منير مكرم الفنان الصادق ووقفة مع النفس

منير مكرم الفنان الصادق ووقفة مع النفس

د. كمال يونس

[email protected]

الفنان الكوميدي منير مكرم أخذ يتألق بصورة ملفتة للنظر، وخاصة بأدائه التميز لأدوار مسرحية تعد نقلة نوعية في حياته ، وخاصة بعد أن تجاوز مرحلة الانتشار الفني ، ويتضح هذا جليا من أحدث أدواره المسرحية ، ففي مسرحية الرقص مع الزمن ، والذي يشارك في بطولتها مع النجم محمود مسعود ، أدى منير مكرم دور الملقن العجوز بكافة أبعادها الإنسانية ، وأضاف إلي الشخصية من فيض موهبته ومخزونه الإبداعي ، حتى أنه التزم بالنص ، ولكن قدم الشخصية بعمق لافت للنظر ، فأضحك وأبكى ، ليذكرنا بالأداء المتمكن لممثلي الكوميديا العظام أمثال الريحاني ، مدبولى ، وكذلك فعلها في مسرحية ولاد اللذينة حين أدى دور الطبيب في ثلاثة مشاهد ، أضحك الجمهور من خلال مواقف كوميدية غير مفتعلة ، وأبكاهم واستحق تصفيقهم في مشهد موت الفتاة .

 محطات عدة مر بها منير مكرم خلال حياته الفنية ، لعبت فيها الصدفة دورا كبيرا في عمله بالفن ، هوايته للفن بدأت وهو طالب في الشهادة الإعدادية برعاية مدرس اللغة العربية بالمدرسة ، والذي كان مشرفا على فريق التمثيل ا.فاروق صالح ، ثم التحق بفريق التمثيل بمدرسة شبرا الثانوية العسكرية ، ليصير بعد فترة وجيزة رئيسا ومخرجا لفريق المدرسة ، فأخرج لعلى سالم ، وسعد الدين وهبه وانطون  تشيكوف ، ومارس هوايته للتمثيل بالمؤسسة الاجتماعية العمالية ، ونادى المنشية بشبرا الخيمة ، وكان السبب في تأسيس واحد من أضخم المسارح المسيحية ، وهو مسرح الشهيد العظيم مار جر جس بشبرا الخيمة ، وتأججت هوايته حين اكتشف أن كل دور يؤديه يضحك الناس حتى ولو كان جادا ، وفى مرحلة الجامعة آثر الابتعاد عن التمثيل حتى يتفرغ لدراسته ، وفى الكلية تعرف على سامي مغاورى وتوفيق عبد الحميد ونيرمين  كمال ،  وبعد تخرجه من كلية الحقوق لعبت الصدفة دورها فلقد ركب الباص خطأ ليجد نفسه في محطة الإسعاف بوسط القاهرة، ليجد لافتة مكتوبا عليها المسرح المتجول ، شده الاسم كثيرا ، وعبر الطريق ليسجد نفسه أمام المسرح ليقابل صديقه زين نصار ، الذي تعرف عليه من قبل في فرقة محمد صبحي ، وكان منير مكرم قد توقف عن ارتياد الاستديو الفني ، وأعرض عن التمثيل ، وكان يحس في داخله ميلا عظيما للإخراج ، لما فيه من تنظيم وحركة وانضباط وقادة وإدارة لكل عناصر العرض الفني ، فالمخرج من وجهة نظره كربان السفينة، وسأل زين نصار ما تلك الفرقة ، فأصطحبه ليقابل المخرج الكبير عبد الغفار عودة ، وفضل أن يعمل في الإدارة المسرحية  لمدة 8 سنوات كمساعد رابع وخامس لفرقة المسرح المتجول التي تجوب أقاليم مصر ، وهى فرقة ضمت مخرجين وشباب هواة وليسوا محترفين، وبعضا من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية ، وكان من بينهم عبلة كامل ،سامى عبد الحليم ، طارق لطفي ، مخلص البحيري ، زين نصار ، والسوري فراس إبراهيم الذي صار فيما بعد من أكبر نجوم سوريا ، كمال سليمان ، عصام السيد ، وأشرف زكى ، وهنا تلعب الصدفة دورها للمرة الثانية ، فلقد كانت الفرقة تعد لسلسلة من المسرحيات عن المسرح العربي ، وكان أشرف زكى يخرج مسرحية اسمها أرزة لبنان عن مارون وسليم النقاش وتأسيسهم للمسرح المصري في حديقة الأزبكية بالقاهرة ، وحدث أن غاب أحد الممثلين في دور عسكري ، وقام منير مكرم بدوره ليكون هذا الدور شهادة ميلاده كممثل ، رغم كرهه للتمثيل لما فيه من مشاكل تحدث بين الممثلين من ترتيب الأسماء على الأفيشات وغيرها ، وفجأة يجد نفسه مشتركا في العرض المسرحي شباب امرأة مع تحية كاريوكا ، وفاروق الفيشاوى ، فيفي عبده ، حمدي أحمد ، ومحمد متولي ، ومحمد فريد ، وكانوا فرحين جدا به ، ولما كان يخرج على النص بخفة ظل وحرفية ، مما أضحك الجمهور ، وجعله ينال إعجابهم ، مما أثار حفيظة النجوم الكبار وضيقهم ، ولكن فاروق الفيشاوى وقفا بجانبه ، حتى أن فاروق الفيشاوى هدد بانسحابه من العرض إذا أصروا على رحيل مكرم .

