مسرحية امرأة سعيدة

أداء فني رائع .. ولكن ..

جميل السلحوت

[email protected]

عرضت هذه المسرحية اكثر من مرة على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني في القدس الشريف وفي مناطق اخرى .

وواضح في المسرحية أن مخرجها كامل الباشا قد بذل جهدا كبيرا مع الفنانة القديرة نسرين فاعور لتأتي المسرحية عملا فنيا مميزا يستحقان الشكر عليه، ساعدهما في ذلك الإضاءة المؤثرة التي قدمها رمزي الشيخ قاسم.

القدرات الفنية :

لقد أثبتت نسرين فاعور التي مثلت المسرحية أنها تمتلك موهبة فنية واضحة، فمع بساطة الديكور وبساطة الملابس التي ارتدتها إلاّ أنها قدمت أكثر من دور بمفردها، فقد شاهدناها في العرض المسرحي الذي لعبته على مدار ساعة من الزمن تؤدي دور امرأة تقليدية مستسلمة لقدرها، كما أدت دور المرأة المتمردة التي ترفض القيود، ودور المرأة المغتصبة من قبل زوجها، ودور المرأة العاشقة لحبيبها، دور المرأة التي تتعرض للتحرش الجنسي من جارها وهي في بيتها وعبر الهاتف من مجهول، ودور المرأة ربة البيت الأم التي تعتني بأطفالها، ودور المرأة التي تتعرض لسفاح القربى من شقيق زوجها الذي يعيش معها في نفس البيت داخل الجبس بعد أن تعرض لحادث طرق، قطعت فيه إحدى يديه، وتكسرت عظامه، ودور الممرضة التي تعنى بهذا المريض، ودور المرأة التي تعاني الوحدة داخل بيتها المسجونة فيه، ودور المرأة التي تعرف ما تريد، ولكنها لا تحصل عليه، إنها تعرف حقها في المتعة الجنسية مع زوجها لكنها لا تحصل سوى على الممارسة بطريفة الاغتصاب، وأدت دور المرأة التي تحاول الخلاص من قيودها فلا تجد طريقة إلا الانتحار ومع ذلك لا تنجح في تحقيقه، ودور المرأة التي تصل أحيانا إلى ما يشبه الهستيريا نتيجة لثقل الضغوطات عليها.

لقد قامت نسرين فاعور بهذه الأدوار بقدرة فائقة نالت من خلالها إعجاب جمهور المشاهدين مما جعلنا نتساءل حقا: لماذا لا يتم استيعاب هكذا قدرات فنية مؤهلة في أعمال فنية اكبر؟

المضمون: المسرحية من تأليف الكاتب الإيطالي الشهير داريو فو وزوجته الممثلة الايطالية القديرة فرانكا راما. وبالتأكيد إنها كتبت للشعب الإيطالي وللشعوب الأوروبية التي تعيش ثقافة متشابهة إلى حد ما، وإن كان هذا لا يمنع أن تستلهمها الثقافات الأخرى، فالأعمال الإبداعية وفي مقدمتها الفنون ملك للإنسانية جمعاء.

وهذه المسرحية تعالج مشكلة اجتماعية تعالج قضايا حرية المرأة، سواء كانت حريتها في العلم والعمل وأن لا تبقى حبيسة البيت، أو حريتها في الحياة الكريمة، وهي تطرح أيضا قضية سفاح القربى، وهي قضايا موجودة في مجتمعنا كما هي موجودة عند جميع الشعوب، وهذه هي إحدى أهداف وادوار المسرح، فللمسرح أهداف تربوية، تعليمية، تعبوية، توعوية، وغيرها، وليس دور المسرح أن يقدم قصة فقط كما يزعم البعض.

فهل يتناسب موضوع المسرحية مع التقاليد الدينية والثقافية والشعبية الفلسطينية ؟ ؟

وقبل الإجابة على هذا السؤال أستشهد بمقولة فلاديميرايليتش لينين قائد الثورة البلشفية في روسيا عام  ا1917 التي يقول فيها " على الماركسيين من الشعوب الأخرى أن يبحثوا عن ماركسيتهم في تراثهم ".

