النجم محمود مسعود وحديث من القلب

د. كمال يونس

[email protected]

*  متى  بدأت علاقتك بالفن؟

ـ بدأت علاقتي بفن المسرح منذ صغرى بمدرسة محمد على الإعدادية ، ومدرسة بنباقادن الثانوية بالقاهرة ، وبعد الثانوية العامة ترشحت للقسم العام بالدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر ، ولكنني فضلت دراسة الفن بمعهد الفنون المسرحية ،وفي امتحان القبول بالمعهد أديت قصيدة كلب الست للشاعر أحمد فؤاد نجم، ولا أنسى تعليق الأستاذ سعد أردش على اختياري هذه القصيدة حين سألني : الراجل اللي كاتب القصيدة دى فين ؟ ، فقلت : في المعتقل ، فعلق قائلا المفروض يابني لما تيجى تمتحن تجيب أتنين عساكر معاك ، ونجحت في الاختبار وتخرجت عام 1975 بمسرحية من إخراجي وتمثيلي، وكان هذا حدثا في المعهد.

* ما هي العقبات التي واجهتك بعد التخرج ؟

ـ  بعد التخرج عزمت على السفر إلى أمريكا إلى ولاية نيو جيرسى ، وقد خططت لهذا  منذ أن كنت أدرس بالسنة الثالثة بالمعهد ،  نظرا لأنني أدركت مبكرا كيف أن العمل في الفن علاقات ، مرتبط بالأمزجة ، والاستلطاف ، دون النظر إلى الموهبة والدراسة والفن ، وانتويت أن أهاجر لأدرس الفن دراسة متعمقة ، موجها له كل طاقتي وموهبتي ، وحدثت مفارقة قدرية عجيبة ، قبل السفر بشهرين ، فلقد رشحني المخرج الكبير سمير العصفوري للعمل في مسرحية مولد الملك معروف ، ولما أخبرته بنيتي على السفر الذي أقترب موعده ، أخبرني أن العرض لمدة شهر فقط ، وبعدها أفعل ما أريد ، وعرضت المسرحية ونجحت ، وبعد العرض بأسبوع فوجئت بالمؤلف الكبير كرم النجار متحمسا جدا لي ، ويريدني أن أقوم ببطولة مسلسل السنين من تأليفه ، وإخراج علية ياسين التي اعترضت جدا على ترشيحي وتخوفت ، فلم أكن ساعتها بالاسم الذي تسند إليه البطولات ، وكان من نجوم هذا المسلسل حمدي غيث ، تيسير فهمي ، وجدي العربي ، أحلام الجريتلى ، ولما كانت الشخصية معقدة مركبة ، وقمت بأدائها بتوفيق كبير من الله ، لفت إلى الأنظار بشدة ، توالت الأعمال التليفزيونية، مثل مرارة الأيام ، الوجه الآخر ، أم كلثوم ، وغيرها ، ونلت عن مسلسل السنين جائزة أحسن ممثل تليفزيوني عام 1981 ، رغم اعتراضي على الوصف بأحسن ممثل ، لأن المسألة برمتها مرتبطة بإجادة وإتقان العمل ، ويدهشني إذا قام ممثل بما عليه من واجب ، تعقد الندوات للإشادة بما عمل ، حتى أن بعض المخرجين الفاشلين يقومون بعقد ندوات عن أعمالهم الفاشلة ، ليسهبوا في شرح المبررات الدرامية ، بنظرة استعلاء على الجمهور متهمين إياه بأنه لديه قصورا في فهم أعمالهم .

* ما هي العروض التي قدمتها في المسرح ؟

 ـ قمت بالتمثيل في عدة عروض  شكسبير في العتبة ، ضحايا الواجب ، بانوراما صلاح عبد الصبور ، مسافر ليل ، ياعنتر ، أبو زيد الهلالي ، شفيقة ومتولي ، مأساة الحلاج .

