إلى أي مدى يمكن التعامل مع الخيارات السائدة الآن من الديمقراطية والعلمانية؟ وهل هناك خيارات أو بدائل أخرى؟

 ومن خلال الخيارات والبدائل المتاحة؛ وانطلاقا من الإجابة عن الأسئلة السابقة وإعمال فقه الأولويات في السّياسة الشّرعية؛ سيتمّ التوصل إلى التوجه الأوْلى الذي ينبغي تبَنّيه حسب كلّ واقع.

وتتمثل أهمّية هذه التساؤلات في أنها –في نظر الباحث- تجيب عن السؤال النهائي: هل يمكن أن يُثبت النّظام الإسلامي وجوده في الجانب التأصيلي برؤية واضحة؛ من شأنها أن تكون محلّ اختيار المجتمعات؟  ولهذا ستأتي الإجابة عن هذه الأسئلة تِباعا؛ للتّوصل إلى الأولويات التي ينبغي مراعاتها في تحديد توجه النّظام.

الفرع الأول: أساس الدولة XE "ف:أساس الدولة بين الماضي  والحاضر"  في واقع اليوم؛ مقارنة بالسابق

بنظرة إلى الدول المعاصرة؛ يتبيّن أنّ هناك اختلافا بين الواقع الذي قرّره الفقهاء السابقون؛ وبين واقع اليوم فيما يخصّ أساس نشأة الدولة، فقد كانت دولة المسلمين –في نظر الباحث- تقوم على أساس مجموعةِ أناسٍ تربطهم رابطة دينية وهي الإسلام، -ولا ينفي هذا أن يوجد في الدولة غير المسلمين-، أما اليوم فالدّول تقوم على أساس أناس تربطهم رُقعة جغرافية؛ بغضّ النّظر عما فيها من ديانات([205]).

فإذا كانت الدولة الإسلامية سابقا -على الأساس الذي نشأت به- تُفرّق في تشريعاتها بين المسلمين وغيرهم؛ فقد يقتضي واقع اليوم شيئا آخر؛ نظرا لتغير الأساس الذي عليه نشأت الدولة.

وفيما يتعلق ببنية النّظام وشكله؛ فـ "إنّ بنية المؤسسات السّياسية الحديثة تقوم على مبدأ شهير هو مبدأ الفصل بين السلطات XE "م:الفصل بين السلطات" "([206])، "وهذه السلطات الثلاث هي:

1.      السّلطة التشريعية: وهي السّلطة التي تملك حق إصدار القوانين ومناقشتها ومراقبة تنفيذها وسلامتها، وتُمثَّل عادة في مجالس يُشترط في أعضائها المواطنية وخلو السّجل العدلي من الجناية، وسلامة العقل واكتمال الأهلية.

2.      السّلطة التنفيذية XE "م:السّلطة التنفيذية" : وتشمل المؤسسات والوظائف الخاصة بتنفيذ القوانين، وتتضمّن رئيس الجمهورية والمجالس المحلّية وموظفي الدولة كافّة باستثناء القضاة.

3.      السّلطة القضائية XE "م:السّلطة القضائية" : وهي المُناط ( المَنوط ) بها وظيفة تفسير القانون وتطبيقه على الوقائع المعنية التي تُعرض على هيئاتها: المحاكم"([207])، "والهدف من ذلك الفصل هو أولا؛ عدم تركُّز السلطات في يد واحدة مما يؤدي إلى الاستبداد، وثانيا: مراقبة كل هيئة للأخرى"([208])  لكن مع ذلك فقد "تميّزت الأزمنة المعاصرة بنموّ السلطة التنفيذية على حساب السلطات الأخرى"([209]).

أما النّظام الإسلامي XE "م:النّظام الإسلامي"  فيتسم "باستقلال السلطة التشريعية عن التنفيذية، وأحيانا تتداخل السلطة القضائية مع السلطة التنفيذية، وذلك حينما يكون الخليفة قاضيا، لكن المرجعية الأولى في السلطة التشريعية والقضائية هو الله تعالى"([210])، وذكر بعضهم أنه مما يختص به النّظام الإسلامي "السلطة المالية وسلطة المراقبة والتقويم"([211])، كما أنّ للقيم السّياسية الإسلامية واستشعار الجانب الروحي دورا كبيرا في تحقيق العدل ومنع الاستبداد. "وبتعريف الأمة بأنها مجتمع المؤمنين الذين يوفون بعهدهم ويؤدون واجباتهم؛ فإن المشاركة في شؤون الأمة لمنع استغلال السّلطة هي حق وواجب على كل مسلم"([212]).

وهناك أوجه تداخل وأوجه تمايز أخرى بين شكل الدولة في الواقع المعاصر الذي ينبني على النظام الديمقراطي([213])؛ وبين شكل الدولة كما قررها الفقهاء السابقون؛ كما هو موضح في الجدول الآتي([214]).

أساس الدولة وشكلها بين الفقهاء السابقين والأنظمة الديمقراطية المعاصرة

الدولة في النّظام الديمقراطي

الدولة عند الفقهاء السابقين

أساس الدولة

تتشكل بناء على أناس تربطهم رقعة جغرافية

تتشكل بناء على أناس تربطهم صلة دينية

حدود الدولة

ثابتة؛ بما يسمى بالدولة القُطرية أي التي يشعر أفرادها بنزعة الانتماء للدولة تبعا لحدودها الجغرافية

تتسع بحسب المناطق التي يُثبت فيها المسلمون وجودهم أغلبية أو لهم السلطة

حدود التشريع

كل القوانين ومواد الدستور قابلة للتغيير

وجود ثوابت ومتغيرات؛ والسّلطة التشريعية مقيدة بنصوص الشّريعة ومقاصدها، والشورى ومصلحة الأمة

السلطة التشريعية

ترجع إلى الرئيس والبرلمان

التشريع: من حيث إيجاد شرع جديد؛ يختص به الله تعالى، ومن حيث بيان ذلك الشّرع؛ فيرجع إلى أولي الأمر

السلطة التنفيذية

ترجع إلى رئيس الجمهورية والمجالس المحلّية وموظفي الدولة كافّة باستثناء القضاة

ترجع إلى الخليفة، ووزير التفويض XE "م:وزير التفويض"  (بمثابة الوزير الأول في هذا الوقت) ووزراء التنفيذ، وأمراء الأقاليم أو الولاة

السلطة القضائية

مستقلة عن غيرها

كانت في شخص الرسول t والخليفة ثم استقلت

العلاقة بين السلطات الثلاث

الفصل بينها، لكن على درجات متفاوتة

استقلال التشريع عن التنفيذ وأحيانا يتداخل هذا الأخير مع القضاء، لكن المرجعية الأولى في التشريع والقضاء هو الله تعالى

المعارضة

حق مكفول في الدستور من حيث المبدأ

حقّ وواجب من باب الحِسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فُرص المشاركة السّياسية

الحظ الأكبر لأصحاب رأس المال والنفوذ

المساواة في الفرص؛ ولا يسمح بتكدّس الثروة إلى حدّ استغلالها لكسب النفوذ، { كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ XE "ا:كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ" } [الحشر: 7]

1.2. شكل الدولة بين الفقهاء السابقين والنظام الديمقراطي

تم استخلاص الجدول من المصادر والمراجع المذكورة في الحاشية السابقة.

فيظهر ممّا سبق اختلافٌ بين النّظام الديمقراطي، والدولة عند الفقهاء السابقين من حيث أساس الدولة وحدودها، واتفاق –إلى حدّ ما- من حيث آلية عملها، وهذا كلُّه إن صحّت المقارنة، لأنّ هناك اختلافا جذريا في خلفية كلّ منهما؛ فأحدهما منطلقه مادّي نشأ من خلال الثورات والتجارب البشرية، أما الآخر منطلقه إيماني ربّاني. 

وفي رأي الباحث؛ لا يصحّ القول بأنّ دولة الرسول  r والخلفاء من بعده كانت دينية XE "ف:دولة الرسول   دينية أم مدنية"  بالمعنى الذي يُضفي القدُسية على جميع أفعال الحاكم؛ ولا أنها مدنية بالشكل المعاصر الذي يُعطي كامل السلطة التشريعية للشعب، ولكنّ النّظام الإسلامي -في صورته  الكاملة- ينطلق من أطرٍ عامة وحدود ربانية لا ينبغي تجاوزها، ويبقى المجال بعد ذلك للفكر البشري تبعا للمصلحة بما يتوافق مع كل واقع.

وعلى هذا يمكن الاستفادة من الأنظمة الحديثة وتفعيلها في الجوانب التي تتفق مع النّظام الإسلامي، ومراعاة الواقع فيما يخصّ جوانب الاختلاف.

الفرع الثاني: التشريعات الإسلامية ومدى إلزاميتها لجميع الأفراد

والإشكال هو: هل يفرض الحكم الإسلامي قوانينه على جميع أفراده بغض النّظر عن ديانتهم، وما مدى انطباق هذا على الواقع المعاصر؟

يرى الباحث أنه أبرزُ ما يُخشى من الأحزاب أو الأفراد ذوي الامتداد الإسلامي هو الاستبداد بالتشريعات وفرضها قسرا على المواطنين–بدعوى الحاكمية لله تعالى-  وتقييد حرياتهم؛ ممّا يؤدي إلى انفجار مجتمَعي. فإلى أي مدى يفرض التشريع الإسلامي أحكامه على أفراده بمختلف دياناتهم؟ وكيف يمكن تطبيق ذلك في الوقت المعاصر؟

يتبين من خلال القرآن الكريم أنّ النظام الإسلامي لا يفرض جميع قوانينه على جميع فئات الشعب.

ودليله هو أنّ الله تعالى لم يُلزم اليهود في المدينة التحاكمَ إلى كلّ القوانين الإسلامية، بل أوكلهم في بعضها إلى ديانتهم –كما سيأتي-، إلا إن أرادوا التّحاكم إلى حكم القرآن بطوع إرادتهم، وهذا في قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ XE "ا:فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ"  وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} [المائدة: 42، 43]، قال القرطبي([215]): "ومعلوم أن اليهود كان لهم حاكم يحكم بينهم، ويقيم حدودهم عليهم"([216]).

وقسم ابن عاشور([217]) تعامل الدولة مع أهل الكتاب إلى أربعة أقسام:

"الأول: ما يختص بذات الذّمي من عبادته كصلاته وذبحه، وهذا لا اختلاف بين العلماء في أن ليس للإمام أن يمنعهم إلا إذا كان فيه فساد عام كقتل النفس.

الثاني: الأعمال التي يستحلونها ويحرمها الإسلام؛ كأنواع من الأنكحة والطلاق وشرب الخمر، وهذه أيضا يُقَرون عليها.

الثالث: ما يتجاوزهم إلى غيرهم من المفاسد كالسرقة والاعتداء على النفوس والأعراض، فيُمنعون منه، ويحكمُ عليهم بحكم الإسلام.

الرابع: ما فيه اعتداء بعضهم على بعض: كالجنايات، والديون، وتخاصم الزوجين؛ فهذا إذا تراضوا فيه بينهم لا يُتعرض لهم، إلا إن اختاروا حكم الإسلام"([218]).

وقال الشافعي: "إذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان فسرق ضمن السرقة ولا يقطع ويقال له: ننبذ إليك عهدك ونبلغك مأمنك لأن هذه دار لا يصلح أن يقيم فيها إلا من يجري عليه الحكم"([219]).

وهذا فيما يخصّ العلاقات بين المسلمين وغيرهم، أما فيما بين المسلمين أنفسهم فالتاريخ الإسلامي أيضا سجّل أنّه لا يُجبِر الحاكم كلَّ المسلمين على اتباع مذهب واحد، فقد "استأذن الخليفة أبو جعفر المنصور الإمامَ مالك بن أنس في أن يستنسخ الموطّأ، ويبعث به إلى الأمصار ويُلغيَ ما عداه، فأبى مالك ذلك؛ محتجّا بأنّ الناس في الأمصار قد سبق إليهم من الصحابة والعلماء من اعتمدوا رأيه؛ فينبغي أن يُترك النّاس وما اختاروه"([220]).

وهذا كلُّه –كما يرى الباحث- انطلاقا من كون الدولة منشؤُها دينيّ؛ عن طريق مبايعة خليفةٍ برضَى أغلبيةٍ مسلمين، لكن في الوقت الحاضر الذي يتسم بالدولة المدنية([221]) التي منشؤها أناسٌ تربطهم رقعة جغرافية؛ فلابد أن يكون الوضع مختلفا، إذ لا يمكن فرض أحكام تكليفية على أناسٍ غير مسلمين؛ هم أصْلا لم يلتزموا بمرجعية الدستور الذي تفرّعت عنه هذه الأحكام، إلا أن يتمّ إقناعهم قبل ذلك بجدوى هذه التشريعات وضرورة الالتزام بها.

وهذه من أهم الفروق التي ينبغي فيها مراعاة الواقع والمآل؛ ذلك أن الاستبداد وتقييد الحريات مآلهما الفوضى وكسر النّظام كما يشهد بذلك التاريخ.

ومن جهة أخرى يرى الباحث أنه لا تعارض بين الأنظمة الحديثة وبين الشّريعة الإسلامية إلا في بعض التشريعات المعدودة، فكثير من القيم الإسلامية مرجعها إنساني؛ كوجوب الصّدق والإتقان في العمل ومنع الغشّ والسّرقة وسفك الدماء، أمّا بعض الأحكام الأخرى كمنع الربا وفرض الحجاب، فلا يمكن أن تتبدل بين عشية وضحاها، فلابد قبل ذلك من الاقتناع بها.

فكما يرى الباحث؛ لَأنْ يتمّ التغافل عن بعض الأحكام الشّرعية بصفة مؤقتة مراعاة لفئاتٍ أو دياناتٍ في الدولة؛ ويكون العمل على الأمور المشتركة من تنمية الجانب الاقتصادي والثقافي وإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية، ويقدِّم المسلمون نموذجا للنظام الإسلامي الذي يثبت كفاءته؛ خيرٌ من أن يتمّ التسرع إلى فرض بعض الأحكام، ثم تقع فتنة كبرى لمَّا(خطأ..والصواب: حينما أو عندما) يرفض المجتمع ذلك النّظام بصفةٍ كليًّة، وهنا تظهر ضرورة اعتبار المآلات وتقديم المصلحة الدائمة على المصلحة المؤقتة.

مسألة: ماليزيا مثال لحلّ إشكالية القانون واختلاف الديانات

من التطبيقات المعاصرة التي يمكن أن يُستفاد منها في التعامل مع اختلاف الديانات؛ ما انتهجته الدولة الماليزية؛ إذْ "سمحت ببناء المساجد والكنائس والمعابد، ووضعت قوانين عامة لجميع المواطنين -تُسمى بالنظام القانوني المدني أو الفيدرالي- تَصدر من برلمان الدولة، وقوانين خاصة بالمسلمين تسمى النظام القانوني الإسلامي؛ تصدر من قبل المجلس التشريعي لكل ولاية في ماليزيا، كما توجد محاكم خاصة بالمسلمين ومحاكم للديانات الأخرى"([222]).

ويمكن القول بأنّ هذا النظام أقرب إلى مقاصد التشريع؛ استنادا إلى عدم إلزام الشّريعة الإسلامية غيرَ المسلمين من اليهود الاحتكامَ إلى قوانين الإسلام: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42]؛ في حينِ أنّ النبي r جعل  اتفاقات في صحيفة المدينة لحفظ الأمن العام وتحديد الحقوق بين الفئات المتجاورة؛ ومما جاء فيها: "وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم XE "ح:وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم" ، وإن بينهم النّصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النّصح والنّصيحة، والبر دون الإثم"([223]).

الفرع الثالث: الحقوق والامتيازات السياسية بين الثبات والتغير

والإشكال: هل يُفرّق الفقه الإسلامي بين المسلمين وغيرهم أو بين المسلمين فيما بينهم في الحقوق والامتيازات السّياسية؟ وكيف يمكن تطبيق ذلك في الواقع المعاصر؟ والمراد بالحقوق والامتيازات؛ الحقّ في المشاركة السّياسية عن طريق الانتخابات، والحق في تولية الوظائف العمومية والمناصب الحكومية.

فمن حيث تولية الوظائف العامة في الدولة؛ "تصحّ ولايات الذميين في الدولة الإسلامية باستثناء وزارة التفويض"([224]) أو "ما يسمى برئيس الوزراء الأول"([225]) في الوقت الحاضر، وهذا لأن "وزير التفويض مطلق التصرف، ووزير التنفيذ مقصور على تنفيذ ما صدرت به أوامر الخليفة"([226])، ويقتضي هذا منع غير المسلمين من تولي الخلافة من باب أولى.

وبالنسبة للحقّ في اختيار الخليفة؛ ففيه رأيان:

الرأي الأول: أن البيعة "تنعقد بمن تيسر حضوره وقت المبايعة في ذلك الموضع من العلماء والرؤساء وسائر وجوه الناس المتصفين بصفات الشهود حتى لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفى ولا التفات إلى أهل البلاد النائية، بل إذا بلغهم خبر البيعة وجب عليهم الموافقة والمتابعة "([227]) واشترطوا "في أهل الحل والعقد [الذين تنعقد بهم البيعة] أن يجتمع فيهم ثلاث صفات؛ وهي العدالة والعلم والرأي"([228])، واستُثني من ذلك الحقّ "المرأة والعوام والعبيد وأهل الذمة"([229]).

الرأي الثاني: أن البيعة لا يُكتفى فيها بمجرد من حضر البيعة، بل يجب فيها مقدار ما يتم به استتباب الأمن، فيقول الجويني([230]): "الذي أراه أن أبا بكر لما بايعه عمر؛ لو ثار ثائرون وأبدوا صفحة الخلاف، ولم يرضوا تلك البيعة؛ لما كنتُ أجد متعلقا في أنّ الإمامة كانت تستقل ببيعة واحد، وكذلك لو فرضت بيعة اثنين أو أربعة فصاعدا ولكن لما بايع عمر؛ تتابعت الأيدي واصطفقت الأكف، واتسعت الطاعة وانقادت الجماعة"([231]).

وعلى هذا الرأي؛ فمبايعة عمر لأبي بكر لم تكن لتتمّ لو أن أغلب الصحابة لم يرضوا بحكمه، وهذا يتنافى مع إطلاق القول بمنع العوام من البيعة أو الانتخاب –كما في الرأي الأول-؛ خاصة إن كان لهم من الشوكة والقوة ما يمكن أن يؤثروا به في النظام العام في حالة ما إذا لم تحصل منهم الموافقة.

وحسبما يُفهم من الرأي الثاني أنّ الأمر يتعلّق بمصلحة استتباب الأمن، فالعدد الذي به يستتبّ الأمن ويُحقّق مصلحة الأمة فذلك المعتبر.

وفي رأي الباحث أن الثابت في قضية المبايعة أو انتخاب الحاكم هو حصول الكفاءة التي يتحقق معها العدل وحفظ الأمن وأداء الحقوق؛ لأنها ترجع إلى مقاصد الشريعة وقيمها السياسية، أما عدد المبايعين فيمكن عدّه من المتغيرات التي ترجع للمصلحة.

بعد هذا العرض؛ كيف ينبغي التعامل مع حق الانتخاب وتولية الوظائف في الواقع المعاصر؛ انطلاقا من فقه الأولويات في السياسة الشرعية؟   رأي الباحث في هذا أنه:

1)      بالنّظر إلى واقع اليوم الذي ينطلق من أساس الدولة المدنية التي تقوم بناء على أناس تجمعهم رقعة جغرافية؛ فمن المفترض –بهذا الاعتبار- أن تستوعب هذه الدولة جميع أفرادها دون تفضيل فئة على أخرى في الحقوق والامتيازات، بل يكونون كلهم مواطنين من نفس الدرجة، إلا أن يتمّ إعادة تقسيم الدول بناء على أسس أخرى([232])، وهذا لا يتسع المجال لمناقشته هنا لتعقده وارتباطه بمتغيرات كثيرة.

2)      اعتبار المآلات في التشريع الإسلامي يقتضي عدم التفريق في هذه الحقوق –الانتخابات وتولية الوظائف- التي أصبحت من صميم الأنظمة المعاصرة، لأنّ ذلك التمييز سيؤدّي إلى إثارة المجتمع الدولي بدعوى نقض مبادئ حقوق الإنسان، كما سيثير حفيظة هؤلاء الذين يشعرون بالدونية؛ مما يجعلهم ينادون بإلغاء النّظام كلية، أو بالتدخّل الأجنبي، وهذا أيضا مفسدته كبيرة. ومعلوم أنّ المجتمع إذا كان أغلبية مسلمة ملتزمون ( الصواب: ملتزمين) فلن يَنتخبوا إلا حاكما مسلما، وربما حتى الأقليات غير المسلمة ستنتخب الحاكم المسلم إذا رأت /مِن : لامكان لها هنا/ كفاءته وجدارته بالمنصب.

2.2.اتجاهات الرأي العام العربي نحو استلام حزب سياسي ما السلطة؛ إذا حصل على عدد من الأصوات يؤهله لذلك.

المصدر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، المؤشر العربي2015 في نقاط، ص17.

الفرع الرابع: الخيارات والبدائل المتاحة

والمقصود بهذا: إلى أي مدى يمكن التعامل مع الخيارات السائدة من الديمقراطية والعلمانية؟ وهل هناك خيارات أو بدائل أخرى؟

"الغرب اليوم قائم على الديمقراطية توجها في الحكم والممارسة السّياسية؛ وعلى العلمانية توجها في علاقة الإنسان والمجتمع بالدين"([233])، والعالم كلّه بهذا الاتجاه، وفقه الواقع يقتضي النّظر في هذه التوجهات ونقدها لتجنّب سلبياتها والاستفادة ممّا قد يكون فيها من إيجابيات؛ في سبيل ترتيب الأولويات في اختيار توجه النظام.

مسألة1: العلمانية والديمقراطية

تُعرّف الديمقراطية بأنها: "نظام سياسي اجتماعي يقيم العلاقة بين أفراد المجتمع والدولة وفق مبدأي المساواة بين المواطنين ومشاركتهم الحرة في صنع التشريعات التي تنظم الحياة العامة"([234])، فعلى هذا أهم مبدأ تنادي به الديمقراطية هو إشراك القاعدة الشعبية في صياغة القرار؛ خلافا للحكم الاستبدادي المتعلق بحكم الفرد XE "م:حكم الفرد"   Dictatorshipأو حكم الأقلية XE "م:حكم الأقلية"  Oligarchy.

وتوجد أيضا "الديمقراطيات الفدرالية([235]) التي تُسهّل التعاون بين مختلف المجموعات المتنوعة الأديان والثقافات والأنظمة القانونية؛ في إطار أرضية مشتركة من الإنتاج والسّلم والحرية والتعايش"([236]).

أما العلمانية XE "م:العلمانية" Secularism  فتعني "اللادينية، وهي مدلول سياسي اجتماعي نشأ إبان عصور النهضة في أوربا؛ عارض سيطرة الكنيسة، ورأى أن مِن شأن الدين أن يُعنى بتنظيم العلاقة بين البشر وربهم، ونادى بفصل الدين عن الدولة، وبتنظيم العلاقات الاجتماعية على أسس إنسانية، ليتمّ إدارة البشر وممارستهم حقوقهم وفق ما يرون"([237])، "والعلمانية درجات؛ فمنها ما لا تتبنى الدّين ولا تعاديه، وتسمى علمانية معتدلة Non-Religious، في مقابل العلمانية المتطرفة Anti-religious  التي تحارب الدين"([238]).

نقد الديمقراطية: أما النظام الديمقراطي "فعلى الرغم من النجاحات التي حققها الغرب [من  خلاله] في بعض المجالات في أوقات محددة؛ إلا أنه لاقى صعوبات في عدة مجالات وفشل في مواجهة التحديات المعاصرة، وقد أظهرت الأحداث في خمسين سنة الـأخيرة أن هذه الأنظمة كانت موضوع استغلال، إذ إنها تعاني من سيطرة ذوي المصالح الضيقة على العملية السّياسية، فأصحاب المال والسّلطة هم المسيطرون على العملية الديمقراطية"([239])؛ "بسبب ما يمتلكه هؤلاء الفئة القليلة من سيطرة على معظم وسائل الإعلام، وهذا مناف لمبادئ الديمقراطية"([240])، وقد يتمّ شراء أصوات الناخبين بالمال-كما يلاحظ أحيانا-، كما أنّ وجود فئات محرومة –كما هو حاصل في أغلب الدول- يجعلها لا تفكر في صناعة القرار بقدر ما تفكر في تأمين لقمة عيشها، فيقع احتكار السلطة لدى فئة، وهو منافٍ لمبادئ الديمقراطية ذاتها التي تنادي بإشراك الجميع في القرار.

"ومن مساوئ النّظام الديمقراطي XE "ف:مساوئ النّظام الديمقراطي"  الليبرالي([241]) الذي يتسم بالسوق الحرة أنه حينما يُفتح المجال للشركات الكبرى للدخول في الدول الصغرى للمنافسة معها؛ فإن ذلك يحقق مساواة وتنافسا غير عادل؛ إذ الشركات الكبرى تتحمل الخسارة بما تعوضه من مناطق أخرى؛ في حين أنّ الشركات المحلية لا تتحمل ذلك، فتتحول إلى فروع للشركات الكبرى؛ لتَستغل ذلك برفع الأسعار وتعيد الأرباح إلى أوطانها"([242]) "فالتدفق الحر للسلع والخدمات دون قيود قد يكون مفيدا لبعض الوقت، لكنّه سيدمر الأسواق في نهاية الأمر؛ وبالتأكيد سيصبح العالم أكثر فقرا"([243]).

وعلى صعيد العلاقات الدولية؛ "فمن مساوئ الديمقراطية آليةُ عملِ ما يُسمى بمجلس الأمن الذي لا تُمارس فيه الديمقراطية فعليا"([244])، إذ يقول مهاتير رئيس وزراء ماليزيا الأسبق: "لا يمكن توقع تغييرٍ من الأمم المتحدة طالما أنها تتبع (دول أعضاء خمسةٍ : خمسَ دولٍ أعضاءٍ ) دائمي العضوية في مجلس الأمن،  أما بالنسبة للدول الأعضاء الصغيرة فهم راضُون فقط بتقديم الخُطب السنوية في الجمعية العامة أو في مناسبات الأمم المتحدة([245])"([246])، وبهذا يغيب أحد أهم مبادئ الديمقراطية في هذه المنظمة وهو المساواة وإشراك الجميع في القرار.

نقد العلمانية: ومن الجانب الروحي؛ "فطبيعة اللبيرالية الديمقراطية أنها علمانية مادية، ولابد من مستوى من الجانب الروحي للإنسان يرتقي به عن مستوى الحيوان، ويدفعه إلى الابتعاد عن الشر ويدفع المجتمع نحو الرقي الأخلاقي"([247]). "وتعاني أقليات مسلمة في الغرب من التمييز، ويرون عدم اهتمام تلك الأقوام بالشعوب الفقيرة، وعدم رغبتهم في نقل التكنولوجيا إليهم، كما أن النمط الغربي –في نظرهم- يعاني من التّدنّي الأخلاقي والهشاشة في قيم الأسرة"([248]).

وبعد هذا العرض للأنظمة المعاصرة؛ ظهر أنها لازالت (لا هنا دُعائية : الصواب مازالت ) تعاني من نقص –على الرغم مما ينادي به أصحابها-، وهذا يقتضي مسؤولية المسلمين في العمل على إصلاحها والدفع بالأنظمة العالمية نحو قيم الإسلام وأخلاقه من العدالة والرحمة والتعاون.

هل يصح اتخاذ الديمقراطية وسيلة للاستبداد؟ إذا كانت هذه الأنظمة تعاني من هذه السلبيات؛ فهل يمكن تبني النظام الديمقراطي عند الانتخابات لجمع أكبر عدد من الأصوات، وبعد الوصول إلى السلطة يتمّ فرض توجه آخر (إسلامي أو غير ذلك)؟

والجواب عن هذا أنه من الناحية الأخلاقية والقيمية سيكون هذا مغايرا للتعاليم الشّرعية بوفاء العهد: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا XE "ا:وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا" } [البقرة: 177] وخاصة إذا أعطى المرشِّح نفسه وعودا بأن ينعم الجميع بالإنصاف والعدل والكرامة، ثم شرع بإقصاء بعض فئات الشعب أو هضم حقوقها بصفة مباشرة أو غير مباشرة.  أمّا إن كان تغيير التوجه نابعا من الشعب ذاته بعدما تمّ إقناعه مثلا بجدوى توجه معين؛ فهذا لا مانع مع مراعاة تحقيق المصالح ودرء المفاسد.

مسألة2: الأولوية للأسماء أم للمسميات:

"يرى البعض أنه لتحقيق دولة يتشارك فيها الجميع وتزول فيها الخلافات والإقصاء ينبغي أن تكون علمانية؛ بمعنى أنها لا تتبنى مذهبا فقهيا معينا، ولكن تسمح للجميع بالمشاركة السّياسية وعدم إقصاء أي مذهب"([249])، وقريب من هذا ما سمّاه بعضهم بـ"العلمانية المؤمنة؛ وهي التي يتمّ فيها تسامح الدولة مع الدين بالاعتراف به ظاهرة اعتقادية فردية وجماعية مجسدة من خلال أشكال تعبيرية؛ وتسامح المتدينين مع الدولة بتفويض كامل السلطة السّياسية لها؛ مع الاحتفاظ بحق المشاركة في الحياة السّياسية والتأثير غير المباشر في السياسات المتبعة"([250]).

 لكن –في نظر الباحث- من الصعب أخذ هذا الأمر على إطلاقه، خاصة وأن مصطلح العلمانية في بعض الأوساط يأتي مقابل الحكم الإسلامي ووجوب تحكيم الشّرع، وبالتالي قد ينحرف استخدامه إلى محاربة الدين لينحصر بين زوايا المساجد وأماكن العبادة. وفي الحقيقة كما يقول أحد علماء الغرب: "الإيمان والسّياسة، الدين والمجتمع؛ أمور لا يمكن الفصل بينها في الإسلام"([251])، ويبقى الرّهان على الفهم الصحيح للموضوع وكيفية التعامل الصحيح معه.

وبالنسبة للديمقراطية؛ فيرى آخرون بأن "الحرية عند الأوربيين يقابلها الرحمة في الإسلام، أما الديمقراطية فيقابلها التراحم، على أن القضية مجرد اختلافٍ مظهري لاختلاف لغة العصر والمؤدَّى واحد وهو رفع الظلم وإيصال الحق والعدالة والرزق إلى كل فرد"([252]). لكن يرى الباحث أن هذا فيه انبهار بالتجربة الغربية، ومحاولة ٌلجعلها نموذجا متوافقا تماما مع الإسلام، وهذا أيضا صعب، لأن هناك فرقا بين الإسلام والديمقراطية من حيث الخلفية والمرجعية لكل منهما؛ ولا يعني هذا عدم وجود مبادئ إنسانية مشتركة بينهما.

 لكن القول بأن الديمقراطية من صميم الإسلام قد يُحمّل الإسلام كامل مساوئ الديمقراطية وعيوبها، فماذا لو انهارت الديمقراطية الليبيرالية كما انهارت الشيوعية؛ هل سيقال بأن النّظام الإسلامي قد انهار معها([253])؟ كما أن اختلاف المرجعية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي يجعل البون بينهما شاسعا وإن اتفقا في بعض الجزئيات، لذا من الأَولى التركيز على المبادئ والقيم لا على المصطلحات والمسميات.

ويرى الباحث –من جهة أخرى- أنه إذا كان إعلان شعار تطبيق الإسلام سيجلب كثيرا من المتاعب داخليا وخارجيا؛ وخاصة بعدما ارتبط -في الأوساط الإعلامية- بفكرة الإرهاب والعنف والتطرف وإقصاء الآخر؛ -كما يظهر في المخطط الآتي 2.2.- فضرورة تقديم المصلحة الأساسية على المصلحة الشكلية تقتضي التخلي ولو مؤقتا عن هذا الاسم طالما أن الهدف هو تحقيق مقاصد السّياسة الشّرعية من حفظ النّظام العام للدولة وتحقيق العدل وأداء الأمانات.

