قراءة في كتاب الغضب والنار

انتهيت للتو من قراءة الكتاب الذي أخذ حيزا من الضجة في الولايات المتحدة وخارجها، وقبل الدخول في تفاصيل الكتاب يمكنني تحديد اهم سماته العامة في الآتي:

1- يغلب على مادة الكتاب سرد الوقائع بلغة صحفية وبتداخل غير منظم بين هذه الوقائع، فهو أقرب لمن يصف مشاجرة جماعية فيها أطراف عديدة.

2- الفكرة المركزية للكتاب هي محاولة إثبات أن الرئيس دونالد ترامب:

أ‌- لا يقرأ الدراسات أو التقارير ولا حتى ملخصاتها ولا يستمع أو يولي اهتماما بالخبراء

ب‌- دور صهره وابنته وعدد آخر محدود من المقربين في اتخاذ القرارات أكبر مما يبدو من الخارج.

ت‌- لا يولي أي اهتمام لمن يتحدث ويمل من الاستماع ويحاول أن يحتكر الحديث لنفسه.

ث‌- لدية جهل تام بالسياسة بشكل عام والخارجية منها بشكل خاص.

ج‌- سوقي إلى أبعد الحدود في تصرفاته وأحاديثه.

ح‌- المرأة بالنسبة له "موضع لذة" فقط.

خ‌- غير قادر على التمييز بين مقتضيات القرار السياسي وبين مقتضيات القرار التجاري.

3- في المرتبة الثانية من موضوعات الكتاب تقف مسألتان هامتان هما:

أ‌- دور الدولة العميقة وتأثيرها في مسار الدولة وهيئتاها وهو الأمر الذي لا يدركه ترامب وقد تلفظه في نهاية المطاف.

ب‌- الفوضى الإدارية لا سيما في أشخاص صنع القرار والتغيير المتواصل لهم.

4- يقدم الكتاب عددا من التفسيرات لموضوع الدور الروسي في الانتخابات الأمريكية لكنها كلها اقرب لإدانة ترامب.

5- لم يحظ الشرق الاوسط في الكتاب إلا بقدر يسير جدا جدا من موضوعات الكتاب، وقد حاولت جمع كل ما كتب عن فلسطين والخليج وإيران وإسرائيل ومصر ، ووجدت أن كل ما ورد لا يزيد عن ثلاث صفحات من أصل 306 صفحات هي متن الكتاب يضاف لها حوالي 21 صفحة فهارس والشكر ...الخ.

6- يغلب على مستشاريه الموقف العدائي من الصين بل إن بعضهم رآها تكرارا للنموذج النازي.

تفاصيل الكتاب:

يبدأ الكتاب في احد صفحاته بعرض أسماء الكتب التي سبق للمؤلف نشرها (والكاتب معروف بأنه إعلامي متخصص في "الفضائح"، ثم يتم تتبع موضوعاته في 22 جزءا، ويشير الكاتب أن كتابه خلاصة مناقشاته لمدة عام ونصف مع ترامب وموظفيه وأصدقائه قبل الانتخابات وخلالها وبعد توليه الرئاسة، مشيرا إلى انه وبالرغم من عداء ترامب للصحافة فهو الأكثر إتاحة لها للوصول للبيت الأبيض، أما مصادر معلومات الكتاب فهي إما من أشخاص ذكرهم بشكل صريح أو نقلا عن آخرين طلبوا منه التحفظ على أسمائهم أو من وسائل الإعلام الأخرى لا سيما الصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وغيرهما من القنوات الفضائية لا سيما فوكس نيوز وغيرها.

يشير الكتاب في مواضع عديدة للشكوك التي دارت حول احتمال عدم نجاحه في الانتخابات (بينما كانت زوجته  رقم 3 الأكثر تفاؤلا في هذا الجانب، رغم أن هذه الزوجة لا تعرف كثيرا عن علاقات وأعمال زوجها لأنه لا يلتقي بها كثيرا وينقطع عنها أحيانا لأيام وبشكل متكرر، لكنه يطري عليها في غيابها.