ولم يفطن الماركسيون لهذه المقولة إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حتى أن بعضهم اعتبر أن عدم تطبيق تلك المقولة كان سببا في انهيار الأنظمة الاشتراكية والأحزاب الشيوعيه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

فثقافتنا الدينية وتقاليدنا تدعو إلى تعليم المرأة وتعطيها حقها في العمل وحقها في اختيار الزوج، وحقها في المتعة الجنسية " هن متاع لكم وانتم متاع لهن" وحقها في رفض الممارسة الجنسية مع الزوج إذا لم تكن راغبة في ذلك.

وثقافتناالدينية تعطي المرأة المتزوجة " بيتا شرعيا " مستقلا تعيش فيه هي وزوجها وأبناؤها لاحقا،وثقافتنا تدعو إلى التثـقيف الجنسي. وللعلم فقط إن مؤلفي كتب "تحفة العروس" و"الإمتاع والمؤانسة " وغيرهما هم رجال دين مسلمون، كما أن احد كبار رجال الدين في لبنان في عصرنا هذا له كتاب عن المعاشرة الجنسية، وقد ظهر في مقابلات متلفزة على أكثر من فضائية حول هذا الموضوع.

ودعونا نتساءل حول المسرحية: من الزوج الموجود في شعبنا الذي يرى زوجته في أحضان عشيقها، ويقبل أن تبقى له زوجة كما شاهدنا في المسرحية ؟ ؟

ومن الزوجة في مجتمعنا التي تجرؤ على إبلاغ زوجها أنها كانت تمارس " لعبة الجنس " مع أقرانها في سن الطفولة ؟ ؟

أطرح هذه الأسئلة، وسأطرح غيرها لأنني سمعت كما سمع غيري من يدافع عن مضمون المسرحية جميعه بعد العرض، ومن ضمنهم أشخاص مثقفون " ابدوا معارضتهم للمضمون في أحاديث جانبية، وابدوا إعجابهم به في الوقت نفسه في المناقشة أمام الحضور.

ودعونا نسأل أيضا مع التأكيد على أهمية التوعية والتثقيف الجنسي بطرق علمية مدروسة ومن قبل مختصين تربويين: ما الجدوى من الحديث على خشبة المسرح أمام الأطفال والمراهقين عن الرعشة الجنسية عند المرأة ؟ ؟ وهل يفهم البعض أن التثقيف الجنسي يبدأ  من نقطة " قمة اللذة الجنسية " ؟ ؟

صحيح أن مجتمعنا يعاني مشاكل اجتماعية كثيرة، ومنها اضطهاد المرأة الذي هو ناتج عن اضطهاد الرجل أيضا، ومن هذه المشاكل الكبت والحرمان الجنسي، وعلاجها ليس بهذه الطريقة، فليس كل ما يصلح لشعب من الشعوب يصلح للشعوب الأخرى، فهناك شعوب تقر الزواج المثلي، فهل يوافق دعاة التحرر عندنا أن نعمم هذا السلوك مثلا؟.

وللعلم فقط فان جورج بوش الذي يسعى إلى عولمة الحضارة الأمريكية وفرضها على الشعوب الأخرى بالقوة، تراجع عن المغالاة في طروحاته وطالب بالإصلاحات في الدول الأخرى ديمقراطيا من خلال ثقافات نفس تلك الشعوب.

               

مسرحية "امرأة سعيدة"

هالة البكري

مسرحية "امرأة سعيدة" زلزال هز القاعة الصغيرة في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ونالت على إعجاب وحماس وتساؤلات الحضور سواء كان سلبا أو إيجابا.