فالنبي r مثلا "في صلح الحديبية XE "ح:صلح الحديبية"  قدّم تنازلات عن أمور شكلية؛ ككتابة (بسم الله) و(محمد رسول الله)"([254]) وغير ذلك؛ في مقابل تحقيق المصلحة الأكبر والأبعد؛ وهي السلام والأمن من جانب قريش؛ ليتفرغ المسلمون للدعوة، وفعلا؛ تحقّق بذلك انتشار واسع للدعوة –كما تقدم-. كما أن عمر بن الخطاب رأى أنّ من الأولى قبول الجزية من أهل إيلياء باسم الصدقات مراعاة لدرء ضررهم([255])، وهذه كلها أدلة على أن العبرة بالمسميات لا بالأسماء.

الإسلام يُحرض على العنف أكثر من الأديان الأخرى

الإسلام لا يحرض على العنف أكثر من الأديان الأخرى

لا أدري/ أخرى

مجموع

م

2.2 نتائج استقراء تطور نظرةِ عينةٍ من المجتمع الأمريكي إلى العلاقة بين الإسلام XE "ج:نتائج استقراء عن علاقة الإسلام بالعنف"  والعنف ما بين سنة 2002 إلى 2013م ويلاحظ تزايد المؤيدين لوجود العلاقة بينهما. المصدر:

PEW Research Center, مرجع سابق May1-5, 2013.

الفرع الخامس: خلاصة واستنتاج

يستنتج الباحث مما سبق أنه لتحديد الأولوية في توجه الدولة لابد من مراعاة الأمور الآتية:

-                   الدين ينفي وجود أي إكراه فيه، وبالتالي لا يصح إجبار فرد في الدولة على تبني توجه ديني معين.

-       كانت نشأة الدولة الإسلامية سابقا على أساس ديني، أمّا في واقع اليوم فنشأتها على أساس جغرافي، وبالتالي فهذا يستدعي من القوانين أن تسع جميع من في تلك الرقعة الجغرافية.

-       يتمثل دور الدولة في الوقت المعاصر في الحفاظ على النّظام العام وتنمية الدولة، أمّا الأمور الأخرى فترجع إلى إرادة الشعب عن طريق الاستفتاء والمجالس البرلمانية، ومع ذلك يجب توعية الشعب بالقرارات التي تنفعه ولا تخالف الشّرع، وهذا انطلاقا من فقه الواقع واعتبار المآل، والتدرج في التشريع في سبيل الوصول إلى الصورة المثلى.  ولتفادي أن يكون في مجلس الشورى من لا خبرة له؛ يمكن "أن تكون نسبة من المجلس تُختار عن طريق الشعب لتنقل آراءه وتعبر عنه، ونسبة أخرى تُختار عن طريق التعيين بحسب التخصص في كل مجال من مجالات (السّياسة، الاقتصاد، الاجتماع، الثقافة،)"([256]).

-       مع أنّ النظام الديمقراطي يعاني من سلبيات كثيرة؛ إلا أنّ مبدأ الوفاء بالعهد يوجب على الحاكم الوفاء بالتوجه الذي التزم به للذين رشحوه، إلا أن يتمّ إقناعهم بعد ذلك بجدوى توجه آخر فيتمّ اتباعه بناء على اختيارهم؛ مع مراعاة المصلحة في ذلك.

-       من الأولويات في تحديد شكل النّظام؛ مراعاة التوجه الاقتصادي الذي سيتمّ تبنيه؛ إذ السّياسة والاقتصاد مترابطان؛ كل منهما يؤدّي إلى الآخر؛ فإذا كان العالم يتقلّب في سياساته الاقتصادية منذ عصر النهضة في القرن السابع عشر؛ ما بين تقييد وتوسيع؛ تبعا لما يحدث كل مرة من أزمات اقتصادية وثورات شعبية؛ فمن مسؤولية المسلمين إثبات النّظرية الاقتصادية للإسلام على أنه الرسالة الخالدة والصالحة لقيادة المجتمعات والبشرية.

-       انطلاقا من ضابط الاستشراف والاستفادة من التاريخ؛ فإنه لابد من الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة([257])، مع التأكيد على أنه لا يمكن استيراد نموذج وتطبيقه بحيثياته على بيئة أخرى؛ فلكل ظروفه ومتغيراته، ففَرق كبير بين تجربة تمخضت من المجتمع وخبرته، وبين نموذج خارجي دخيل يُحاوَل فرضُه على واقع لا يمكن تطبيقه فيه، وهذا من صميم فقه الواقع، كما أنّ ظهور ملامح نجاح تجربة ما في ناحية من النواحي لا يعني بالضرورة استمرارها، بل هذا مرهون بمواصلة العمل والتزام القيم السّياسية ومراعاة الواقع والمرونة وكفالة العدل وأداء الحقوق

-       بنظرة إلى الواقع المعاصر والقوانين الجارية في هذا الوقت، وانطلاقا من فقه الواقع واعتبار المآل؛ وبنظرة إلى الهدف من إنشاء الدولة وهو حفظ السلم وكفالة العدالة والحقوق؛ يمكن القول بأن الواقع المعاصر يقتضي أنّ المرجع في توجّه النّظام هو الشعب عن طريق المجالس البرلمانية، فإن كان أغلبية المجتمع مسلما؛ فإنه بطبيعة الحال سيصوت على تطبيق أحكام الله تعالى([258])، وإن كان الأغلبية غير مسلمين وصوتوا لغير أحكام الله تعالى فإنه لا يمكن إجبارهم على تكاليفَ شرعيةٍ لا يدينون بها، كما أنّ هذا سيؤدّي إلى عنف داخلي وربما أدى إلى تدخّل خارجي؛ فتفْقد الدولة شرعيتها وهيبتها، وهذا لا يعني أبدا البقاء على هذه الحال، بل يأتي هنا دور الإعلام والدعاة والمجتمع المدني في رفع مستوى الشعب وتثقيفه وتوعيته بصلاحية هذا التشريع.

-       ضرورة تقديم المصلحة الأساسية على المصلحة الشكلية، والتركيز على المبادئ والقيم لا على المسمّيات: فإذا كان الهدف من السّياسة الشّرعية هو أداء الأمانات والقيام بالقسط ونصرة المظلومين؛ فالشعارات هنا أمر ثانوي، وبالنّظر إلى فقه الواقع؛ يلاحَظ أنّ الإسلام صارت صورته مرتبطة بالإرهاب بسبب بعض الممارسات من داخل المسلمين وخارجهم، أضف إلى ذلك أنّ "تكرر فشل التجارب التي تنادي بتطبيق الدين يجعل من هذا الشعار شبحا وهاجسا يثير مخاوف شباب المسلمين"([259]) قبل غيرهم؛ خاصة إذا أدّت تلك التجارب إلى مأساة دموية، أو أزمة اقتصادية، أو مشاكل اجتماعية.

كلُّ ذلك –في نظر الباحث- يجعل من رفع شعار تطبيق الإسلام أمرا غير ذات ( الصواب : ذي ) أولوية، بل لا ينبغي اتخاذه منهجا، لأنه باعتبار المآلات؛ سيؤدي ذلك إلى إجهاض مساعي التنمية والإصلاح منذ البداية، وإذا كان التشريع يقضي بأنّ "العبرة فِي العقود للمقاصد والمعاني، لَا للألفاظ والمباني"([260])، فإن تفعيل ذلك في السّياسة الشّرعية من باب أولى؛ إعمالا للمقاصد، وبهذا فإن إقامة الحق والقسط من الثوابت لكونها ترجع  إلى القيم السياسية في الإسلام، أما التسميات فهي من المتغيرات؛ لكونها ترجع إلى المصلحة القابلة للتغير، ولم يرد بشأنها نص قطعي.

وبهذا يتبين أن ترتيب الأولويات في اختيار النّظام في الوقت المعاصر من أعقد الأمور، ويجب النّظر إليه من عدّة زوايا، ويتمّ فيه إعمال مختلف آليات ترتيب الأولويات في السّياسة الشّرعية المتقدمة في الفصل السابق، ومع ذلك فإن هذه الأمور ليست ثابتة، بل تتغير من واقع إلى واقع، فما يصلح في إقليم معين لا يكون صالحا بالضرورة في إقليم آخر، وما يصلح في هذا اليوم ليس بالضرورة أن يكون صالحا بعد عشر سنوات.

المطلب الثاني: إظهار صلاحية النظام الإسلامي وسماحته؛ قبل الإلزام بتشريعاته

السماحة لغة "الجود"([261]) و"موافقة الغير على ما يطلب"([262])، والتّسامح التّساهل([263]). والمراد بسماحة الإسلام هنا "المساهلة واللين في المعاملات، والعطاء بلا حدود، ودونما انتظار مقابل، أو حاجة إلى جزاء"([264]). وفي رأي الباحث؛ تظهر سماحة الإسلام وتسامحه في تقبُّل المخالف وحسن التعامل معه، أما إظهار صلاحية التشريع فتكمُن في تنمية البلد وحل مشاكل المجتمع، وهذا من أولى الأولويات قبل فرض التشريعات الإسلامية.

الفرع الأول: وجه الأولوية

بالنّظر إلى فقه الواقع والمآل؛ لو بدأ حاكم بفرْضِ التكاليف الشرعية في مجتمع ما؛ كالإلزام بالحجاب ومنع الربا قبل إقناع المجتمع بقيمة الأحكام التشريعية وصلاحيتها وتجليات الرحمة فيها؛ فإن ذلك سيؤدّي إلى نفور المجتمع من ذلك النّظام كلية ومن الدين الإسلامي بشكل عام؛ لِما سيتصورنه ممّا قد سيأتي بعد ذلك من استبداد وقمع للحريات وإقصاء للمخالفين، وانحدار بالدولة إلى الرجعية والأنظمة التقليدية البائدة

وعلى هذا فلا يمكن الحديث عن تطبيق الشّريعة في ظلّ مجتمع غير مقتنع بتلك الأحكام أصلا، بل يرى الإسلام مقترنا بالاستبداد.

وفقه الأولويات في السّياسة الشرعية يقتضي البدء بإقناع المواطنين بصلاحية هذا النظام وتسامحه، وملاءمة أحكامه لتحقيق المصالح العامة للمسلمين والبشرية جمعاء.  

وهذا البيان لا يكفي باللسان فقط، لأن الواقع هو الذي يبرهن على مدى صحّة ذلك من عدمه ( الصواب: أو خطئه .. أو عدم صحّته !/ أما تعبير/ من عدمه/ فهو دارج في أدبيات رجال القانون، وهو مستقى من ترجمة المصطلحات الفرنسية ، في القوانين الفرنسية ، التي اشتقّ منها ، كثير من القوانين العربية) . فإذا كان المجتمع يعيش في حالة فقر وبطالة وأزمات اجتماعية لسنين ( الصواب: سنين ) طويلة؛ فالأولى البدء بحلّ مشاكله والعمل على الوقوف معه، وإذا كانت هناك تعدُّديات عرقية أو دينية؛ فيجب إظهار قدرة الإسلام على احتواء الجميع في ظل العدل وأداء الحقوق، فهذا كله انطلاقا من مراعاة التدرج واعتبار المآلات.

والآن: ماهي تجليات صلاحية النظام الإسلامي، وما هي حدود سماحته؟ هذا ما سيأتي في الفرعين الآتيين.

الفرع الثاني: مدى صلاحية التشريع الإسلامي للحكم

أحيانا يُثار التساؤل: هل الإسلام دين فقط، أم دين ودولة؟ بمعنى هل أتى لقيادة البشرية في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع، أم هو مجرد علاقة روحية بين العبد وخالقه؟ تقتضي المنهجية هنا مناقشة مختلف الآراء. ويرجع الاختلاف هنا إلى رأيين:

الرأي الأول: يرى أن الإسلام مجرد علاقة بين العبد وخالقه، ولا داعي للنداء إلى إقامة حكم باسم الإسلام([265]).

واستدل بأدلة كثيرة، منها:

"من القرآن الكريم قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وجه الدلالة أنّ الدعوة قضية إيمانية ترتبط بالقلب، لا بسلطان الدولة وبهذا؛ فإن دعوة الرسول u كانت دعوة دينية، لا علاقة لها بإقامة الدولة.

من السيرة النبوية؛ أن النبي r وإن كان يقضي بين الناس، ويبعث الولاة إلى اليمن وغيرها؛ إلا أنه لم تتضح صورة جلية فيما يتعلق بنظام الجيش والإدارة المالية، وتفاصيل الشورى، ونظام تعيين الولاة وغير ذلك؛ مما ترك المسلمين في حيرة واضطراب" ([266]).

ويمكن أن يستدِلوا أيضا من الواقع بأن التاريخ قد أثبت فشل عدّة تجارب لها امتداد إسلامي، وهذا يعني أنّ التشريع الإسلامي غير صالح لقيادة البشرية، وبالتالي لا معنى للتفكير في موضوع السّياسة الشرعية أصلا.

الرأي الثاني: "الإسلام شريعة للحكم وقيادة البشرية، وقد أسس لدولة لها مقوماتها وأسسها"([267]). وله أدلة كثيرة، منها:

"من القرآن: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وفيه نص على ولاية الأمر. وأيضا قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] ، وكيف يعقل أن يكون الإسلام شريعة، ثم لا يكون له حكومة تنفذ تلك الشريعة؟

من تاريخ التشريع أن الله تعالى شرع الإسلام( الله تعالى : مكررة تحذف) شرعا تدريجيا؛ بدأ بغرس العقيدة وانتهى إلى إقرار العدل، وحقق جميع مظاهر الدولة، ومنها الصلح والعهد وبيت المال والإمارة وسن القوانين والعقوبات.. وبذلك قد أسس النبي r بنفسه أصول الدولة"([268]).

ويرى الباحث أن الإسلام منه أحكام تتعلق بالعبد وخالقه، وهي ما يخص الشعائر من صلاة وصيام ونحو ذلك، وفيه أحكام لا تتم إلا من خلال نظام دولة، وهذا نحو القيام بالقسط والعدل وتسوية الخصومات على مستوى المجتمع، وكف الظلم والفساد وردع المجرمين.

والتاريخ –كما يرى الباحث- يشهد على قدرة الإسلام على بناء المجتمع وتكوين الدولة، وقد استطاع أن يُخرج أقواما من البداوة والبغضاء والتقاتل إلى مجتمع مدني متحضّر ومتماسك، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا XE "ا:فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا" } [آل عمران: 103] وبذلك أضحى مثالا يَعترف به المسلم وغيره.

ومن ذلك ما قاله أحد علماء الغرب: "أُخوّة الإسلام حقيقية.. إِذا نظرنا إلى الجزيرة العربية قبل مجيء الإسلام وبعده؛ نجد أنفسنا مُجبَرين أن نتساءل: هل شهد التاريخ مثل ذلك التقدم الأخلاقي لدى عدد كبير من الناس في وقت قصير؟   لمْ يكن قبلَ محمدٍ ما يمنعُ من العنف بين القبائل..يفضل وضع النقطتين هنا قبل كلمة هناك )  هناك.. ظلم وجور واضح فيما يتعلّق بالأموال.. المرأة كانت تُعدُّ متاعا أكثر منها إنسانا.. ما ميّز الإسلام ليست مثاليته؛ بقدر ما هو الخطط المفصّلة من أجل تحقيقها. القرآن بالإضافة إلى أنه أداة للتربية الرّوحية؛ هو هيكل ضخم للأخلاقيات والأوامر القانونية"([269]).

أما قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]؛ التي استدل بها أصحاب الرأي الأول لا ( الصواب فلا) تعني حصر الشريعة في زوايا التعبدات؛ إذ لا تناقض بين الدعوة بالحكمة وبين سياسة أمور الناس في نواحي الناس ( الأصوب في نواحي الحياة ) الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك، بل يتماشيان معا.

أما القول بعدم اتضاح معالم السياسة النبوية؛ فهو دليل عليهم لا لهم، لأنه يكفي أن الرسول r حدد معالم عامة للقيادة والحكم بحسب ذلك الوقت؛ فهذا يقتضي العمل بذلك مع مراعا الظروف والأحوال.

أما وجود تجارب معاصرة فشلت بسبب نقص الخبرة أو غير ذلك من العوامل الداخلية أو الخارجية؛ فهناك من التجارب الماضية والمعاصرة التي نجحت إلى حدّ ما، ومن ذلك مثلا ما جاء في كتاب "الإسلام الحضاري" الذي تحدّث عن التجربة الماليزية التي "استطاعت بعد انطلاقها في تنفيذ الخطة التنموية برؤية طويلة الأمد2020م؛ أن تدعم الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتقضي على البطالة، وقد تجاوزت أزمتَها الاقتصادية 1997م؛ لتحقّق فائضا في الميزان التجاري بمقدار 12.5مليار دولار عام1999م، كما طوّرت من تكنولوجيا المعلومات للانخراط في المنافسة العالمية"([270])، كما "انخفضت نسبة الفقر فيها من 49.3% سنة 1970م إلى 6.8% سنة 1997م"([271]). ومثل هذه النماذج الناجحة إلى حدّ ما؛ تفنّد عمليا تلك الشبهة المتقدمة. ولا يستبعد المتأمل في دورة التاريخ إمكانيةَ أن يصير المسلمون روادَ الحضارة ولديهم من أسباب القوة والتمكين لدين الله تعالى في الأرض، لكن هذا لابد له من أسباب مادية وروحية.

وبهذا تظهر صلاحية التشريع الإسلامي لقيادة البشرية؛ من خلال الوحي والتاريخ والواقع المعاصر، وليس من الموضوعية اتهام دولة أو مجتمع أو نظام بأكمله بسبب ممارساتٍ لبعض أفراده؛ في حين أن ذلك النظام أو المجتمع يتبرأ من تلك الممارسات ويَشجبُها، فلا يصح اتهام النظام الإسلامي بالفشل لمجرد ظهور ممارساتٍ من بعض أبنائه خالفت تعاليمه من الشورى والعدل والتسامح.

الفرع الثالث: مدى سماحة النظام الإسلامي

ويتبين هذا من خلال بيان سماحة الإسلام مع غير المسلمين، ثم بين المسلمين فيما بينهم.

أ. سماحة النظام الإسلامي مع غير المسلمين: من مظاهر سماحة  الإسلام –كما يرى الباحث-توجهه نحو التقارب والتّعاون حتى مع غير المسلم، ومن ذلك مثلا إباحته طعام أهل الكتاب والمصاهرة منهم: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ XE "ا:وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ"  لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5].

ومن ذلك أيضا الأمر بإطعام الأسير المشرك-وغيرُه من باب أولى-: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8]، ووجه التخصيص بالمشرك أن المسلم المسجون لا يسمى أسيرا على الإطلاق ([272]).

ومن ذلك الأمر بحسن القول لجميع الناس: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا XE "ا:وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" }[البقرة: 83]، "فكلام النّاس مع النّاس إما أن يكون في:

-       الأمور الدّينية: وذلك إما بدعوة الكفار إلى الإيمان فلابدّ أن تكون بالقول الحسن، كما قال تعالى لموسى وهارون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى XE "ا:فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" } [طه: 44]، وإمّا بدعوة الفاسق إلى الطاعة؛ والقول الحسن فيه معتبر: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ XE "ا:ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"  وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125] {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ XE "ا:ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"  فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [فصلت: 34].

-       وإما في الأمور الدنيوية: ومن المعلوم بالضرورة أنه إذا أمكن التوصّل إلى الغرض بالتلطّف من القول لَم يحسن سواه، فثبت أن جميع آداب الدين والدنيا داخلة تحت قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا XE "ا:وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" } [البقرة: 83]"([273]).

ب. سماحة الإسلام في تعامل المسلمين مع بعضهم: والأصل في المسلمين فيما بينهم التوادّ والأخوة، وهو ما يجب أن يكون: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، {وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ لايستحسن ترك كلمة /المؤمنون/ في بداية هذا القسم من الآية} [التوبة: 71]،      "وفي معنى الولاية إشعار بالإخلاص والتناصر"([274])      فتظهر السماحة هنا في تقبُّل المسلمين بعضهم بعضا، وفي وحدة الصف لأجل المصلحة العامة.

وإن كان في واقع المسلمين ما يتنافى مع تسامح المسلمين فيما بيهنم؛ فاعتبار المآلات يقتضي وضع تصحيح هذا الأمر ضمن الأولويات في السّياسة الشرعية؛ -كما يرى الباحث- نظرا لما يأتي:

1)      دعوة القرآن الكريم إلى وحدة الصّف أمر متكرر وملحّ، وبدونه سيكون المسلمون عرضة للهزيمة والهوان: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ XE "ا:وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"  } [الأنفال: 46]. فلابد أن يتقبّل المسلمون بعضَهم؛ خاصة في الظروف العصيبة من التخلّف والضعف؛ والعدوّ يتربص بهم لأجل نهب خيراتهم.

2)      من أكبر عوامل تشويه الإسلام أن يدخل المسلمون في نزاعات واشتباكات لأجل قضايا تاريخية مضت، أو لأجل خلاف في مسائل فرعية، وهذا من أكبر ما يُنفّر عن الدين، وهذا يؤكّد أولوية لمّ الشمل ونبذ الخلافات؛ لأنّ المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة. فالاختلاف أمر طبيعي، ومن غير الممكن أن يكون الناس على نمط واحد من اللون واللغة والتفكير: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً XE "ا:وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً"  وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ } [هود: 118، 119]، لكن المحذور أن يوصل هذا الاختلاف إلى الاعتداء على الآخر أو الدعوة إلى قتله

 لأن الإكراه على اعتناق الدين غير مشروع؛ {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ XE "ا:لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" } [البقرة: 256]، ومن باب أولى لا يكون مشروعا إكراهُ مسلم على تبني توجّهٍ معين أو التّفكير بطريقة معينة، ولا سلطان لإنسان على أخيه إلا بالدعوة والإقناع بالحجّة والحوار بالتي هي أحسن: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ XE "ا:ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"  وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [النحل: 125].

3)      قد يكون وراء الصّراعات أيادٍ أجنبية، فحينما يتوقّع العدوّ الخطورة في تكتّل المسلمين فسيسعى بكل ما أوتي من قوة "للإيقاع بينهم أو دعم فئة على حساب أخرى"([275])؛ لإشغالهم بأنفسهم فيما بينهم ويكفّ خطره الذي يتوقّعه منهم ليتسنّى له قضاء مصالحه على حساب استطالة الأزمات، لكنّ فقه الواقع وفقه الموازنات يقتضيان وجوب تقديم درء المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى؛ إذ صبر المسلم على أخيه قد يكون فيه نوع من المشقة، لكنّ عدم الصبر يؤدي إلى الإضرار بمقصد حفظ النفس والمال والدين وهذا أعظم ضررا من المشقة السابقة،  يقول الله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ XE "ا:وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"  وَاصْبِرُوا} [الأنفال: 46].

وسد الذرائع يقتضي منع كل ما يعيق مبدأ التسامح؛ بعدما تأكدت أولويته، ومن ذلك ما يأتي:

أولا: قضية الاستبداد؛ حينما تُغلق منافذ الحوار ولا يكون هناك طريق للتعبير عن عدم الرضى إلا بالعنف أو التّفرّق. فسبب الفشل لكثير من النشاطات المجتمعية هو أنها "تعتمد في إدارتها على الفردية والمركزية؛ بحيث يصبح الرئيس هو كلُّ شيء في الجماعة؛ أمرُه مطاع ومعارضته مُحرّمة، وبذلك تصبح الطريقة الوحيدة لإبداء الرأي هي الانشقاق عن الجماعة"([276])، وبذلك يتحوّل المجتمع إلى تيّارات متناحرة لا تقوى على مواجهة التحدّيات الخارجية.  واعتبار المآلات وتقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد يقتضيان من وليّ الأمر أن يفتح قنوات الحوار ويسمع للكلّ من أجل حفظ مصالح المجتمع الواحد.

ومن أنواع الاستبداد "الاستبداد الفكري: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} [غافر: 29]، وذلك بما تطرحه بعض المدارس التي تربي أبناءها على أن ما لديها حقٌّ وما عداه كله باطل لا يجوز الاطلاع عليه أو تفحُّصه لأجل الاستفادة منه، فيَتكوّن لدى أتباعهم عداءٌ نحو كل الآخرين، وأحيانا يكون ذلك متعلقا بجزئيات فقهية مثل تقصير الثياب، أو مما له ظروف صاحبت تشريع أحكام فاستُصحبت إلى الوقت الراهن"([277])، وعلى النقيض من ذلك "منهج القرآن الكريم الذي يعطي الخيارات للعقل، ثم يختار بعد ذلك، ويتحمل مسؤولية اختياره"([278]): {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا XE "ا:قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا" } [العنكبوت: 20].

وثانيا:  من معيقات التّسامحِ الغيرةُ المفرطة؛ في ظلّ غياب التخطيط واعتبار المآلات؛ فأحيانا بدعوى مساعي الإصلاح وتوحيد الأمة يظهر تيار جديد يتصارع مع التيارات السابقة، وهذا منافٍ لأولوية التسامح، والمطلوب أن تندمج مساعي الإصلاح ضمن المجتمع؛ تحْمل همومه وتعمل على تنميته وحلّ مشاكله من مختلف الجوانب؛ دون الجنوح إلى إنشاء تيارات جديدة.

ثالثا: من معيقات التسامح التساهل في رمي المخالف بالبدعة، ومن ثَم الحكمُ عليه بالخروج من الدين، ثم استحلال دمه، وربما ادّعى بعضهم بأن قتل المبتدع أولى من قتل اليهودي، ودليله أن المبتدع يفسد الدين من داخله، أما اليهودي فيشوه الدين من خارجه!

وهنا أمران؛ الأول: ليس كل يهودي ّ قتاله (فعل: يجوز قتاله .. أوخبر: قتاله جائز) ، بل اليهودي المقاتل أو الذي كان سببا في تقييد حريات الغير ومنعهم من الإسلام –كما تقدّم-، أما اليهودي المسالم فلا سبيل إلى العدوان عليه. والثاني: من السهل على أي عالم أن يحكم على مخالفه بالبدعة والضلال والردة والزندقة، ويستحل دمه، ثم يفعل المخالف مثل هذا الصنيع، فتصير المجتمعات الإسلامية ألغاما موقوتة تنفجر بالتقاتل فيما بينها كلما سنحت فرصة لذلك، والمسؤولية الأولى في ذلك لمثل ( الصواب : على مثل) هؤلاء العلماء.

ولا يصحّ أن يقال إن ذلك من حرية التعبير المشروع، لأن الحرية إذا أدّت إلى فتن وصراعات وإهدار لمقصد النفس والعرض والمال -الذي هو في النهاية  إضرار بمقصد الدين-؛ فمن واجب الدولة أن تسنّ قوانين لمنع العدوان، ومن باب سدّ الذرائع؛ أن تمنع كل ما من شأنه أن يؤجّج الأحقاد ويذكي الصراعات، وذلك بمنع الفتاوى التكفيرية، ومنع المجادلات بين العوام في غير ما إطارٍ من الحوار والمرجعية العلمية.

ومن النماذج الموجودة في ذلك ما ينصُّ عليه قانون الجزاء العُماني: "يعاقَب بالسّجن المؤقت مدة لا تزيد على عشر سنوات كل من روّج ما يثير النّعرات الدينية أو المذهبية، أو حرّض عليها أو أثار شعور الكراهية أو البغضاء بين سكّان البلاد"([279])، وفي قانون العقوبات المصري: "يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة كل من حرض.. على بغض طائفة أو طوائف من الناس أو على الازدراء بها إذا كان من شان هذا التحريض تكدير السلم العام"([280]).

ومثل هذه الجرائم تدخل في باب التعازير في السياسة الشرعية؛ لعدم ورود حدّ بشأنها.

رابعا: النّظرة الخاطئة لمعنى الجهاد XE "ف:النّظرة الخاطئة لمعنى الجهاد" : وهنا بيان الفرق بين الجهاد والقتال، وهذا ما سيأتي بيانه في المسألة الآتية.

مسألة: الفرق بين القتال والجهاد

وهنا فيه رأيان:

الرأي الأول:  لا فرق بين الجهاد وقتال الكفار

فيرى بأنّ "الجهاد والمجاهدة.. المشقة في مقابلة العدو، والقتالُ والمقاتلة كذلك"([281])، وعلى هذا فالجهاد "شرعا (قتال الكفار) خاصة"([282]).

الرأي الثاني:  الجهاد أعم من القتال

ويرى بأن الجهاد في حقيقته يشمل كافة أنواع العمل لإعلاء كلمة الله تعالى؛ من إنفاق المال والدعوة باللسان، والنصح، وتعليم الناس الخير، وتقوية الجوانب الدعوية ونحو ذلك، كما يدخل فيه أيضا القتال لردّ العدوان ونصرة المستضعفين([283]).

وعلى هذا الرأي؛ "الجهاد ينقسم على أربعة أقسام: جهاد القلب، وجهاد باللسان، وجهاد باليد، وجهاد بالسيف. فجهاد القلب جهاد الشيطان ومجاهدة النفس عن الشهوات..، وجهاد اللسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك ما أمر الله به نبيه r من جهاد المنافقين، لأنه -عز وجل- قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73].. وجهاد اليد زجر ذوي الأمر أهلَ المناكر..  بالأدب والضرب على ما يؤدي إليه الاجتهاد في ذلك، ومن ذلك إقامتهم الحدود على القذفة والزناة وشربة الخمر. وجهاد السيف قتال المشركين (.) إلا أن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقيم(؟) بإطلاقه إلا على مجاهدة الكفار.."([284]).

الترجيح:

يرجحّ الباحث أنّه لا ينبغي أن تُحصر كافة آيات الجهاد في نوع واحد وهو القتال، فهناك عموم وخصوص بين الجهاد والقتال، وهذا انطلاقا من أن "الجهاد لغة من ج ه د، وتعني الطاقة والمشقة"([285])، "وسبيل الله: الدِّين، لأنه مِثل الطريق الموصل إلى الله، أي إلى القرب من مرضاته"([286])، والسياق هو الذي يفسر المقصود في كل آية.

فمثلا قوله تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ XE "ا:وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ"  إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت : 6]؛ فُسّر بمعنى: "من جاهد نفسه بالصبر على مضَض الطاعة والكف عن الشهوات"([287])، ويُرجِّح هذا المعنى كون هذه الآية وردت في سورة العنكبوت، "وهي مكية"([288])، ومعلوم أنه لم يُفرض القتال إلا في المدينة، بل قيل لهم في مكة: { كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ XE "ل:كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ" } [النساء: 77].

وأيضا قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا XE "ا:ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا"  ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[النحل : 110]، وقوله: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[الفرقان : 52]، وأيضا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا XE "ا:وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"  وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت : 69]([289])، وكلها مكية([290])، وكلّها أدلة على أنّه لا يمكن حمل الجهاد في كل الآيات بالمعنى الأخصّ الذي هو القتال([291]).

وإعطاء المعنى الأعم للجهاد في سبيل الله؛ –مع تكرره في آيات الكتاب- يمنح قوة على العمل لبناء المجتمع وخدمة الحضارة الإنسانية، -وهو ما كان يُعلّمه الرسول r لأصحابه([292])- بخلاف التركيز على القتال الذي لا يرد إلا في حالات محددة.

فـ"الجهاد من بذل الجهد وهو المشقة، وسبيل الله تعالى يشمل نشر الدعوة الإسلامية ودفع الأعداء إذا اعتدوا، كما يشمل إقامة العدل في الأحكام ورد الأمانات إلى أهلها، والعمل على مصالح الأمة؛ بإنشاء دور العلم والمستشفيات والمصانع التي يتوقف عليها رقي الأمة وتحقيق اكتفائها الذاتي"([293]).

وهُنا يَجب توضيح القضايا التي لأجلها يشرع القتال، وتتمثل في أمرين هما: رد العدوان، ونصرة المستضعفين. ودليل الأول قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا XE "ا:وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا"  } [البقرة: 190]، ودليل الثاني الآية الكريمة: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].