* وفى السينما ؟

ـ أما في السينما فلقد عملت حوالي 12 فيلما ، منها بيت الكوامل ، الحلم القاتل ، إنه قدري ، اخترت حياتي ، لا أستطيع أن أصفهم بالعمل العبقري أو المبهر ، ولا أستطيع أيضا أن أصفهم بالرداءة أو الإسفاف ، لقد كنت في مرحلة انتشار وأول من رشحني للعمل في السينما المخرج الكبير عاطف سالم رحمه الله .

* ما هي خلاصة تجربتك من العمل في الفن ؟

ـ  لقد تأكد لي من تجربة عملي في الفن أن الوصول للقمة سهل ، ولكن الاحتفاظ بها صعب عسير .

ما هي أبرز علل الوسط الفني ؟

تفشى الشللية في الوسط  الفني ، تجيب مين ، وما تجيبش مين ، مجموعات عمل ماشية مع بعضها ، تصر على تواجدها في الأعمال دوما بصورة جماعية ، دون إفساح المجال لمن هو أقدر على أداء الدور وهو من الخارج ،  مما يتنافي مع الإنسانيات والأخلاق ، ويعد تدخلا سافرا في أرزاق الغير ، وكثيرا ما يسأل منتج عن ممثل ما كما حدث معي ، فيخبرونه كذبا بأنني أرفض العمل ، وهذا يؤكد على أن التخطيط لحياة الفنان ومسيرته شئ مستحيل ، نظرا لما يعترضها من ظروف خاصة بالأعمال الفنية من عرض وطلب ، ولكن ألا يسند للممثل أية  أدوار في فترة ما ، فليس هذا معناه فشله ، ولكن ظروف المشاركة غير مواتية ، وهناك أيضا  ظاهرة ملفتة للنظر ، ألا وهى توحش الممثلين ومغالاتهم في أجورهم ، التي تلتهم ميزانيات الأعمال، وهى ظاهرة غير طبيعية ، قد يحدث هذا في بلد غنى ، والمسلسل يباع في جميع دول العالم ساعتها  فلتطلب ما شئت ، ولكن في بلادنا هذا تزيد ومبالغة مخالفة للواقع ، لأن كثيرا من الأقطار العربية لا تشترى بعض الأعمال ، وقد انتظرت ظاهرة المقاولات والمتاجرة بالأعمال الرمضانية ، أنا لا أستنكر أو استنكف أن تكون هناك مجموعات عمل متفقة فيما بينها على تقديم شئ ناجح ومشرق ومشرف مما قد يعلى من قيمة الفن ، في معالجته الدرامية لقضايا هامة وملحة يجب التصدي لها ، ولكن ضاع وبهت الاعتماد الأساسي على معيار الإجادة ، فلا أحد يحاسب أحد على أعمال تكلفت الملايين وهى بحق رديئة فنيا ومسطحة فكريا ، وحقيقة أجد أعمالا تعرض تكون فيها أدوار تستفزني وأتمنى لو عملت فيها ، وأخرى أحمد ربنا أنني لم أكن بين طاقم عملها لرداءتها ،  نحن في زمن لا يلتزم فيه الممثل بحجمه الطبيعي ، ليصبح صاحب الفضل على كل المشاركين معه في العمل ، وهذه كارثة كبيرة إذ يلتهم معظم الميزانية ،ويترك الفنانون والفنيون يعانون من وطأة،  وأثار المبلغ الكبير ، الذي تقاضاه النجم كأجر لعمله.

* كيف ترى واقع المسرح ؟

ـ وعن واقع المسرح سأرد عليك بمقولة لصلاح جاهين  في إحدى رباعياته:

بلياتشو قال إيه فايدة فنوني

وتلات وقاق مساحيق بيلونونى

والطبل والزمامير وكتر الجعير

إذا كان جنون زبونى

زاد عن جنونى.

