"ليالي الحلمية" وتزييف التاريخ المعاصر!

"ليالي الحلمية" وتزييف التاريخ المعاصر!

إعداد: مبارك عبدالله

إيمان البهنساوي

لا يستطيع أحد أن ينكر الجهد المبذول لإخراج مسلسل "ليالي الحلمية"، بهذا المستوى المتميز من الناحية الفنية، ولكن المسلسل يعرض فكر مجموعة من الشيوعيين سماهم المؤلف بالاشتراكيين، وفي سبيل الانتصار لمبادئهم، يحرّف التاريخ، ويغيّر من الوقائع والحقائق التي ما زال بعض أصحابها أحياء، ومنهم من نشر تصحيحاً موجزاً، ومنهم من نشر تساؤلات فقط، ويواصل الجزء الرابع من المسلسل سرد قصة هذه المجموعة من الأفراد الذين ربطت بينهم علاقات الصداقة أو القرابة أو الجيرة أو الزمالة، وقد آمن أغلبهم بمبادئهم الاشتراكية أو الشيوعية.

ثم يلقي المؤلف بعد ذلك، الضوء على الجيل المعاصر من الشباب، ويبيّن لنا مدى تخبطهم في مجتمع يسوده الفساد، وعصر ضاعت فيه المبادئ والقيم والأخلاق "عصر الهليبة" – كما جاء على لسان علام السماحي - فلا يجد هؤلاء الشباب القدوة أو المثل الأعلى، ولا يجدون من سبيل أمامهم سوى الانغماس في المخدرات أو اللجوء للدين.

وهكذا يساوي المؤلف بين الالتجاء للدين والالتجاء للمخدرات! لأن زعيمه كارل ماركس يزعم أن الدين أفيون الشعوب، ويجعل الدين مثل المخدرات، كما برر الكاتب لجوء بعض الفقراء للدين؛ لأملهم في أن يحظوا في الآخرة بالجنة التي قد تعوضهم عن الظلم المتفشي في المجتمع – كما جاء على لسان علام السماحي - وهو في ذلك ينقل أفكار كارل ماركس عن الدين بأنه سلوى الفقراء العاجزين، وليس وسيلة لتحقيق العدل المنشود.

والكاتب يعلم أن كثيرين ممن أسلموا في عهد الرسول كانوا من الأغنياء، وقد آثروا ضياع أموالهم في سبيل العقيدة، وينتهي الكاتب إلى أن كلا الطريقين "المخدرات والدين" سوف يؤدي بالشباب في النهاية إلى العنف – نقلاً عما جاء على لسان علام السماحي-.

وقد شاهدنا ما وصل إليه "توفيق" ذلك الشاب الذي أغوته الجماعات الإسلامية، فانضم إليهم وانتهى به المطاف إلى سرقة أحد محلات الذهب، وقتل صاحب المحل من دون ذنب، حيث أفتى لهم أمير الجماعة بأن سرقة هؤلاء الناس حلال" – كما جاء على لسان توفيق -.

وهكذا فالمسلسل يعرض الإسلاميين على أنهم لصوص ومجرمون وقتلة! بينما يعرض الشيوعيين على أنهم رمز للمثالية والطهر والموت في سبيل المبدأ! كما انتهى الكاتب إلى القول بأن الدين يؤدي إلى العنف، والإسلام الحقيقي كما جاء في الكتاب والسنة بعيد كل البعد عن هذه الصورة المشوهة من سرقة وعنف وقتل، فقد نهانا الإسلام عن السرقة وحرّم قتل النفس البشرية قال تعالى: "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" (المائدة: 32).

وقد تجاهل الكاتب أن الغالبية العظمى من أبناء التيارات الإسلامية لا يمكن أن ينسب إليهم أي عنف أو تطرف، وأعمالهم في النقابات المهنية وغيرها خلال السنوات الماضية أكبر دليل على ذلك، حتى إن كلاً من وزيري الداخلية السابقين "نبوي إسماعي وأبو باشا" قد أعلنا في الصحافة المصرية بعد الاعتداء على "أبو باشا" أن الإخوان المسلمين الذين يمثلون الشريحة الكبرى من الجماعات الإسلامية بعيدون كل البعد عن كل تطرف وعنف، وقد أكد ذلك أيضاً الدكتور "بطرس غالي"، والكاتب لا يخفى عليه أيضاً أن العنف والتطرف هما حتمية كارل ماركس لأن نظريته في الصراع الطبقي تؤدي إلى تصفية الطبقة العمالية لغيرها من الطبقات ودفنها، وهذا هو قمة العنف والتطرف.