ويتحدث الكتاب عن علاقاته الشخصية ودور العلاقات الضيقة أو الأصدقاء  في سيرته الحياتية، ويلقي قدرا من الشك حول دور ترامب في تأليف كتابه الموسوم "The Art of the Deal" ويرى أن الشخص الآخر  المشارك في تأليف الكتاب هو المؤلف الحقيقي. ويصف الكاتب ترامب حرفيا بأنه (صفحة 33): "إن عقله غير قادر على أداء المهام الأساسية في وظيفته الجديدة. وليس لديه القدرة على التخطيط والتنظيم وإيلاء الاهتمام والتركيز؛ وليس قادرا بأي شكل أبدا على تكييف سلوكه ولا تحديد الأهداف المطلوبة بشكل معقول، ولا يمكنه حتى الربط بين السبب والنتيجة".

ويشير الكاتب في الصفحات من 49 إلى 63 إلى مسألة الدولة العميقة والنصائح التي قدمت لترامب مع توليه المنصب الرئاسي بخاصة تجنب الصدام مع رجال المخابرات والصحافة ورجال الكونجرس..الخ وتتضح هذه المسألة في عرض المؤلف لكتاب عنوانه Brightest The Best and the  ، وثمة إشارات لعلاقات كيسنجر مع كوشنير وهو زوج ابنة ترامب ومبعوثه لتسوية النزاع في الشرق الأوسط (ويعود الكتاب للإشارة لهذه المسالة وبعض تفاصيلها في صفحة 85  بل إن  كيسنجر يصف كوشنير بأنه سيكون" كيسنجر الجديد(صفحة 148)، ويشير الكتاب إلى أن لنيتنياهو صلة صداقة قديمة مع عائلة كوشنير.

ويتابع الكتاب عرض الجوانب السلوكية لترامب من خلال عرض ما جرى يوم التنصيب وتوجهات ترامب الشخصية في التعامل مع الأمور حيث أنه لا يميل للتغيير، ولا يعنيه الأنصار، ويصف الإعلاميين بأنهم الأقل أمانة بين البشر على وجه الأرض، كما انه لا يقرا ولا يعير أي اهتمام لقواعد العمل (الصفحات 115-121)، ولا حتى يلقي نظرة على التقارير ولا يستمع بل ينزع لان يكون هو المتحدث فقط.

ويحتل ستيف بانون كأول مسؤول كبير في البيت الأبيض والأقل خبرة بين موظفي البيت الأبيض مساحة واسعة من الكتاب من لحظة الدخول إلى لحظة الخروج، كما يكشف الكتاب عن علاقات ابنة بريجنسكي (المنظر المعروف والمستشار الأمريكي الأسبق للأمن القومي) وبين ابنة ترامب، حيث تروج الأولى للثانية بانها(أي ابنة ترامب ) ستكون  اول امرأة في رئاسة امريكيا.

ويعرض الكتاب ما اعتبره " نظريات " لتفسير صلة ترامب بروسيا مشيرا  إلى 1-اعجاب ترامب  بروسيا  2 -صلاته التجارية بالروس والصينيين 3-رغبته هو  وبوتين لاختراق اللجنة الوطنية الديمقراطية 4 - الوقوع في حبائل الروس 5-الوقوع تحت ابتزاز روسي لان لديهم معلومات عنه.

ويشير الكتاب في هذا الجانب إلى قضية اللقاءات مع الروس واعتبار ترامب لها امرا عاديا في البداية، ثم بدأ يتهم ادارة اوباما بأنها وراء الفبركات وهنا كانت بداية "تغريدات ترامب لا سيما في الموضوع الروسي".

ويغلب على الجزء الثامن من الدراسة وصف لما يمكن اعتباره تسيب الهيكل الإداري والعلاقات بين المؤسسات لا سيما بين البيت الابيض والعسكر ، كما يعرض في الجزء التاسع  صورة عن مؤتمر المحافظين للعمل السياسي(خلفية عن هذا المؤتمر وبعض الوقائع مع بعض شخصيات المؤتمر عند الدخول او خلال المناقشات) وعرض لخطاب ترامب في المؤتمر مع الاشارة الى ان ترامب سبق له والقى خطابات في هذا المؤتمر قبل بضعة سنين.

ويشير الكتاب إلى ان والد ترامب كان متهما بمعاداة السامية  ولكن ترامب بنى امبراطويته في نيويورك الاكثر حضورا لليهود وهنا تداخلت علاقته مع راس المال اليهودي.