هناك انفصام وتباعد بين المسرح والناس ، إذ أن الأحداث التي يمرون بها متلاحقة وكبيرة ، وأكبر من آي دراما تقدم لهم ، غير أنهم قد ملوا من الأنماط التي تقدم ، ليهجروا المسارح ، وتتباعد الشقة بين الجمهور والمسرح يوما بعد يوم ، فالمسرح يمر بفترة اضمحلال نأمل أن يتجاوزها ، ولن نتجاوزها إلا عندما تخف معاناة الناس ويستريحون ، حتى يستمعوا لما يقال لهم ، وأتحدى أن يكون هناك متفرج قادر على الجلوس لمدة 3 ساعات لمشاهدة عرض مسرحي ، فنحن في عصر اختزلت فيه الفنون بالكليبات ورحم الله زمان أم كلثوم.

* لماذا حظيت مسرحية روايح  بطولة فيفي عبده رغم رداءتها فنيا وفكريا بإقبال جماهيري ؟

ـ مرجعه هذا إلى رغبة الجمهور في رؤية النجم ، وحبهم إياه ، ولكن هل سألهم أحد الجمهور عن رأيه فيما شاهده بعد العرض .

*  من أية زاوية تقدم فنك ؟ تحاول تقديم فنك؟

ـ أحاول الإجادة والوصول إلى أعلى درجات التوصيل بتعميق اتصالي بالجمهور المشاهد لأعمالي ، وأنا أحاول دوما ، وهذا ليس بند مسمى التواضع بل هو الشيء الطبيعي المفروض العمل به وله ، من أجل أن يصل الفن برسالته للناس ، وأردد هنا قول فؤاد حداد شاعرتا الكبير:

 الفن أرذل مما ليس بالأرذل

فلتدل الدلو أو فلتدل بالجردل

 ومعنى هذا أنه متاح للفنان أن يفعل ما يريد ، ولكنه سيتحمل نتيجته .

* أين أنت من المسرح بعد بطولتك لمسرحية مأساة الحلاج من إخراج أحمد عبد العزيز عام 2002؟

ـ أنا في البيت ، استمتع ، وأعرف كيف أشغل نفسي ،  وأنا أتعرف بنهم وشغف على عالم الجرافيك والكومبيوتر ، وما أتابعه من أعمال لا أجد فيها ما يستفزني للمشاركة فنيا ، وها أنذا أشارك الآن في مسرحية الرقص مع الزمن لتشيكوف مع زميلي الفنان القدير  منير مكرم ، ومن إخراج الواعد المبشر أحمد إبراهيم، ومن الصدف أنها لتعبر عن معاناة الفنان .

* من وجهة نظرك كيف يرتبط الفن بالأخلاق ؟

ـ هناك بالفعل ارتباط وثيق ، فالفن من مهامه الجليلة توصيل الأخلاقيات للناس ، ولكن مازال عندنا آفات كثيرة ، فإذا ما لم يصّدق أحد الأخر قال له إنك تمثل ، كيف ؟!!،والتمثيل هو صدق ، جوهره اقتناع الممثل بالدور ، فإخضاعه جهازه العصبي وانفعالاته النفسية لتوصيل الشخصية وتجسيدها على ما يرام ، فإن تحلى الممثل بالصدق مع نفسه تمكن من إخضاع أدواته ونجح في أداء الشخصية ، وهذا هو الجهد الحقيقي في الفن .

* دائما تؤدى أدوراك في المسرح بالعربية الفصحى فما السر في ذلك ؟

ـ لحبى وولعي بالفصحى ، وليس تقليلا من العامية ، فمثلا أين نحن من عامية فؤاد حداد الذي لا يعرف عنه أحد حتى الآن إلا أنه مسكراتي ، بل أين نحن من عامية بيرم التونسي ، وصلاح جاهين.

 * كيف ننهض بالمسرح ؟

ـ الكلمة الصادقة هي الحل ، لأن كثيرا من المؤلفين أصبح هناك رقيب في داخلهم، فلم يعد ينطلق ولا يشعر بأنه لن يعاقب على ما يقوله ، رغم تأكيد الدولة أن نقول ما نريد ونفصح عما داخلنا في حرية ، ولكن تراكمات الماضي جعلت المواطن المصري يفكر في حدود ، ولا يتخطاها رغما عنه ، الفن ذكاء ومن الكياسة أن تقول ما تريد بالفن ، وهذا هو الفن الحقيقى.