"امرأة سعيدة" مسرحية اجتماعية واقعية، تعرض قصة امرأة من الحياة سواء كان النص أجنبيا أو عربيا، فالنص مترجم عن الأدب الإيطالي إلا أن المخرج كامل الباشا وفق في اختياره ونقله للمشاهد، ليبدو وكأنه واقع اجتماعي موجود عندنا بالفعل، دخلت المسرح لمشاهدة العرض فشدني الجو العام بداية، جمهور من المثقفين والكتاب والمسرحيين والمبدعين، ثم ما لبثت الممثلة السيدة نسرين فاعور بمصاحبة الإضاءة الجيدة وموسيقا موزارت الثورية وأغاني الحرية الإيطالية والديكور البسيط، أن أدخلتني إلى عالمها والى جو النص الذي يحمل رسالة إنسانية اجتماعية تدخل إلى موطن العبرة في قلوبنا وعقولنا لأنها حالة إنسانية لا ننكر أنها تحصل في مجتمعنا، وجعلت نسرين النص حياة متحركة على ارض المسرح، حاورت عقولنا وقلوبنا وخلقت مناخا مثيراً وتساؤلات عديدة، وأيقظت في نفوسنا مواضيع لا نتجرأ على الخوض بها لأننا نعتبرها خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها.

في المسرحية تناقض وسخرية وعفوية، غضب ويأس، عجز وجهل، قمع ثم تمرد وثورة، خجل من واقع مؤلم حتى أمام النفس، وحوار موجه من الذات إلى الذات، حوار صارخ ثائر حيناً حائر صامت حينا آخر.

وهي تحكي عن المرأة الشقية مع أنها في بيتها تملك ( وسائل الراحة ) يسكنها الشعور بالوحدة والفراغ، فالمادة لا تفي باحتياجاتها النفسية أو العاطفية والعقلية، وهي امرأة مقموعة أصلا       "ليست أكثر من امرأة" وهي جسد وليست روحا وأحاسيس، مكبوتة لا يحق لها ما يحق للرجل. خائنة تضرب وتسجن وتعاقب إن زلت أو أخطأت، وهي أيضا تربت على ثقافة اجتماعية خاطئة عن الحياة والزواج وتكوين الأسرة، مستغلة من ذوي القربى، امرأة تموت رغباتها وتتوزع بين الواجب والعاطفة ، المسوح والممنوع ، فليس المهم كيف تفكر أو تريد، المهم ما يريده الزوج الذي يمثل المجتمع بسلوك نمطي اعتيادي متداول ومتوارث.

وكلام ذوي الخبرة والتجربة من النساء ونصائح الكبار. بيتك، زوجك، أولادك، وجودك ووضعك الاجتماعي.

أبدعت نسرين في المسرحية واستطاعت بالإيحاء الحركي والحوار أن تجسد واقعا أنثويا، وان تكشف المستور، وتحكي عن معاناة عدد لا يستهان به من النساء.

أما صورة الرجل ( الزوج) فهو أناني سادي، قامعي وخائن وسجان ... وهنا يجدر القول أن اللوم لا ينصب على الرجل وحده وإنما على المرأة ( الأم المربية) التي تربيه اجتماعياً وثقافياً، نفسياً وعاطفياً .

وفي النهاية وبالرغم من عدم تقبل بعض الأفكار التي طرحتها المسرحية من قبل بعض الحاضرين، إلا أنها بذرت بذرة، وزرعت فكرة ولا بدّ لكل بذرة أن يمر عليها شتاء ثم ربيع حتى يحين صيف القطاف. ولنصعد الدرج درجة درجة ولنرتقي بفكرنا ونتقبل الانتقاد على جميع الأصعدة حتى نسير نحو الأفضل.

