"كلثوميات" السنباطي.. إبداع يجاوز الزمن

"كلثوميات" السنباطي.. إبداع يجاوز الزمن

أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر

[email protected]

مُلحنو أغاني وقصائد "أم كلثوم" كـُثر، لكن من بينهم سيبقي "رياض السنباطي" "نسيج وحده". علي جانب آخر.. كثيرة هي الأصوات الشجية التي لحّن لها "السنباطي" وشدت بموسيقاه. لكن يبقي السؤال: لماذا ظلت "كلثوميات" السنباطي ذات فرادة فنية، وقيمة إبداعية.. شكلاً ومضموناً؟.

في محطة قطار الدلتا عند قرية (درين)، كلٌ بصحبة والده، التقيا لقاءً عابراً، عائدين من إحياء ليالي الأفراح. كان "السنباطي"/"بلبل المنصورة"  في السابعة عشرة من عمره حين مضى إلى القاهرة واستقر فيها، ولم يلبث أن دخل معهد الموسيقى العربية تلميذا، فارتأى معلموه أن هذا الفتى الناحل يعلم من فنون والده أكثر مما يعلمون، وأنه يضرب على العود أحسن مما يضربون، فعينوه أستاذا لتعليم الموشحات والعزف على العود في المعهد.

كان صيتها قد ملأ أفاق القاهرة. تابع ألحانها، وحسد مَن يـُلحن لها. تقدم "رياض السنباطي" "رياض السنباطي"1906) ـ 1981م) بإنتاجه الفني لشركة "أوديون" فعهدت إليه بمطربين ومطربات جُدد. لكنه كان علي موعد مع القدر.. فبعد سبعة عشر عاماً من لقائهما الأول، التقي "السنباطي" بـالفنانة "أم كلثوم" مرة أخري. استمعت "أم كلثوم" لبعض ألحانه، فلم تتمالك نفسها من براعتها، فطلبت منه أن يلحن لها. هكذا بدأت أصنع صفحات عمري ـ علي حد قوله في أحاديث صحفيةـ وتعاونت مع مطربة العرب الأولي علي مدار أربعين عاماً (د. رتيبة الحفني: أم كلثوم.. معجزة الغناء العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997م، ص:104).

كانت بداية اللقاء الفني، ورحلة العمر بينهما عام 1935م، حيث غنّت "كوكب الشرق/ سيدة الغناء العربي"أم كلثوم"(1898ـ 1975م) الطقطوقة الشعبية "علي بلد المحبوب" التي سبقها إلي غنائها في فيلم "وداد" المطرب عبده السروجي". ثم لحن لها المونولوج المشهور"النوم يداعب عيون حبيبي" من كلمات الشاعر "أحمد رامي"، أعجبت "أم كلثوم" بهذا اللحن وقدمته في حفلها ـ المُذاع ـ الشهري (أول أكتوبر1937) علي مسرح قاعة " "إيورات" التذكارية (الجامعة الأمريكية بالقاهرة). وقفت كوكب الشرق لتقدم مُلحنها الجديد"السنباطي". ويعتبر هذا اللحن تحولاً فنياً في حياة أم كلثوم والسنباطي معاً.

لقد أضافت "أم كلثوم " فارسا ثالثاُ إلي فرسان ملحنيها الكبار.. بعد "القصبجي"، و"زكريا أحمد". بينما وجد "السنباطي"  في "أم كلثوم"، "ضالته المنشودة"، ليحلق معها في سماء الشهرة. فلقد تمتعت "سيدة الغناء العربي" بقدرات صوتية، ومواهب فنية غير محدودة. وكانت براعتها فائقة، وإمكاناتها متعددة، وتمكنها بارز في حسن الأداء لأشكال الأغاني .. التقليدي منها، والمستحدث المعاصر.

أعطي السنباطي عصارة فنه.. "كلثوميات"/ أغنيات خالدة منها: "أغنية النيل"، "رباعيات الخيام"، "سهران لوحدي"، "يا ظالمني"، "جددت حبك ليه"، "ذكريات"، "أروح لمين"، "قصة الأمس"، "شمس الأصيل" الخ. نماذج جعلها بعض النقاد معيارا للأسلوب السنباطي في التلحين. فيما جعلها البعض الآخر نماذج للأسلوب "الكلثومي" في الغناء. برغم أن كلا منهما لم يعرض عن الأساليب الأخرى لا في التلحين، في الغناء.