وبعد هذا يتبين أنّ فقه الأولويات في السّياسة الشرعية يقتضي أولوية إظهار التسامح وصلاحية التشريع الإسلامي قبل الإلزام بالقوانين التي تختص بالتشريع الإسلامي؛ في مجتمع غير مقتنع بها، وهو في حدّ ذاته متوجس من الإسلام بسبب ما يراه أو يسمعه عنه، وهذا كله انطلاقا من فقه الواقع واعتبار المآل والتدرج. كما أن إظهار التسامح وصلاحية النظام الإسلامي له وسائل لابد من تحقيقها، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

المطلب الثالث: تنصيب الكفاءات([294]) قبل محاسبة المتورّطين في قضايا الفساد

المراد بالفساد هنا: "سوء استخدام السلطة العامة لربحٍ أو منفعةٍ خاصة"([295])، والفساد XE "م:الفساد"  كلّه محرم شرعا وغير مقبولٍ عقلا؛ سواء "ما اتصل منه بالقضايا الكبرى؛ كنهب الأموال المخصّصة للصفقات الكبرى والبرامج الحكومية، وكذا تقديم تقارير بأثمان باهظة مقابل خدمات رديئة، أو ما اتّصل منه بنحو تقديم الرشاوى مقابل تجاوز الغير في التوظيف أو الخدمات وغير ذلك"([296])، وفيما يأتي سيتم التطرق لقضية الفساد، ثم الكفاءة، ثم وجه الأولوية بينهما.

الفرع الأول: أقسام الفساد وخطورته

 يُقسَّمُ الفساد إلى أقسام؛ أوَّلها: الفساد السياسي؛ ومنه صياغة قوانينَ انتخاباتٍ لتحقيق مصالح خاصة وكذا التمويل غير المشروع للحملات الانتخابية بشراء الأصوات، وثانيها: فساد إداري؛ كاستغلال الموظف نفوذه لأجل مصالحه الخاصة غير المشروعة، وثالثها: فساد أخلاقي بالانحراف عن القيم والأخلاق السائدة"([297]).

وقد حارب الإسلام الفساد بكل أنواعه، في عدة سياقات، ومن ذلك أنه r: استعمل عاملا فجاءه العامل حين فرغ من عمله، فقال: يا رسول الله؛ هذا لكم وهذا أهدي لي، فقال له: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى لك أم لا"([298])، وهذا طبعا لما له من مفاسد كبيرة.

و"ثقة الشعب وما يتبعها من شرعية الدولة – والتي قد تكون أهم عوامل الأمن والاستقرار في أي بلد على المدى الطويل - تقلُّ كثيرا نتيجة الفساد، وقد ّغذّى الفسادُ الاضطرابات السّياسية وأدى إلى تشكيل مناخ لتكون الجماعات المتطرفة العنيفة"([299]). فعلى هذا فالفساد يظهر أثره –على المدى البعيد- في الإخلال بمقصد حفظ المال، وحفظ النفس وبالتبع الإخلال بحفظ الدين.

وبالمقابل فإنّ "الدول التي تحارب الفساد وتحسن احترام سيادة القانون يزيد دخلها القومي بنسبة 40%"([300]).

الفرع الثاني: الكفاءة وأولوياتها

تنصيب الكفاءات في السياسة الشرعية يتمّ بإسناد الوظائف إلى مستحقّيها بما يتوفّر(الصواب يتوافر) لديهم من مؤهلات علمية ومهارية..، لا أن يتمّ ذلك عن طريق المحسوبية أو المصالح الشخصية أو غير ذلك. وللكفاءة هنا خصائص ومؤهلات؛ في مقدّمتها ما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى في سياق قصة موسى u في مدين: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ XE "ا:إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" } [القصص: 26]، وتطبيق هذا في قصّة يوسف u حينما {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، "فالقوة في مجال تسيير الاقتصاد تتمثّل في العلم بوجوه التصرّف في الأموال، أما الأمانة فعبّر عنها هنا بالحفظ"([301])، و"عبر القرآن الكريم عن القوة بالزيادة في الجسم؛ في قصة طالوت"([302]): {قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ XE "ا:وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ" } [البقرة: 247] ، "ودلّ ذلك أيضا على أنّه لا حظّ للنسب مع العلم وفضائل النفس؛ وأنها مقدّمة عليه لأن الله أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوته وإن كانوا أشرف منه نسبا"([303]).

فالكفاءة في القيادة تندرج ضمن مكمل ضروري الدين أو النفس أو المال؛ بحسب نوع المسؤولية، لأن تلك المصالح تُصان بالقيادة السليمة، أما مراعاة القرابة أو المصلحة الشخصية أو الانتماءات -عند تعيين المسؤوليات- فهي مصالح ملغاة في نظر الشارع؛ لعموم الأدلة التي تنص على العدل والكفاءة.. وبالتالي يظهر من هذه الناحية أولوية الكفاءة على القرابة وغيرها.

مسالة1: عند عدم اجتماع الأمانة والقوة فلِأيهما XE "ف:بين الكفاءة والقوة عند التزاحم"  الأولوية

بناء على ما تقدّم بأن القوة والأمانة هما أهمّ شروط الكفاءة؛ في حالة ما إذا لم يتوفّر( يتوافر) من يَجمع بين هذين الأمرين؛ فـ"الواجب في كل ولاية الأصلحُ بحَسبها؛ فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة؛ قُدِّم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررا فيها:

- فيُقدم في إمارة الحروب الرجلُ القوي وإن كان فيه فجور على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا.

- وإذا كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشدُّ قُدّم الأمين؛ كأن يتعلّق الأمر بحفظ الأموال.

- وقد يقتضي الأمر -للجمع بين المصلحتين- أن يستعين الأمين بصاحب القوة، ويستعين القوي بمشاورة أهل العلم والدين. وهكذا في سائر الولايات إذا لم تتم المصلحة برجل واحد جُمع بين عدد؛ فلا بد من ترجيح الأصلح، أو تعدد المُولى"([304])، والرأي الأخير هو الذي يميل إليه الباحث؛ بأن يكون مع القوي مستشار أمين، ومع الأمين من له القوة على التنفيذ؛ تحقيقا للمصالح ودرأً للمفاسد ما أمكن. وطبعا؛ هذا نظريا، وقد يكون لكل واقع ظروفه ومتغيراته.

مسألة2: الأولوية للأقدمية أم للكفاءة

إذا كان في إحدى ( الصواب: أحد) المناصب من شغله لمدة طويلة، ثم وُجد من هو أكفأ منه؛ فلأيهما الأولوية؟

انطلاقا من قاعدة أنه "إذا اجتمعت المصالح الخالصة، فإن أمكن تحصيلها حصلناها، وإن تعذر تحصيلها حصلنا الأصلح فالأصلح"([305])؛ فإنّ الأوْلى في هذه الحالة الجمع بين كلا الشخصين؛ بحيث يوضع كل منهما في المنصب الذي يناسبه.

وبالتالي إذا ما كان الموظف أو المسؤول يشغل منصبا لعشرات (الصواب: عشرات) السنين ولم يطوّر من قدراته وتكوين نفسه؛ فإن الموظف أو الشخص الجديد سيسبقه بمدة أقل من ذلك بكثير إذا ما عمل على تقوية ذاته وقدراته القيادية، والأولوية حينذاك في / تلقي تلك المسؤولية للذي/ (في إلقاء المسؤولية على الذي)  طور نفسه وضاعف من قدراته وكفاءاته.

لكن لا يُفرَّط في صاحب /الأقل كفاءة /( الكفاءة الأقل)، بل تستغل خبرته في منصب آخر يكون جديرا به؛ بما يحقق التناسب بين حجم المسؤولية ومستوى الكفاءة.

ودائما هذا بشكل عام، لكن بعص(بعض) المتغيرات قد تقتضي خلاف ذلك، فلابد من مراعاة جميع العوامل من فقه الواقع والاستشراف واعتبار المآلات؛ خاصة في المناصب الحساسة.  XE "ا:هل الأولوية للأقدمية أم للكفاءة"

وهنا يظهر دور القائد في تأهيل أتباعه وتدريبهم لتحمل المسؤوليات وتحسين مستواهم وكفاءاتهم القيادية؛ مراعاة للمصلحة العامة والمصلحة البعيدة، "ومن إحدى ( تحذف كلمة إحدى .. أو يقال: وأحد الدروس) الدروس التي تُستفاد من إيفاد الرسول r لجيش أسامة وفيهم كبار الصحابة ومشاهير الفرسان؛ ضرورة تعليم الشباب تحمل المسؤولية وإتاحة الفرصة لهم؛ لئلا تتجمّد مرافق الدولة حينما تصاب بالشيخوخة، وحينها يتولى الشباب المناصب القيادية بلا خبرة فيقع في الأخطاء وسوء التقدير"([306]).

الفرع الثالث: وجه الأولوية بين محاربة الفساد وتنصيب الكفاءات

بالنظر إلى اعتبار المآلات؛ إذا كان الفساد متجذّرا في دولة ما؛ فمن الصّعب محاسبة المتورّطين فيه في قضايا سابقة؛ خاصّة إذا كانوا من الكثرة ولديهم من النفوذ ما يتحصّنون به.

وهذا لغلبة المفاسد على المصالح، فربّما كان ذلك الإجراء سببا في إيقاف مسار التنمية بشكل عام والرجوع بالدولة إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار؛ إما انتقاما على هذه الإجراءات التي ستفضحهم، وإمّا للتغطية على جرائمهم وإشغال الناس بقضايا تُلهيهم عن قضايا الفساد، وفي النهاية يؤول الأمر إلى مفاسد كبيرة؛ منها: "ضياع الأمن، وإشغال القضاء سنوات كثيرة، وإشعال قطاعات المعارضة، وتأليب العامّة، وهروب رؤوس الأموال، ونشر الاتهامات والأكاذيب بشأن تسلّط الدولة وظلمها.. مما يؤدّي إلى إحجام الاستثمارات الخارجية، وهذا كله وغيره سيؤدّي بالدولة إلى التخبّط والانهيار"([307]).

لذا يرى الباحث أن اعتبار المآلات يقتضي التّركيز أولا على تعيين الكفاءات، لأنّه من المُفارَقات أن يتمّ تنصيب وزراء أو قيادات في الدولة؛ ليس بناء على الكفاءة والأمانة، بل على أساس مصالح شخصية وانتماء حزبي أو غير ذلك؛ ثم عندما يظهر منهم الفساد بعدم القيام بالمسؤولية كما يجب، أو باختلاس المال العام وغير ذلك؛ فيتمّ إذ ذاك محاكمتهم ومساءلتهم! لأنّ عدم مراعاة الكفاءة كان سببا غير مباشر في ذلك الفساد.

وبهذا تظهر أولوية اختيار الأكفاء للمناصب للقيادية قبل محاسبة أصحاب الفساد. وبالنسبة لشروط الكفاءة؛ فعلى الرغم من وجود قواسم مشتركة فيما بينها؛ إلا أنّ هناك ضوابطَ تختلف من منصب إلى آخر، وهنا يأتي فقه الواقع والموازنات والاستفادة من العلوم الحديثة؛ كالإدارة والموارد البشرية وغيرها لتحديد هذه الضوابط.

المبحث الثاني: تطبيقات معاصرة لفقه الأولويات في الجانب الاقتصادي للدولة

الاقتصاد من أهمّ الركائز التي يقوم عليها توازن القوى في العصر الحاضر، وهذا يقتضي ضرورة الاهتمام به وجعْله من الأولويات في إطار تفعيل السّياسة الشرعية في الوقت الحاضر؛ من أجل إقامة الحق والعدل في هذه المعمورة, كما أن التوجهات الاقتصادية لها أثر كبير في السياسات العالمية –كما هو ملاحظ مثلا بين الاشتراكية والرأسمالية..-، أضف إلى ذلك أنّ مكافحة الفقر والأمية والبطالة كلها ترتبط برفع المستوى الاقتصادي للبلد.

فمن منطلق وجوب إعداد المجتمع المسلم القوة اللاّزمة من مختلف الجوانب: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]؛ تتموقع التنمية الاقتصادية للدولة ضمن المراتب الأولى في سلّم الأولويات في السّياسة الشرعية.

وفي هذا المبحث سيتمّ التطرق إلى بعض القضايا العامة في السّياسة الشرعية؛ فيما يخص تعاملها مع الجانب الاقتصادي. ولابدّ من التنويه إلى أن النّظرية الاقتصادية الإسلامية وتطبيقاتها في سلّم الأولويات في السّياسة الشرعية هي من السعة بمكان؛ بحيث لا يسع بحث واحد أو مجموعة بحوث لدراستها وتنزيلها على مستجدات الواقع؛ بسبب تغير الظروف من واقع إلى آخر وتسارع وتيرة التعاملات والمستجدات الاقتصادية. وهذا لا يعني عدم وجود قضايا مشتركة بينها، وهذا (وهذه) ما سيتمّ إيراد نماذج منها انطلاقا مما له صلة بالواقع؛ بصفتها نماذج لترتيب الأولويات في السيياسة الشرعية في الجانب الاقتصادي للدولة. لذا سيتم مناقشة ثلاث قضايا:

1.                تحفيز الشعب على العمل بدلا من توزيع الريع دون جهد.

2.                تنويع الموارد عوض الاعتماد على القطاع الواحد.

3.                توفير البدائل في سبيل إلغاء واقع الربا ونحوه.

المطلب الأول: تحفيز الشعب على العمل بدلا من توزيع الرّيع دون جهد

إذا كانت الدولة مكتفية من خلال مواردها الطاقوية وغير ذلك؛ فهل من الأولوية أن توزع خيراتها على أفراد الشعب دونما جهد منهم للإسهام في البلد؟ لكي يتضح الأمر؛ لابد من بيان المصالح والمفاسد في كلا الأمرين، ثم بيان وجه الأولوية بينهما، وقبل ذلك سيتم التطرق إلى حكم تأهيل الشعب وتحفيزه على العمل، وهذا من خلال بيان حكم العمل في أصل ذاته من خلال الأدلة.

الفرع الأول: حكم تأهيل الشعب للعمل وتحفيزه

والمقصود به كل ما يدعو الفرد إلى العمل والتكسب وزيادة الدخل القومي ويرفع من اقتصاد البلد. وهنا فيه رأيان:

الرأي الأول:

وإليه ذهب الغزالي، يرى بأن "الفقر أصلح لكافة الخلق وأفضل"([308])، و"فروض الكفايات [هي] الصناعات والتجارات [التي] لو تُركت بطلت المعايش وهلك أكثر الخلق، [أمّا] صناعة النقش والصياغة وتشييد البنيان بالجص وجميع ما تزخرف به الدنيا فكل ذلك كرهه ذوو الدين.. [و] يُستغنى عنها لرجوعها إلى طلب النعم والتزين في الدنيا"([309])، كما "هو مكروه أن يركب البحر للتجارة، لأنه من شدة الحرص"([310]).

ودليله:

من القرآن: "قوله تعالى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8]الآية وقال تعالى {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا} [البقرة: 273] [وجه الدلالة: أنه] ساق الكلام في معرض المدح ثم قدم وصفهم بالفقر على وصفهم بالهجرة والإحصار، وفيه دلالة ظاهرة على مدح الفقر"([311]).

من المعقول: أن "الفقير عن الخطر أبعد؛ إذ فتنة السراء أشد من فتنة الضراء.. وهذه خلقة الآدميين كلهم إلا الشاذ الفذ الذي لا يوجد في الأعصار الكثيرة إلا نادرا، ولما كان خطاب الشرع مع الكل لا مع ذلك النادر؛ والضراءُ أصلح للكل دون ذلك النادر؛ زجر الشرع عن الغِنى وذمّه وفضّل الفقر، [كما أنه] بقدر ما يأنس العبد بالدنيا يستوحش من الآخرة.." ([312]).

مناقشة الرأي الأول:

يرى الباحث أن القول بكراهة ما يرجع إلى الزينة والتنعم هو تضييق لواسع، لأن ذلك يندرج ضمن المباحات التي قال تعالى عنها: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] طبعا ما لم يقترن ذلك بالتفاخر أو منع حقوق الغير كالقرابة والمحتاجين.

أما الاستدلال على مدح الفقر بتلك(بتلكما.. أو بتينك) الآيتين فغير سليم، لأنّ سياق الآية (هو) للدعوة إلى الإنفاق ووصف لحالتهم التي تدعو للشفقة، ومعلوم أن الإنفاق لا يتم إلا ممن له مستوى من الغنى.

أما القول بأن بفتنة السراء ( كلام ناقص) فغير مُسلّم، لأن الفقر أيضا هو ابتلاء: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35].

الرأي الثاني:

وإليه ذهب السرخسي من الحنفية([313])، وابن العربي من المالكية([314])؛ يرى بأن "الكسب بقدر ما لا بد منه فريضة"([315])، وأنّ "سفر التجارة والكسب الكثير الزائد على القوت.. جائز بفضل الله سبحانه"([316])، وأن العبد "إن سعى في الأرض بالجد والعمل والعمارة لاستثمار ما سخّره الله في الكون؛ فإنه يكون مطيعا لله تعالى وعابدا له راجيا ثوابه، أما إن قصّر في ذلك فيكون عاصيا عرض نفسه للعقاب"([317]). ودليل هذا الرأي ما يأتي:

من القرآن الكريم: قوله تعالى: "{أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] والأمر حقيقة للوجوب، ولا يتصور الإنفاق من المكسوب إلا بعد الكسب وما لا يُتوصل إلى إقامة العبادة إلا به ولا يتوصل إلى إقامة الفرض إلا به يكون فرضا"([318]).

من المعقول: أولا؛ "أن الله تعالى أمر بالإنفاق على العيال من الزوجات والأولاد والمعتدات ولا يتمكن من الإنفاق عليهم إلا بتحصيل المال بالكسب وما يتوصل به إلى أداء الواجب يكون واجبا.

[وثانيا؛ أن] في الكسب نظام العالم، والله تعالى حكم ببقاء العالم إلى حين فنائه، وجعل سبب البقاء والنظام كسب العباد، وفي تركه تخريب نظامه وذلك ممنوع منه"([319]).

ويمكن أن يرد على استدلالهم بأنه لا يسلم كون الكسب سبب بقاء العالم، فهناك سنن وقوانين أكبر من ذلك.

سبب الخلاف والترجيح:

يرى الباحث من خلال ما تقدم بأن سبب الخلاف هو مقدار فرض الكفاية الذي يترتب عليه الوجوب، وكذا الاختلاف في فهم بعض النصوص.

والذي يميل إليه الباحث هو أن مقدار الكفاية أمر متغير، فقد يكون حد الكفاية بالنسبة لمجتمع ما في عصر ما؛ هو ما يكون به حياة الإنسان وكسوته ونحو ذلك من ضرورياته، أما بالنسبة لمجتمع آخر في وقت آخر يكون حد الكفاية أكثر من ذلك.

وبالنظر إلى الواقع المعاصر؛ فإن حد الكفاية لا يمكن تحديده بضروريات الفرد، بل يُنظر إليه على مستوى الدول، فلو اقتصر جميع الأفراد في دولة ما على ما يسد رمقهم وقوت يومهم؛ وتوقفوا عن العمل والإنتاج؛ لتَراجع ناتج الدخل القومي وقد تصل الدولة إلى المديونية، ثم إلى التبعية إلى الخارج؛ التي هي من أسباب الاستعمار غير المباشر؛ بالتدخل في شؤون الدولة وقوانينها وسياساتها.

كما أن من أهم مؤشرات قوةِ الدول اليوم قوةُ اقتصادها، وإذا كان واجبا على المسلمين إعداد القوة بدليل قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [الأنفال: 60] و"القوة" نكرة تعم جميع أنواع القوى؛ فهذا يدل على وجوب العمل لتحقيق ذلك.

و"الآثار الواردة في فضل الكسب وطلب الرزق؛ إنما لكونه الوسيلة الأهم في تحقيق مقصد حفظ المال من جهة تحصيل أسباب وجوده"([320]).

كما أن آيات الإباحة الشرعية؛ كقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ XE "ا:وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ"  جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية : 13]، تتنافى مع القول بالزهد عن الكون وتركه، بل تفيد الدعوة إلى استغلاله؛ وإن اقتضى الأمر الاستعانة بالبحث العلمي والعمل الدؤوب من أجل استكشاف ذلك الكون واستغلاله في إطار العبودية لله تعالى وخدمة الإسلام والإنسانية؛ بعيدا عن الفساد وتلويث البيئة واستغلال القوّة للتعدي على الضعفاء.

ومما يرجح هذا أيضا:

1.التخفيف عن قيام الليل؛ لأجل مصلحة التكسب؛ من خلال قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ XE "ا:وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ"  وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} الآية [المزمل: 20]، وفي الآية "التخفيف على المسلمين في قيام الليل"([321]) بسبب السّفر لكسب الرزق؛ مع عدم فوات المصلحة الأخرى بصفة كلية، ولم يقيد السفر لأجل ضروري الكسب.

2.مساواة العمل بغيره من أنواع الجهاد في سبيل الله: ومن ذلك ما روى أنس قال: غزونا مع رسول الله r  تبوكا فمر بنا شاب نشيط يسوق غنيمة له فقلنا: لو كان شباب هذا ونشاطه في سبيل الله كان خيرا له منها فانتهى قولنا حتى بلغ رسول الله r فقال: (أما إنه إن كان يسعى على والديه أو أحدهما فهو في سبيل الله XE "ح:إن كان يسعى على والديه أو أحدهما فهو في سبيل الله" ، وإن كان يسعى على عيال يكفيهم فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه فهو في سبيل الله -عز وجل-"([322]).

لأن المجاهد في صفوف القتال يحقق حفظ الدين من جانب العدم؛ برد العدوان، والمجاهد بالعمل لكسب رزقه ونفع عياله يحقق حفظ الدين من جانب الوجود لكن بطريق غير مباشر، لأن عفاف المسلم يمنعه عن الوصول إلى الحرام، كما أنه عندما يكفي مؤنته ستُكرَّس أموال المسلمين لما هو أكبر من ذلك؛ مما هو متعلق بالبنية التحتية للدولة وتقويتها.

وإذا كان العمل واجبا فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبالتالي يجب تأهيل الشعب وتحفيزه على العمل إذا كان يعاني من أزمة بطالة وعدم الاهتمام بقيمة العمل.

الفرع الثاني: أوجُه الأولوية

ويقصد به الموازنة والترجيح بين تأهيل الشعب وتحفيزه على العمل الذي تقدم رجحان وجوبه؛ وبين توزيع الريع دون جهد.

وسيتم هذا من خلال بيان الأولويات ذات الصلة، والمصالح والمفاسد والمقارنة بينها.

1.أولوية الإنتاج على الاستهلاك: يَذكُر مالك بن نبي أنّ "النسبة بين الإنتاج والاستهلاك –بخصوص الفرد في الدّولة- إما أن تكون متساوية أو يكون أحد الطرفين راجحا، والنبيّ r يرجّح جانب الإنتاج على الاستهلاك، وممّا يدلّ على هذا قضية المتسول الذي أتى يسأل يوماً، لكن أشار u على من حوله من الصحابة بأن يُجهِّزوا هذا الفقير ليحتطب، وأشار على الرجل بأن يحتطب ليأكل من عمل يده([323])"([324]).

وهنا فيه تقديم أولوية العمل على توزيع المال دون مقابل –في الحالات العادية-؛ الأمر الذي يؤدي إلى مجتمع مليء بالبطالة معرّض لأزمات اقتصادية ومشاكل اجتماعية.

2.مفاسد الاعتماد على الموارد الريعية دون جهد: باعتبار المآلات؛ فإنّ توزيع الريع دون جهد يسهم في تعويد المجتمع على التّـكاسل والبذخ وعدم بذل أيِّ جهد لتطوير البلد وتنمية اقتصاده من مختلف الجوانب؛ وبالتالي أي نقص في عائدات النفط ونحوه من مصادر الريع سيؤثر سلبا على اقتصاد الدولة، وبالتبع على مستوى المجتمع.

لذا فإن فقه الأولويات من منطلق السّياسة الشرعية يقتضي تقديم تنمية قيم العمل لدى المواطن وتأهيله وتدريبه؛ على إبقائه مستهلكا بصفة كلية، وقد "حث الفكر الاقتصادي الإسلامي على طلب العلم والتأهيل، لأن الجهل وقلة الخبرة بأساليب الإنتاج [ممّا] يؤدي إلى عدم الانتفاع بخيرات الطبيعة وطاقات الإنسان"([325]).

الفرع الثالث: وسائل لتحفيز الشعب على العمل

من أجل تجسيد أولوية الإنتاج على الاستهلاك في المواطن وتحقيق تحفيز الشعب على العمل؛ لابد من غرس بعض القيم وتصحيح بعص المفاهيم فيما يتعلّق بهذا الموضوع، فكما هو معلوم بأنّ "ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب"([326]).

ويمكن تلخيص هذه القيم والمفاهيم فيما يأتي:

1.      تنمية قيمة الإتقان والجِدّ: فإذا سادت ثقافة الإتقان في المجتمع؛ فالعامل في مصنعه سيحترم الأوقات ويسعى لتطوير مصنعه، والمعلم في مدرسته سيعمل كل ما بوسعه لتفوق الطلاب على جميع المستويات، والمسؤول في الإدارة سيعمل بجدٍّ وتفان لخدمة الصالح العام وهكذا يترقى المجتمع برمّته. وقد ورد معنى الإتقان في آيات كثرة لكن بلفظ الإحسان، كما في قول الله I: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ XE "ا:وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" }[البقرة: 195].

فهذا ترغيب في إجادة العمل وأدائه على أكمل وجه وأتمه، وفي ذلك أيضا قول المصطفى r: (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه XE "ح:إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" )([327]).

2.      تنمية قيمة الاهتمام بجميع الوظائف: فتُلاحَظ نسبة البطالة مرتفعة في بعض البلدان؛ وفي نفس الوقت توجد نسبة معتبرة من الوظائف الشاغرة، والسبب هو أنّ تلك الوظائف تنتمي إلى فئة الوظائف غير المرغوب فيها أو الدنيئة في نظر بعض المواطنين، وذلك كالزراعة والبناء ونحو ذلك([328]).

وهذا يقتضي أولوية تنمية قيم حبّ العمل في نفوس الأفراد، واحترام جميع الحرف والمهن، وهذا عن طريق مختلف الوسائل كالمنظومات التربوية ووسائل الإعلام وغير ذلك، مع الاهتمام بقيمة العامل وتوفير ظروف العمل المناسبة والمحترمة، والتقدير المادّي والمعنوي.

3.2.          

3.3.          

3.4.          

3.5.         علاقة الجدّ والإتقان وغياب الفساد بالتنمية الاقتصادية XE "ش:علاقة الجدّ والإتقان وغياب الفساد بالتنمية الاقتصادية"  والتقدم الحضاري([329].

وبهذا تظهر أهمّية تغيير القناعات في تأهيل الشعب؛ الذي يحتل الأولوية على توزيع الريع دون جهد. وتأهيلُ الشعب يشارك فيه كل من المدرسة والمسجد والجامعة والمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع.

المطلب الثاني: تنويع الموارد عوض الاعتماد على القطاع الواحد

"أغلب الدول الإسلامية هي دول ريعية، تعيش على تقاسم الثروات الطبيعية مع الشركات الأجنبية، أو على تحويلات أبنائها العاملين في الخارج، أو على المساعدات الأجنبية المشروطة والمقيدة"([330]).

وهنا سيتم الالتفات بنظرة مقاصدية إلى الأولويات في السياسة الشرعية بين الاعتماد على القطاع الواحد وهو موارد النفط؛ وبين تنويع موارد الدولة، ثم يتم تقديم بعض الحلول.

الفرع الأول: آثار الاعتماد على القطاع الواحد

إذا كانت الدولة تعتمد على مصدر واحد وهو ما تستفيد من صادراتها من بترول وطاقات مثلا؛ وحققت بذلك اكتفاءها الذاتي؛ فقد يكون لها من الوفرة والرخاء في وقت ما؛ لكنها في الحقيقة تبقى مرهونة بالدول المصنِّعة، كما يترتب على (هذا)عدّة مفاسد؛ منها:

ارتباط الدولة بأرباح النفط قد لا يضمن لها الاستمرار لمدة طويلة؛ خاصة في ظلّ تقلبات سعر النفط "التي من الصعب توقع ما ستؤول إليه، لارتباطها بمتغيرات داخلية وخارجية ومصالح سياسة"([331])، فإذا ما استمرّ انخفاضه إلى أسعار متدنّية فقد تقع الدولة في أزمة اقتصادية تبعا لذلك، فمثلا: "تراجع أسعار النفظ بنسبة 55% بداية من شهر سبتمبر2014؛ أدّى إلى أن تُواجه البلدان المصدرة للنفط في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى خسائر كبيرة في إيرادات التصدير والإيرادات الحكومية؛ لكنّ هذا يكون أقلّ بالنسبة للدول التي لديها هوامش وقائية في شكل أصول [بعملة] أجنبية"([332]).

"وعلى الرغم من وجود الاحتياطي النقدي فإنه إذا استمرّ هبوط الأسعار فسيترك آثارا سيئة؛ منها عجز الميزانية وارتفاع البطالة وتوقف البدء في إنشاء مشروعات جديدة، وقد يؤدّي إلى الاستدانة"([333]). وبهذا تظهر مفاسد الاعتماد على القطاع الواحد من عدة نواحٍ.

الفرع الثاني: أوجه الأولوية بين تنويع الموارد وبين أحادية القطاع

في تنويع الموارد مشقة من حيث التفكير في إيجاد بدائل محققة للأرباح ودراسة جدواها؛ لكن مصلحتها لها امتداد زمني أطول وأثر واقعي أعمق، ويظهر هذا فيما يأتي:

-       عدم استغلال الدولة لمختلف مواردها من أجل أن تتقوى بها يجعلها عُرضة للأطماع الدولية، كما وقع للدولة العثمانية وكما يقع اليوم، ولا شك أنّ ذلك يترتب عليه إضرار بضروريات الدين وما يترتب عليه من نفس ومال، لأن قوة الدولة يترتب عليه( عليها ) حفظ هذه المقاصد من جانب العدم، فتقديم المصلحة الدائمة على المصلحة المؤقتة يقتضي العمل على تنويع الموارد من تحقيق مقاصد الدين.

-       يتحكم في القرارات الدولية الاستراتيجية اليوم أصحاب الهيمنة والنفوذ، ومن أهمّ ما يُرشح لذلك هو القوة الاقتصادية، فإذا كانت الدولة تعتمد على القطاع الواحد فلا تتمكن من تبوء مكانتها في القرارات المصيرية للعالم؛ مما يؤدي إلى وجود سياسات غير عادلة في غياب القيم السياسية الإسلامية، وهنا تظهر مفسدة التخلّي عن واجب الانتفاع بتسخير الكون من أجل التّمكين في الأرض وتحقيق العبودية.

فاعتبار المآلات في السّياسة الشرعية يقتضي تنويع موارد الدولة بدلا عن التركيز على القطاع الواحد.

الفرع الثالث: من البدائل المتاحة

وبالإمكان تحقيق عدد من الموارد عن طريق الاستفادة من البدائل المتاحة حسب كل بلد وظروفه وما يتوفر عليه من إمكانات. و"الشرع لا يمنع الابتكار والإبداع في تصميم وصياغة العقود لتلبي الاحتياجات الاقتصادية، بل يشجع على ذلك، ولهذا جعل الأصل الحِل"([334]).

 والتطبيقات النبوية وكتب السّياسة الشرعية قد أمدّت بكثير من هذه البدائل، كما أنه من الواجب الاستفادة من العلوم الحديثة في ذلك ما لم تخالف نصوص الشرع أو مقاصده، فما لا يخالف الشرع ولم يرد فيه نص فإنه يرجع إلى المصلحة المرسلة القابلة للتغير وتُظهر صلاحية التشريع باختلاف الأزمنة والأمكنة والظروف. فعلى هذا يمكن التوصّل إلى عدد كبير من البدائل، ومن ذلك ما يأتي:

1.      توسيع نطاق القطاعات المشهورة من صناعة وزراعة: وقد أشاد الله I بحضارة داوود u، ومن أهمّ ما تميز به هذا النبي هو استغلال الحديد للصناعة، وأمَره I بإتقان صنع الدروع، وقال عنه: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ   أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ XE "ا:وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ   أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ"  وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}[سبأ: 10، 11]. كما أَلمحَ القرآن الكريم إلى الصناعات الجلدية في قوله سبحانه:  {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ XE "ا:وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ" }[النحل: 80]. وكلُّها شواهد على أهمّية العمل بمختلف قطاعاته.