تحية إلى المسرح الوطني والقائمين عليه، تحية إلى السيدة نسرين المبدعة، وإلى المخرج كامل الباشا، والطاقم بأكمله، والى إبداعات جديدة ونحن في الانتظار؟

               

مونودراما ( امرأة السعيدة )

تحطم جدار الخوف

إبراهيم جوهر

تطرح مسرحية " امرأة سعيدة " مشكلة المرأة المقهورة، المسجونة في سجن انفرادي بفعل الزوج الذي يمثل القامع الذي يتعامل مع المرأة كجسد بلا روح، وتتطرق إلى محاولة التكيف تارة مع هذا الواقع، ورفضه تارة أخرى، وتتواصل عملية كشف ذات الشخصية وفكرها مع توالي احداث المسرحية حتى تتخذ قرارا بالمواجهة بعد الاستماع إلى صوتها الداخلي الذي يوقفها في اللحظة الأخيرة من محاولتها الانتحار.

الانتحار فعل سلبي هروبي لا يحل مشكلة الفرد ولا المجموع الذي يمثله، فيبقى خيار المواجهة، وهي مواجهة مستمرة أبدع في إخراجها الفنان كامل الباشا، وأبدعت في أدائها ونقلها الفنانة نسرين فاعور، وأضافت إضاءة رمزي قاسم أبعاداً فنية إليها، وعمل ديكور عماد سمارة على تجسيدها، كما أسهمت موسيقى ريم تلحمي في تغليفها ونقلها بشكل مؤثر.

القصة :

تحكي قصة المسرحية عذابات امرأة ضائعة تشكلت بالاغتراب فتبحث عن ذاتها علها تجدها في المذياع والموسيقى وأعمال المنزل، فلا تزيدها إلا قهرا وذلا وتمردا تضاف إلى قهر شقيق زوجها الذي يرى فيها جسداً فارغاً يملأ به نزواته، وقهر زوجها الذي يمارسه غصبا وتعذيبا لروحها التي لا يلتفت إليها.

إنها المرأة المضيّعة التي تدعي انها سعيدة (عنوان المسرحية امرأة سعيدة ) وهي تهرب من مواجهة ذاتها بالضحك والعمل الذي لا يحقق لها أدنى شروط السعادة والذاتية، فيكون أن تتوزع روحها بين ثنائية طاحنة، فنراها تغني في الصباح، وتبكي في المساء، وهي تصارع ذاتها وتتحاور معها كما تصارع الآخر، تارة تضعف وتارة تقوى، ولكنها تظل مشتتة، حائرة، ضائعة، مغتربة عن ذاتها وعن مجتمهعا وعن زوجها.

إنها الفرد المحطم والمهزوم والضائع والمغترب الذي يظل يدور كثور الساقية الذي يظن انه يسير ويتقدم ولكنه يدور في حلقة مفرغة بدايتها ونهايتها متساويتان!

وتتراكم التحديات أمامها، وتزداد المتطلبات والواجبات الملقاة على عاتقها المهدور، تقرر الانتحار حتى ينتشلها صوت هو صوتها المغيّب، فيدعوها إلى تغيير مسار حياتها، فيكون ان تتحدى شقيق زوجها وتتحدى زوجها السجّان، وتكون النهاية المفتوحة ..

الأداء :

لقد دخلت الفنانة نسرين فاعور دائرة الإبداع في أدائها للشخصيات المسرحية مجتمعة، وأجادت ايّما إجادة في شدّ المشاهد بالحركة والصوت، وتنقلت مع الإضاءة الفنية لتعلو إلى فضاء الذات الممزقة التي تعاطف معها المشاهد، بل حمل همّها بعد ان عاش هموما نسوية من ممثلة تتقن دورها وتعي رسالتها، وهي رسالة المسرح عموما، في التنوير بعد الإقناع والتأثير.

الجنس في المسرحية

يدور النقاش في مجتمعنا حول الجنس ودوره في التربية، بمعنى، كيف ينقل؟ وكيف يتم التعامل معه اجتماعيا وتربويا وفكريا وفلسفيا ودينيا؟

ولقد طرح النص المسرحية مفهوم الجنس، بمعنى المباشرة والعلاقة مع المرأة كجسد دون روح، وكمستقل لا متفاعل، وهي المشكلة التي تؤرق الفتيات والسيدات، وتصادر حقهن، وتتنافى مع تعاليم الدين الشاملة والخاصة بهذا الموضوع، وربما لا يعلم الكثيرون شيئا عن تعاليم الدين الإسلامي الخاصة بهذا الموضوع، وكيفية المعاشرة الزوجية التي وصفها القرآن الكريم بالسكن ووصف المرأة والرجل باللباس (هن لباس لكم وانتم لباس لهن) صدق الله العظيم.