سمات مدرسة التلحين "السنباطية"

تأثرت ألحان "السنباطي" الأولي لأم كلثوم بأسلوب "محمد القصبجي".. ناسجاً علي منواله، ثم بدأت في "الاستقلال" فنياً، والتنوع تلحينياً، والتميز إبداعياً. ثم تأثر "السنباطي" بـ"عبد الوهاب" والطريقة الحديثة التي أدخلها علي المقدمة الموسيقية، حيث استبدل بالمقدمة القصيرة أخري طويلة.  تبقي لألحان "السنباطي" سمة بارزة هي أنه ينسج الأغنية من أولها إلى آخرها على مزاج واحد لا يفارقها. ولم يكن ذلك مسلك "عبد الوهاب" و"القصبجي"، في معظم ألحانهما، إذ انصرفا إلى التجديد. وثمة من يحب أن يضيف إلى ملامح الأسلوب السنباطي الخاص، المكوث على الطابع العربي الخالص والأصيل (كمال النجمي.. تراث الغناء العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998م، ص، 205). 

قبل عام 1948 ظهرت ملامح "المدرسة السنباطية" في التلحين. إيقاعات عربية أصيلة، وبحور شعرية تقليدية فسيحة، وكلمة فصحى تقتضي في الإجمال لحناً مركزاً، وسككاً مقامية راسخة بعيدة عن المغامرة. لمّا تمايز أسلوبه الخاص في التلحين، واعلي صرحه لبنة لبنة، اختلط أسلوبه بأسلوب "أم كلثوم"، فأمكن لـ"رياض" التعبير عن " المرحلة الكلثومية" من "عمره الفني" بالقول: "قصة حياتي هي أم كلثوم". حتى حين عاودت "أم كلثُوم" الغناء لملحنين آخرين، كان قطار الأغنية "السنباطية/الكلثومية" قد اتخذ وجهته، فتابعه السنباطي بعد 1960 بعدد من الأغنيات الكبيرة: "حيرت قلبي معاك"، "حسيبك للزمن"، "لا يا حبيبي".

لقد تضافر الأسلوبان: السنباطي والكلثومي فبدت "حسناتهما في براعة الاختيار لما يُغني، والتخلص من المعاني المكررة، وأحياناً إجراء تعديلات طفيفة علي النص، ثم اصطياد التناغم الموسيقي في مقاطع كاملة".

نشأ "السنباطي" قوي العريكة.. فنياً، وألهمته نشأته الصرامة والجد والتطلع للتميز واجتناب السهولة وإغراء الرواج الرخيص. لذا لم يكن "صارماً فنياًً" مع الآخرين فقط، بل مع نفسه أولا، فرفض لألحانه ـ التي تعتصره حتي يبدعهاـ إلا أن تعلو.  

السنباطي.."ملحن القصائد"

من أشهر القوالب الغنائية التي اشتهر "السنباطي" بإبداعها لصوت "أم كلثوم": القصائد الشعرية. شاباً.. صحب "السنباطي" كبار الشعراء "كأحمد شوقي"، فسمت مداركه، وتغلغل حب القصيد بين أضلعه. فُكنّ لها حباً عميقاً، وبرع في أسلوب تلحينها، وتميز وتطور في أدائها. ولما لا وهو يقول:"الشعر أرقي أنواع الأدب، فيجيب والحالة هذه، أن تكرس له ارقي أنواع التلحين. غنه الوسيلة الوحيدة للارتقاء بالمستوي الثقافي والفني للجماهير، وهذا لن يتم إلا عن طريق أقرب وسيلة للتعبير عند الجماهيرـ الغناءـ الذي يعتبر ألصق الفنون وأقربها إلي نفوس الجماهير"(د. رتيبة الحفني: أم كلثوم،م.س.، ص:106).

لم تكن القصيدة العربية وحدها التي وسمت ملامح نتاج السنباطي/ الكلثومي. ملامح أثرت حتى في أغنياته الزجلية الكلثومية، بل اتخذت الأغنية الدينية والقصائد الوطنية مكانتها في تشكيل هذا الصرح الفني. وكانت لأمير الشعراء الحصة الكبرى في أغنيات أم كلثوم الدينية: من "سلوا قلبي" إلى "نهج البردة". تـُعد "سلو قلبي" من القصائد الكلثومية التي وسمت طابع الأغنيات السنباطية المسرحية، وهي مسبوكة سبكا ينم عن تفكير موسيقي بلغ ذروة قلما تـُدرك. لوازم موسيقية تتردد بانتظام محسوب وبتبديل مقامي مرتب. لوازم تمهد تارة لإعادة ما سبقها من أبيات، وتارة أخري لأبيات جديدة، على مقام جديد.