وأثناء تلك الفترة توثقت صلته بالمخرج عصام السيد منذ أن كان يعمل مساعدا له في مسرحية درب عسكر في المسرح المتجول ، ليشترك بعدها بالتمثيل في مسرحية شرم برم بطولة سعيد صالح ، وشارك فيها محمد سعد ( اللنبى ) لأول مرة في حياته ، وعرضت بحديقة الخالدين بالدراسة ولاقت نجاحا كبيرا ، وتوالت الأعمال مثل اللى بنى مصر من تأليف الراحل د.محسن  مصيلحى ، وإخراج عصام السيد ، ومسرحية أنا والقرد للمغربي عبد الكريم بن رشيد للمسرح الكوميدي ، وتقابل والنجم رياض الخولي، الذي كان في أشد حالات الإحباط واليأس من قلة العمل بالمسرح ، ودارت الأيام ليصبح رياض الخولى مديرا للكوميدي ، ومسرحية طب وبعدين إخراج محمد أبو داود ، ومساء الخير يا مصر تأليف د.محسن مصيلحى وإخراج ناصر عبد المنعم ، واشترك فيها أحمد رزق لأول مرة وكان لا  يجد مكان له غير غرفة منير مكرم الذي استضافه ، وكان يتردد على أحمد رزق في تلك الفترة مجموعة من زملائه أكرم وفادتهم منير مكرم ومنهم أحمد زاهر ، وفى المسرح القومي عمل والفنان الراحل علاء ولى الدين في مسرحية دماء على ستار الكعبة تأليف فاروق جويدة وإخراج د.هانى مطاوع ، ولما كانت باللغة الفصحى خرج وعلاء ولى الدين على النص الذي استمر  54 ليلة عرض ، خصم من كل منهما أجر 110 ليلة عرض نظرا لخروجهما على النص ، على الرغم من تجاوب الجماهير معهما بالضحك ،  أي بدلا من أن يقبضا راتبهما عليهما أن يسددا من جيبهما للمسرح ، وكان مدير المسرح وقتها الفنان محمود ياسين الذي خاطبهما بقوله العيب مش في المسرح القومي العيب فيكم ، أنتم  بتوع المسرح الخاص ما تجوش هنا تانى ، وأوقف الجزاء وصرف لهما أجرهما على ألا يعودا للعمل بالمسرح القومي مرة أخرى ، ولكنه قام ببطولة مسرحية عالم جنيدى من نوعيات المونودراما على قاعة عبد الرحيم الزرقانى ،وإخراج فوزي المليجى ، واستمر عرضها في ظل حضور جماهيري كبير لمدة 60 يوما ، ومسرحية يا مسافر وحدك إخراج هانى مطاوع ، وبطولة الفنان نور الشريف ، الذي ترك لمنير مكرم الفرصة كاملة ليؤدى كما يريد وبحرية دون أدنى تضييق ، مما جعل منير يصفه برئيس فريق التمثيل في مصر عرفانا وامتنانا  ، وفى المسرح الحديث  قدم مسرحية  الوطن من إخراج فهمي الخولى ، ومسرحية أهل الهوى ، ولمسرح الطفل قدم مسرحية عصفور الجنة ، ومسرحية على مبارك200( ليلة عرض) إخراج محسن العزب ، وفى مسرح الطليعة قدم قديما أحد مسرحيات المونو دراما  باعتباره من الهواة مما لفت إليه الأنظار بشدة ، ثم قدم بعدها عروض كروان الفن ، التلات ورقات ، ماتستفهمش ، وماكبت واللي بعده ، وأخيرا الرقص مع الزمن الذي جسد فيها شخصية الملقن تعبيرا عن ذاته وأحاسيسه كفنان ، فالفن معاناة ، والصدق كل الصدق في تجسيد معاناة البشر ككل ، مع إمتاعهم فكريا وفنيا والتسرية عنهم ، مع دفعهم دوما لاتخاذ مواقف بناءة ، مع النفس ، ومع المجتمع ، وللمسرح الخاص قدم شباب امرأة ، جوز ولوز ، و الواد ضبش عامل لبش ، ومع الأستاذ فؤاد المهندس روحية اتخطفت .

