رحلة الفنانة التشكيلية (رهاب بيطار)

مع عالم الأسماك الملون حيث المتعة والإبداع

منى كوسا

[email protected]

عضو اتحاد الفنانين التشكيلين السوريين لها مشاركات عديدة داخل القطرو خارجه و أعمالها مقتناة في كافة أنحاء العالم و هي محامية و إمرأة تعمل في مجال السياسة و إنسانة طموحة تشتعل بالذكاء إضافة إلى إبداعها التشكيلي  , و قد أدهشتنا بإبداعها في معرضها الأخير بصالةالشعب بمدينة دمشق .

إن الفنانة في هذا العمل تعيد معانقة الماء من داخله محولة مادتها إلى نوع من التأنيس الذي لا يتخلى عن حرارة الإبداع أمام برودة الماء و لا عن عبق الأسماك بألوانها الزاهية , ولادة أحياءمائيةتحت أشعة الشمس الذهبية , إن هذا النوع من الحياة و هذه الكائنات كلها كانت متلاحمة , تشتعل دفعة واحدة في لهب عريض في ذات الفنانة وكل من يسبح من غرائب العالم أصبح يظهر في مرسمها نفذّت فيها طاقات وظهرت أخرى و ظهر الحلم و الحب , عالم المستقبل , اتجهت ببصرها بعيداً إلى امتداد البحر , تجاوزت حدود وعيها بذاتها إلى محاولة الوعي بما هو خارج الذات حتى أرادت أن تقرأ العالم الخارجي بمستقبلها الذاتي فقرأت حركة الأسماك سمكة سمكة , إنه و الحق يقال الحب يتكلم من أعماق الإنسانية ذهب مع مياه البحر بأسماكه و ألحانه و في لوحات " رهاب " كان له أجمل تعبير و كل فرد  يجد في هذا العمل الفني الرائع حبه المنشود كما وجدته الفنانة فهو حب يسبح بزعانف من شوق و يفوه بعبير متوج بلأمل .

استطاعت بما لديها من رؤيا فريدة جلاء مضامينها التي تخفي على سواها الأفصاح عن المضامين بصور و إيقاعات تتجسد في صياغات تشكيلية مميزة , لذلك كان أسلوبها في معالجة تجربتها الخاصة مبطناً دائماً بالفكر الواعي لرسالة الفن في مواجهة العالم .

الحياة المائية هي مركز أوهامها و مهبط وحيها فالماء و الحب قد امتزجا بخبز حياتها فروح الفنانة بحر لا ساحل له قبالة هذه الكائنات العجيبة المتناسقة الجمال و الترتيب تدفع بالمتلقي أن يقنع بأحساسه دون أن يحتاج إلى شرح فهي معبرة بلسان الصمت و براعة الألوان من وقع نبضات يحد فيها المرء نفسه كابناء البحر وثمة في أعماقه رباط غريب من نوعه و عاطفي يشده ويوحده و ذاته لحقيقة إشارة الخلق المتجدد التي أمامه تشع  وتتوهج ومن إيجاد مضمون سره الإبداع . ويبقى السؤال ما الأمور التي اجتمعت في هذا النوع الخاص من الفن فجعلت له كل هذا الحضور في مرايا الفن التشكيلي و تجلياته في آفاق النقاد ؟

الإجابة على ذلك أولاً من خلال التركيز على عنصر يمثل صلب العمل الفني وهو عنصر الشكل أي حرصت الفنانة على جذب الانتباه فكانت أشكال السمكات عندها محط الاهتمام أكثر من غيرها , وثانياً لأن الفن عندها حافل بجماليات في مستويات مختلفة ركّزت على الخيال و القيم التعبيرية و تناغم الخطوط مما يجعل القراءة مفعمة بالموسيقا و من الجدير بالذكر أن التركيب التشكيلي للوحة قد أحكم ربط عناصرها و شد نسيجها على نحو متقن .

و في كل اللوحات تعتمد الفنانة " رهاب " على التأمل  و الرصد عبر ذات مثقفة إنها ذات الفنانة و هي بوعيها المتوقد ترى الحياة وفق منظورها هذا لأنها ظلت مشغولة بإبراز إنسانيتها متكئة على إحساسها الفني .

الفن عموماً و الإبداع خصوصاً قادران على الولوج إلى داخل النفس البشرية و قراءة أدق التفاصيل و في وضعيتها الطبيعية ثم تجسيد هذه القراءة في منظومة تشكيلية تؤصل العلاقة مابين المرئي واللامرئي .

أعمالها تذكرنا بالفنان السوري " يوسف عبد لكي " حيث تتحول عنده شخوص اللوحة إلى الأشياء و بعد ذلك تصبح الحاضر و الغائب .

رسمت رهاب رؤوس أسماك ووضعتها في وعاء و كذلك سمكة خلف سمكة بإتقان و قد أبدعت في ذلك .

من يتجول في المعرض يجد رائحة السمك الطازج أكثر طغياناً من أية فكرة لكنها رائحة خاصة و مختلفة إنها رائحة الإبداع اللوني , سمك بعيون مذهلة لا تعرف النوم تنظر نحو عيني المشاهد الواقف أمام اللوحة الضخمة .

هذا هو عالم الأسماك لدى رهاب كله انتباه و حركة و بخطوطها القوية تريك كيف أنها تتحرك دائماً في مواجهة عالم البحار المعقد .