ولما غنت أم كلثوم قصيدة "النيل" وصفتها بأنها "معجزة شوقي"، وقال عنها "عبد الوهاب": "إنها من أجمل ما وضع السنباطي من ألحان". وتستوقفك "مصر تتحدث عن نفسها" فهي من أجمل ما وضع السنباطي سبكا وفكرا ولحناً موسيقياً. قصيدة مطلعها وختامها على مقام واحد (الراست). كما لحن السنباطي الكثير من أغنيات أم كلثوم السياسية والوطنية، فبلغت نحو ثلاثة وثلاثين، أشهرها "نشيد الجامعة"، و"نشيد بغداد"الخ. هذا فضلاً عن "شمس الأصيل"، و"مصر التي في خاطري"، فكان "بعضاً من أهرامها، وفرعاً من نيلها، ووجهة نظر عبقرية في الموسيقى العربية المعاصرة".

شدت "أم كلثُوم" قصيدة "أبي فراس الحمداني": "أراك عصي الدمع" بثلاثة ألحان، على مقام "البياتي" وهي لحن "عبده الحامولي" وغنتها "أم كلثوم" عام 1926،ومسجلة علي اسطوانات " اوديون". ثم أعاد "زكريا احمد" تلحينها علي مقام "السيكاه"، وغنتها " أم كلثوم عام 1944، ولم تسجل. وأخيرا على مقام "الكرد" لرياض السنباطي، وغنتها كوكب الشرق عام 1964 وسجلتها علي اسطوانات "صوت القاهرة".

كما أبدع "السنباطي" تلحين: "رباعيات الخيام"، التي تُعد "تحفة عمر"، لكل من "السنباطي" و"أم كلثوم" في آن. كان أول ما لحنه من الرباعيات، الرباعية البادئة بقوله: "أطفئ لظى القلب بكأس الشراب"، فأبدل من الكلمتين الأخيرتين عبارة: "بشهد الرضاب"، عملا بمسالك الوقار الذي وسمه في كل مناحي نشاطه. لا شك في أن أجواء القصائد التي اختار السنباطي أن يلحنها، أوحت إليه بمستواها الراقي، ألحانا من المستوى والأجواء نفسها يري نقاد أن المضمون النغمي للسنباطي قد اتخذ "لوناً صوفياً". منه نسج كثيراً من ألحانه الخالصة، ومنه فصّل عشرات الأغنيات التي تسمعها فلا تخطئ فيمن لحنها.

تاريخ طويل من الإبداع

إنه تاريخ طويل من الإبداع المُميز. يقرض الشاعر القصيدة، ويكتب المؤلف الأغنية، ثم يلتقي الثنائي الكلثومي/ السنباطي فتكون هذه الروائع: "أنشودة الربيع" لأحمد رامي  1935، "علي بلد المحبوب" لأحمد رامي  1936، "الملك بين يديك" لأحمد شوقي 1936، "عيد الدهر"لأحمد شوقي 1936،" إفرح يا قلبي" لأحمد رامي 1937 ، "قضيت حياتي حيري عليكي" لأحمد رامي 1937،" نشيد الجامعة" (يا شباب النيل) للأحمد رامي  1937،"النوم يداعب" لأحمد رامي  1938 ، "الورد فتح" لأحمد رامي  1938، "إجمعي يا مصر" لأحمد رامي (1938) ، "الشمس مالت للمغيب" لأحمد رامي 1939 ، "اذكريني" لأحمد رامي 1939، "بغداد" لأحمد رامي 1939 ، "فاكر لما كنت جنبي" لأحمد رامي 1939 ، "لما أنت ناويه" لأحمد رامي 1939، "يا ليلة العيد أنستينا" لأحمد رامي  1939.