2.      حوافز الاستثمار في الفقه الإسلامي: وقد وردت في السّياسة الشرعية "عدّة حوافز على الاستثمار؛ ومن ذلك التّشجيع على استصلاح الأراضي وزراعتها"([335]) الذي يُفهم من قوله r: (من أحيا أرضا ميتة فهي له XE "ح:من أحيا أرضا ميتة فهي له" )([336])، ومن ذلك أيضا ما يسمّى بالإقطاع، ويُعرّف بأنه: "منح الإمام لشخص من الأشخاص حق العمل في مصدر من مصادر الثروة الطبيعية التي يعدُّ العمل فيها سببا لتملكها أو اكتساب حق خاص فيها"([337])، "ويكون في الأراضي والمعادن، وهناك إقطاع تمليك وإقطاع استغلال"([338])، وغير ذلك من الحوافز على الاستثمار.

3.       إعادة التدوير بالنسبة للمواد المستعملة القابلة للاسترجاع، "وتظهر أهمّية ذلك في حماية البيئة؛ بالإضافة إلى الإسهام في الجانب الاقتصادي، فأظهرت دراسة حديثة بأنّ دولة مصر مثلا تُنتج سنويا 27مليون طنا(طن) من النفايات، تسترجع منها 90 ألف طن فقط"([339]).

وفائدة هذا –إضافة إلى الأهمية الاقتصادية- هي الإسهام في حفظ النفس من جانب العدم  بإزالة ما يهدد صحة الإنسان من مختلف الجوانب.

4.      توسيع استغلال الطاقات المتجددة: بمختلف أنواعها؛ من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأمواج وغير ذلك، "وقد أصبحت الطاقات المتجددة قادرة على المنافسة اقتصاديا، والمستثمرون يدركون قيمتها بشكل متزايد؛ بصفتها مفتاحا لتطوير أكبر، سيكون الخطة لأدوات تمويلية فعالة …"([340]).

5.      استثمار الطاقات البشرية العاطلة: فمن الأولويات في التعامل مع السجناء المجرمين أن يخصص لهم وقت للعمل للصالح العام؛ فيكونون بذلك موردا للدولة عوض أن يكونوا عبئا عليها؛ تنفق عليهم الأموال وهم في راحة ودعة تؤدي بهم إلى القلق والاضطرابات النفسية وربما الانحرافات بعد ذلك، "ففي بعض الدول يعدّ عمل السجناء من وسائل تأهيلهم، كما يتقاضون عليه أجرا، ويكون سببا لإنقاص مدة السجن عنهم، ومن الدول من اتخذت عمل السجناء وسيلة للتخفيف من أزمتها الاقتصادية"([341]).

6.        الموارد السياحية: بما تُوفره من خدمات وحَركية اقتصادية في مختلف القطاعات في الدولة، ومن إيجابيات السياحة([342]) أنها تسهم في "زيادة الدخل القومي، وبالتالي رفع مستوى معيشة الفرد من خلال زيادة العملات الصعبة، وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة،.. مما يفتح الباب أمام الاستثمارات السياحية سواء أكانت فنادق أم مطاعم أم معارض، وهذا بدوره سيوسع القطاعات الزراعية والصناعية"([343])

"ولم يتمّ التعرّف على دور السياحة في استقطاب العملة الأجنبية وتوفير فرص عمل محلية في دولتي أندونيسيا وماليزيا إلا في فترة الركود الاقتصادي مع الانخفاض البارز لأسعار النفط والسلع في بدايات الثمانينات؛ ممّا جعل السياحة من أهمّ المكونات من أجل إنعاش الاقتصادات الوطنية، ومنذ ذلك الحين تلقّت السياحة اهتماما بالغا من طرف هاتين الدولتين"([344]).

مسألة: الأولوية للمصلحة الاقتصادية أم للقيم الأخلاقية في السياحة

 XE "ف:الأولوية للمصلحة الاقتصادية أم للقيم الأخلاقية في السياحة" مع أهمية السياحة في كونها موردا اقتصاديا مهمّا، لكن من خلال الواقع والاستفادة من التجارب السابقة "ثبت أنّ للسياحة أثرا سلبيا على ثقافة المجتمع والتزامه وأخلاقه، وهذا من خلال دراسةٍ لواقعِ السياحة في دولة تايلند"([345])، وبالتالي هل الأولوية للجانب الاقتصادي للسياحة –كما تقدم- أم للجانب الأخلاقي؟

قد يُقال: بناء على قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح، وحفظ الدين مقدم على حفظ المال؛ كما تقدم في الفصل الأول؛ فيجب منع السياحة رغم ما فيها من موارد؛ لأجل الحفاظ على الدين والأخلاق.

لكن بالإمكان أن تكون ا        لسياحة وسيلةً دعوية؛ يتأثر من خلالها السياح بقيَم المجتمع وأخلاقه؛ عوضا أن يكونوا هم الذين يؤثرون فيه؟   قد يبدو هذا صعبا، لكن مع العمل على توفير وسائل؛ من مثل: متاحف تُشيد بحضارة الإسلام وقيمه، مطويات تعريفية بحقيقة الإسلام خلافا لما هو شائع عنه في وسائل الإعلام.. ونحو ذلك من الوسائل، فقد يكون ذلك سببا لاقتناعهم بهذا الدين؛ خاصة إذا رأوا في المجتمع والدولة قيم النظام واحترام الوقت والنظافة والإتقان ونحو ذلك من قيم الإسلام.

وقد جاء في الإعلان الإسلامي: "تشجيع السياحة الثقافية بصفتها شكلا من أشكال الحوار الثقافي والحضاري بين الشعوب،.. سعيا إلى التعرف المباشر على ثقافة الآخرين والتعريف بالثقافة الإسلامية وضمان الحضور في الفضاء الاتصالي العالمي"([346]).

وبهذا ينتفي التعارض الظاهر ويتمّ الجمع بين المصلحتين –حفظ الدين وحفظ المال- وزيادة، لأنّ حفظ الدين في الحالة الأولى من جانب العدم، بمعنى مجرد وقاية المجتمع من الانحراف، وإنما في الحالة الثانية كان فيه حفظ الدين من جانب الوجود أي بنشر الدين وتبليغه، وقد يكون من هؤلاء السياح من يُسهم في بلده في تصحيح الفكرة الخاطئة عن الإسلام، والحفظ من جانب الوجود مقدم على الحفظ من جانب العدم.

وبعدما تمّ إيراد نماذج من البدائل التي يمكن اعتمادها لتنويع الموارد؛ يظهر أنه بالإمكان إيجاد عدد كبير من البدائل التي يمكن أن تسهم في النهوض الاقتصادي، ولابدّ هنا من الرجوع إلى أهل الاختصاص في الاقتصاد وغيره؛ للتوصل إلى الأولوية في البدائل المتاحة من خلال دراسات الجدوى، مع الاستهداء بروح التشريع الإسلامي لتثمين ما هو مباح وتجنب الوقوع في المحظور؛ والقاعدة أنّ "الأصل في المعاملات والعادات الحل والإباحة فلا يحرم من المعاملات إلا ما حرمه الله ورسوله"([347])،

والنتيجة أن أولوية تنويع الموارد في العملية الاقتصادية بدلا عن الاعتماد على أحادية المورد ترجع إلى اعتبار المآلات وتحقيق ضروريات الدين من جانبي الوجود والعدم.

المطلب الثالث: توفير البدائل في سبيل إلغاء واقع الربا ونحوه

النّظام الاقتصادي العالمي اليوم قائم بصفة كبيرة على التعاملات الربوية في جانب المديونية والاستثمارات وغير ذلك. وقد حرم الله تعالى الربا في أكثر من آية؛ منها قوله I: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا XE "ا:اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا"  إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]. وفيما يأتي بيان بعض مفاسد الربا، ثم فقه الأولويات في التخلص منه، ثم نموذج لمدى نجاح تجارب النظام الاقتصادي الإسلامي.

الفرع الأول: مفاسد الربا وأثره على الاقتصاد

من حكم تحريم الربا –كما يرى الباحث- منع ما يترتب عليه من مفاسد على مستوى الجماعة، منها استغلال الفرد لحاجة الضعفاء، والتعويد على البطالة واستيفاء الربح دون جهد ولا مخاطرة.

فـ"الدّين في ظل الربا لا يحتاج لكي ينمو أكثر من مرور الزمن، أما الثروة فإن نموها يتطلب الكثير من الجهد والتضحية والمعرفة والإبداع، ونتيجة لذلك فإن المديونية تنمو بمعدلات أسرع من معدلات نمو الثروة والدخل؛ لتكون النتيجة في النهاية تدمير الثروة وانهيار الاقتصاد"([348]).

ومن مفاسد الربا "ما ظهر أثره اليوم من تضخم وأزمات اقتصادية؛ حينما يصير المال وسيلة وغاية في نفس الوقت؛ في غير ما وجودِ إنتاجٍ مادي من خلال ذلك، فيؤول الأمر إلى التضخّم والكساد والأزمات"([349]).

فيتّضح هنا بجلاء أنّ الإسلام يقدّم المصلحة العامة على مصلحة الفرد في حفظ ضروري المال من جانب العدم في منع الربا الذي يؤدي إلى المحق: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276].

الفرع الأول: وجه الأولوية وضرورة التدرج

يرى الباحث أن إحداث تغييرات كبيرة وسريعة في النّظام الاقتصادي من أجل تحويله إلى نظام غير ربوي؛ في غياب مدة كافية لإقناع رجال الأعمال بأهمّية النّظام البديل وفائدته؛ خاصة إذا لم يَخبُروا ميدانيا فاعلية ذلك النّظام؛ قد يؤدّي بهم إلى التخوف ثمّ نزع الثقة من ذلك النّظام الاقتصادي بصفة كلية؛ وبالتالي قد يؤدّي إلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج.

وهذا مفسدته أكبر من مصلحته، وفقه الموازنات يقتضي تقديم درء المفاسد عند غلبتها على المصالح.

ويرى الباحث أن فقه الواقع ومراعاة التدرج مما يقتضي توفير البدائل الاستثمارية التي لا تخالف الشرع؛ إمّا على شكل بنوكٍ معاملاتها مبنية وفقا للنظام الاقتصادي الإسلامي؛ بتوظيف كل ما تسمح به الشّريعة من تعاملات تُحقق مصلحة كل من طرفَي أو أطراف التعاملات ( الصواب : طرفي التعاملات أو أطرافها)  ، وإما على شكل نوافذ استثمارية –تتعامل وفقا للنظام الإسلامي- في البنوك التقليدية مع ضمان استقلاليتها عن التعاملات غير المشروعة.

وعندما تظهر فاعلية تلك التعاملات من مختلف النواحي على المستوى القريب والبعيد وتظهر منافستها؛ عند ذلك يكون الميل التدريجي إلى النّظام الاقتصادي الإسلامي.

الفرع الثاني: مدى نجاح تجارب النظام الاقتصادي الإسلامي

فمن التجارب التي "ركّزت على المبدأ الاسلامي في نظامها الاقتصادي؛ ما قامت به دولة ماليزيا، وقد استطاع نهجُها الاقتصادي المتميز أن يَخرج بها من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عصفت بدول جنوب شرقي آسيا في العام 1997م؛ حيث لم تخضع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعلاج أزمتها، بل عالجت المشكلة من خلال برنامج اقتصادي وطني متميز؛ عمل على فرض قيود مشددة على سياسة البلاد النقدية والسير بشروطها الاقتصادية الوطنية، وليس الاعتماد على الآخرين الذين يَبغُون استغلال أزمتها"([350]).

وتطرقت دراسة قُدّمت سنة 2009م؛ إلى "المقارنة بين ثمانية بنوك في ماليزيا يُقدَّم فيها كلٌّ من التمويلين التقليدي والإسلامي -وكانت المقارنة فيما يتعلّق بالربحية والسيولة النقدية والجودة- وتبيّن من خلالها أنّ أساليب التمويل الإسلامي بشكل عام قد تعادل أو تفوق أنظمة التمويل الرأسمالية من الجانب الكمّي، بالإضافة إلى أنّها تشجع على مستويات أعلى من العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي"([351]).

ومثل هذه التجارب تعطي إمكانية تقديم نموذج اقتصادي من منطلق إسلامي بالإمكان أن ينافس الأنظمة المعاصرة ويثبت جدواه، وقد "تمكنـت [ماليزيا] مـن تأسـيس بنية تحتية متطورة، ومن تنويع مصادر دخلها القومي من الصناعة والزراعة والمعادن والنفط والسياحة، وحقّقت تقدما ملحوظا في ميـادين معالجـة الفقـر والبطالـة والفسـاد"([352]).

 ومع ذلك لابدّ من الإشارة إلى أن "البنوك الإسلامية تمرّ بمشكلات عدّة؛ بعضها من خارج البنك؛ كالبيئة التي يتواجد فيها البنك والأنظمة التي تحكم نشاطه المصرفي، وبعضها من داخل البنك؛ كتساهله في بعض الأحكام الشرعية ووقوعه في الشبهات وتقليده المناهج المخالفة مما يفقده تميّزَه، كما أنّ خبراء الاقتصاد والسياسيين والفقهاء -كلّ بحسب تخصّصه- يُحصُون مشكلاتٍ على هذه البنوك"([353])، فهذه من العقبات التي ينبغي أن يُولى لها الأهمّية لمعالجتها.

وبناء على هذا؛ يتبين أنّ الأولوية بالنسبة للنظام الاقتصادي الإسلامي المراجعة الذاتية لِحلّ ما علق به من الإشكالات، ويكون هذا بالتنسيق بين علماء الفقه والاقتصاد الإسلامي وغيرهم من ذوي التخصصات الاقتصادية والإدارية الأخرى.

وبالموازاة يكون العمل بالتدرج من أجل توفير بدائل عن المعاملات الربوية وغير المشروعة، حتّى يتمّ التّخلّي بصفة كلية عن هذه المعاملات، والتحول إلى النظام الاقتصادي الإسلامي؛ مراعاة لفقه الأولويات في السياسة الشرعية الذي يقتضي التدرج.

المبحث الثالث: تطبيقات معاصرة لفقه الأولويات في الجانب الاجتماعي للدولة:

تنمية الجانب الاجتماعي للدولة والعناية به من أولويات السياسة الشرعية؛ ذلك أن كثيرا من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكّد عليه؛ بدءا من تكوين الأسرة وأحكامها، ثم حسن العلاقة بين أفراد العائلة وبين الأقارب وحسن الجوار، ثم تسوية قضايا الميراث، بالإضافة إلى وضعِ ضوابط للوقاية من الجرائم ومنع حدوثها،..

وفي هذا المبحث سيتم التطرق إلى نموذجين من أولويات الجانب الاجتماعي للدولة؛ وذلك فيما يأتي:

1.                تحسين المستوى المعيشي؛ بدل التركيز على العقوبات.

2.                تأهيل الفرد لبناء الأسرة قبل المتابعات القضائية.

وهي نماذج مختارة لصلتها بالواقع، وهناك أولويات كثيرة؛ لا يسع المقام للتطرق إليها جميعا، كما أن كل واقع وأولوياته.

المطلب الأول: تحسين المستوى المعيشي بدل التركيز على العقوبات

يظنّ البعض أنّ النّظام الإسلامي ينبني بصفةٍ أُولى على تطبيق الحدود لمنع الجرائم في المجتمع، وأدّى هذا إلى ممارسات باسم الإسلام؛ شوهته وقدمته على أنه دين تطرف وعنف ووحشية، فما هو ترتيب العقوبات الشرعية ضمن أولويات السياسة الشرعية؟ يناقش هذا المطلب قضية الترتيب بين تحسين المستوى المعيشي للأفراد وتطبيق العقوبات في السياسة الشرعية، ثم يقدم حلولا من شأنها أن تُسهم في تحسين المستوى المعيشي.

الفرع الأول: أوجه الأولوية بين العقوبات وتحسين المستوى المعيشي

ويتجلى هذا من خلال ثلاثة أمور:

1. قيمة الرحمة والعالمية: كما تقدم في القيم السياسية؛ تقتضي أن تكون الشريعة الإسلامية في خدمة الإنسان؛ ويكونَ من أهم أهدافها رفع المعاناة والمشاق عن الأفراد والجماعات، وفي هذا يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

وفي مقدمة ما يحقق ذلك تأمين ضروري النفس مما تقوم به حياة الإنسان من قوت وملبس ومسكن، والنصوص الشرعية تؤكّد ذلك.

وفي معنى ذلك يقول ابن حزم: "وفرْضٌ على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم،.. فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر، والصيف والشمس، وعيون المارة"([354]). واستدل على ذلك بقول الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ XE "ا:وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ"  وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: 26]، وقوله I: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ XE "ا:وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ"  وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36]([355]).

وفي شرح المنهاج للرملي([356]): "من فروض الكفاية على القادرين -وهم من عندَه زيادة على كفاية سَنة لهم ولممونهم- دفعُ ضرر المسلمين وأهل الذمة؛ ككسوة عار وإطعام جائع إذا لم يندفع بزكاة وبيت مال، وهل المراد بدفع ضرر من ذُكر ما يسد الرمق أم الكفاية؛ قولان أصحهما ثانيهما"([357]).

ومن الأحاديث التي تدعو إلى الرحمة والتكافل وتحسين المستوى المعيشي للمجتمع؛ ما رواه "عبد الرحمن بن أبي بكر-رضي الله عنهما- أن أصحاب الصُّفة كانوا أناسا فقراء، وأن النبي r قال مرة: (من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس)"([358]).

وأيضا ما ورد "عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما نحن في سفر مع النبي r  فقال رسول الله r: (من كان معه فضل ظهر، فليَعُد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له)، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حقّ لأحد منا في فضل"([359]). وهنا دور ولي الأمر في التوجيه إلى التكافل وتحسين المستوى المعيشي.

"ومع أنّ الفقهاء اختلفوا هل في المال حقٌّ سوى الزكاة؛ إلا أنهم متفقون على أنّ في المال حقَّ الوالدين إذا احتاجا إلى النفقة وولدُهما موسر، وحقَّ الزوجة والقريب وإن اختلفوا في درجة القرابة، وحق المضطرّ إلى القوت أو الكساء أو المأوى، وحق جماعة المسلمين في دفع ما ينوبهم من النوازل العامة التي تنزل بهم؛ كصدّ العدو ومقاومة الأوبئة والمجاعات ونحوها، فلا يخالف فقيه هنا بأنّ حق الجماعة مقدم على حق الفرد"([360])، وكلّ ذلك يثبت اهتمام السياسة الشرعية بالكفاية المادية([361]).

2. تقديم الحفظ من جانب الوجود على الحفظ من جانب العدم: فتأمين ضروريات الإنسان وتحسين مستواه المعيشي؛ مما يرجع إلى حفظ النفس من جانب الوجود، أما الحدود لمنع العدوان فترجع إلى حفظ النفس والمال والنسل من جانب العدم، والحفظ من جانب الوجود مقدم على الحفظ من جانب العدم، وهذا يؤكد أولوية تحسين المستوى المعيشي على تطبيق العقوبات.

لذا فأولويات السياسة الشرعية تقتضي عدم إجراء تلك العقوبات إلا بعد توفّر كل وسائل الالتزام الخُلقي، -ويندرج هذا ضمن الحفظ من جانب الوجود- مع غياب كل مبررات الجريمة([362])؛ إذ "كيف يمكن أن تُنجَز أحكام الحدود في مجتمع لا تكفي  (لعلها تكفى) فيه حاجات الناس الضرورية، بل تعيش فيه طبقات كثيرة في فقر مدقع، وفي مجتمع  استشرى فيه التبرج والاختلاط الفظيع، حتى باتت غواية الشيطان تراود ذوي الأحلام من الناس؟"([363]).

3. تحقق المناط: من الشواهد على أولوية تحسين المستوى المعيشي قبل التركيز على العقوبات؛ "إيقاف عمر بن الخطاب حدّ السرقة عام الرمادة"([364]) لعدم تحقق مناطه مع وجود المانع، فتوفير الكفاية المادية والرفع من مستوى المجتمع يعد من مسؤولية الدولة ومن فروض الكفايات على أبناء المجتمع القادرين؛ قبل التركيز على العقوبات.

لأنه "يشترط في السارق: أن يكون مكلفا وأن يكون مختارا"([365])، "والمحتاج إذا سرق ما يأكله في عام مجاعة فلا قطع عليه، لأنه كالمضطر"([366]). ولأن المقصد من العقوبة هو ردع المجرم لوقاية المجتمع من أضرار الجريمة، ولا يتحقق ذلك المقصد في ظل الاضطرار.

أما ما يقوم به بعضهم من محاولات لتطبيق الحدود في مجتمع ترتفع فيه نسبة الفقر والبطالة والجهل فليس من الصواب في ذلك، وهو مخالف لمقاصد الدين، "ففي الشرق الأوسط  [مثلا]؛ ارتقع معدل البطالة بين الشباب في عام2001م إلى 26.2%، وفي شمال أفريقيا 27%، أي أنّ أكثر من ربع الشباب عاطلون عن العمل"([367]). وقس على ذلك مما يجب العمل عليه قبل النداء بتطبيق هذه الأحكام.

الفرع الثاني: وسائل لتحسين المستوى المعيشي

أ‌-       التكافل الاجتماعي: "التكافل الاجتماعي في الإسلام يقوم على تصور متكامل ومترابط، وهو ذو صلة بعقيدة الفرد ومُثل المجتمع وعاداته وقيمه وأهداف الدولة، فنظام الإنفاق العام في الإسلام يتعدى بسموه التضامن الاجتماعي المادي، إلى التضامن الروحي والأخلاقي؛ ترسيخًا لمبدأ أخوة الإسلام ووحدة العقيدة بين أفراد المجتمع الواحد، لذلك كان تحقيق التكامل الاجتماعي واجبًا دينيًا على الفرد والمجتمع والدولة"([368]).

ومما يدل على ربط التكافل الاجتماعي بالعقيدة قوله تعالى:  {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ XE "ا:أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ"  (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون: 1 - 3] وجه الدلالة: "أنه تعالى جعل عَلَم التكذيب بالقيامة الإقدام على إيذاء الضعيف ومنع المعروف، يعني أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد لما صدر عنه ذلك"([369])، ويقول الرسول r:  ( ليس المؤمن الذي يشبع، وجاره جائع إلى جنبه XE "ح:لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ، وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ" )([370])، وهذا يؤكد وجوب التكافل الذي يؤدي إلى تحسين المستوى المعيشي.

ب‌-      تفعيل مؤسسة الزكاة: وهي من أهم الموارد التي لو تم تفعيلها وتنظيمها لكانت سببا في تحسين المستوى المعيشي لكثير من العائلات الفقيرة، ومن التجارب الناجحة في ذلك "مؤسسة الزكاة سيلانجور، ماليزيا؛ إذ كان لها أثر طيب، حيث صار مستوى المعيشة للفقراء والمساكين مرتفعا، وذلك بإعطائهم قروضا أو تجهيزات أو محلات ليفتحوا مشاريع تجارية أو زراعية أو صناعية، كما يتم تأهيلهم قبل ذلك ليكونوا في مستوى من المهارات التجارية والتربية الأخلاقية"([371]). ومثل هذه التجارب يمكن أن يُستفاد منها؛ مع مراعاة فقه الواقع والتدرج.

وبعد كلّ ما سبق يتبين أن تطبيق العقوبات في السياسة الشرعية يسبقه أمور، منها العمل على تحسين المستوى المعيشي للشعب، كما أنّ هناك وسائل مساعدة لتحقيق هذا الأخير.    ومسؤولية تحقيق الاكتفاء الذاتي ورفع المستوى المعيشي تقع في بعضها على الدولة والبعض الآخر على أفراد المجتمع المسلم.

المطلب الثاني: تأهيل الفرد لبناء الأسرة؛ قبل المتابعات القضائية

المحاكمات القضائية في المحاكم فيما يخص الأحوال الشخصية والمدنية؛ ترجع في بعضها إلى الجهل ونقص الخبرة في التعامل مع المشكلات من طرف الخصمين، ومن (إحدى : لاداعي لهذه الكلمة) مقاصد الشريعة في النكاح: السكينة وديمومة العشرة بالإحسان: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً XE "ا:َلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" } [الروم: 21] {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].

فالمشاكل الأسرية وكثرة حالات الطلاق في المجتمع مما يتنافى مع هذا المقصد، وتترتب عنها متابعات قضائية ومشاكل اجتماعية.

فإذا كان التأهيل الأسري ما قبل الزواج يتطلب جهودا وتكاليف إضافية، لكن بالإمكان أن يقلل من المشاكل؛ فكيف يمكن الترجيح في القضية؟

الفرع الأول: وجه الأولوية

- التأهيل الأسري يتطلب جهودا وأموالا لكن من ورائه مصلحة أكبر؛ وهي حفظ النسل وصيانة العرض، فالمصلحة الكبيرة تغتفر لأجلها المفسدة الصغيرة.

- ما يتمّ إنفاقه من الأموال لأجل المحاكمات قد يفوق ما يمكن أن يتمّ إنفاقه في التأهيل، وبهذا تدرأ المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى إن لم يمكن دفعهما جميعا.

- مصلحة النسل راجحة على مصلحة المال، وهذا يؤكد ضرورة التأهيل ولو ترتب عليه جهود ونفقات؛ مقابل ديمومة الأسرة وتحقيق مقاصدها.

- قاعدة اعتبار المآلات تقتضي فتح الذرائع إلى ما هو مطلوب شرعا، وهذا يقتضي من السياسة الشرعية عند كثرة الطلاق والمشاكل الأسرية الناتجة عن الجهل بالعلاقات الزوجية وفقه الأسرة- أن يُسنّ قانونٌ يقضي بخضوع الراغبين في الزواج إلى برنامج تأهيلي بهدف التكوين في كيفية إدارة الأسرة من مختلف النواحي النفسية والتربوية والاجتماعية والمادية..، وقبل ذلك الجانب الإيماني والفقهي للموضوع بالنسبة للمسلمين.

وبذلك يمكن أن تقلَّ كثير من حالات الطلاق التي تؤدي أحيانا إلى تشرد الأبناء وانحرافهم، وقد تنتهي بمشاكل عالقة في المحاكم.

الفرع الثاني: من التجارب المعاصرة

في دراسة أجريت في ماليزيا (2001-2005) ظهر بأن "الذين لم يخضعوا للبرنامج التأهيلي ما قبل الزواج من غير المسلمين كانت نسبة الطلاق لديهم في تزايد مقارنة بالمسلمين الذين خضعوا لذلك البرنامج"([372]).

"وأظهرت دراسة أخرى في الولايات المتحدة أن الأزواج الذين تلقوا تكوينا مسبقا قبل الزواج انخفضت إمكانية الطلاق لديهم بنسبة 30 % خلال  5 سنوات"([373])، "وأظهرت عدة دراسات أن نسبة النجاح والرضى عن الحياة الزوجية مرتفعة بصفة بارزة لدى الأزواج الذين اشتركوا في البرنامج التأهيلي ما قبل الزواج، وانخفض معدل الطلاق لديهم، وارتفعت الثقة الأسرية المتبادلة"([374]).

 وقس على الجانب الأسري؛ الجانب التأهيلي لتفادي الإشكالات في جانب التعاملات التجارية –من الجانب الشرعي والقانوني- حتى تقل الخصومات بين المتعاملين.

المبحث الرابع: تطبيقات معاصرة لفقه الأولويات في الجانب العلمي والإعلامي للدولة:

إذا كانت دولة الرسول r بدأت من الأمر بالتعلم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، ومرت بعد ذلك من خلال الدعوة إلى الله تعالى، إلى أن تحقق مجتمع متماسك ومتعاون، ودولة قوية يعدّ لها حسابها بين الأمم؛ فهذا يدلّ على أولوية العلم والدعوة في السياسة الشرعية.

ولهذا سيتطرق هذا المبحث إلى تطبيقات لنماذج بخصوص العلم والدعوة والتربية والإعلام؛ فكلها وسائل متداخلة ومتكاملة، وبينها تأثير متبادل.

وسيعالج هذا المبحث نماذج لفقه الأولويات في السياسة الشرعية في الجانب العلمي والإعلامي، وتتمثل هذه النماذج في النقاط الآتية:

-                   أولوية التربية على التركيز على علاج المظاهر.

-                   تطوير البحث العلمي؛ بدلا عن استيراد التكنولوجيا.

-                   أولوية التدرج الإعلامي عوض الإلغاء.

المطلب الأول: التربية قبل التركيز على علاج المظاهر

إذا كان في الدولة مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية وغير ذلك، فهل الأولى –من باب السياسة الشرعية- معالجة كل مشكلة على حدة علاجا مظهريا، أم الأولى التركيز على التربية والتعليم لعلاج مثل هذه المشاكل من أساسها؟ فيما يأتي بيان وجه الأولوية، ثم عرض لشيء من تجارب معاصرة.

الفرع الأول: وجه الأولوية

‌أ.       فعل النبي r: يلاحظ أن النبي r بدأ في دعوته –كما هو معلوم- من الدعوة إلى الله تعالى والإنذار باليوم الآخر، والتربية وتعليم الناس مكارم الأخلاق وعلاقة الإنسان بربه وبأخيه الإنسان، والنهي عن مساوئ الأخلاق والظلم والفساد: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2].

إلى أن تكوَّن مجتمع فاضل تسوده الرحمة والتكافل والإحسان، وهذا يدل على أولوية التربية عند النبي r لعلاج كثير من الانحرافات التي تُدرج أحيانا مع المشاكل المستعصية في واقع اليوم.

وقد لحظت عائشة t عنها هذا الأمر، وقالت عن تدرج القرآن الكريم ببدئه بالتزكية قبل الإلزام بالتشريعات: "إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا"([375]).

‌ب.     الموازنة: بين المصلحة الكبيرة التي تتحقق من التربية، والمفاسد التي تندفع به؛ مقارنة بإهمال هذا الجانب والاهتمام بإصلاح كثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والإدارية في الدولة؛ أغلبها يرجع إلى غياب تلك القيم، إذ مهما حاولت الدولة فرض الأنظمة والقوانين لمنع الفساد وتحقيق العدل؛ فسيقع التحايل عليها في ظل غياب القيم.

‌ج.      مراعاة السنن الكونية: بصفتها إحدى الضوابط في ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية-وقد تقدم هذا في الفصل الأول-؛ فمن سنن الله تعالى في التغيير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ XE "ا:إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" } [الرعد: 11] وتدلّ هذه الآية بمنطوقها([376]) أن الله تعالى "لا يغير ما هم فيه من النعم بإنزال الانتقام إلا بأن يكون منهم المعاصي والفساد"([377]).

وتدلّ بمفهومها([378]) أن تغيير واقع الناس نحو الأحسن لابدّ أن يسبقه تغيير ما بالأنفس من الأسوأ إلى الأحسن، وهذا يؤكّد أولوية التربية والرقي بالفرد من أجل علاج مختلف المشاكل.

الفرع الثاني: من التجارب المعاصرة

1. مدرسة النورسي: من التجارب المعاصرة التي ظهر فيها دور التربية والتوعية في نهضة الدولة والإسهام في علاج مشاكلها؛ "مدرسة سعيد النورسي([379]) في تركيا؛ التي كانت سببا في انتقال المجتمع التركي من دولة غارقة في الجهل والفقر والتخلف ومحاربة الإسلام؛ إلى صحوة فكرية واجتماعية، بل إن المد الإسلامي المعاصر في تركيا؛ فكريا وسياسيا وعلميا واقتصاديا وتربويا هو من ثمرات تلك المدرسة"([380]).  

وهذا كله بعد "[انهيار الدولة] إلى حضيض التمزق والتشرذم والتخلف السياسي والعسكري، والاقتصادي، والخواء الروحي"([381])، إلى جانب "إلغاء العمل بالشريعة، وترويج الخمور، وتفكيك الأسرة واضطهاد من يظهر منه التدين"([382]).