وأرى أن الإشارة إلى العلاقة الجنسية بالتلميح والكلام تغني عن تمثيله وتسد عنه أخذا بعين الاعتبار الإفهام المتفاوتة إلى كون هذه القضية في عمومها لها ما لها وعليها ما عليها، وهي تحتاج إلى إعداد الجيل بما يتلاءم وخصوصية المعتقد والثقافة السائدة، بعيدا عن "حرق المراحل" إذ يكفي أن يقال للطفل مثلا: إنك قد أتيت نتيجة علاقة زواج بين أمك وأبيك دون أن نرسم له هذه العلاقة!!

لقد نجحت المسرحية في إثارة هذه القضية للنقاش، وحين تعرضت لها إنما أثارت وتثير موضوع التربية الجنسية في مدارسنا حيث المراهقون والمراهقات الذين يتلقون ثقافتهم الجنسية من رفاق السوء، أو الشارع أو المجلات التجارية، والفضائيات المشوهة لقداسة العلاقة بين الذكر والأنثى، ودفئها وطهرها وجمالها حين تدفع الغريزة إلى المقدمة وتنحي جانبا، بل تغفل كليا، العلاقة الإنسانية الرحيمة القائمة على التعاون واللقاء والمحبة من اجل الإنجاز والإنتاج والحفاظ على النوعية.

في الختام، هذه المسرحية (امرأة سعيدة) تستحق المشاهدة والنقاش، وهي تفتح باباً واسعا له، وتثير العديد من الأسئلة التي تستحق أن تطرح وان تغنى بالنقاش والمداخلات لقد تحررت تلك المرأة من خوفها ومن سجنها ومن سذاجتها وادعاءاتها، وتمردت بوعي، فهل نحن فاعلون؟!

               

اسمعوا وعوا؟!؟!

محمد صبيح

طرحت مسرحية ( امرأة سعيدة ) لمؤلفها الإيطالي داريوفو ومخرجها الفلسطيني كامل الباشا قضية في غاية الأهمية وغاية التعقيد، والحساسية ( الجنس) من خلال معاناة امرأة قررت أن تبوح بمكنون أفكارها وتقوله بصوت مسموع على الملأ ..

مونودراما " امرأة سعيدة " كانت صفعة على وجوهونا جميعاً لنفيق من هذا السبات أو نخرج من دائرة الصمت، لنفعل شيئا ما أمام عشرات الأسئلة التي تركتها المسرحية تدق كالناقوس في عقولنا، لا ندري ما العمل .. وكيف .. ولماذا .. ومتى ؟ ! ! ؟

كانت المرأة " ماريا " بطلة وممثلة المسرحية الوحيدة وتلك صفة للمونودراما كلون من ألوان المسرح .. ، امرأة إيطالية وأمريكية واسبانية وهندية وعربية ..

كان وجهها يطل عليّ من حَواري القدس وزقاق نابلس وشوارع المخيمات ومصاطب القرى وقصور المدن والأكواخ .. ماريا كانت كل النساء، كل النساء

أدوات المسرحية:

لم أشاهد دخيلاً على العمل سوى بعض الخلفيات الموسيقية والأغاني باللغة الإيطالية وأفادوني أنها أغنية عن الحرية .. أما كل ما يمت للمسرحية بصلة فهو محلي من " قاع الدست" وكانت رؤية المخرج لبعض المواقف غاية في الإبداع، وتلك ارتبطت بشكل وثيق مع ممثلة قديرة لماحة استقبلت الفكرة وترجمتها بإيماءات وحركات مدروسة، معبرة، سلسة... نجحت بامتياز في إيصال الفكرة لجمهور متعطش، وأكثر من ذلك إن الممثلة استطاعت أن تحشد مؤيدين ومدافعين حتى عن أخطائها "الشنيعة" في ممارسة الحب خارج مؤسسة الزواج عندما رفعت وتيرة الدراما.. لتدفعنا إلى الاستنتاج بأنها ضحية ؟ !