في الأربعينيات شدت "أم كلثوم" بـ "أوبريت عايدة" لأحمد رامي 1942 بالاشتراك مع محمد القصبجي ، "قالوا أحب القس سلامه" لعلي أحمد باكثير، 1944 ، "هوى الغانيات" لأحمد رامي 1944 ، "السودان" لأحمد شوقي 1946 ، "أصون كرامتي" لأحمد رامي 1946 ، "حاقابله بكرة" لأحمد رامي 1946 ، "سلو قلبي غداة سلا وتابا" لأحمد شوقي 1946 ، "سلو كؤوس الطلا" لأحمد شوقي 1946 ، "ظلموني الناس" لبيرم التونسي 1946، "غلبت أصالح" لأحمد رامي 1946 ، "غني الربيع بلسان الطير" لأحمد رامي 1946 ، "طالما أغمضت عيني" لأحمد رامي 1946 ، "نهج البردة" لأحمد شوقي 1946 ، "هلت ليالي القمر" لأحمد رامي 1946 ، "ولد الهدى" لأحمد شوقي 1946 ، "يا طول عذابي" لأحمد رامي 1946 ، "النيل" لأحمد شوقي 1949، "ياللي كان يشجيك أنيني" لأحمد رامي 1949،

في فترة الخمسينيات ظهرت "رباعيات الخيام" لأحمد رامي 1950، "سهران لوحدي" لأحمد رامي 1950 ، "مصر تتحدث عن نفسها" لحافظ إبراهيم 1951، "يا ظالمني" لأحمد رامي 1950 ، "صوت الوطن"(مصر التي في خاطري وفي دمي) لأحمد رامي 1952،  "أغار من نسمة الجنوب" لأحمد رامي 1954  ، "بأبي وروحي الناعمات الغيد" لأحمد شوقي 1954، "قصة حبي" لأحمد رامي 1954، "عرفت الهوى مذ عرفت هواكا" لطاهر أبو فاشا  1955 ، "علي عيني بكت عيني" لطاهر أبو فاشا  1958 ، "يا صحبة الراح" لطاهر أبو فاشا  1955 ، "أروح لمين" لعبد المنعم السباعي 1958 ، الفجر الجديد لمحمد الماحي 1956  ، الله معك لصلاح جاهين 1956  ، صوت السلام هو اللي ساد لبيرم التونسي 1956، بطل السلام لبيرم التونسي 1958 ، بعد الصبر ما طال لبيرم التونسي 1958 ، "بغداد يا قلعة الأسود" - مهداة لثوار العراق لمحمود حسن إسماعيل 1958 ،" دليلي احتار" لأحمد رامي 1958 ، شمس الأصيل لبيرم التونسي 1958 ، عودت عيني لأحمد رامي 1958 ، قصة الأمس لأحمد فتحي 1958 ، "ثورة الشك" للأمير عبد الله الفيصل  1958 ، منصورة يا ثورة أحرار-مهداة لثوار العراق لعبد الفتاح مصطفي 1958 ، أغنية الجيش لطاهر أبو فاشا  1959 ، هجرتك يمكن أنسي هواك لأحمد رامي 1959  ،"

تأتي حقبة الستينيات ليتميز الإبداع الكلثومي/ السنباطي في "قصة السد"- أنشودة وطنية لعزيز أباظة 1960 ، "حيرت قلبي" لأحمد رامي 1961 ، توبة لعبد الفتاح مصطفي 1962 ، هسيبك للزمن لعبد الوهاب محمد 1962 ، "الزعيم والثورة" - مهداة إلى عبد الناصر لعبد الفتاح مصطفي 1963 ، "ثوار ولأخر مدى" - مهداة للرئيس عبد السلام عارف لصلاح جاهين 1963  ، بالسلام وبالمجد لبيرم التونسي 1963 ، لسه فاكر لعبد الفتاح مصطفي 1963 ، يا جمال يا مثال الوطنية - مهداة إلى عبد الناصر لبيرم التونسي 1963 ، إلى عرفات الله - أنشودة دينية لأحمد شوقي 1965 ، حولنا مجري النيل- أنشودة وطنية لعبد الوهاب محمد 1965،"رأيت خطاها علي الشاطئين" لمحمود حسن إسماعيل 1965 ،" ليلي و نهاري" لعبد الفتاح مصطفي 1963، يا حبنا الكبير" لعبد الفتاح مصطفي 1965 ، "يا ربى الفيحاء" لمحمود حسن إسماعيل 1965، "الأطلال" إبراهيم ناجي 1966 ، "أرض الجدود" لحمد العدواني 1966  ، "حبيب الشعب" لصالح جودت 1967 ، "حديث الروح" لمحمد إقبال 1967 ، "طوف وشوف" لعبد الفتاح مصطفي 1964 ، "قوم بإيمان وبروح وضمير" لعبد الوهاب محمد 1967 ، "أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصر" لإبراهيم ناجي 1969 ، "أقبل الليل يا حبيبي" لأحمد رامي 1969 ،

قبل خمسة أعوام من رحليها، وأحد عشر عاماً من رحليه نراهما يبدعان: "رسالة" لنزار قباني 1970 ، "من أجل عينيك عشقت الهوى" للأمير عبد الله الفيصل 1971،"الثلاثية المقدسة" لصالح جودت 1972، "القلب يعشق كل جميل" لبيرم التونسي 1971.