فقد بدأ النورسي بنفسه حتى غدا مثلا حيا لما يدعو إليه، وكانت حياتـه مع القرآن، وكذلك الخلّص من تلاميذه، وكان يعطي الأولوية للكيف قبل الكم في تربيته، ثم انتقل إلى الأسرة، فدعا المرأة إلى إحسان تربية الأولاد للصمود في وجه التربية الغربية، وبيّن مفاسد التبرج والميوعة،.. ثم انتقل إلى المجتمع، فحارب العجز والجزع والنفاق الاجتماعي ودعا إلى العناية بالمحتاجين بدلا عن الترف في الملذات. كما أولى اهتمامه لتنبيه العلماء ورجال الحكم بمسؤولياتهم وواجبهم، كما عمل على مزج العلوم الدينية بالعلوم الحديثة، وجعل العدو هو الجهل والفقر والتّفرّق والاستبداد([383]).

وليس المجال هنا لنقد مثل هذه التجارب، فكلٌّ يؤخذ منه ويُترك، لكن الأهم هو الاستفادة من الجانب الإيجابي للخبرات البشرية، فالذي يُستفاد من تلك التجربة هو البدء بالتربية قبل التركيز على علاج المظاهر من خمور وتبرج..

2. التجربة اليابانية: من التجارب التي ظهر فيها دور القيم والأخلاق في التقدم الاقتصادي والتكنولوجي "التجربة اليابانية، وقد كانت تلك الدولة بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية في حالة دمار شامل، وتمكنت خلال4,3  عقود فقط من تكوين قوة صناعية لتصير من ضمن الثمانية الدول الكبرى في العالم، ومن أبرز القيم التي أثمرت ذلك: العناية بالعلم، العمل الجماعي، الرقابة الذاتية، تقديس العمل، أهمية الوقت، نقل قيم الدين إلى ضمير يؤثر في السلوك؛ يرقى به عن الجشع والتسلط، ويحثه على العمل"([384]).

فدور الدولة هنا غرس هذه القيم من خلال المناهج التربوية والإعلام وغير ذلك.

مسألة: هل الأولوية للعمل السياسي أم للعمل التوعوي؟

والمراد بالعمل السياسي ما يخص العمل الحزبي والنقابي ونحو ذلك، والمراد بالعمل التوعوي ما يخص الدعوة إلى الله تعالى من خلال المساجد والمدارس ونحو ذلك.

غالب الأحكام الشرعية يتمّ تطبيقها من قبل الأفراد؛ كإقامة الشعائر من صلوات وأذكار وتلاوة القرآن، وكذا الالتزام بالصدق والأمانة وإتقان العمل وإقامة ( إقامة ماذا !؟) ، أما بقية الأحكام فيما يخص الجانب القانوني؛ فترجع إلى الدولة، وهذا يعني ضرورة التركيز على الجانب الدعوي التربوي؛ لأنّ صلاح الدولة نتيجة لصلاح أفرادها.

 ولهذا ركّز النبي r في دعوته أوّل الأمر على الجانب التربوي وتنمية القيم ولم يُغفل التخطيط والبحث عن فرص من أجل رفع الظلم وإقامة القسط في الأرض.

ولا يعني هذا إغفال العمل السياسي؛ بل هو من طرق اتخاذ الأسباب، فعندما يمارس الشرفاء السّياسة فذلك من أهمّ سبل تحقيق العدل وإقامة القسط الذي يهدف الوحي إلى تحقيقه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ XE "ا:وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ"  } [الحديد: 25].

فالأولوية لتنمية القيم في الإنسان، ثم يوضع في أي وظيفة أو مرتبة في المجتمع أو الدولة، وإلا فإن تم تدريبه على وظيفته دون أن ينمى فيه الجانب القيمي؛ فإنه ستظهر صفاته السيئة من ظلم وغش واعتداء وعنصرية؛ بعيدا عن كل القيم الإنسانية متى سنحت الفرصة وتوفرت الظروف.

ومع أنّ للجانب القانوني دوره في الالتزام إلا أنّه إن لم يصحبه تربية وتكوين فسيقع إما التمرّد المعلن على القانون للمطالبة بإلغائه، وإما التمرد غير المعلن بمحاولة التهرب منه متى سنحت الفرصة، وهذا انطلاقا من فقه واقع النفس التي ترغب في التحرر والبعد عن المشقات والالتزامات، وهنا تظهر أولوية التربية في السياسة الشرعية.

المطلب الثاني: تطوير البحث العلمي بدلا عن استيراد التكنولوجيا

إذا كان للدولة خياران؛ الأول: أن تنفق الأموال الطائلة في البحث العلمي من أجل تطويره، للإسهام في تحقيق الاستقلال الاقتصادي؛ بتوفير آلات تقنية وصناعية وزراعية.. للنهوض بالاقتصاد الوطني، الثاني: الاتجاه مباشرة إلى استيراد ما تُنجزه الدول الصناعية من آلات ومواد استهلاكية فأيُّهما أولى؛ انطلاقا من فقه الأولويات في السياسة الشرعية؟ فيما يأتي بيان وجه الأولوية في ذلك انطلاقا من فقه الأولويات في السياسة الشرعية، ثم عرض نماذج معاصرة لذلك.

الفرع الأول: أوجه الأولوية

1.      "الكثير من الدول الإسلامية أقبلت على شراء التكنولوجيا، ولم تسع إلى تعلمها، فكان موقفها من التقدم التكنولوجي موقف الزبائن وليس موقف المبدعين، بينما وقف غيرها من هذا التقدم موقف التلاميذ، فتعلموا وتقدموا وطوروا أنفسهم، ونافسوا القوى الكبرى، وفرضوا إنتاجهم، وحافظوا على تراثهم وتقاليدهم"([385]). وهذا يرجح تطوير البحث العلمي وإن ترتب عليه إنفاق أموال طائلة؛ مراعاة للمصلحة الكبرى.

2.      "الإنفاق الحكومي على البحوث الأساسية بالإمكان أن يحقق زيادة في المداخيل والإنتاجية على المستوى البعيد، كما أنّ هذه البحوث أحيانا تكون عالية التكلفة وغير مؤكدة النتيجة، وقد لا تظهر عوائدها إلا بعد سنوات"([386]). فالمصلحة الكبرى وإن كانت بعيدة مقدمة على المصلحة الشكلية الصغرى، لكن المشكل هو حينما تكون هذه البحوث نتيجتها غير متيقنة، وبالتالي فهي مصلحة ظنية، فهل يصح الإقدام على هذه النفقات الباهظة لأجل تلك البحوث مقابل مصلحة ظنية؟

فهنا لابد من مرجح آخر؛ ومن ذلك قضية الاستشراف؛ بحيث يُنظر لمستقبل الدولة فيما إذا أنفقت هذه الأموال؛ هل ستؤثر على قطاعات أخرى، وهل يمكن استرجاعها من مجالات أخرى.

3.      حينما لا توفر الدولة جوا للبحث العلمي وتشجع عليه أبناءها؛ فإنها لا تتمكن من استغلال ما لديها من كفاءات بشرية ومن طاقات متعددة وثروات معدنية..، كما أنها -بالتالي- بسبب عدم تمكنها من إنتاج التكنولوجيا؛ تستمرّ في استيرادها عوض أن يتمّ الانتقال من مرحلة الاستيراد إلى الإنتاج، وهذا طبعا يشكل أعباء اقتصادية إضافية على الدولة.

 لأنّ الكفاءات البشرية حينما لا تجد الجو المناسب والمساعد للإبداع والابتكار فإنها ستغادر بلدها، إلى بلاد توفر لها ذلك، "وتظل المنطقة العربية من أهم مناطق هذه الهجرة، ونسبة الكفاءات المهاجرة بالنسبة إلى العدد الإجمالي من المهاجرين تصل إلى 38% في لبنان، و9.4% بالجزائر، وعدد الأطباء المهاجرين27.265، واستقطاب الكفاءات في الدول المتقدمة لا يقتصر فقط على المهارات العلمية، ولكن يطال كذلك رجال الأعمال"([387]).

وهذا أيضا يرجح جانب العمل على تطوير البحث العلمي؛ للتمكن من استغلال ما سخر الله في الكون لتحقيق مقاصد الدين.

مسألة: هل يجب شرعا تعلم العلوم الحديثة والتقدم فيها

ويقصد الباحث بالعلوم الحديثة: العلوم التي هي نتاج الفكر البشري من خلال التجربة والممارسة، وترمي إلى تحسين حياة الناس من مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

والإشكال هو: هل العلوم الواجب تعلمها هي فقط ما يرتبط بالإيمانيات أو بأحوال الشعائر من صلاة وزكاة ونحوها، وبأحوال المعاملات من بيوع وإجارات وأحوال شخصية.. أم تشمل أيضا تفاصيل العلوم التي يطلق عليها "الدنيوية"؛ من تفاصيل الفيزياء والتكنولوجيا والطب والاجتماعيات والإنسانيات..؟

والعلوم الحديثة تختلف من عصر إلى عصر، لأنّ فكر الإنسان يتطور عبر تراكم الخبرات. والهدف من هذا الإشكال هو الإسهام في تحديد مرتبته ضمن الأولويات في السياسة الشرعية، وعلى إثر ذلك يظهر اهتمام الحاكم أو ولي الأمر بتلك العلوم. ويمكن القول بأن هذه العلوم تنقسم باعتبار وجوبها أو عدمه لدى الفقهاء السابقين؛ إلى علوم غير واجبة، وعلوم واجبة؛ على اختلاف بينهم في تحريم بعض العلوم أو إباحتها، وفيما يأتي التفصيل.

أولا: علوم غير واجبة

بل تتراوح بين الحرام والمكروه والمباح والمندوب.

"وعكس العلوم الشرعية علوم محرمة أو مكروهة، فالمحرمة كعلم الكلام والفلسفة.. والكيمياء وعلوم علم الطبائعيين([388])؛ إلا الطب فإنه فرض كفاية.. وأما علم النجوم الذي يُستدل به على الجهات والقبلة وأوقات الصلوات ومعرفة أسماء الكواكب لأجل ذلك فمستحب.. ومن المباح علم الهيئة والهندسة"([389]).

و"النفل: الذي هو من الفضائل لا الفرائض، وهو.. كالتعمق في دقائق الحساب وحقائق الطب"([390])، "وغير ذلك مما يُستغنى عنه ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر المحتاج إليه"([391]).

ثانيا: علوم فرض كفاية

"أما فرض الكفاية فهو علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا؛ كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين" ([392]).

و"الطب علم نظري.. وهو من فروض الكفاية، وكم من بلد ليس فيه طبيب إلا من أهل الذمة، ولا يجوز قبول شهادتهم"([393]).

سبب الخلاف في تحريم بعض العلوم، والترجيح:

يرى الباحث أنّ سبب الخلاف يرجع إلى اختلاف التصور نحو طبيعة بعض العلوم، وإلى الاختلاف في مقدار ما تقوم به الكفاية.

فمن اختلاف التصور لطبيعة بعض العلوم؛ نسبة بعض العلوم إلى السحر أو الإلحاد والشرك، لذا جاء في الفروق: "وأما خواص الحقائق المختصة بانفعالات الأمزجة صحة أو سقما نحو الأدوية والأغذية من الجماد والنبات والحيوان المسطورة في كتب الأطباء والعشابين والطبائعيين؛ فهذا من علم الطب، لا من علم السحر"([394]).

وقال الغزالي: "علم النجوم غير مذموم لذاته؛ إذ فيه قسم حسابي وقد نطق القرآن بأن مَسِير الشمس والقمر محسوب إذ قال عز وجل: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]، لكن المذموم منه ما يرجع إلى الاستدلال على الحوادث بالنجوم، فيؤدي إلى اعتقاد تأثير تلك النجوم.."([395])

ويميل الباحث إلى ترجيح الرأي القائل بوجوب تعلم العلوم الحديثة من فلك وطب وفيزياء وعلوم اجتماعية وإنسانية، وغير ذلك؛ مما هو وسائل لتحقيق المصالح ودرء المفاسد؛ على سبيل الكفاية، ودليله ما يأتي:

1. عموم الآيات: ويدلّ على وجوب تعلم العلوم الحديثة أدلّة كثيرة، منها الأمر بالعلم في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5].

وجه الدلالة: "قد حصلَتْ من ذكر التعليم بالقلم والتعليم الأعم إشارة إلى ما يتلقاه الإنسان من التعاليم؛ سواء كان بالدرس أم بمطالعة الكتب، وتحصيل العلوم يعتمد أمورا ثلاثة: أحدها: الأخذ عن الغير بالمراجعة، والمطالعة، وطريقهما الكتابة وقراءة الكتب؛ فإنَّ بالكتابة أمكن للأمم تدوين آراء علماء البشر ونقلها إلى الأقطار النائية وفي الأجيال الجائية، والثاني: التلقي من الأفواه بالدرس والإملاء، والثالث: ما تنقدح به العقول من المستنبطات والمخترعات"([396]).

وإذا كان "الأصل في الأمر الوجوب"([397])؛ فالأمر في الآية يبقى على حقيقته ما لم تصرفه قرينة، وطبعا؛ ينصرف الأمر في هذه الآية بصفة أولى إلى تعلم الوحي، لكنّ عموم الصيغة "اقرأ" لا تمنع دخول غيره؛ على أن يكون باسم الله تعالى {رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.

وقد وردت الإشارة في بعض السياقات القرآنية إلى بعض مجالات العلوم والصناعات الحديثة؛ كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] إشارة إلى التأمل في الكون ودراسته لاستكشافه والانتفاع به، وفي قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ XE "ا:وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ" } [النحل: 14]؛ وتقتضي توفير الوسائل من أجل الاستفادة من كنوز البحار ومنافعه؛ إذ لا يمكن الانتفاع من البحر بدون آلات ووسائل، وفي قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ XE "ا:وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ" } [الجاثية: 13] إشارة إلى استغلال كل الإمكانات المتوفرة في الأرض وفي الفضاء، ولعلّ كثيرا منها لم يتم اكتشافه إلى اليوم. فالأوْلى باسغلال ( باستغلال) هذه الإمكانات هو المسلم المخاطب بالوحي بصفة أولى.

وإذا لم تنصّ هذه الآيات صراحة على الوجوب، فقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] يُلزِم المسلم باتخاذ كل ما في وُسعه من الأسباب لتقوية الإسلام، وهذا يؤكد الوجوب، لأن "مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب"([398]).

2. اعتبار المآلات: يرى الباحث أنه من الأسباب التي أدّت إلى تخلف المسلمين عن ركب الصناعات والعلوم -ممّا جعلهم لقمة سائغة للأعداء- "الفتوى التي اعتمدت عليها الدولة العثمانية بتحريم الطباعة؛ من سنة 1455 إلى سنة 1727م؛ في دولة تمتد من شمال أفريقيا إلى إيران، ومن تركيا حاليا إلى الجزيرة العربية؛ في حين كانت أوربا منهمكة في اكتشاف آيات الله تعالى في كونه، ونشر المعرفة من خلال المطبوعات؛ مما أسهم في نهضتها وتفوّقها التكنولوجي؛ في حين غرقت الدولة العثمانية في الجهل والتخلف"([399]).

وامتدّ أثر هذا إلى الوقت المعاصر؛ إذ "حسب تصنيف شنغهاي للجامعات العالمية لسنة2015م؛ تقع أول جامعة عربية في الرتبة ما بين 150-200 من جامعات العالم"([400])، "ومع الجدل المحتدم حول جدوى هذه التصنيفات ومصداقيتها، فإنها صارت تسهم اليوم بوضوح في تطوير التعليم العالي وإعادة تشكيله وتحديد أهدافه"([401])، وفي دراسة لهذه التصنيفات سنة 2014م؛ تبين أنّ "تصنيف الجامعات العربية اليوم لا يعكس الريادة العلمية التي تبوأتها الحضارة الإسلامية لقرون، كما أن الفجوة العلمية الحالية بين الجامعات العربية ونظرياتها ( ونظيراتها) في الدول المتقدمة تستلزم تضافر جهود مختلف المتدخلين الحكوميين والمدنيين لتقليصها"([402]).

وهذا يؤكّد ضرورة مراعاة مقاصد الشرع وفقه الواقع والمآل في الفتوى عموما، وفي السياسة الشرعية بشكل أخصّ.

وأيضا "من أسباب انتكاسات أصحاب المشروع الحضاري الإسلامي أنّهم على وجه العموم يعتمدون على رؤية ذات صبغة عمومية متأتية من التعاليم الإسلامية الكلية، ولكنهم لا يقدمون مشروعهم مبنيا على التحليل العلمي للواقع وظروفه؛ تحليلا تستعمل فيه وسائل الإحصاء والتصنيف واستشراف المستقبل وحينما يُنزل المشروع الإسلامي إلى الواقع فإن هذا أيضا بحاجة إلى المتابعة بالبحث العلمي لرصد آثاره، وتتبع مآلاته؛ لتعديله وفق ذلك مراعاة للمصلحة"([403]). وبهذا ظهر وجوب الاستفادة من العلوم الحديثة، لأنها –بناء على ما تقدم- تندرج مقاصديا ضِمن مُكمّل ضروري الدين الكلي.

و"من معوقات البحث العلمي الفهم المغلوط بأنّ علوم الدنيا لا علاقة لها بالدين، وعلوم الشريعة هي التي يتعلق بها الثواب والعقاب، فصار المتخصصون في الطبيعة لا يهمهم كثيرا إن قصروا في البحث العلمي، فانخفضت إنتاجيتهم البحثية كمّاً ونوعا، ولم يدركوا أنهم مقصرون في حق دينهم وأمتهم، أما المتخصصون في علوم الشريعة فوظفوا أبحاثهم للترقية والربح المادي والشهرة –إلا من رحم الله-، فغابت عنها الأصالة والإبداع ومعالجة مشكلات المجتمع،.. إضافة إلى ما تبناه الطرفان من فصل بين الصنفين من العلوم"([404]).

فاعتبار المآلات -بناء على ما تقدم- يقضي بوجوب الاعتناء بالعلوم الحديثة وضروة توظيفها لقوة المسلمين، ويترجح هذا على استيراد التكنولوجيا الجاهزة.

الفرع الثاني: من التجارب المعاصرة

1.                ماليزيا: "في عام 1986م؛ اتخذت ماليزيا إجراءات من بينها التخطيط لجعل ماليزيا مركزا إقليميا لتكنولوجيا المعلومات. وقد ورد في الخطة: بناء مجتمع متقدم ومتطور وعلمي لديه نظرة مستقبلية، لا يمكن أن يكون مجتمعا مستهلكا فقط للتكنولوجيا، وإنما [يسهم] مساهمة فعالة في التقدم العلمي والتكنولوجي في المستقبل، وكان التحدي الأكبر هو تنمية الموارد البشري( ية)، فاتجهت إلى تطوير التعليم والمناهج، كما عملت على التوازن بين الخريجين ومتطلبات سوق العمل من مختلف التخصصات؛ تفاديا للبطالة([405]).

2.      الصين: "منذ عام 1978؛ قامت الصين بسلسلة من الإصلاحات على نطاق واسع في مجال العلوم والتكنولوجيا؛ مما أسهم في التقدم في مجال التعليم العالي، والبحث والتطوير. وفي عام 2010 تجاوزت الصينُ اليابانَ في إجمالي الدخل القومي؛ لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقد كانت السياسات الإصلاحية والابتكار من أهم العوامل في إنجازاتها الملحوظة"([406]).

ويلاحظ قضية التخطيط بصفة واضحة في هذا المثال، وهذا يؤكد إحدى ضوابط فقه الأولويات في السياسة الشرعية، كما تقدم في الفصل الأول، ثم كذلك دور الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي؛ في الاستقلال الاقتصادي. ويمكن الاستفادة من هذه التجارب مع مراعاة فقه الواقع وغيره من الضوابط؛ من أجل تحقيق دولة قوية تمكن لدين الله تعالى في الأرض، وتظهر صلاحية النظام الإسلامي.

المطلب الثالث: أولوية التدرج الإعلامي عوض الإلغاء 

"الإعلام من حيث مادته؛ هو الرسائل الإعلامية السمعية والبصرية المشاهدة والمقروءة، ومن حيث طبيعته؛ فهو نقل المعلومات والبيانات والأحداث من جهة الإنتاج والإرسال إلى جهة التلقي"([407]). وبهذا فالإعلام يشمل القنوات الفضائية والأنترنت والصحف والألعاب الإلكترونية

والإعلام وسيلة يمكن أن تكون طريقا إلى تحقيق مصالح كبيرة، أو إلى حدوث مفاسد كبيرة، فمن خلاله يمكن رفع وعي الشعوب بتنمية قيم المواطنة والعمل والإتقان؛ من أجل تحقيق مستوى عالٍ من التقدم والرّقي، كما قد يكون وسيلة لنشر الفساد والانحطاط ودعم التخلّف.

وفيما يأتي سيتم عرض لواقع الإعلام، ثم أوجه الأولوية في طرق التأثير فيه، ثم بعض الحلول انطلاقا من فقه الأولويات في السياسة الشرعية.

الفرع الأول: آثار الإعلام

لأهمية الموضوع وخطورته؛ فإن دراسات كثيرة تُعنى بخصوص "علاقة الإعلام وتأثيره على الأسرة والطفل، وعلاقة الإعلام بالخيارات والأولويات التي يحددها الفرد في الجانب الاقتصادي والثقافي..، وكذا علاقة الإعلام بالجريمة والعنف.."([408]).

وفيما يأتي بعض المعلومات عن واقع الإعلام:

-       "وسائل الإعلام توفر لجمهور المشاهدين التوقعات والأطر العامة التي على وفقها يفهمون العالم من حولهم"([409]). وعلى هذا فإذا كانت مادة الإعلام مدروسة ذات منحى إيجابي فستسهم إيجابا في نقل تصورات إيجابية عن الكون والحياة.. والعكس بالعكس.

-       "العديد من المؤسسات الإعلامية تنتهك المبادئ الأخلاقية الأساسية باستخدام الجنس والعنف أدوات لتسويق منتجاتها"([410]).

-       "تكشف الدراسات الاستقصائية الأخيرة عن حضور واسع للعنف في وسائل الإعلام، وعلاوة على ذلك فإن العديد من الأطفال والشباب يقضون قدرا هائلا من فائض وقتهم في وسائل الإعلام"([411]).

-       "تشير العديد من الدراسات إلى أن التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام يتعرض لها -بصفة أكبر- الأطفالُ والمراهقون؛ ممن لازالوا (مازالوا) في طور تشكيل مواقفهم وسلوكياتهم لمستقبل حياتهم؛ بالإضافة إلى ذوي اضطرابات أو محددات نفسية خاصة"([412]).

-       "الذكور أكثر تغيرا في مواقفهم بعد تعرضهم لصور ذات مغزى جنسي أو مرتبط بعنف؛ في حين أن دراسات أخرى تكشف عن التأثر السلبي أيضا في الجانب الأنثوي"([413]).

-       "على الرغم من الأثر الإيجابي للتلفاز على الأطفال بزيادة الرصيد اللغوي والحصول على معلومات من البرامج المفيدة؛ إلا أن مشاهدة التلفاز يزاحم الأنشطة الأخرى كالدراسة والتفاعل الاجتماعي؛ مما يؤثر سلبا على النمو الإدراكي، وهو أمر حاسم في تكوين رأس المال البشري لاحقا"([414]).

-       "حوالي 89% من ألعاب الفيديو تحتوي على مشاهد عنف، وفي دراسة للألعاب المفضلة لدى التلاميذ بين الصف 4-8؛ وُجد أن أكثر من نصف الألعاب المفضلة لديهم تدور حول العنف"([415]).

-       "تسعى العولمة ببعدها الثقافي إلى جعل نمط الثقافة الغربية هو المسيطر من خلال استخدام الإغراءات التي وفرتها التقنيات الحديثة بحيث تتجاوز الحدود، [وهو] ما يُعبر عنه بإرادة اختزال الآخر"([416]).

-       من سلبيات الإعلان التجاري أنه يحفّز الفرد على استهلاك ما ليس بحاجة إليه؛ بهدف تحقيق السعادة التي يصورها الإعلان في زيادة الاستهلاك مع الراحة، وهذا يلقي بأعباء على اقتصاد الدول التي تعطي الأولوية للعمل والتنمية وليس للاستهلاك، كما أنّ هذا يؤثر سلبا على عقيدة المسلم بأنّ السعادة في تحقيق عبادة الله تعالى([417]).

-       "تسهم وسائل الإعلام مثل الإذاعة والتلفزيون في محو الأمية في المناطق التي ترتفع فيها الأمية؛ أين(؟) يقل تداول المطبوعات"([418]).

بعد هذا العرض يظهر أنّ لوسائل الإعلام تأثيرات سلبية وأخرى إيجابية، لكن كيف يمكن التقليل من السلبيات ودعم الإيجابيات؛ تحقيقا لمقصد الشارع من تحقيق المصالح ودرء المفاسد؟ وفيما إذا كانت هناك إرادة من الدولة لإصلاح الإعلام؛ هل يمكن أن يتم ذلك من خلال حجب كل المواقع والفضائيات، والإبقاء على نوع محدّد منها وهو القرآن الكريم والبرامج الدينية مثلا؟

الفرع الثاني: أوجه الأولوية

- إذا كانت الخمر والميسر قد حُرّما لأجل غلبة ضررهما على نفعهما: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }[البقرة: 219]؛ فلا يصحّ قياس وسائل الإعلام عليهما وبالتالي تحريمها، لأن الخمر والميسر من طبيعتهما الضرر، ولا يمكن التخلّص منه بحال، أما وسائل الإعلام فبالإمكان إيجاد فرصٍ لتعديلها؛ بتقليل مفاسدها وزيادة منافعها ما أمكن.

بل أكثر من ذلك؛ يمكن أن تصير هذه الوسائل بعد ذلك أدوات لتحقيق مصالح ودرء مفاسد، وبالتالي ليس من الأولوية إلغاء كل أنواع الإعلام.

- لاشكّ أنّ محاولة حجب وسائل الإعلام دون إقناع سيترتب عليه مفاسد كثيرة في واقع اليوم الذي سيطرت فيه قيم الحريات الشخصية وحقوق الإنسان..، وبالتالي "قد يوصل هذا إلى احتقان وكبت ينتهي إلى ثورة شعبية هادمة للدولة"([419]).

- محاولة تجسيد الالتزام بالأحكام الشرعية إذا لم يسبقها توعية وتربية؛ فستكون مجرد مظاهر زائفة تتحين الفرص للكشف عن نفسها بأبشع صورة، فالقيم الأخلاقية من مثل الحياء والتعفف.. منطلقها ضمير ووازع داخلي واستشعار لمراقبة ربانية، وهنا ضابط التدرج في التربية قبل التشريع.

- ليست كل البرامج محرمة ما عدا الدينية التي تظهر في صورتها النمطية على شكل فتاوى أو استضافة شخصية أو نحو ذلك.، فهناك برامج هادفة؛ كالعلمية وغيرها، فإلغاء كل ذلك تضييق لما أحل الله، وبالتالي ليس من الأولوية التقدم عليه.

- الاقتصار على البرامج 'الدينية' قد يوحي  بأنّ الإسلام دين نظري أو مثالي؛ لا علاقة له بواقع الناس، وفي الحقيقة كما تقدم سابقا بأنّ الإسلام له امتدادات إلى العلوم بمختلف أنواعها، وإلى الاقتصاد والاجتماع والسياسة؛ للرقي بتلك المجالات ليتم توظيفها بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد، لذا انطلاقا من قاعدة سد الذرائع؛ ليس من الأولى الاقتصار على البرامج 'الدينية' فقط.

- انطلاقا من تقديم المصلحة الدائمة على المصلحة المؤقتة، والمصلحة الحقيقية على المصلحة الشكلية؛ يمكن إصلاح الإعلام عن طريق التدرج في التوعية، والانتقال بالبرامج الإعلامية مما هي عليه إلى ما ينبغي أن تكون عليه وفق خطط محكمة، ودراسات ميدانية نفسية واجتماعية..، للتّوصل إلى أحسن الوسائل والأساليب في ذلك؛  حتى يصير الجمهور هو الذي يرغب في مشاهدة البرامج الهادفة والمفيدة.

الفرع الثالث: مؤشرات وحلول

من المؤشرات الإيجابية أن البرامج الدينية –بغضّ النظر عن تقييم محتواها- تحوز المراتب الأولى في المتابعة من قبل الجمهور، ففي دراسة على عينة من طلبة بعض الجامعات الجزائرية سنة 2009م؛ تبين أنّ "البرامج الأكثر مشاهدة من قبل الشباب الجامعي عبر القنوات الفضائية هي البرامج الدينية؛ بنسبة 15.23%، ثم برامج الأفلام والمسلسلات في المرتبة الثانية بنسبة 14.53%"([420]).

ومن حيث القنوات الفضائية "فالمرتبة الأولى كانت لإحدى القنوات الإخبارية بنسبة 19.18%؛ في حين تحتل القناة الدينية المرتبة العاشرة بنسبة 4.88%، وبينهما قنوات ذات صلة بالأفلام وبالأطفال وشؤون المرأة، وبعضها متنوع.."([421]).

وهذا يؤكّد ضرورة التنويع في البرامج بحيث لا تتعارض مع الشرع؛ باستخدام "الأساليب المشوقة والوسائل السمعية البصرية، والتكنولوجيا المتطورة؛ بما يحقق ضرورة الدين.. ويؤكد كمال الإسلام وعدالة أحكامه، وإعجاز كتابه، وعظمة رسوله، وتوازن حضارته"([422]).

وما أحوج واقع اليوم إلى برامج تجمع بين الترفيه الذي يرغب فيه المشاهد، وبين التكوين العلمي والمعرفي في مختلف مجالات الحياة من علوم وأحياء وفضاء وصناعات،.. مع تقديم نماذج لشخصيات ناجحة في تلك المجالات؛ لتنمية الوعي لدى المواطنين وإذكاء روح البحث والاستكشاف في نفوسهم، من أجل تحقيق مقاصد الدين من اكتفاء ذاتي وتنمية للمجتمع،.. وبالمقابل درء الفساد الذي ينجم عن البرامج الهابطة التي تكون نماذجها شخصيات مرتبطة بالتفسخ الأخلاقي وغياب الهدف من الحياة، وهذه من صميم أولويات السياسة الشرعية المعاصرة؛ بالنظر إلى خطورة الإعلام ودوره.

 وقد أظهرت الدراسة السابقة على تلك العينة من الشباب الجامعي أنّ "أغلبية المبحوثين يرون أن ما يعرض عبر مواقع القنوات الفضائية العربية من برامج وحصص يتنافى أحيانا مع قيمنا داخل المجتمع، وذلك بنسبة 66.08%، وهناك من يرى بأن كل ما يعرض عبر هذه القنوات الفضائية العربية يتعارض كلية مع قيمنا الثقافية والدينية والاجتماعية، وذلك بنسبة 31.30%"([423])، وقريب من هاتين النسبتين ما يتعلق بمواقع الأنترنت([424]).

ويرى الباحث أنه ليس كل ما في هذه القنوات الفضائية ومواقع الأنترنت يتعارض كليا مع القيم الإسلامية، لكنّ معرفة هذه الإحصاءات يعدّ ( تعدّ) من فقه الواقع؛ إذ "لابد للحاكم من فقهٍ في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس"([425])، وهذه المعرفة تعطي مؤشرات عن مدى تقبل الناس للأوضاع الجديدة، وهذا مما يساعد في استشراف مآلات التصرفات التي يتمّ التخطيط لاتخاذها في سبيل تحقيق إعلام هادف ومؤثر.

وبالنظر إلى الواقع؛ فإنّ المشكل في الإعلام اليوم أنّ المشاهِد هو الذي يحدّد ما يرغب في تلقيه؛ هذا إذا كانت الوسيلة الإعلامية ترغب في الانتشار والتوسع، وهذا يتطلب تهذيب أذواق الجمهور ليطلبوا ما فيه المنفعة ولا يخالف الشرع –خاصة إذا كان في وسط بعيد عن الالتزام-. وإذا كان تهذيب الأذواق وسيلته التربية، ومن أهم وسائلها الإعلام؛ فسيعود الأمر إلى الدور؛ أي تربية المواطن عن طريق الإعلام، لكن الإعلام لا يمكن أن يرقى إلا بعد رقي المواطن! وهذا أيضا يؤكّد ضرورة التدرج والمرحلية.