ثم يسلط المؤلف الضوء على "الحاج بسيوني والحاج خميس"، وقد ارتدى كل واحد منهما الجلباب وأطلق اللحية، وحفّ الشارب، وأمسك بالمسبحة في يده، وكوّنا "شركة الانشراح"، وأصبحا يتحدثان بلغة الإسلام، وقد قدّم الكاتب في الأجزاء السابقة من المسلسل تاريخ هاتين الشخصيتين: فهما السبارسجية "بسه والخُمس" وقد عملا مع الإنجليز في "الأرنص"، ثم عملا في تجارة العملة، وأخيراً في تجارة المخدرات، التي دخلا السجن بسببها، و"بسه والخمس" كما ظهرا في المسلسل نصابان لا يتورعان عن القيام بأي عمل في سبيل الحصول على الربح والمال الوفير، وقد كان واضحاً من المسلسل أنهما شخصيتان مكروهتان من الجميع نظراً لخستهما، ونحن بدورنا نتساءل عن هدف المؤلف من جعل أشخاص من أمثال "بسة والخمس" يتحدثان باسم الإسلام؟!! فليس هناك من هدف سوى القول بأن المسلمين يتخذون من الدين ستاراً يخفون وراءه أهدافهم الخبيثة!

إنه من دواعي الأسى والأسف أن يحرّف التاريخ المصري فيما يتعلق بحرب الفدائيين ضد الإنجليز، مع أن قادة هذه المعركة ما زال منهم أحياء، وقد اعترضوا على المؤلف والكاتب أسامة أنور عكاشة الذي حرّف تاريخ هذه المعارك، ففي مسلسل "ليالي الحلمية" أعطى الشيوعيين دوراً كبيراً في هذه المعركة، مع أنهم كانوا يهتفون لفيتنام بدلاً من القناة، حيث يحارب الشيوعيون ضد الأمريكان.

لقد سجل الأستاذ كامل الشريف هذه المعارك في كتابه: "قتال الفدائيين في القنال"، كما سجلها أيضاً الأستاذ حسن دوح في كتابه "كفاح الشباب الجامعي على القناة" والصادر عن دار القلم في الكويت 1973م، والذي نقل عنه في صفحة 25 أن أتباع الحركة الشيوعية في مصر بزعامة الصهيوني هنري كوريل كانوا يبخلون بأنفسهم من أن تراق دماؤهم في هذه المعركة لأنها لا تخدم المد الشيوعي.

وفي صفحة 27 كتب: "أن الإخوان المسلمين الذين حاربوا في فلسطين عام 1948م قد أشرفوا على تدريب الطلبة في الجامعة للعمل الفدائي في قناة السويس، وكان منهم السادة كامل الشريف، وعلي صديق، وعبد الرحمن البنا، وحسن عبد الغني، وعبد العزيز علي، ومؤلف الكتاب، وأما جامعة إبراهيم "عين شمس حالياً"، فتولى التدريب بها محمد مهدي عاكف ووائل شاهين وحسن عبد الغني.

وكتب أن الإخوان المسلمين كانوا أصحاب الدور الأكبر في الحرب ضد الإنجليز، ثم ذكر الدور المشرف للبوليس المصري، وكذلك الضباط الأحرار الذين شاركوا في التدريب، ومنهم كمال الدين حسين، ومجدي حسنين، وصلاح هدايت، الذي اشترك مع رجال الإخوان المسلمين منهم الصاغ صلاح شادي في نسف سفينة بترول إنجليزية عند كوبري الفردان.

كما أشاد بالدور الوطني لرجال الأزهر، حيث تقدم وكيل جامعة الأزهر الشيخ عبد الرحمن حسن، وأطلق أول رصاصة في معسكر جامعة الأزهر إعلاناً ببدء التدريب للمعركة.

وتضمن هذا الكتاب حواراً للشهداء من الإخوان المسلمين، منهم عمر شاهين وأحمد المنيسي، وكتب ما نشرته الصحف المصرية عنهم.

لقد أغفل مسلسل ليالي الحلمية هذه الحقائق التاريخية كلها ونسب إلى الشيوعيين ما لم يحلموا به من الأفعال وهم بهذا يريدون أن يقلبوا الحقائق ويجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، لكن التاريخ ليس ملكاً لهم ولا حكراً عليهم.