منير مكرم فنان يعمل حتى الآن من منطلق الهواية ، وليس الاحتراف، على الرغم من معاناته المادية ، مما جعل ابنته الصغيرة يارا تطلب منه أن يقبل ما يعرض عليه من أعمال ، وسؤالها البريء ماذا تفرق الأعمال الجيدة عن غيرها ، أعمل أي عمل يجيب لك فلوس ، فيرد عليها برقة كما تطلع يوستينا أختك الأولى على المدرسة ، أنا أحب التمثيل جدا ، وأريد أن أكون فيه الأول ، حتى لو أمام نفسي ، فكل ما أريده أن أترك لكما ذكرى رجل محترم تفخران به ، يتمنى لو أن يكون سطرا في كتاب الفن الخالد .

يعبر منير مكرم في أسى وضيق عن حال المسرح اليوم بأنه متردى للغاية ، والإشكالية المهمة من وجهة نظره هي قضية عدم وجود المتفرج ، وهى قضية أكثر إلحاحا عن أن نبحث عما نتقدمه ، ففن المسرح الآن صار متحفيا ، فمنذ دخول الحملة الفرنسية لمصر وعدد المسارح لا يزيد عن 6 أو 7 ، وليس هناك مسارح جديدة تنشأ  حتى في المدن الجديدة ، إضافة للمنافسة الشرسة للفضائيات وغيرها في مواجهة المسرح، ويرى الحل في مبادرة فنية من الفنانين ككل ، الكبار والصغار لعمل مسرحيات تستقطب الجمهور وتثير اهتمامه لمشاهدتها ليقبل الجمهور على المسارح ، ولابد من الاهتمام بفن المسرح في المدارس والجامعات والكنائس والمساجد .

أما عن عمله بالتليفزيون  فلقد تألق فنيا وعرفه الجمهور بعد اشتراكه في الحلقات الرمضانية الكوميدية الحقونا ، الذي تغير اسمه فيما بعد إلى  ادينى عقلك ، والذي شارك فيه بمحض الصدفة ، حين دعاه المخرج على العسال للعمل معه في أول لقاء لهما في مبنى التليفزيون ،حين اضطر النجم طلعت زكريا لتركه لارتباطه بالسفر في عمل فنى لتونس ، ورغم نجاحه في الحلقة التي أحدثت دويا كبير ا ترك العمل لعدم رضاء زملائه عنه ، فترك العمل فيها ، وفى العام الذي يليه أصبح بطلا للبرنامج ومعه حسين المملوك ، ولقد شارك مع المخرج فايز حجاب لأول مرة في عمل تليفزيوني ، وعلى الرغم من نجاحه لم يستعن به فايز حجاب في أي عمل آخر ، وشارك بعدها في العديد من المسلسلات مثل الإعصار ، لقاء على الهوا ، قلب امرأة ، مع أكبر المخرجين رضا النجار ، سامى محمد على ، حسن بشير ، أحمد السبعاوى .

وعمل بالسينما في أفلام البحر يضحك ليه ، خلطبيطة ، التجربة الدنماركية ،  وعمل مع نجوم كبار سمير سيف ، سعيد مرزوق ، ويوسف شاهين في فيلم إسكندرية كمان وكمان ، واضحك الصورة تطلع حلوة أمام النجم أحمد زكى ، الذي قال له بالحرف الواحد يا منير أنت فنان كبير قوى ، بس أنت بتهزر ، سيب الهزار مثل الدور اللى يجيلك ، هتبقى شئ محترم ، وشئ نادر ، و كانت تلك هي النقطة التي غيرت مجرى ومسار منير مكرم الفني ، وأفهمته على حد قوله مفهوم دراما الشخصية ، بكل أبعادها ، بطبيعية وتلقائية ، تبرز الجوانب المختلفة للشخصية بانفعالاتها ، والتي لم يصل إليها الفنان إلا بعد تراكم خبراته الإبداعية ، ويحس في نفسه الحاجة إلى تعميق وتطوير أدائه ، وهذا ما حدث في أحدث العروض التي شارك بها وكان تواجده وأدائه للشخصيات فيها شيئا ملفتا للنظر ، فقد أضحك الجمهور ، وأبكاه وصدقوه في الحالتين ، نظرا لأدائه المعبق بالصدق الفني والموهبة والخبرة التي اكتسبها بمرور السنوات من العمل في الحقل الفني ، مما جعل سميحة أيوب والنقاد يشيدون بأدائه الذي كان في هذين العرضين مفاجأة حقيقية للجميع ولكن كأي فنان كان لابد له أن يراجع نفسه ويقيم مشواره الفني خاصة بعد تجاوز مرحلة الانتشار ، ليتدخل القدر ويعمل مع الراحل العبقري النجم أحمد زكى ، ولكن كأي فنان كان لابد له أن يراجع نفسه ويقيم مشواره الفني خاصة بعد تجاوز مرحلة الانتشار ، ولكل مجتهد نصيب.