وانطلاقا من وجوب التخطيط واتخاذ الأسباب؛ فتحقيق الإعلام الموافق لمقاصد الشرع يتطلب "إعداد إعلاميين.. في كل المجالات وعلى كل المستويات؛ قادرين على أن يمثلوا الإسلام، ويمثلوا العصر بإمكاناته الهائلة، [وهذا نفسه بحاجة] إلى من يكتب النص ومن يحوله إلى حوار (سيناريو)، ومن يخرجه ومن يمثله، ومن يصوره ومن ينقله. وهذه أمور ليست بالسهلة، وفيها عقبات.. يجب العمل على تذليلها، ولو بقبول المرحلية فيها، ووضع خطة محددة الأهداف، بيّنة الوسائل، معروفة المراحل؛ لاستكمال الناقص وإتمام البناء"([426])

والأَولى بالذين تابوا من الإعلام الماجن ألا يعتزلوا هذا المجال ويتركوه لغيرهم، بل أن يوظفوا قدراتهم ومواهبهم والفرص المتاحة لهم في إعلام هادف ومؤثر، وتوجد نماذج من هذا النوع.

فالإسلام لا يتنافى مع الفن بمعنى الجمال والذوق الرفيع، والله تعالى يُلفت إلى الجمال في كثير من المواضع، منها قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف:7]، وقوله: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7]، كما أنّ الحب غير مذموم لذاته، كما يتحدث عنه القرآن في سياقات كثيرة، وينصّ على المودّة في سياق العلاقات الزوجية: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، لكن المذموم هو التفسخ والتعري والتحلل من القيم، لذلك شرع سبحانه أحكاما شرعية تضبط الأسرة والمجتمع.

"والحقيقة أنّ الفنّ في ذاته كالوعاء؛ يمكن أن يملأ بالخير كما يمكن أن يُملأ بالشر،.. وفي القرآن الكريم إقرار بالتذوق الفني لخلق الله في السماء والأرض،.. فالمهم إذن في الموقف من الفن هو المحتوى الذي يكون عليه، والأثر الذي يؤول إليه، وعلى ذلك فإنه قد يكون سببا من أسباب القربى إلى الله، كما قد يكون سببا من أسباب العصيان،.. ولا يخفى ما في الفن السليم من ترقية لذات الإنسان في خصاله الروحية، فهو يرقق العواطف، ويحث على التواصل..، وحينما يُداخل حركة التعمير في الأرض فإنه يرشّدها نحو الخير ويدفعها عن معاني التخريب والتدمير"([427]).

بعد عرض نماذج لترتيب الأولويات في الجانب الدعوي والإعلامي؛ يتبين أن السياسة الشرعية تولي أهمية كبيرة للبناء الفكري؛ عن طريق التربية والرقي بالتعليم، أما الإعلام فهو وسيلة تندرج ضمن الوسائل التي تتخذها السياسة الشرعية من أجل تحقيق المصالح ودرء المفاسد، ولا يتمّ ذلك إلا بمراعاة التدرج والتخطيط وفقه الواقع.

وبهذا يكون هذا البحث (يكون: مكررة) قد حاول تسليط الضوء على بعض الجوانب غير المتداولة من السياسة الشرعية، فإذا كان البعض يرى أنّ السياسة الشرعية تُساوي أحكام القتل والقطع والجزية والحروب؛ فهذا لغياب النظرة الكلية وعدم تقدير الظروف والأولويات، وفي الحقيقة هناك مجالات كثيرة أخرى؛ لها الأولوية؛ خاصة في الواقع المعاصر.

الخاتمة

وتتضمن:

1.نتائج الدراسة

 2.التوصيات

3.مقترحات.

1. نتائج الدراسة:

توصلت الدراسة إلى النتائج الآتية:

-     ترتيب الأولويات في السياسة الشرعية يكون عند وجود التزاحم بين الخيارات السياسية المتاحة، ويتم الترتيب عن طريق دراسة كل خيار في ضوء مقاصد الشريعة وفقه الواقع والمآل وسد الذرائع؛ مع مراعاة التدرج، والثوابت والمتغيرات في الشريعة الإسلامية، والقيم السياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار مقتضيات دراسة السنن الكونية، كما أن للعلوم الحديثة دورها في ذلك؛ انطلاقا من وجوب اتخاذ كل الأسباب من أجل تحديد أولويات التصرفات بناء على ذلك.

-  لتحديد الأولويات في السياسة الشرعية لابدّ من الاستفادة من نتائج الدراسات والعلوم الحديثة، ونفس الشيء بالنسبة للتجارب السابقة التي حققت نجاحا نسبيا في إحدى مجالات السياسة انطلاقا من البناء التراكمي للخبرة البشرية؛ لكن مع مراعاة متغيرات كل واقع وظروفه.

-  من مقتضيات فقه الأولويات في الجانب السياسي للدولة عدم التركيز على الشعارات بل الأولى العمل على تحقيق القيم السياسية الإسلامية وإظهار سماحة الإسلام وصلاحيته لقيادة البشرية، كما يقتضي العمل على تنصيب الكفاءات قبل محاسبة أصحاب الفساد.

-  من مقتضيات فقه الأولويات في الجانب الاقتصادي للدولة التركيز على بثّ روح العمل في الشعب وتأهيله وتنويع موارد الدولة عوضا عن التركيز على الموارد الريعية من نفط ونحوه؛ نظرا لما يترتب على هذا الأخير من مفاسد على المستوى القريب والبعيد.

-  التحوّل عن الاقتصاد الربوي يتم عن طريق توفير البدائل الاقتصادية غير المخالفة للشرع، وإثبات أولويتها على غيرها من خلال ما تحققه من نتائج اقتصادية واجتماعية؛ إعمالا لقاعدة التدرج في تطبيق الأحكام.

-     تُعنى السياسة الشرعية بتقديم تنمية الوعي -عن طريق التربية والتكوين- قبل الإلزام بالتشريعات.

-   تُولي السياسة الشرعية أهمية كبيرة لتنمية الدولة من الجانب الاجتماعي والاقتصادي، والاعتناء بالبحث العلمي من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

2. التوصيات:

في ختام البحث؛ يوصي الباحث بما يأتي:

1.      يوصي الباحث الحكومات بتعميم ثقافة فقه الأولويات في السّياسة الشرعية؛ وذلك عن طريق الجامعات والمدارس والصحافة والنوادي الفكرية وغير ذلك، وهذا كله من أجل توجيه الرأي العام وإقناعه بالقرارات الأصوب اتخاذها في كل ظرف؛ إذ لم يعد القرار بيد السّلطة فقط، بل للجماهير دور في ذلك، كما أن المجتمع المثقف الواعي بفقه الأولويات في السّياسة الشرعية؛ من شأنه ألا يقع في تطرفات تعود عليه سلبا؛ إن على المستوى القريب أو المستوى البعيد.

2.      كما يوصي الحكومات أيضا بإنشاء مراكز للدراسات تعنى بالسّياسة الشرعية، من مسؤوليتها أن تدرُس الواقع مستفيدة في ذلك من العلوم الحديثة، وتحدد الاستراتيجيات والأولويات التي ينبغي أن يسلكها المجتمع أو الدولة حسب متغيرات كل ظرف وعصر.

3.      يوصي الباحث العلماء وهيئات الإفتاء بضرورة الفتوى في القضايا السّياسية من خلال المجامع الفقهية استنادا إلى مراكز الدراسات المذكورة في النقطة السابقة؛ وهذا تجنبا للفتاوى التي تستند إلى جهد فردي يتسم بقصر النّظر ومحدوديته مهما بلغ من العلم والفكر، مما يؤدي إلى تضارب الفتاوى وتخبط المجتمعات، لأنّ مجال السّياسة يتسم بالتعقيد والتشابك وضرورة فقه الواقع والمآل بالنسبة للدولة على المستوى الداخلي والخارجي، وكل ذلك يستدعي دراسات واسعة من عدة تخصصات.

4.      يوصي الباحث المؤسسات التعليمية بانتقاء بعض الطلبة الموهوبين منذ المراحل الأولى، وتوجيههم والأخذ بأيديهم وتكوينهم علميا وشرعيا ومهاراتيا -عبر دورات وفعاليات ميدانية- من أجل تحمل المسؤولية والسعي بالمجتمع والبلد نحو التنمية والتطور ومواجهة التحديات؛ وفق استراتيجية واضحة وسلّم أولويات واعٍ ينطلق من نصوص الشّريعة ومقاصده الكبرى؛ ويراعي فقه الواقع والمآل وما إلى ذلك، ويوظف الدراسات والعلوم الحديثة.

3. مقترحات:

إتماما للفائدة؛ يقترح الباحث بعض الأبحاث لمن يأتي بعده من الباحثين، وهذا كالآتي:

1.                تطبيقات لفقه الأولويات في السياسة الشرعية على العلاقات الخارجية، وقد تكون رسالة دكتوراه، تتضمن ما يأتي:

-       أولويات في التعامل مع المنظمات الدولية بين المصالح والمفاسد، وكيفية التأثير في السياسة العالمية من خلالها؛ بهدف رفع الظلم ونشر السلام.

-                   الأولويات في التعامل مع اللجوء الإنساني بين الأعباء الاقتصادية، والقيم السياسية الإسلامية.

-                   مدى جواز الإمضاء على الاتفاقيات الدولية ولو خالف بعض بنودها مصلحة إسلامية، وأحكام التعامل مع القضية.

2.      أولويات في علاقة مؤسسات المجتمع المدني بالدولة؛ بين السماح المطلق الذي قد يترتب عنه استغلال تلك المؤسسات لأهداف غير مشروعة، وبين حظرها الذي قد يترتب عنه حرمان الدولة من فرص كبيرة لتطوير المجتمع من عدة نواحٍ، وهذا يتطلب دراسة مؤسسات المجتمع المدني وأنواعها، ثم دراستها بنظرة فقهية مقاصدية؛ للتوصل إلى نتائج بناء على واقع معين.

3.      دور الدراسات الإنسانية والاجتماعية في تفعيل الفقه الإسلامي، ويكون بمحاولة فهم الارتباط بين الفقه الإسلامي وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والعلوم السياسية وغير ذلك، ومدى إمكانية الاستفادة منها في تفعيل الفقه الإسلامي وتقديمه بلغة أقرب إلى الدقة، مثلا: دور علم النفس وعلم الاجتماع في قضايا الأسرة. مع التأكيد بأن هذه العلوم نفسها بحاجة إلى نقد وتمحيص في ضوء القرآن الكريم ومقاصد التشريع؛ إذ هي جهد بشري لا يزال يتطور ويتغير.

تفعيل فقه الأولويات في السياسة الشرعية على إحدى الجوانب الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإعلامية لدولة معينة في وقت معين، وتراعى فيها متغيرات ذلك الواقع.

([1]) الغنميين، أسامة عدنان، وآخرون، مسالك التّمكين في السّياسة الشّرعية؛ -الموازنة في المصالح والمفاسد-، (أصله بحث محكم في مجلة الجامعة الأردنية)، ط1، دار عمار للنشر، عمّان، الأردن، 2014م.

([2]) الكربولي، عبد السلام عيادة علي، فقه الأولويات في ظلال مقاصد الشّريعة، رسالة دكتوراه، كلية الفقه وأصوله، الجامعة الإسلامية، العراق، إشراف حسين الجبوري، ط1، دار طيبة، دمشق، 2008.

([3])  ملحم، محمـد همام عبدالرحيم، تأصيل فقه الأولويات وتطبيقاته في حفظ الدين في السّياسة الشّرعية، أصله رسالة دكتوراه بقسم الفقه وأصوله، الجامعة الأردنية، إشراف أ. د. محمد نعيم ياسين،­ 2006م.

([4]) رازي، نادية، فقه الأولويات ودوره في الحكم على القضايا السّياسية المعاصرة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، إشراف صالح بوبشيش، 2005-2006م.

([5]) رحال، علاء الدين حسين، ونهيل علي صالح، تأصيل الأولويات وكيفية تحديدها، بحث منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج2، عدد2، مايو2006م، ص129-159.

([6]) حساني، نور محمد، نظرية الأولويات في الشّريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه قسم الشّريعة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، تحت إشراف أحمد يوسف سليمان، 2006م.  

([7]) الوكيلي، محمـد ، فقه الأولويات، دراسة في الضوابط، سلسة الرسائل الجامعية، ط1، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن، فرجينيا، 1997م.

([8]) ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، (ت395ه)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، د.م، د.ط، 1979م، ج3، ص119، بتصرف.

([9]) الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، (المتوفى: 370هـ)، تهذيب اللغة، تحقيق عبد الحليم النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة، مصر، د.ط، د.ت، ج3، ص87، بتصرف.

([10]) المُطَرِّزِىّ، أبو الفتح ناصر الدين، (ت. 610هـ)، المُغرِب في ترتيب المُعرِب، تحقيق محمود فاخوري، عبد الحميد مختار، مكتبة أسامة بن زيد، حلب، ط1، 1979م، ج1، ص421، بتصرف.

([11]) رواه البخاري عن أبي هريرة بلفظ: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء)، البخاري، أبو عبد الله، محمـد بن إسماعيل، (ت.256ه)، الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله r وسننه وأيامه، [صحيح البخاري]، تحقيق محب الدين الخطيب، ط1، المطبعة السلفية، القاهرة، 1403ه، كتاب الأنبياء، باب ما ذُكر عن بني إسرائيل، حديث رقم3455، ج2، ص492.

([12]) ابن منظور، أبو الفضل محمد بن مكرم بن على الأنصاري، (ت.711هـ)، لسان العرب، تحقيق عبد الله علي الكبير وآخرون، دار المعارف، مصر، د.ط، د.ت، ج3، ص2150، بتصرف.

([13])  الكيالي XE "ع:الكيالي" ، عبد الوهاب وآخرون، موسوعة السّياسة، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، د.ط، د.ت، ج3، ص362.

([14]) المرجع السابق نفسه، ص362، 363.

([15]) المرجع السابق نفسه، ص363. ولم ينسب هذه التعاريف لأحد.

([16]) النعيمي، صلاح الدين محمد قاسم، أثر المصلحة في السّياسة الشرعية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2009م، ص122، بتصرف.

([17]) ابن القيم XE "ع:ابن القيم" ، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية، (ت. 751هـ)، الطرق الحكمية في السّياسة الشرعية، تحقيق نايف أحمد الحمد، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط1، 1428هـ، ج1، ص29.

([18]) النعيمي، أثر المصلحة في السّياسة الشرعية، مرجع سابق، ص122.

([19]) ابن القيم، الطرق الحكمية، ج1، ص29، ونسبه إلى ابن عقيل XE "ع:ابن عقيل"  الحنبلي (أبو الوفاء، علي بن عقيل بن محمد ابن عقيل البغدادي، (ت.513ه)، له كتاب فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة، وكتاب الفنون، وكتاب الجدل على طريقة الفقهاء، وغير ذلك) ولم يعثر الباحث على ذلك التعريف ضمن ما اطلع عليه من كتبه.

([20])  ابن نجيم XE "ع:ابن نجيم" ، زين الدين بن إبراهيم بن محمد المعروف المصري (ت. 970هـ)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، ط2، د.ت، ج5، ص67.

([21]) ابن عابدين XE "ع:ابن عابدين" ، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز الحنفي، (ت. 1252هـ)، رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، دار الفكر، بيروت، ط2، 1992م، ج4، ص15.

([22]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج5، ص76، مرجع سابق، بتصرف.

([23]) حاشية ابن عابدين، مرجع سابق، ج4، ص15.

([24]) المرجع السابق نفسه.

([25]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج5، مرجع سابق، ص11.

([26]) ابن خلدون XE "ع:ابن خلدون" ، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد، (ت. 808هـ)، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، تحقيق خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، ط2،1988م ج1، ص377.

([27]) ابن نجيم، البحر الرائق، مرجع سابق، ج5، ص76.

([28]) ابن نجيم، المرجع السابق نفسه.

([29]) ابن فارس،  أبو الحسين أحمد بن زكرياء القزويني، (ت. 395هـ)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، بيروت، 1979م، ج3، ص262، بتصرف.

([30]) الجرجاني، علي بن محمد بن علي الزين الشريف، (ت. 816هـ)، كتاب التعريفات، تحقيق جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1983م، ص127.

([31]) المرجع السابق نفسه.

([32]) عطوة، عبد العال أحمد (ت.1415ه)، نظام الحكم في الإسلام، سلسلة محاضرات، شعبة السّياسة الشرعية، المعهد العالي للقضاء، مصورة عن نسخة مرقونة، د.ن، د.م، د.ت، ص12.

([33]) خلاف، عبد الوهاب، السّياسة الشرعية، أو نظام الدولة الإسلامية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية، مطبعة التقدم، القاهرة، د.ط، 1977م، ص5.

([34]) عرف الآمدي XE "ع:الآمدي"  المصالح المرسلة XE "م:المصالح المرسلة"  بأنها "ما لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا إلغاء" (الآمدي، أبو الحسن علي بن أبي علي الثعلبي (ت.631هـ)، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، د.ط، د.ت، ج4، ص160).

([35]) يُنظر: النعيمي، أثر المصلحة في السّياسة الشرعية، مرجع سابق، ص119.

([36]) ابن فارس، مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج4، ص442، بتصرف.

([37]) الجوهري ، أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي، (ت.393هـ)، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1987م، ج6، ص2243.

([38]) الأصفهانى، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب (ت. 502هـ)، المفردات في غريب القرآن، تحقيق صفوان عدنان الداودي، دار القلم، دمشق،  ط1،  1412ه، ص642.

([39]) المرجع السابق نفسه، ص643.

([40]) الأزهري، تهذيب اللغة، مرجع سابق، ج5، ص263.

([41]) القرافي، أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي، (ت. 684هـ)، الذخيرة، تحقيق محمد حجي، وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1994 م، ج1، ص57.

([42]) الزركشي،  أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر (ت. 794هـ)، البحر المحيط في أصول الفقه، دار الكتبي، مصر، ط1،1994م، ج1، ص34. وأيضا: الخرشي، محمد بن عبد الله المالكي أبو عبد الله (ت. 1101هـ)، شرح مختصر خليل للخرشي، دار الفكر للطباعة، بيروت، د.ت، ج7، ص19.

([43]) ابن فارس، مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج1، ص158.

([44]) الجوهري، الصحاح، مرجع سابق، ج6، ص2531.

([45]) أحمد مختار عبد الحميد عمر،  بمساعدة فريق عمل، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، الرياض، ط1، 2008م، ج3، ص2497، ولم يردْ هذا اللفظ "الأولوية" –على حدّ اطلاع الباحث- في قواميس اللغة لدى السابقين.

([46]) رحال، علاء الدين حسين، ونهيل علي صالح، تأصيل الأولويات وكيفية تحديدها، بحث منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج2، عدد2، مايو2006، ص133.

([47]) ملحم XE "ع:ملحم" ، محمد همام عبد الرحيم، تأصيل فقه الأولويات، دراسة مقاصدية تحليلية، دار العلوم، الأردن، ط2، 2008م، ص41.

([48]) القرضاوي XE "ع:القرضاوي" ، يوسف، في فقه الأولويات، دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1995م، ص9.

([49]) يُنظر: رازي، نادية،  (2005/2006م)، فقه الأولويات ودوره في الحكم على القضايا السّياسية المعاصرة، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم الفقه وأصوله، جامعة الحاج لخضر باتنة، الجزائر، إشراف صالح بوبشيش، ص25.

([50]) الوكيلي، محمد، فقه الأولويات، دراسة في الضوابط، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا، ط1، 1997م، ص16.

([51]) يُنظر: النعيمي، أثر المصلحة في السّياسة الشرعية، مرجع سابق، ص119.

([52]) يُنظر: القرضاوي، في فقه لأولويات، مرجع سابق، ص9.

([53]) حسنة، محمـد عبيد، في تقديمه لكتاب الوكيلي، فقه الأولويات، مرجع سابق، ص ت.، بتصرف.

([54]) حسنة، المرجع السابق، ص . ث، بتصرف.

([55]) ابن عاشور XE "ع:ابن عاشور" ، محمد الطاهر بن محمد بن محمد التونسي (ت.1393هـ)، التحرير والتنوير، تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، الدار التونسية للنشر، تونس، د.ط، 1984مـ، ج28، ص148، بتصرف.

([56])  أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد ابن الفراء (ت.458هـ)، العدة في أصول الفقه، تحقيق أحمد بن علي بن سير المباركي، د.ن، ط2، 1410هـ، 1990م، ج2، ص419، ورَجّح هذا القول.

([57]) ممّن كتب في الموضوع: رازي، فقه الأولويات ودوره، مرجع سابق، ص27 – 35، ملحم، تأصيل فقه الأولويات، مرجع سابق، ص165-180، الكربولي، عبد السلام عيادة علي، فقه الأولويات في ظلال مقاصد الشّريعة، رسالة دكتوراه، كلية الفقه وأصوله، الجامعة الإسلامية، العراق، إشراف حسين الجبوري، ط1، دار طيبة، دمشق، 2008، ص39-250، الوكيلي ، فقه الأولويات، مرجع سابق، ص39-110.

([58]) يُنظر: الجصاص XE "ع:الجصاص" ، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي، (ت. 370هـ)، أحكام القرآن، تحقيق محمد صادق القمحاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ط، 1405ه، ج1، ص402.

([59]) ينظر: الجصاص، المرجع السابق نفسه، ج3، ص272.

([60]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج10، ص210.

([61]) العاني، عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي، (ت.1398هـ)، بيان المعاني، مرتب حسب ترتيب النزول، مطبعة الترقي، دمشق، ط1، 1965 م، ج5، ص309-311، بتصرف.

([62]) يُنظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج10، ج210.

([63]) يُنظر مثلا قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 83] وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء : 94] وقوله I: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد : 4].

([64]) يُنظر: ابن هشام، أبو محمـد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (ت.213)، السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق مصطفى السقا وآخرون، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، ط2،  1955م، ص308-316.

([65]) خطاب، محمود شيت، الرسول القائد، دار مكتبة الحياة ومكتبة النهضة، بغداد، ط2، 1960، ص187-193، بتصرف.

([66])

([67]) سيرة ابن هشام XE "ع:ابن هشام" ، مرجع سابق، ج2، ص498، 499، بتصرف.

([68]) الكربولي، فقه الأولويات في ظلال مقاصد الشّريعة، مرجع سابق، ص156، بتصرف.

([69]) الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه النيسابوري، (ت.405هـ)، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1990م، كتاب التفسير، باب تفسير سورة النساء، رقم3200، ج2، ص336، وقال فيه: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه".

([70]) الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت. 748هـ)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1993م، ج3، ص285، بتصرف.

([71]) تحقيق المناط "هو النظر في معرفة وجود العلة في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها" الآمدي، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي، (ت.631هـ)، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، د.ط، د.ت، ج3، ص302.

([72]) الأصبهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران (ت.430هـ)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، د.ت، مكتبة الخانجي، القاهرة، د.ط، 1996م، ج5، ص306.

([73]) الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، (ت. 310هـ)، تاريخ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمـد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط2، 1962، ج3، ص608، بتصرف.

([74]) الطبري، تاريخ الطبري، المصدر نفسه، ج3، ص609.

([75]) القوني، صلاح علي، روح التشريع بين الإسلام والغرب، إضاءة للفكر السياسي في الربيع العربي، أصله رسالة دكتوراه، كلية الآداب، قسم الفلسفة، جامعة دمنهور، مصر، تحت إشراف إبراهيم مصطفى إبراهيم، دار السلام، مصر ط1، 2013م، ص81، بتصرف.

([76]) ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد التونسي، (ت.1393هـ)، مقاصد الشّريعة الإسلامية، تحقيق محمد الطاهر الميساوي، دار النفائس، الأردن، ط2، 2001م، ص251.

([77]) رحال، تأصيل الأولويات وكيفية تحديدها، مرجع سابق، ص144، بتصرف.

([78]) ملحم، تأصيل فقه الأولويات، مرجع سابق، ص67، بتصرف.

([79])  يُنظر: ابن القيم XE "ع:ابن القيم" ، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية، (ت. 751هـ)، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1991م، ج3، ص13.

([80]) ممن كتب في المقاصد: الغزالي في المستصفى، الجويني في البرهان، الشاطبي في الموافقات، ابن عاشور في كتابه مقاصد الشّريعة، علال الفاسي في مقاصد الشّريعة ومكارمها، وغيرهم.

([81]) المصدر: من إعداد الباحث من خلال المصادر المتقدمة.

([82] (:ينظر Monteiro, Carlos Augusto et al, Increasing consumption of ultra-processed foods and likely impact on human health: evidence from Brazil, Public Health Nutrition, Vol.14, Issue 01, January 2011, pp 5-13

([83]) ابن عاشور، مقاصد الشّريعة، مرجع سابق، ص392، 393، بتصرف.

([84]) السَّوسَوة، عبد المجيد محمـد، فقه الموازنات في الشّريعة الإسلامية، دار القلم، دُبي، ط1، 2004 ، ص13.

([85]) العز ابن عبد السلام، عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام، (ت.660ه)،  القواعد الكبرى، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، تحقيق نزيه كمال حماد و عثمان جمعة ضميرية، دار القلم، دمشق، ط1، 2000م، ج1، ص53، بتصرف.

([86]) العز ابن عبد السلام، قواعد الأحكام، المرجع السابق، ج1، ص130.

([87]) الشاطبي XE "ع:الشاطبي" ، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، (ت. 790هـ)، الموافقات، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، السعودية، ط1، 1997م، ج5، ص300.

([88]) يُنظر: ملحم، محمـد همام عبد الرحيم، تأصيل فقه الأولويات، دراسة مقاصدية تحليلية، دار العلوم، الأردن، ط2،  2008م، ص192-389.، ولم يرد الباحث تكرار ما سبق، لكن حاول أن يقدم نماذج في الجدول الآتي (جدول رقم2.1).

([89]) الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي، (ت.505هـ)، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، د.ط، د.ت، ج1، ص16، بتصرف.

([90]) يُنظر: الشاطبي، الموافقات، ج3، مرجع سابق،  ص88-97.

([91]) يُنظر: ملحم، تأصيل فقه الأولويات، مرجع سابق، ص192-389.

([92]) يُنظر: الوكيلي، فقه الأولويات، مرجع سابق، ص197-280، وأيضا: القرضاوي، فقه الأولويات، مرجع سابق،  ص27-31، النجار، عبد المجيد، مقاصد الشّريعة بأبعاد جديدة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 2006م، ص252-266.

([93]) ابن سيد الناس، أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد اليعمري الربعي، (ت.734هـ)، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، تحقيق إبراهيم محمد رمضان، دار القلم، بيروت، ط1، 1993م ، ج2،  ص179.

([94]) المصدر: من إعداد الباحث، استخلصه من المراجع الخمسة الأخيرة.

([95]) يُنظر: أبو زيد، بكر بن عبد الله، مهذب حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية، تهذيب عبد الله عبد الرحمن التميمي، د.ن، د.م، د.ط، 1422ه، ص82-94.

([96]) عبد الخالق، عبد الرحمن، المسلمون والعمل السياسي، الدار السلفية، الكويت، ط2، 1986م، ص20، بتصرف، وقد نَقل هذا القول دون نسبته لقائل، ثم ردّ عليه.

([97]) زردومي، فلة، (2005، 2006م)، فقه السّياسة الشرعية للأقليات المسلمة، رسالة ماجستير غير منشورة، فقه وأصوله، جامعة العقيد الحاج لخضر باتنة، الجزائر، إشراف صالح بوشيش، ص274، بتصرف.

([98]) يُنظر: زردومي، السّياسة الشرعية للأقليات المسلمة، المرجع السابق، ص275، 278.

([99]) زردومي، السّياسة الشرعية للأقليات المسلمة، مرجع سابق، ص378، 379، بتصرف.

([100]) بوعود، أحمد، فقه الواقع أصول وضوابط، مطابع الراية، قطر، ط1، 2000م، ص44، بتصرف.

([101]) القرضاوي، يوسف، أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، مكتبة وهبة، مصر، د.ط،  د.ت، ص35، بتصرف.

([102]) ابن القيم، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج1، ج165.

([103]) البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، رقم1583، ج2، ص146.

([104]) عبد الرزاق، أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني، (ت. 211هـ)، المصنف، تحقيق  حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي، الهند،  ط2، 1403ه، ج10، ص238.

[105])) بِنعُمَر، محمد، من الاجتهاد في النّص إلى الاجتهاد في الواقع، (نحو مساهمة في تأصيل فقه الواقع)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2009م، ص75-77، بتصرف.

([106]) ينسب هذا لابن عباس، لكن –فيما اطلع الباحث من المصادر- يقول ابن عباس بعدم توبة القاتل، ومن ذلك قوله ".. وأنى له بالتوبة..": أحمد، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، (ت.241هـ)، مسند أحمد، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 2001م، كتاب ومن مسند بني هاشم، باب مسند عبد الله بن العباس، رقم2142، وقال المحقق: حديث صحيح رجاله ثقات.

([107]) يُنظر: النجار، عبد المجيد، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، الدار العربية للعلوم، بيروت، د.ط، 2005م، ص122، 123.

([108]) ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، مرجع سابق، ج1، ص184.

([109]) يُنظر: النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، مرجع سابق، ص122، 123، وفي هذا يقول ابن القيم: "نوعان من الفقه لا بد للحاكم منهما: فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس؛ يُميز به بين الصادقِ والكاذب، والمُحقّ والمبطل، ثم يطابق بين هذا وهذا؛ فيعطي الواقعَ حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجبَ مخالفا للواقع" ابن القيم، الطرق الحكمية، مرجع سابق، ص4.

[110])) القرافي XE "أعلام:القرافي" ، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن (ت.684هـ)، الفروق، أنوار البروق في أنواء الفروق، عالم الكتب، الرياض، د.ط، د.ت، ج1، ص314.

[111])) يُنظر: ابن القيم، الطرق الحكمية، مرجع سابق، ص206.  وفي ملتقى الأبحر: "يكره التسعير إلا إذا تعدى أرباب الطعام في القيمة تعديا فاحشا فلا بأس به بمشورة أهل الخبرة" الحَلَبي، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحنفي (ت. 956هـ)، ملتقى الأبحر، تحقيق خليل عمران المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1998م، ص214.

([112]) ومن الأدلة على وجوب اتخاذ الأسباب قوله تعالى في سياق رد العدوان: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، وسيأتي المزيد في مطلب الاستشراف والتخطيط.

([113]) الريسوني، أحمد، وباروت، محمـد جمال، الاجتهاد، النّص، الواقع، المصلحة، دار الفكر، دمشق، ط1، 2000م، ص67.

([114]) الشاطبي، الموافقات، مرجع سابق، ج5، ص177، 178، بتصرف.

([115]) الريسوني، الاجتهاد، مرجع سابق، ص67، بتصرف.

([116]) الجوهري، الصحاح، ج3، مرجع سابق، ص1211.

([117]) القرافي XE "أعلام:القرافي" ، الفروق، مرجع سابق، ج2، ص32.

([118]) النملة، عبد الكريم بن علي بن محمد، المهذب في علم أصول الفقه المقارن، (تحرير لمسائله ودراستها دراسة نظرية تطبيقية)، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1999م، ج3، ص1016، بتصرف.

([119]) الشاطبي، الموافقات، مرجع سابق، ج3، ص509.

([120]) سرار، سليم، نظرية روح التشريع الإسلامي وأثرها في استنباط وتطبيق الأحكام، أطروحة دكتوراه فقه وأصوله غير منشورة ، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، تحت إشراف سعيد فكرة، السنة الجامعية 2009-2010م، ص871، بتصرف.

([122]) عثمان، محمود حامد عثمان، قاعدة سد الذرائع وأثرها في الفقه الإسلامي، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1996م، ص391.

([123]) يُنظر: ابن عبد البر، التمهيد، مرجع سابق، ج2، ص128.

([124]) البريشي، إسماعيل محمد، سد الذرائع وعلاقته بالسّياسة الشرعية، بحث منشور في مجلة الجامعة الأردنية، دراسات، علوم الشّريعة والقانون، مج36، عدد 2، 2009م، ص492، بتصرف.

([125]) الغزالي XE "ع:الغزالي" ، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي، (ت.505هـ)، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، د.ط، ج4 ج3، ص137.