يجمل البعض مجموع ما غنت "أم كلثوم "من أنغام "السنباطي"، بست وتسعين أغنية: إحدى وعشرين قصيدة، وأربعة عشر مونولوجا، وثلاث عشرة طقطوقة، وثلاث وثلاثين وطنية، وخمس عشرة أغنية سينمائية. بينما يشير آخرون إلي أنها إحدى وتسعين أغنيه من ألحانه.

في الختام

لعقود أربعة (تخللها خصام عابر لعامين فقط) ظل "السنباطي" /عبقري العود العربي الملحن الرئيس لها. تجلت عبقريته في استثمار إمكانات صوت "كوكب الشرق" "أم كلثوم". فحققاً معاً طموحاتهما الفنية. ولعل تمرس السنباطي في أغنيات أم كلثوم المسرحية طوال هذه العقود، جعله "سيداَ" لا يجارى في هذا اللون. ويعلم الخبراء ما للغناء المسرحي من متطلبات دقيقة، هي الحد الفاصل بين الفشل والنجاح.

كانت "أوقاتى بتحلو معاك، وحياتي بتكمل برضاك" آخر ما غنت له "أم كلثوم". أثناء بروفات الأغنية وقعت صريعة لمرض التهاب الكلى. سافرت إلى لندن للعلاج. قبل سفرها قد طلبت من الشاعر "صالح جودت" أن يكتب أغنية بمناسبة "نصر أكتوبر 1973". كانت مطلع الأغنية: (ياللى شبابك في جنود الله.... والحرب في قلوبهم صيام وصلاة). مع عودتها طلبت من "السنباطي" تلحينها حتى تغنيها في عيد النصر. في 22 يناير 1975 تصدرتْ أخبار مرض أم كلثوم الصحف وكانت الإذاعة تستهل نشراتها بأخبار مرضها. ثم توفيت في 3 فبراير 1975 في القاهرة بعد حياة حافلة.

لحن السنباطي للكثيرين من سلاطين الطرب أمثال منيرة المهدية، فتحية أحمد، صالح عبد الحي، محمد عبد المطلب، عبد الغني السيد، أسمهان، هدى سلطان، فايزة أحمد، سعاد محمد، وردة، نجاة، وعزيزة جلال الذي قدم لها مجموعة من الأغاني العاطفية ولحن لها آخر عمل فني له:  "قصيدة الزمزمية"، وقصيدة من أنا؟"، لتكون آخر فنانة تقدم أعمال رياض السنباطي وتتوج بذلك مسيرتها الفنية.

منحه المجلس الدولي للموسيقي في باريس جائزته في عام 1964 وصنفه ضمن أفضل مائة موسيقي في العالم. إنه "السنباطي" الموسيقار العربي الوحيد، الذي فاز بجائزة اليونسكو كأحد خمسة علماء موسيقيين من العالم. إنه "أمير النغم" الذي أثرى الموسيقى العربية بالكثير من الألحان والأغنيات التي لا تملك عند الاستماع إليها الا الانبهار بها. كان عضوا لنقابة المهن الموسيقية، وعضوا في جمعية المؤلفين بفرنسا، وعضوا للجنة الموسيقي بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، وعضوا لجمعية المؤلفين والملحنين. كما حصل على وسام الفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1964، وجائزة الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1977، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقى ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل محمد أنور السادات وعلى الدكتوراه الفخرية لدوره الكبير في الحفاظ على الموسيقى.

رحل "السنباطي" عن الدنيا في التاسع من سبتمبر (أيلول) 1981 لتغلق مدرسة فنية كبيرة أبوابها، وتنطوي صفحة من أروع صفحات الموسيقى العربية. ولينتهي عصراً فريداً، لن يشهد تاريخ الموسيقى العربية مثيلاً له. لكن سيبقى فنه ما بقيت موسيقاه وألحانه في سمع الناس ووجدانهم.