ما تبقى من الكتاب هو عرض للخلافات بين أعضاء فريق ترامب أو بينه وبين فريقه أو عرض لبعض القرارات التي اثارات جدلا مثل : قانون الرعاية الصحية او موضوع المناخ او العلاقة مع اوروبا...الخ.

أما الموضوعات العربية فقد وردت على النحو التالي:

1- واقعة ضرب خان شيخون السورية بالكيماوي في 4 ابريل:  وهنا يشير الكتاب إلى أن من الصعب معرفة رد فعل ترامب في مثل هذه المواقف لا سيما مع نقص الخبرة في السياسة الخارجية وعدم ميله للاستماع للخبراء، ويشير إلى ان موظفيه  وخاصة ابنته وضعوه عدة مرات أمام مشاهد لطفل يخرج زبدا من فمه، فاتخذ قراره بضرب القاعدة السورية.

2- موضوع علاقاته بمحمد بن سلمان ويصفها الكتاب على لسان عدد من المسؤولين بأنها نتيجة لـ"لقلة معرفتهما وجدا يُسرا مع بعضهما" فهو يقول حرفيا "

‏Knowing little made them oddly comfortable with each other.

وعندما عرض بن سلمان نفسه على  كوشنر، كان ذلك أشبه بمقابلة شخص لطيف في أول يوم تطأ فيه قدماه المدرسة، و"كان ذلك نوع من الدبلوماسية الهجومية. كان محمد بن سلمان يستخدم احتضان ترامب له كجزء من لعبة السلطة التي كان يمارسها داخل المملكة رغم أن البيت الأبيض ظل ينفي ذلك إلا أنه سمح بمواصلة ذلك ."

3- موضوع إيران: يشير الى ان هناك اربع قوى في الشرق الاوسط هي  اسرائيل ومصر والسعودية وايران ..الثلاث الاولى يمكن ان تتحالف ضد الرابعة وتضغط على الفلسطينيين للقبول بصفقة، وثمة إشارة إلى ان السعودية ستمول وجودا عسكريا أميركيا جديدا في السعودية ليحل محل القيادة الأميركية الموجودة في قطر وأن وصول محمد بن سلمان لمنصبه هذا بعد تنحية محمد بن نايف القريب من الولايات المتحدة جعل الأمر بان الولايات المتحدة اعتبرت أنها  وضعت بن سلمان " في القمة".  كما يشير الكتاب إلى  أن السعودية أنفقت على زيارة ترامب للسعودية  75 مليون دولار.

كما نقل الكتاب كلاما لمستشار البيت الأبيض السابق ستيف بانون يقول "لتأخذ الأردن الضفة الغربية ومصر قطاع غزة" ويعكس الكتاب وجهة نظر ترامب في أن قطر تقدم الدعم المالي للجماعات الإرهابية ...غير أن بعضاً من أفراد العائلة السعودية الحاكمة فقط هم الذين قدموا مثل ذلك الدعم".

4- نقل السفارة الأمريكية للقدس: يشير الكتاب لحديث لمساعد ترمب ستيف بانون يقول فيه "سننقل السفارة الأميركية إلى إسرائيل في اليوم الأول.

الخلاصة:

إذا كان 50% من الوقائع المذكورة في الكتاب –بخاصة حول سلوك وشخصية ترامب-  صحيحة، فإن الامر العجيب كيف لدولة بحجم وقوة الولايات المتحدة وبنخبتها العلمية والفكرية ان تقبل برئيس بهذه السوقية ومشغول "بكيف يصطاد زوجات أصدقائه ويأخذهن إلى السرير".

والأعجب من ذلك هو الأساس الذي ينحني له الزعماء العرب أمامه بينما يبصق عليه الرئيس الكوري الشمالي صبحا ومساء.. فيرد باستعداده للقاء ذلك الرئيس الكوري..ولا تعيره الصين أي اهتمام..ويدير بوتين سياساته مستغلا وجود هذا التائه.. وتبدي أوروبا قلقا من تصرفاته ورعونته.. بينما ينفق العرب على ضيافته لليلة واحدة 75 مليون دولار.

وسوم: العدد 755