([126]) الشاطبي، الموافقات، مرجع سابق، ج5، ص177، 178.

([127]) البريشي، سد الذرائع وعلاقته بالسّياسة الشرعية، مرجع سابق، ص492.

([128]) ينظر: النجار، مقاصد الشّريعة بأبعاد جديدة، مرجع سابق،  ص275-282.

([129]) سعيد بن منصور، أبو عثمان، ابن شعبة الخراساني الجوزجاني، (ت. 227هـ)، سنن سعيد بن منصور تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، الدار السلفية، الهند، ط1، 1982م، ج2، ص210، بتصرف.

([130]) الشاطبي، الموافقات، ج2، مرجع سابق،  ص148.

([131]) نافع، بشير موسى، إسلاميون، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط1، 2010م، ص283، بتصرف.

([132]) أبو الريش، محمد إسماعيل، تاريخ التشريع الإسلامي، دار المعرفة الأزهرية، مصر، د.ط، 2003م، ص84.

([133]) يُنظر: أبو الريش، تاريخ التشريع الإسلامي، مرجع سابق، ص85-89.

([134]) صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، حديث رقم1395، ج2، ص104.

([135]) ابن عبد ربه، شهاب الدين أبو عمر أحمد بن محمد ابن حبيب ابن حدير الأندلسي (ت.328هـ)، العقد الفريد،  دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1404ه، ج1، ص39.

([136]) يُنظر: الجندي، أنور، الدعوة الإسلامية في مواجهة التحديات، د.ط، دار النّصر، القاهرة، 1991م، ص71.

([137]) المرجع السابق نفسه، بتصرف.

([138]) المرجع السابق نفسه، ص75، ونسبه إلى المستشار جمال المرصفاوي دون الإحالة على مصدر، ولم يعثر عليه الباحث فيما اطلع.

([139]) الجندي، أنور، الدعوة الإسلامية في مواجهة التحديات، ص75، بتصرف.

([140]) ينظر: الغنميين، أسامة عدنان، وغيره: مسالك التمكين في السّياسة الشرعية، -الموازنة في المصالح والمفاسد- (أصله بحث محكم في مجلة الجامعة الأردنية)، دار عمار للنشر، عمّان، الأردن، ط1، 2014م، ص29.

([141]) السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين، (ت. 771هـ)، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1991م، ج1، ص49.

([142]) الجزار، عمر لطفي، (2011م)، فقه التمكين وأثره في تطبيق الأحكام الشرعية، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم الفقه المقارن، كلية الشريعة، الجامعة الإسلامية، غزة، إشراف مازن إسماعيل هنية، ص68، 72، بتصرف.

([143]) الشاطبي، الموافقات، مرجع سابق، ج2، ص191، 192، بتصرف. 

([144]) عمارة، محمـد، سنة التدرج في الإصلاح، مقال منشور في مجلة حراء، مجلة علمية ثقافية فصلية، السنة الثالثة، عدد10، يناير-مارس2008م، ص40.

([145]) يُنظر: الغزالي، محمد، كيف نتعامل مع القرآن، دار نهضة مصر، الجيزة مصر،  ط7، 2005م، ص97-100.

([146]) الزحيلي، محمـد مصطفى، الثوابت والمتغيرات في الشّريعة الإسلامية، بحث مقدم لمؤتمر مكة المكرمة الثالث عشر: المجتمع المسلم، الثوابت والمتغيرات، تنظيم رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، 20-21/10/2012م، ص7.

([147]) المرجع السابق نفسه.

([148]) القرضاوي، محمـد يوسف، كيف نتعامل مع السنة النبوية، دار الشروق، القاهرة، ط2، 2002م، ص160، بتصرف.

([149]) في الخلاف في شأن حكم إجماع العلماء وفي صحته وثبوته، ينظر: السبكي، الإبهاج، ج2، ص394، الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، ج6، ص391، الشوكاني، إرشاد الفحول، 1، ص197.

[150])) خالد سليمان، الفقه السياسي الإسلامي، أصله رسالة دكتوراه بعنوان: قواعد الفقه السياسي، كلية الفقه وأصوله، جامعة بغداد، دار الأوائل، دمشق، ط1، 2003م، ص290، 291.

([151]) فيما يخص هذه الحادثة؛ يُنظر: الذهبي، تاريخ الإسلام، مرجع سابق، ج3، ص285.

([152])شريفي، محمد أمين،  (2012م)، اعتبار المآلات ومراعاة الخصوصيات في الاجتهاد والإفتاءات –دراسة أصولية في ضوء مقاصد الشّريعة- رسالة ماجستير غير منشورة، تخصص أصول الفقه، جامعة وهران، السانيا، الجزائر، ص222.

([153]) النجار، عبد المجيد، مراجعات في الفكر الإسلامي، دار الغرب الإسلامي، تونس، ط1، 2008م، ص140، بتصرف.

([154]) المرجع السابق، ص160، بتصرف.

([155]) النجار، مراجعات في الفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص145-147، بتصرف.

([156]) يُنظر: ظريفي، شير علي، الثوابت والمتغيرات، ماهيتها، أسبابها، ضوابطها، دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والفقه الغربي، أطروحة دكتواره  غير منشورة، فقه إسلامي، إشراف رمضان الحسنين جمعة، ومحمد ضياء الحق، قسم الشّريعة، كلية الشّريعة والقانون، الجامعة الإسلامية إسلام آباد، 2005، ص22، بتصرف.

([157]) ظريفي، المرجع السابق نفسه، ص73.

([158]) يُنظر: ظريفي، المرجع السابق نفسه، ص74، 76.

([159]) تم استخلاص الجدول من: ظريفي، الثوابت والمتغيرات، ص22-86، والنجار، مراجعات في الفكر الإسلامي، ص140-160.

([160]) صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضا مواتا، رقم 3534، ج3، ص70.

([161]) ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (ت.751هـ)، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة المعارف، الرياض، د.ط، د.ت، ج1، ص336، بتصرف.

([162]) العوا، عادل، مقدمة ترجمته لكتاب: جون بول رِزقبِر، فلسفة القيم، عويدات للنشر والطباعة، بيروت، ط1، 2001م، ص6.

([163]) رسلان، أحمد فؤاد، نظرية الصراع الدولي، دراسة في تطور الأسرة الدولية المعاصرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، د.ط، 1986م، ص149.

[164])) عبد الفتاح، إسماعيل، القيم السّياسية في الإسلام، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، ط1، 2001م، ص46.

([165]) ممن كتب في الموضوع: البنا، جمال، نظرية العدل في الفكر الأوربي والفكر الإسلامي، دار الفكر الإسلامي، القاهرة، د.ط، د.ت، ص175-137، تطرق إلى تعريف العدل وعلاقته بالحق من خلال القرآن، ثم آثار العدل في الإسلام ورد بعض الشبهات.

([166]) الصالحي، يوسف بن الحسن بن عبد الهادي الدمشقي ، (ت909هـ)، محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، تحقيق عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الفريج، مكتبة أضواء السلف، السعودية، ط1، 2000م، ج2، ص472، 473، بتصرف.

([167]) القرطبي، تفسير القرطبي، مرجع سابق، ج18، ص68، بتصرف.

([168] (Yuksel, Edip, et al, QURAN, A Reformist Translation, Brainbow Press, United States of America, 2007, P.352, بتصرف

([169]) عبد الخالق، عبد الرحمن ، الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي، الدار السلفية، الكويت، ط2، 1982م، ص14.

([170]) الأنصاري، عبد الحميد إسماعيل، الشورى بين التاثير والتأثر، مطابع الشروق، القاهرة، د.ط، 1982م، ص9.

([171]) عبد الخالق، الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي، مرجع سابق، ص23.

([172]) يُنظر: الرازي XE "ع:الرازي" ، فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن التيمي(ت 606هـ)، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير،  دار إحياء التراث العربي،  ط3، بيروت، 1420ه، ج9، ص409.

([173])  يُنظر: الجويني XE "ع:الجويني" ، إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف (ت. 478هـ)، غياث الأمم في التياث الظلم، تحقيق عبد العظيم الديب، مكتبة إمام الحرمين، ط2، 1401هـ، ص85-88.

([174])  الجصاص XE "ع:الجصاص"  XE "ع:الجصاص"  هو أبو بكر أحمد بن علي، ولد سنة 305ه، وسكن بغداد، وانتهت إليه رئاسة الحنفية، وله كتاب "أحكام القرآن" وشرح "مختصر" الكرخي وشرح "مختصر" الطحاوي وشرح "الجامع الصغير" وغيرها، توفي سنة 370ه. (ابن قُطلُوبغا، زين الدين أبو العدل قاسم السودوني الحنفي (ت. 879هـ)، تاج التراجم، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، دار القلم،  دمشق، ط1، 1992م، ص96.

([175])  الجصاص، أحكام القرآن، مرجع سابق، ج2، ص330.

([176]) يُنظر: ابن إسحاق XE "ع:ابن إسحاق" ، محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، (ت.151هـ)، سيرة ابن إسحاق (كتاب السير والمغازي)، تحقيق سهيل زكار، ط1، دار الفكر، بيروت، 1978م، ص324. والطبري XE "ع:الطبري" ، أبو جعفر محمد بن جرير، (ت. 310هـ)، تاريخ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمـد أبو الفضل إبراهيم، ط2، دار المعارف، مصر، 1962م، ج2، ص503.

([177]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج4، ص147، بتصرف.

([178]) ابن عاشور، مقاصد الشريعة، مرجع سابق، ص391.

([179]) البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد، (ت. 685هـ)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، [تفسير البيضاوي]، تحقيق محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1418هـ، ج5، ص308.

([180]) البيضاوي، تفسير البيضاوي، المرجع السابق نفسه، ج5، ص308، بتصرف.

([181])  يُنظر: عبد المجيد النجار، مراجعات في الفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص195، 196، 199.

([182]) بوزيدي، جمال، (2011/2012م)، دور سعر الفائدة في إحداث الأزمات المالية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، جامعة امحمد بوقرة، الجزائر، إشراف رشيد بوكساني، ومما ذكر فيها: "سعر الفائدة سبب ترابط الأزمات المالية فكل انخفاض له يعتبر تكوينا للأزمة، وكل ارتفاع له يمثل حدوث الأزمة التي تكونت". ص446.

)[183]( Drapper, John William, A History Of The Intellectual Development Of Europe, Printed By William Clowes And Sons, 1875, VOl.2, P.333. قال فيه: محمد هو الرجل الذي مارَس أكبر تأثير في البشرية.

([184]) الخزندار، سامي، في المنظور الحضاري، المنظمات الدولية، رؤية تأصيلية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ط1، 2001م، ص69، بتصرف.

([185] (Hackett, Conrad, et al, The Future of World Religions: Population Growth Projections, 2010­2050, PEW Research Center, Religion & Public Life, Washington, APRIL 2, 2015, P.15

([186]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج5، ص97.

([187]) الطبري، تاريخ الطبري، مرجع سابق، ج3، ص210.

([188]) ممن كتب في القيم السّياسية: إسماعيل عبد الفتاح، القيم السّياسية في الإسلام، والعلواني، طه جابر، القيم السّياسية العالمية في الخطاب القرآني.

([189]) مسعود، مجيد، التخطيط للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 73، يناير 1984م، ص7.

([190]) مؤسسة قدرات، دليل إعداد التخطيط الاستراتيجي بالمشاركة، تأهيل كوادر المنظمات الأهلية الأردني للبناء المؤسسي، ائتلاف مؤسسة الشرق الأدنى، د.ط، 2005م، ص8.

([191]) يُنظر: الفيلالي، عصام بن يحيى، وآخرون، التخطيط الاستراتيجي للدول، سلسلة إصدارات نحو مجتمع المعرفة، إصدار29، مركز الدراسات الاستراتيجية، جامعة الملك عبد العزيز، 2010م، ص17، 52.

([192]) لومباردو، توم، قيمة الوعي بالمستقبل، ضمن بحوث: الاستشراف والابتكار والاستراتيجية، نحو مستقبل أكثر حكمة، الاجتماع السنوي لجمعية مستقبل العالم2005م، ترجمة صباح صديق الدملوجي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2009م، ص448.

([193]) انظر: غوديه، ميشيل، وآخرون، الاستشراف الاستراتيجي للمؤسسات والأقاليم، تعريب: محمـد سليم قلالة، قيس الهمامي، الكونسارفاتوار الوطني للفنون والحرف، lipsor، مخبر الابتكار بالاستشراف الاستراتيجي والتنظيم، باريس، د.ط، د.ت.، ص36،37، ص36.

([194]) جوفنال، هوغ دي، دعوة إلى الاستشراف Invitation a la prospective،  ترجمة مبروك النماعي، دار سيناترا، المركز الوطني للترجمة، تونس، د.ط، 2008م، ص57، 58، بتصرف.

([195]) يُنظر: غوديه، الاستشراف الاستراتيجي للمؤسسات والأقاليم، مرجع سابق، ص47-53.

([196]) الرازي، تفسير الرازي، مرجع سابق،  ج21، ص495.

([197]) الشوكاني XE "ع:الشوكاني" ، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله، (ت. 1250هـ)، فتح القدير، دار ابن كثير، دمشق، ط1، د.ت، ج1، ص440.

([198]) يُنظر: زكي، رمضان خميس، مفهوم السنن الربانية في ضوء القرآن الكريم، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط1، 2006م، وممن كتب في ذلك أيضا: علي عبد الموجود القاضي، السنن الإلهية في الأنفس والمجتمعات.

([199]) يُنظر: تاريخ الطبري، مرجع سابق، ج3، ص225.

([200]) يُنظر: ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، (ت. 774هـ)، البداية والنهاية، د.ط، دار الفكر، بيروت، 1986م، ج6، ص311، الواقدي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي، (ت. 207هـ)، الردة مع نبذة من فتوح العراق وذكر المثنى بن حارثة الشيباني، تح يحيى الجبوري، بيروت، دار الغرب الإسلامي،

ط1، 1990 م، ص51.

([201])  وجد في التاريخ الإسلامي محاولات لتقنين الفقه، ومن ذلك مجلة الأحكام العدلية "أنشئت.. بعد توقف حرب القرم الأولى بين المسلمين العثمانيين والروس والتي أدت إلى بقاء جالية إسلامية ضخمة تحت سلطة الروس فطلبت السلطنة العثمانية من الكنيسة الأرثوذكسية في موسكو تقنينا واضحا لكيفية معاملة الرعايا المسلمين مما دفع الروس للرد بالمثل فأنشأ السلطان عبد المجيد لجنة من الفقهاء الحنفية مع مساهمين من المذاهب الثلاث الأخرى مراقبين لتقنين القضاء والأحكام الفقهية الإسلامية، [وهي] أول تدوين للفقه الإسلامي في المجال المدني في إطار بنود قانونية" (هواويني، نجيب، في مقدمة تحقيقه للمجلة: لجنة مكونة من عدة علماء وفقهاء في الخلافة العثمانية، مجلة الأحكام العدلية، تحقيق نجيب هواويني، نشر نور محمد، كارخانه تجارتِ كتب، آرام باغ، كراتشمجلة، د.م، د.ط، د.ت. ص1)

([202] ( يُنظر : Ettmueller, Eliane Ursula, Islam and Democracy, Astrolabio, Revista internacional de filosofía Año, Universitat de Barcelona, 2006, Núm. 3, P.28. ذكره في سياق حديثه عن كتاب علي عبد الرزاق، الإسلام وأصول الحكم.

([203]) لجنة مكونة من عدة علماء وفقهاء في الخلافة العثمانية، مجلة الأحكام العدلية، تحقيق نجيب هواويني، نشر نور محمد، كارخانه تجارتِ كتب، آرام باغ، كراتشمجلة، د.م، د.ط، د.ت. ص20.

([204]) المقصود بـ"فقهاء الإسلام سابقا" ونحوه هنا وفيما يأتي: الفقهاء الذين كانوا قبل سقوط الدولة العثمانية 1924م؛ إذ كان سقوطها نقطة تحول من دولة خلافة إلى مجموعة دول مستقلة عن بعضها كما هو حال اليوم.

([205]) التقسيمات الجغرافية للدول في الوقت المعاصر يرجع بعضها إلى ظواهر طبيعية كالسلاسل الجبلية، والبعض الآخر تمّ بناء على صراعات بين القوميات، وتنشأ عنه معاهدات لاتفاق بشأن الحدود، أما الدول العربية فلها –بالإضافة إلى ذلك- علاقة بالتقسيم الإداري للدولة العثمانية، والحركة الاستعمارية، واتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور1917م. ينظر: صافي، عدنان، الجغرافيا السّياسية بين الماضي والحاضر، مركز الكتاب الأكاديمي، الأردن، د.ط، د.ت، ص234-315، 330، 354.  والسرياني، محمد محمود، الحدود الدولية في الوطن العربي، نشأتها وتطورها ومشكلاتها، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، ط1، 2001م، ص28-58.

([206]) فريجة، حسن، علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية، مجلة المنتدى القانوني، دورية تصدر عن قسم الكفاءة المهنية للمحاماة، كلية الحقوق والعلوم السّياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، عدد6، أفريل2009م، ص19.

([207]) الكيالي وآخرون، موسوعة السّياسة، مرجع سابق، ج3، ص216، 217، بتصرف.

([208]) فتاح، شباح، (2007- 2008م)،  تصنيف الأنظمة السّياسية على أساس الفصل بين السلطات، دراسة حالة النّظام السياسي الجزائري، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الحقوق، قسم العلوم السّياسية، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، إشراف: رابح بلعيد، ص12، 13، بتصرف. 

([209]) الكيالي وآخرون، موسوعة السّياسة، مرجع سابق، ج3، ص216، 217، بتصرف.

([210]) ميلود، ذبيح، (2006م)،  مبدأ الفصل بين السلطات في النّظام الدستوري الجزائري، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم العلوم القانونية والإدارية، كلية الحقوق، جامعة العقيد الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، إشراف غضبان مبروك، ص15-20.

([211]) عودة، عبد القادر، الإسلام وأوضاعنا السّياسية، مؤسسة الرسالة، بيروت، د.ط، 1981م، ص238، 245، بتصرف.

([212] (Ishaque, Khalid M., Problems of Islamic Political Theory, in: Mumtaz Ahmed, State, Politics and Islam ,American Trust Publication, Washington, 1986, P.33.بتصرف

([213])  سيأتي تعريف الديمقراطية في الفرع الخامس، وقد ركز الباحث هنا على النظام الديمقراطي في مقارنته؛ لكونه النظام السائد اليوم.

([214]) للمزيد فيما يخصّ الفرق بين أساس الدولة بين الفقهاء السابقين وما هي عليه في الواقع المعاصر؛ يُنظر:الماوردي XE "ع:الماوردي" ، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري، (ت.450هـ)، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الحديث، القاهرة، د.ط، د.ت. ص50-99، 148. ضميرية، عثمان بن جمعة، السلطات العامة في الإسلام، المفهوم والعلاقة، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والإنسانية، مج3، عدد3، أكتوبر 2006م. الفنجري، أحمد شوقي، الحرية السّياسية في الإسلام، دار القلم، الكويت، ط2 ،1983م.،236-249. الهباش، محمد فاروق محمد، (2011م)،  النّظام السياسي في ضوء القرآن الكريم، دراسة قرآنية موضوعية، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم علوم التفسير وعلوم القرآن، الجامعة الإسلامية، غزة، تحت إشراف عبد الكريم حمدي الدهشان، ص216. ميلود، ذبيح، (2006م)، مبدأ الفصل بين السلطات في النّظام الدستوري الجزائري، رسالة ماجستير غير منشورة ، قسم العلوم القانونية والإدارية، كلية الحقوق، جامعة العقيد الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، إشراف غضبان مبروك، ص15-20. الكيالي وآخرون، موسوعة السّياسة، مرجع سابق، ج6، ص797.

([215])  القرطبي XE "ع:القرطبي" ؛ هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري، من أهل قرطبة، من كبار المفسرين، رحل إلى الشرق واستقر بمصر وتوفي فيها سنة 671ه، من كتبه " الجامع لأحكام القرآن، والتقريب لكتاب التمهيد؛ مخطوط. (الزركلي، الأعلام، مرجع سابق، ج5، ص322، 323 بتصرف).

([216]) القرطبي XE "ا:القرطبي" ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، (ت.671هـ)، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1964م، ج6، ص187.

([217])  ابن عاشُور XE "ا:ع" ؛ هو محمد الطاهر، (1296ه-1393ه)، رئيس المفتين المالكيين بتونس وشيخ جامع الزيتونة، له مصنفات من أشهرها: مقاصد الشريعة الإسلامية، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، التحرير والتنوير في تفسير القرآن. (الزركلي، خير الدين بن محمود بن محمد الدمشقي، (ت. 1396هـ)،  الأعلام، ط15، دار العلم للملايين، 2002م، ج6، ص174).

([218]) يُنظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج6، ص206، بتصرف.

([219]) الشافعي، أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس المكي، (ت. 204هـ)، الأم، دار المعرفة، بيروت، د.ط، 1990م، ج7، ص160.

([220])  يُنظر: الطبري، تاريخ الطبري، مرجع سابق، ج11، ص660.

([221]) الدولة المدنية منشؤها أن يتّحد عدد من الناس مكونين مجتمعا؛ يتنازل فيه الفرد عن سلطته التنفيذية؛ في ظل حكومة واحدة أو حاكم يتفقون عليه، فتُتاح للمجتمع السلطة في سنّ القوانين وتنفيذها وفقا للمصلحة العامة ورغبة الأغلبية، وينصّبُ فيه قاضٍ لفضّ المنازعات. يُنظر: لوك، جون، (ت.1704م)، الحكومة المدنية، ترجمة محمود شوني الكيال، مطابع شركة الإعلانات الشرقية، مصر، د.ط، د.ت، ص77، 83.

([222] (:ينظر  Abu Bakar, Ibrahim, The Religious Tolerance in Malaysia: [التسامح الديني في ماليزيا] An Exposition, Advances in Natural and Applied Sciences journal, American-Eurasian Network for Scientific Information,  7,1, 2013, P. 93,95.

([223]) ابن هشام، سيرة ابن هشام، مرجع سابق، ج1، ص503، 504.

([224]) الفراء، أبو يعلى محمد بن الحسين الحنبلي (ت.458ه)، الأحكام السلطانية، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ط، 2000م، ص32، بتصرف.

([225]) الفهداوي، الفقه السياسي الإسلامي، مرجع سابق، ص346. وتُعرّف وزارة التفويض بأنها "أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه، وإمضائها على اجتهاده" الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري، (ت.450هـ)، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الحديث، القاهرة، د.ط، د.ت، ص50.

([226]) أبو يعلا، الأحكام السلطانية، مرجع سابق، ص33.

([227]) القلقشندي، أحمد بن علي بن أحمد الفزاري، (ت.821هـ)، مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، ط2، 1985م، ج1، ص44.

([228]) المرجع السابق نفسه، ج1، ص45.

([229]) يُنظر: الجويني، إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، (ت.478هـ)، غياث الأمم في التياث الظلم، تحقيق عبد العظيم الديب، مكتبة إمام الحرمين، ط2، 1401هـ، ص62.

([230])  الجويني XE "ع:الجويني"  هو أبو المعالي عبد الملك ابن الإمام أبي محمد شيخ الشافعية، الملقب بإمام الحرمين (419ه- 478هـ)، تفقه على يد والده ثم سافر إلى بغداد، وكان يدرّس، ومن مؤلفاته: غياث الأمم في التياث الظلم، البرهان في أصول الفقه.  ينظر: الذهبي، الذهبي: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، (ت. 748هـ)، سير أعلام النبلاء، دار الحديث، القاهرة، د.ط، 2006م، ج14،  ص17.

([231]) الجويني، غياث الأمم، مرجع سابق، ص70.

([232]) التقسيمات الجغرافية للدول في الوقت المعاصر يرجع بعضها إلى ظواهر طبيعية، والبعض الآخر تمّ بناء على صراعات بين القوميات، أما الدول العربية فلها –بالإضافة إلى ذلك- علاقة بالتقسيم الإداري للدولة العثمانية، والحركة الاستعمارية.. وقد يتغير تحديد الشكل الجغرافي السياسي للعالم في هذا القرن بناء على الصراع بين الولايات المتحدة من جهة، وبين روسيا والصين وحلفائهما من جهة أخرى. ينظر: صافي، الجغرافيا السّياسية بين الماضي والحاضر، مرجع سابق، ص234-315، 330، 354.  والسرياني، الحدود الدولية في الوطن العربي، مرجع سابق، ص28-58.

([233]) النجار، مراجعات في الفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص177، بتصرف.

([234]) الكيالي وآخرون، موسوعة السّياسة، مرجع سابق، ج2، ص751.

([235]) الفدرالية XE "م:الفدرالية" : "نظام سياسي يفترض تنازل عدد من الدول أو القوميات الصغيرة في أغلب الأحيان؛ عن بعض صلاحياتها وامتيازاتها واستقلاليتها لمصلحة سلطة عليا؛ موحدة تمثلها على الساحة الدولية، وتكون مرجعها الأخير في كل ما يتعلّق بالسيادة والأمن القومي والدفاع والسّياسة الخارجية فتكثر الأنظمة الفيدرالية حيث يكثر التنوع القومي والإثني والديني" الكيالي وآخرون، موسوعة السّياسة، ج4، ص479.

([236] (Yuksel, QURAN, A Reformist Translation, مرجع سابق،  2007, P.312,بتصرف

([237])  الكيالي وآخرون، موسوعة السّياسة، مرجع سابق، ج4، ص179، بتصرف.

([238])  الحوالي، سفر بن عبد الرحمن، العلمانية، نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة، مطابع جامعة أم القرى، السعودية، ط1، 1981م، ص24، بتصرف.

([239](  ينظرIshaque, Politics and Islam, مرجع سابق،, P.27,28.

([240] (Barnett, Steven, What’s wrong with media monopolies? A lesson from history and a new approach to media ownership policy, Media LSE, London School of Economics and Political Science "LSE", London, 2010, P1.بتصرف

([241]) الليبرالية XE "م:الليبرالية"  هي  "نظرية في الممارسات السّياسية والاقتصادية تقول بأن الطريقة الأمثل لتحسين الوضع الإنساني تكمن في إطلاق الحريات والمهارات التجارية الإبداعية للفرد ضمن إطار مؤسساتي عام يتصف بحمايته الشديدة لحقوق الملكية الخاصة وحرية التجارة وحرية الأسواق الاقتصادية" هارفي، ديفيد، الليبرالية الجديدة، موجز تاريخي، ترجمة مجاب الإمام، د.ط، مكتبة العبيكان، الرياض،  2008م، ص13.

([242]) محضير بن محمد [مهاتير XE "ع:مهاتير" ]، موسوعة الدكتور مَحضير بن محمد رئيس وزراء ماليزيا، مج8، السّياسة والديمقراطية وآسيا الجديدة، ط1، دار الفكر، كوالالمبور، 2003م،  ص10، بتصرف.

([243]) المرجع السابق، مج8، ص11، بتصرف.

([244]) المرجع السابق، مج8، ص13.

([245]) الأمم المتحدة XE "م:الأمم المتحدة"  "هيئة دولة لصيانة السلام الدولي قائمة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول المحبة، السلام، وعضويتها مفتوحة لكل هذه الدول" (الكيالي، موسوعة السّياسة، ج1، ص315).

([246]) موسوعة الدكتور مَحضير بن محمد رئيس وزراء ماليزيا، مرجع سابق، مج8، ص15.

([247] (Ishaque, , State, Politics and Islam, مرجع سابق، P.29.

([248] (The Gallup Poll editorial staff, Islamic Views on Western Culture, GALLUP journal, Washington, D.C., MARCH 5, 2002, P1.بتصرف

((6 Housten, Samuel, Does Islam require a secular state?, Philosophy and Social Criticism, June 2011; vol. 37, 5, P.623.

([250])  الجليلدي، مصدق، الإسلام والحداثة السّياسية، بناء العلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، 2010م، ص38-41، بتصرف، وتطرق قبل ذلك إلى تجربة تركيا؛ ومدى إمكانية الاستفادة منها في دول أخرى مع تغير الظروف. (المرجع السابق نفسه، ص24-32).

([251] (Smith, husten, The religions of Men, 1st edition, Prennial Library, United States of America, 1965, P.243.

([252])  الفنجري، الحرية السّياسية، مرجع سابق،  38، 39.

([253])  يقول "جون بيليس" و"ستيف سميث"؛ من علماء السّياسة: "تعتبر إعادة النّظر في شأن الديمقراطية -كما يرى بعض المفكرين- المهمة الأولى التي تواجه النّظرية السّياسية اليوم" المؤلفان، عولمة السّياسة العالمية، ترجمة مركز الخليج للأبحاث، مركز الخليج للأبحاث، الإمارات، ط1، 2004م، ص62.

([254]) ابن هشام، السيرة النبوية، مرجع سابق، ص308-316.

([255])  الطبري، تاريخ الطبري، مرجع سابق، ج3، ص608. واستنادا إلى هذا الأثر وأدلة أخرى؛ أجاز القرضاوي أخذ ضريبةٍ تساوي الزكاة من غير المسلمين في الدولة الإسلامية، باسم ضريبة التكافل؛ توحيدا للميزانية والإجراءات بين أبناء الوطن الواحد تماشيا مع جواز صرف الزكاة إلى أهل الذمة. ينظر: القرضاوي، يوسف، فقه الزكاة، دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط16، 2016م، ص80-84.

([256])  ينظر: الفنجري، الحرية السّياسية، مرجع سابق، ص40.

([257]) لتقييم نجاح مشروع سياسي ما يقترح الباحث معيارا ينبني على ثلاثة أسس: 1. ألا يؤدي تطبيقه إلى عنف مجتمعي 2. أن يكون لديه من المرونة ما يحظى بقبول لدى أكثرية الشعب، فيصوت عليه مرة ثانية أو أكثر 3. أن يحقق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية، ويرفع من نسبة القيم الإسلامية والإنسانية بصفة مستمرة في واقع الدولة داخليا وخارجيا، ويمكن قياس ذلك عن طريق الدراسات الإحصائية. وطبعا؛ هذا المعيار نسبي، لكن لابد من معايير لأجل ذلك.

([258]) يُنظر في الملاحق: نتيجة استقراء آراء عدد من المسلمين من مختلف الدول في مدى رغبتهم في تطبيق الشّريعة.

([259]) الفنجري، الحرية السّياسية في الإسلام، مرجع سابق، ص18، بتصرف.

([260]) الزرقا، أحمد بن الشيخ محمد، (1357هـ)، شرح القواعد الفقهية، ت. مصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، دمشق، ط2، 1989م، ص55.

([261])  الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، (ت.666هـ)، مختار الصحاح، تحقيق يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، الدار النموذجية، بيروت، ط5، 1999م، ص153.

([262]) الأزهري، تهذيب اللغة، مرجع سابق، ج4، ص200.

([263])  الرازي، مختار الصحاح، مرجع سابق، ص153.

([264]) عمارة، محمد، السماحة الإسلامية، حقيقة القتال والإرهاب، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط1، 2005م، ص9.

([265]) ينظر: أركون، محمد، كيف نفهم الإسلام اليوم؟  مرجع سابق، ص285، 286، وعبد الرزاق، علي، الإسلام وأصول الحكم، في: عمارة، محمد، الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرزاق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط10،  2000م، ص160 وما بعدها.

([266]) يُنظر: علي عبد الرزاق، في: عمارة، الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرزاق، مرجع سابق، ص140-152،

([267]) يُنظر: شلتوت، محمود، الإسلام عقيدة وشريعة، دار الشروق، مصر، ط18، 2001م، ص434 وما بعدها.

([268]) يُنظر: ابن عاشور، محمد الطاهر، نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم، المطبعة السلفية، القاهرة، د.ط، 1344ه، ص51، 52. واستدل كلا الفريقين بأدلة أخرى لا يسع المجال لذكرها جميعا.

([269] (Smith, The religions of Men, مرجع سابق P.242,243. بتصرف

([270]) ميتكس، هدى، التجربة التنموية في ماليزيا؛ ضمن مجموعة أبحاث لمركز المسبار للدراسات والبحوث؛ بعنوان:  الإسلام الحضاري (النموذج الماليزي)، مركز المسبار للدراسات والبحوث، ط2،  2001م، ص205-222، بتصرف.