رموز نارية:

وبخط مواز للفكرة الأساس زخرت المسرحية بالرموز والدلالات والإيحاءات من امتهان المرأة وإذلالها وعدم احترامها، ودفعها إلى الانحراف، مرورا بذبحها كل يوم معنوياً ومادياً انتهاءاً بتمردها وقرارها بالقتل . . قتل الخوف وانتزاع حقها بالدفاع عن نفسها وكرامتها وشخصيتها.

عودة على بدء:

محور المسرحية الفكري كان قضية اجتماعية تخص كل المجتمعات ( نساء ورجال ) وقد طرحت تلك القضية تحت عنوان الجنس ... هذا الغول الذي نمارسه في الخفاء ونلعنه بالعلن الامر ينسحب ايضا على كل المجتمعات ضمن معادلة النسبة والتناسب مرتبا بالمستوي الاقتصادي والتربوي التعليمي والفكري السياسي والعادات والتقاليد.

ومدى التطور لهذا المجتمع او ذلك وكذلك مدى ارتباطه بالنظام الابوي والذكوري..

وعند القوف على مسأة الجنس بكل ابعادها يبرز بشكل تلقائي قانون العيب والحرام والممنوع والاباحية والاخلاق ..

فمنا من يخترق هذه الدوائر ويتعامل معها كما يجب وهي نسبة قليلة جداً ومنا سرعان ما يغلقها ولا يجرؤ حتى على نقاشها، ويعتبرونها من المحرمات وهؤلاء هم السواد الاعظم واقصد هنا المجتمعات العربية .. فما هي النتيجة ؟ !

النتيجة هي ما طرحته هذه المسرحية .. سواء كان الطرح مباشراً او ضمنياً ومن يشكك في هذه الحقيقة فليذهب الى اقرب مركز نسائي للدراسات الاحصائية ويرى الارقام التي خرجت عن خانة الحالات الفردية لتتمكز في خانة الظاهرة المنتشرة ، الخطيرة .. فحالات السفاح، والدعارة، والخيانة ، والانفلات موجودة في اكثر الدوائر الاجتماعية محافظة على الاخلاق والدين . والحديث هنا ذو شجون

" وعودة ثانية "

لقد استطاعت الممثلة بكل جدارة ان تشدني بقوة، نعم جذبتني الى لوحات حية من المعاناة ووضعتني داخلها، وكل ما بدأت التفكير بهذه اللوحة حتى تهزني ثانية وتدخلني الى لوحة اخرى وكأني بها تقول : تعال هنا اهم وهناك الاهم وهكذا دواليك، لقد راقصتني من لوحة معاناة الى اخرى وكنت مشدوها في لوحة انا ؟ بل من انا ؟ هل انا الزوج ، ام السلف ام الجار ام العشيق ام ...

وماذا بعد ؟

لا املك المفردات الكافية في هذا العرض السريع لان اعطي العمل حقه، لان اخراجه يحتاج الى موضوع آخر وكذلك الاضاءة التي عانقت الحركة بطريقة ابداعية قلما اشاهدها ولا انسى الاكسسورات بطابعها الديكوري البسيط المعبر، الذي خدم العمل كفكرة ومضمون، وايضا المقطوعات الموسيقية التي لاحقت صدى الكلمات، وعبأت الفراغات التي لم تكن موجودة اصلا .

بقي ان اقول انني رأيت جمهورا من الممثلين في شخص هذه ( المرأة السعيدة ) الذي كان عنوانا كاريكاتوريا يسخر من اقعها ليعبر عن الام ومعاناة وصلت حد الهستيريا.