([271]  (Lee, Hyun-Song, A Study of Poverty and Social Security in Malaysia, International Area Studies Review, September 2002; vol. 5, 2: P.108 .

([272]) يُنظر: الجصاص، أحكام القرآن، مرجع سابق، ج5، ص370.

([273])  الرازي، تفسير الرازي، مرجع سابق، ج3، ص589، وقد ردّ فيه على القائلين بنسخ هذه الآية.

([274]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج10، ص262، بتصرف.

([275] (See: NYU, Center for Dialogues, a Panel Discussion on The Growing Divide Between the Sunni and Shia Worlds[حلقة نقاش حول الفجوة المتزايدة بين العالمين السني والشيعي],September 16, 2014, NYU Center for Dialogues: Islamic World-U.S.-The West, New York University, USA, 2014, P.06، ومما جاء فيه: "ليس السنة أو الشيعة أشرارا، لكن واقع السياسيات الشريرة أدّت إلى أن يرجع بعضهم على بعض"، لكن هذا لا ينفي وجود قابليةٍ لدى المجتمع المسلم للانقسام والعنف؛ من خلال الخطابات التحريضية ونحو ذلك.

([276]) الفنجري، أحمد شوقي، الحرية السّياسية في الإسلام، مرجع سابق، ص17.

([277]) النجار، مراجعات في الفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص234، بتصرف.

([278]) المرجع السابق نفسه، ص238، بتصرف.

([279]) سلطنة عُمان، شرطة عمان السلطانية، قانون الجزاء العماني، مرسوم سلطاني رقم (7/74)، 16 من فبراير سنة 1974م، المادة رقم 130 مكرراً.

([280]) قانون العقوبات المصري       ؛ طبقا لأحدث التعديلات بالقانون 95 لسنة 2003م، مادة 176، (1)، ص38.

([281]) النسفي، نجم الدين عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، (ت.537هـ)، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، المطبعة العامرة، مكتبة المثنى، د.ط، بغداد، 1311هـ، ص79.

([282]) البهوتى، منصور بن يونس بن صلاح الدين؛ الحنبلى (ت.1051هـ)، دقائق أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات، عالم الكتب، د.م، ط1، 1993م، ج1، ص617. المقدمات الممهدات (1/ 342)

([283]) يُنظر: شلتوت، محمود، تفسير القرآن الكريم، العشرة الأجزاء الأولى، دار الشروق، القاهرة، ط12، 2004م، ص499.

([284]) ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد القرطبي، (ت.520هـ)، المقدمات الممهدات، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1988م، ج1، ص341، وقريب منه: الجهاد" شرعا: بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق" الشوكاني، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله اليمني (ت.1250هـ)، نيل الأوطار، تحقيق عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، مصر، ط1، 1993م، ج7، ص246.

([285]) ابن فارس، مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج1، ص486، بتصرف.

([286]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج8، ص247.

([287]) البيضاوي، تفسير البيضاوي، مرجع سابق، ج4، ص189.

([288]) الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر، (ت.794هـ)، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1957م، ج1، ص188، بتصرف.

([289])  فيكون معنى الآية: "من جاهد بالطاعة هداه سبل الجنة، أو الذين نظروا في دلائلنا لنهدينهم سبلنا أي لنحصل فيهم العلم بنا" الرازي، مفاتيح الغيب، مرجع سابق، ج25، ص77. بتصرف.

([290])الزركشي، البرهان، ، مرجع سابق، ج1، ص193.

([291]) ذكر ابن عاشور احتمال أن يكون الجهاد في مثل هذه الآيات بمعنى الصبر على المشاق والأذى لأجل الإسلام لأنه لم يشرع قتالٌ بعد، أو أنها بمعنى القتال؛ لإعداد نفوس المسلمين لما سيلجؤون إليه من قتال. (التحرير والتنوير، ج20، ص210)، بتصرف. ويرجح الباحث المعنى الأول؛ لعموم اللغة، ولكون نفوسهم مستعدة للدفاع عن أنفسهم، بدليل قوله عليه السلام: (إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا فكُفُّوا) صحيح على شرط الشيخين، تقدم تخريجه، ص30.

([292]) كما في الحديث: (أما إنه إن كان يسعى على والديه أو أحدهما فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على عيال يكفيهم فهو في سبيل الله.." الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الشامي، (ت. 360هـ)، الروض الداني (المعجم الصغير)، تحقيق محمد شكور محمود الحاج أمرير، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1985م، باب الميم، من اسمه محمود، رقم 940، ج2، ص148، وقال الألباني: صحيح. (الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح الجامع الصغير وزياداته، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1985، ج1، ص301).

([293]) شلتوت، تفسير القرآن الكريم، العشرة الأجزاء الأولى، مرجع سابق، ص499.

([294]) في هذا السياق؛ الصحيح لغة: "كِفاية" و"كُفًى"، وليس "كَفاءة" وكُفء"، لأنه في اللغة: "تكافأ الشيئان: تماثلا... والاسم: الكَفَاءة" (ابن سيده، ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل، (ت. 458هـ)، المحكم والمحيط الأعظم، تحقيق عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2000م، ج7، ص91)، "والكُفء: المِثل" (ابن فارس، مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج5، ص189). و"كَفَى كِفاية إذا قام بالأمر" (ابن فارس، مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج5، ص188)، و"كَفَى الرجل كِفايةً، فَهُوَ كافٍ، وكُفًى... اضطلع" (ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، ج7، ص113). لكن جرى استعمال الكفاءة بمعنى الكفاية، كما في تفسير أبي حيان لقوله تعالى على لسان يوسف u: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ XE "ا:إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" } [يوسف: 55]: "وصف نفسه بالأمانة والكفاءة وهما مقصود الملوك" (أبو حيان، محمد بن يوسف بن علي الأندلسي، (ت.745هـ)، البحر المحيط في التفسير، تحقيق صدقي محمد جميل، دار الفكر، بيروت، د.ط، 1420ه، ج6، ص291)، وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: "كفاءة... أهليّة للقيام بعمل وحسن تصرُّف فيه... توجد كفاءات كثيرة في البلاد العربيّة" (أحمد مختار عبد الحميد عمر وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ج3، ص1942)، وعلى هذا الأخير سار الباحث تماشيا مع ما هو سائد في الأوساط العلمية وغيرها.

([295]) الشيخ داود، عماد صلاح عبد الرزاق، الفساد والإصلاح، منشورات اتحاد الكتاب العرب، د.ط، دمشق، 2003م، ص29، والفساد في بعض سياقات القرآن الكريم يشمل كل المعاصي؛ كقوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ XE "ا:فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ"  فِي الْأَرْضِ} [هود: 116]. (يُنظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج12، ص184).

([296])  مصطفى، عبدو، (2007-2008م)، تأثير الفساد السياسي في التنمية المستديمة، (حالة الجزائر 1995-2006م)، رسالة ماجستير غير منشورة، علوم سياسية، تخصص تنظيمات سياسية وإدارية، إشراف غضبان مبروك، كلية الحقوق والعلوم السّياسية، جامعة باتنة، العقيد الحاج لخضر، الجزائر، ص33.

([297]) درويش، محمد أحمد، الفساد: مصادره، نتائجه، مكافحته،  عالم الكتب، القاهرة، ط1، 2010م، ص18، 19، بتصرف.

([298]) البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب الأيمان، باب كيف كانت يمين النبي r، حديث رقم 6636، ج8، ص130.

([299]) منظمة الشفافية الدولية، النتائج الإقليمية، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مؤشر مكافحة الفساد في قطاع الدفاع 2015م، منظمة الشفافية، المملكة المتحدة، د.ط،  أكتوبر2015م، ص2، بتصرف.

([300]) البشري، محمد الأمين، الفساد والجريمة المنظمة، جامعة نايف للعلوم الأمنية، الرياض، د.ط، 2007م، ص14.

([301]) ينظر: الزجاج، أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل، (ت. 311هـ)، معاني القرآن وإعرابه، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1988م، ج3، ص116.

([302])  الجصاص، أحكام القرآن، مرجع سابق، ج2، ص167، بتصرف.

([303])  المرجع السابق نفسه.

([304]) ابن تيمية XE "ع:ابن تيمية" ، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الحنبلي الدمشقي، (ت.728هـ)، السّياسة الشرعية  في إصلاح الراعي والرعية، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، ط1، 1418هـ، ص 15-17، بتصرف.

([305]) العز ابن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، مرجع سابق، ج1، ص53، بتصرف.

([306]) الفنجري، الحرية السياسية في الإسلام ، مرجع سابق، ص164، 165، بتصرف.

([307])  الغنميين، وآخرون، مسالك التمكين في السياسة الشرعية، مرجع سابق، ص28، 29.

([308]) الغزالي، إحياء علوم الدين، مرجع سابق، ج4، ص203.

([309]) المرجع السابق، ج2، ص83، بتصرف.

([310]) المرجع السابق، ج2، ص86.

([311]) الغزالي، إحياء علوم الدين، ج4، ص193، بتصرف.

([312]) المرجع السابق، ج4، ص202، وله أدلة أخرى لا يسع المجال لذكرها جميعا.

([313])  السرخسي، محمد بن أحمد بن أبي سهل، (ت. 483هـ)، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، د.ط، 1993م، ج30، ص250.

([314]) ابن العربي، القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله الاشبيلي المالكي، (ت.543هـ)، أحكام القرآن، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 2003م، ج1، ص613.

([315]) السرخسي، المبسوط، مرجع سابق، ج30، ص250.

([316]) ابن العربي، أحكام القرآن، مرجع سابق، ج1، ص613.

([317]) النجار، مراجعات في الفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص 83.

([318]) الشيباني، أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد، (ت.189هـ)، الكسب، تحقيق سهيل زكار، نشر عبد الهادي حرصوني، دمشق، ط1، 1400ه ، ص46.

([319]) المرجع السابق، ص47.

([320]) الخليفي، رياض منصور، المقاصد الشرعية وأثرها في فقه المعاملات المالية، مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصاد الإسلامي، مج17، عدد1، 2004م، ص24.

([321]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج29، ص278، بتصرف.

([322]) الطبراني، المعجم الصغير، مرجع سابق، باب الميم، من اسمه محمود، رقم 940، ج2، ص148، وقال الألباني: صحيح. (الألباني، صحيح الجامع الصغير، مرجع سابق، ج1، ص301).

([323]) الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة، (ت.279هـ)، سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط2، 1975م، كتاب أبواب البيوع، باب ما جاء في بيع من يزيد، برقم1218، ج3، ص514؛ أورد فيه قضية البيع الواردة في بعض الروايات، وقال: حديث حسن. وورد الحديث بلفظ: (لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو فيحتطب، فيبيع، فيأكل ويتصدق، خير له من أن يسأل الناس) البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا XE "ا:لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا" } [البقرة : 273]، رقم1480، ج2، ص125.

([324]) مالك بن الحاج عمر بن الخضر بن نبي، (ت.1393هـ)، المسلم في عالم الاقتصاد، دار الفكر، دمشق، د.ط، 2000م، ص87، بتصرف.

([325]) عبد الكريم الحسين، يوسف الفكي، استغلال وتثمين الموارد البشرية في الفكر الاقتصادي الإسلامي، ورقة بحثية لمؤتمر: واقع التنمية البشرية في اقتصاديات الدول الإسلامية، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر، 26،27-11-2007م، ص11.

([326]) أبو يعلى، العدة في أصول الفقه، مرجع سابق، ج2، ص419.

([327])  البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ، كتاب حفظ اللسان، باب الأمانات، رقم5313، وصححه الألباني. ينظر: (الألباني، محمد ناصر الدين، السلسلة الصحيحة، مكتبة المعارف، الرياض، د.ط، د.ت.، ج3، ص106.

([328]) في كتاب الإحياء: "ويكره أن يكون جزارا لما فيه من قساوة القلب وأن يكون حجاما أو كناسا لما فيه من مخامرة النجاسة وكذا الدباغ وما في معناه" (الغزالي، إحياء علوم الدين ج2، ص84)، وقد يكون له مبرراته، لكن هذا القول قد يفضي إلى ترك بعض الصناعات، فيتخلف تحقق الواجب الكفائي فيها مما يوقع الناس في حرج.

([329])  من إعداد الباحث، تلخيص لما تقدم.

([330]) نافع، إسلاميون، مرجع سابق، ص227.

([331])  راهم، فريد، وبوركاب، نبيل، انهيار أسعار النفط، الأسباب والنتائج، ورقة بحثية، المؤتمر الأول: السياسات الاستخدامية للموارد الطاقوية بين متطلبات التنمية القطرية وتأمين الاحتياجات الدولية، جامعة سطيف1، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، 2015م، ص13، بتصرف.

([332]) صندوق النقد الدولي، إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي يناير2015، التعايش مع انخفاض أسعار النفط في سياق تراجع الطلب، صندوق النقد الدولي، Washington D.C، 2015م، ص9.

([333]) راهم، انهيار أسعار النفط، الأسباب والنتائج، مرجع سابق، ص13، 14.

([334]) السويلم، سامي بن إبراهيم، مدخل إلى أصول التمويل الإسلامي، مركز نماء للبحوث والدراسات، الرياض،  دار وجوه، لبنان، ط1، 2013م، ص146، بتصرف.

([335]) ينظر: بني هاني، حسين، حوافز الاستثمار في النّظام الاقتصادي الإسلامي، مفهومها، أنواعها، أهميتها، دراسة مقارنة، دار الكندي، الأردن، د.ط، 2003م، ص431-434.

([336]) رواه أحمد، مسند أحمد، مرجع سابق، مسند المكثرين من الصحابة، مسند جابر بن عند الله t، رقم14636، ، ج23، ص8، وقال فيه محققه الأرنؤوط: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".

([337]) باقر الصدر، محمد، اقتصادنا، دار التعارف، سوريا، ط14، 1981م، ص509، 510.

([338]) يُنظر: الماوردي، الأحكام السلطانية، مرجع سابق، ص283-296.

([339]) Fouad, Ahmed, Will Egypt trash its latest waste-­sorting initiative?, ALmonitor, The Pulse of The Middle East, Posted November 6, 2015.

([340] (Zervos, Arthouros, et al, Renewables, [الطاقات المتجددة]2014 Global Status Report, REN21. Paris: REN21 Secretariat, 2014, P.103.

([341] يُنظر (Allen, Rob, Global Prison Trends 2015, Penal Reform International, London, 1st published,  2015, P.27

([342]) "حكم السياحة الإباحة في الجملة، ويختلف حكمها بحسب غرضها؛ فتكون مندوبة إن صاحبها مقصد شرعي كتعلم أو دعوة أو علاج، وتكون مكروهة إن كانت بدون هدف، وتحرم إن صاحبها محرمات؛ كتبرج أو تضييع أموال في المحرمات" يُنظر: العتيبي، شجاع خالد، ومنصور، محمد خالد، الضوابط الشرعية للسياحة الترويحية في الفقه الإسلامي، مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون، الجامعة الأردنية، مج36، ملحق، 2009م، ص766، 767. ويرى الباحث أن حكم السياحة يرقى إلى الوجوب إن كانت وسيلة لأمر واجب لا يتحقق بدونها.

([343]) العتيبي، الضوابط الشرعية للسياحة الترويحية في الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص765.

([344] (Tan, Amy Y.F., et al, Stability Of Inbound Tourism Demand Models For Indonesia And Malaysia: The Pre- And Postformation Of Tourism Development Organizations, Journal of Hospitality & Tourism Research, Vol. 26, No. 4, November 2002, P.362.

([345] (See: Nguyen Chi Trung, et al, IMPACT: The Effects of Tourism on Culture and the Environment in Asia and the Pacific, UNESCO Bangkok Asia and Pacific Regional Bureau for Education,  Thailand, 2008, P.59-61.

([346]) المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، الإعلان الإسلامي حول التنوع الثقافي، معتمد من المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة المنعقد في الجزائر، ديسمبر2004م، ص5.

([347]) التويجري، محمد بن إبراهيم بن عبد الله، موسوعة الفقه الإسلامي، بيت الأفكار الدولية، ط1، 2009م، ج2، ص305.

([348])  سويلم، مدخل إلى أصول التمويل الإسلامي، مرجع سابق، ص67.

([349])  ينظر: بوزيدي، دور سعر الفائدة في إحداث الأزمات المالية، مرجع سابق، ص446.

([350])  فضلي، نادية فاضل عباس، التجربة التنموية في ماليزيا من العام 2000-2010، بحث محكم، مجلة الدراسات الدولية، جامعة بغداد، كلية العلوم السّياسية، عدد54، 2012م، ص155، بتصرف.

([351] (ElGindi, Tamer, et al, Islamic Alternatives to Purely Capitalist Modes of Finance: A Study of Malaysian Banks from 1999 to 2006, Review of Radical Political Economics, Vol. 41, No. 4, December2009, P516بتصرف

([352]) فضلي، التجربة التنموية في ماليزيا ، مرجع سابق،  ص156.

([353]) السَّعيدي، عبد الله بن محمد بن حسن، الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة، أصله رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، دار طيبة، الرياض، د.ط، 1999م، ص1150، 1151، بتصرف.

([354]) ابن حزم، المحلى بالآثار، مرجع سابق، ج4، ص281.

([355]) يُنظر: المحلى بالآثار، مرجع سابق، ج4، ص281.

([356]) الرملي؛ هو شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة، (919-1004هـ)، فقيه الديار المصرية في عصره، ولِي إفتاء الشافعية، له: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، غاية البيان. (الزركلي، الأعلام، ج6، ص7).

([357]) الرملي، شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة، (ت. 1004هـ)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، د.ط، دار الفكر، بيروت، 1984م، ج8، ص50.

([358]) صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم 3581، ج4، ص194.

([359]) مسلم، أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، (ت.261هـ)، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله r (صحيح مسلم)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، د.ط، بيروت، د.ت، كتاب اللقطة، باب استحباب المواساة بفضول المال، رقم1728، ج3، ص1354.

([360]) القرضاوي، فقه الزكاة، مرجع سابق، بتصرف، ويُنظر: ابن حزم، المرجع السابق، ج4، ص283.

([361])  أورد القرآن الكريم قضية الكفاية المادية في عدّة مواضع؛ مما يدلّ على كونها ذات أهمية في منظومة التشريع الإسلامي؛ منها قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ XE "ا:وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ"  تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الأنفال:26]، كما يثبت I على الفرد والمجتمع مسؤولية المحافظة على دوام هذه الكفاية المادية بقوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً XE "ا:وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً"  يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون} [النحل:112].

([362]) يُنظر: الربابعة، أسامة علي مصطفى، (1996م)، الظروف المخففة للعقوبة في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الفقه وأصوله، الجامعة الأردنية، إشراف محمد عبد العزيز عمرو. ومن أسباب الأسباب التي يدرأ بها الحد المجاعة، والجهل مع عدم إمكان العلم.

([363]) النجار، عبد المجيد، في فقه التدين فهما وتنزيلا، رئاسة المحاكم الشرعية، قطر، ط1، 1989م، ص136، بتصرف.

([364]) الباجي، أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الأندلسي (ت.474هـ)، المنتقى شرح الموطإ، مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1332ه، ج6، ص65.

([365]) المرداوي، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان الحنبلي (ت. 885هـ)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2،  د.ت، ج10، ص253، بتصرف.

([366]) المرجع السابق، ج10، ص277، 278، بتصرف.

([367]) جامعة الدول العربية، قطاع الشؤون الاجتماعية، التقرير الإقليمي للهجرة الدولية العربية، الهجرة الدولية والتنمية، الأمانة العامة، القاهرة، 2014م، ص50.

([368]) الكيلاني، جمال أحمد، سهم الغارمين وأثره في التكافل الاجتماعي، مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون، الجامعة الأردنية، مج38 ، عدد1، 2011م، ص61.

([369]) الرازي، مفاتيح الغيب، مرجع سابق، ج32، ص303.

([370]) البيهقي، شعب الإيمان، مرجع سابق، كتاب الزكاة، باب ما جاء في فضل المنيحة، رقم3117، ج5، ص77. وصححه الألباني. (الألباني، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن الحاج نوح (ت. 1420هـ)، صحيح الجامع الصغير وزياداته، المكتب الإسلامي، سوريا، ط3، 1988م، ج2، ص949).

([371]) عزمان، بن عبد الرحمان،  ومحمد عزالدين عبد العزيز، دور المؤسسات الزكوية في معالجة الفقر وفق برنامج التنمية الاقتصادية: مؤسسة الزكاة بولاية سلانجور بماليزيا نموذجاً، المؤتمر العالمي الثامن للاقتصاد والتمويل الإسلامي، الدوحة، 19-21 ديسمبر2011م، ص10-19.

([372] (Chlen, Samuel Chan Hsin, Mohamed Sarif Mustaffa, Divorce In Malaysia, Seminar Kaunseling Keluarga 2008, Faculty of Education, University Technology Malaysia Skudai, Johor, P. 26.

([373]  (Stanley, Amato, Johnson, & Markman, 2006, Cited in: Wilmoth, Joe D.,& David G. Fournier, Barriers to providing marriage preparation, research &application, Family and Communit y Ministries, Baylor University School of Social Work , 2009, P.32

([374] (Y يُنظر Yilmaz, Tuğba, Melek Kalkan, The Effects of A Premarital Relationship Enrichment Program On Relationship Satisfaction, Kuram Ve Uygulamada Eğitim Bilimleri Educational Sciences: Theory & Practice 10.3, Summer 2010 Eğitim Danışmanlığı ve Araştırmaları İletişim Hizmetleri Tic. Ltd. Şti, 2010, P. 1915,1917.

([375]) صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، رقم4993، ج6، ص185.

([376]) "المنطوق هو الأمر الذي يفهم من القول في محل اللفظ، كوجوب الزكاة في سائمة الغنم من قوله u: (في سائمة الغنم الزكاة) صحيح، رواه البخاري بمعناه. البدر المنير، ج5، ص459. ابن الدَّهَّان، أبو شجاع محمد بن علي بن شعيب، (ت.592هـ)، تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة، ت. صالح بن ناصر بن صالح الخزيم، مكتبة الرشد، السعوديةط1، 2001م، ج1، ص94.

([377]) الرازي، تفسير الرازي، مرجع سابق، ج19، ص20.

([378]) المفهوم هو الاستدلال بتخصيص الشيء بالذكر على نفي الحكم عما عداه، فقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95]؛ يدل بمفهومه على نفي الحكم عن غير المتعمد. (الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الشافعي (ت.505هـ)، المستصفى، تحقيق محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1993م، ص265).

([379]) هو سعيد النورسي XE "ع:النورسي" ، ولد سنة 1877م بكردستان تركيا، تعلم القرآن والعلوم بالقرى المجاورة، بدأ نشاطه السياسي سنة1892م، قام بعدة محاولات من أجل تطوير التعليم ليجمع بين الديني والعلوم الحديثة، ومن أجل منع الاستبداد في عهد السلطان عبد الحميد، فاعتقل وحوكم عدة مرات، وفي عهد كمال أتاتورك اشتغل بالدعوة بنشر رسائله بين طلابه سرا واتهم لأجلها، وفي عام 1949م سمح بطبعها، وتوفي سنة 1960م، وبقيت دعوته بين طلابه" يُنظر: أبو حليوة، إبراهيم سليم، بديع الزمان النورسي وتحديات عصره، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ط1، 2010م، ص23-55.

([380]) يُنظر: الطنطاوي، عبد الله، منهج الإصلاح والتغيير عند النورسي، ضمن أبحاث "بديع الزمان النورسي فكره ودعوته، وقائع الحلقة الدراسية المنعقدة في قاعة المركز الثقافي الإسلامي، عمان، 1997م، تحرير إبراهيم العوضي، المعهد ، العالمي للفكر الإسلامي، مكتب الأردن، ط1، 1997م، ص175، 176.

([381]) الطنطاوي، منهج الإصلاح والتغيير عند النورسي، مرجع سابق، ص117، 118.

([382]) يُنظر: أبو حليوة،  بديع الزمان النورسي وتحديات عصره، مرجع سابق، ص64، 68.

([383]) يُنظر: الطنطاوي، منهج الإصلاح والتغيير عند النورسي، مرجع سابق، ص154، 167.

([384]) يُنظر: حسان، تقية محمد المهدي، من أسرار نجاح التجربـة الـيابـانـيـة، الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، دورية دولية محكمة، جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف، الجزائر، عدد5، 2011م، ص140-143.

([385]) عبد الحليم، محيي الدين، العقيدة الإعلامية في ضوء التقنيات الحديثة، ضمن أبحاث ندوة "نحو إعلام إسلامي فاعل ومؤثر، د.ن، القيادة الشعبية الإسلامية العالمية، ليبيا، 1998م، ص224، 225.

([386] (The heritage foundation, What makes the economy grow?, The Economy Hits Home: Economic Growth, series from The Heritage Foundation, Washington, DC, Volume.I, P. 09.بتصرف

([387]) جامعة الدول العربية، التقرير الإقليمي للهجرة الدولية العربية 2014، مرجع سابق، ص53، 56، بتصرف. 

([388]) "(وعلوم الطبائعيين) العلم الطبيعي علم يبحث فيه عن أحوال الجسم المحسوس من حيث هو معرض للتغير في الأحوال والثبات فيها" ابن عابدين، حاشية ابن عابدين، مرجع سابق، ج1، ص44.

([389]) الحجاوي، أبو النجا موسى بن أحمد بن موسى المقدسي، (ت. 968هـ)، الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق عبد اللطيف محمد موسى السبكي، دار المعرفة، بيروت، د.ت، ج2، ص2،3، وفي روضة الطالبين: " فهذه أنواع العلوم الشرعية، ووراءها أشياء تسمى علوما.. فالمحرم، كالفلسفة والشعبذة [الشعوذة] والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين، وكذا السحر على الصحيح" النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف، (ت.676هـ)، روضة الطالبين وعمدة المفتين، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1991م، ج10، ص225.

([390]) العلموي، عبد الباسط بن موسى بن محمد الدمشقي الشافعيّ، (ت.981هـ)، العقد التليد في اختصار الدر النضيد، المعيد في أدب المفيد والمستفيد، تحقيق مروان العطية، مكتبة الثقافة الدينية، مصر، 2004م، ص76.

([391]) الغزالي، إحياء علوم الدين، مرجع سابق، ج1، ص16.

([392]) الغزالي، إحياء علوم الدين، ج1، ص16.

([393]) ابن الأخوة، محمد بن محمد بن أحمد بن أبي زيد الشافعي، (ت.729هـ)، معالم القربة في طلب الحسبة،  دار الفنون، كمبردج، د.ت، ص166.

([394]) القرافي، الفروق، مرجع سابق، ج4، ص138، بتصرف.

([395]) يُنظر: الغزالي، إحياء علوم الدين، ج1، ص29، 30.

([396]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، ج30، ص441، بتصرف.

([397]) آل تيمية، بدأ بتصنيفها الجدّ: مجد الدين عبد السلام بن تيمية (ت652هـ) ، وأضاف إليها الأب، عبد الحليم بن تيمية (ت.682هـ) ، ثم أكملها الحفيد أحمد بن تيمية (ت.728ه)، المسودة في أصول الفقه، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت، د.ط، د.ت، ص5، وهذا القول رجحه صاحب الكتاب.

([398]) أبو يعلى، العدة في أصول الفقه، مرجع سابق، ج2، ص419.

([399])  Yuksel, QURAN, A Reformist Translation, P.312، بتصرف، ويُنظر: ابن غيهب، بكر بن عبد الله بن محمد، (ت.1429هـ)، فقه النوازل، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1996م، ج2، ص111.

([400]  (See: Academic Ranking of World Universities 2015 Discovering World-Class,, ShanghaiRanking Consultancy, 15 August 2015, P.09، وهذه الجامعة هي جامعة الملك سعود، بالسعودية، ويعدّ هذا تحسنا بالنسبة للسابق.(يُنظر: المرجع نفسه الذي بعد هذه الحاشية)

([401]) الصديقي، سعيد، الجامعات العربية وتحدي التصنيف العالمي: الطريق نحـو التميـز، مجلة رؤى استراتيجية، دورية علمية محكمة، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، مج2، عدد6، 2014م، ص8.

([402]) المرجع السابق نفسه.

([403]) يُنظر: النجار، عبد المجيد، عوامل الشهود الحضاري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1999م، ص291-293، بتصرف.

([404]) البرغوثي، عماد أحمد، ومحمود أحمد أبو سمرة، مشكلات البحث العلمي في العالم العربي، بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية، غزة، سلسلة الدراسات الإنسانية، مج 15، عدد02، يونيه 2007م، ص1148، 1149، بتصرف.

([405]) سليم، رجاء إبراهيم، تجربة التعليم في ماليزيا، في: الإسلام الحضاري، النموذج الماليزي، مرجع سابق، ص267، 268، بتصرف.

([406] (Chen, Dongmin, et al, The Impact of Science and Technology Policies on Rapid Economic Development in China, The Global Innovation Index 2015, Chapter 06, the World Intellectual Property Organization, Switzerland, P.105. بتصرف

([407]) يُنظر: وافي، جمعة شعبان، المناهج الإعلامية وأثرها على الدعوة، مؤتمر الدعوة الإسلامية ومتغيرات العصر، كلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية، غزة، 16-17أفريل 2005م، ص1339، 1340.

([408] (:  ينظرVigna, Stefano Della, Eliana La Ferrara, Economic and Social Impacts of the Media, NBER Working Paper Series, National Bureau Of Economic Research, Cambridge,  July 2015, P.03-34.

([409] (Hargrave, Andrea Millwood and Sonia Livingstone, Harm and Offence in Media Content, A Review of The Evidence, 1st published, UK, 2009, P. 249 بتصرف.

([410] (Bayraktar, Ahmet, Marketing the media with sexuality and violence: Is it ethical? Journal of Academic and Business Ethics, Volume 7 - June 2013, P.8

([411] (Anderson, Craig A., et al, The Influence Of Media Violence On Youth, Psychological Science In The Public Interest, VOL. 4, NO. 3, December 2003, P.81.

([412] (Hargrave, Harm and Offence,  المرجع السابقP. 251.

([413]) المرجع السابق نفسه.

([414] (Vigna, Economic And Social Impacts Of The Media, P.8.

([415] (Anderson, The Influence Of Media, P.101.

([416]) حمدي، محمد الفاتح، استخدامات تكنولوجيا الاتصال والإعلام الحديثة وانعكاساتها على قيم الشباب الجامعي، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم أصول الدين، دعوة وإعلام، جامعة الحاج لخضر باتنة، الجزائر، إشراف رحيمة عيساني، السنة الجامعية 2008-2009م، ص166، بتصرف.

([417]) يُنظر: السماك، محمد، الإعلام الإسلامي في مواجهة تحديات القرن القادم، ضمن أبحاث ندوة "نحو إعلام إسلامي فاعل ومؤثر، مرجع سابق، ص465، 466.

([418] (Vigna, Economic And Social Impacts Of The Media, مرجع سابق P.34. بتصرف

([419]) يُنظر: الغنميين، وآخرون، مسالك التمكين في السياسة الشرعية، مرجع سابق، ص30.

([420]) حمدي، استخدامات تكنولوجيا الاتصال والإعلام الحديثة وانعكاساتها، مرجع سابق، ص352.

([421]) حمدي، استخدامات تكنولوجيا الاتصال والإعلام الحديثة وانعكاساتها، مرجع سابق، ص198.

([422]) القرضاوي، في فقه الأولويات، مرجع سابق، ص228، بتصرف.

([423]) حمدي، استخدامات تكنولوجيا الاتصال والإعلام الحديثة وانعكاساتها، مرجع سابق، ص357.

([424]) المرجع السابق نفسه.

([425]) ابن القيم، الطرق الحكمية، مرجع سابق، ص4.

([426]) القرضاوي، في فقه الأولويات، مرجع سابق، ص229.

([427]) النجار، عوامل الشهود الحضاري، مرجع سابق، ص298، 299، بتصرف.

وسوم: العدد 727