في المسرح الجزائري3

في المسرح الجزائري

3

مسرحيّة "ياقوت والخفاش" لأحمد بودشيشة

ياسين سليماني

[email protected]

3-الغير معقول في "ياقوت والخفاش":

إذا كانت المسرحية التي بين أيدينا تُصوّر فئة من الشعب عاشت زمنا طويلا في الريف فلا بدّ أن تكون عاداتها وتقاليدها ، تصرفاتها وحتّى كلامها يوحي بطريقة حياتهم وقد نجح الكاتب في تصوير ذلك من خلال أسماء الشخصيات وكذلك من خلال ذكر العديد من مستلزمات الحياة الريفيّة غير أنّ الحوار أخفق في العديد من المرّات في إظهار ذلك .

تقول ياقوت:"وقلوبكم التي قُدَّتْ من حجر"

كما تقول لها برنية:"الجايح ما سلاك أبدا" وفي مكان آخر تقول نزيهة لفاتح :"إذا استمررت على هذا انهج فستتعوّد الكسل والدعة"

ولا ندري كيف لشخصيات عاشت في  الريف عقودا من الزمن تتحدث بمثل هذه الألفاظ وهو ما لا ينسجم أبدا مع الشخوص.

*ياقوت حسب المسرحية امرأة سبق لها الإنجاب قبل عشرين سنة ، أي أنها امرأة ناضجة تعرف أمر الحمل والولادة والمرأة الحامل وغير الحامل وهذا ما لا نجده هنا حيث طوال الخط الدرامي للمسرحية تعمّد الكاتب إظهار ياقوت في ثوب الجاهلة وهذا ما أسقط الكاتب بين كرسيين ، كرسي المحافظة على وجود شاب أنجبته لأنّه عنصر مهم في الأحداث وكرسي المحافظة على حيرة المرأة من جانب موضوع الحمل رغم كون الكاتب قادراً على تجنيبها هذه الحيرة والجهل وتعويضهما بفكرة أخرى مع وجود الحمل.

*تقول نزيهة لفاتح عن "الغول" أو "الجايح" الذي رآه فاتح وتحدث إليه، وهذا قبل أن تراه نزيهة حتّى أنها لم تصدقه:

- "على كل حال أنا لم أكذّبك ولكن فكّر معي ، أنت تقول أنه رجل أشقر استوقفك وأنت قادم إلى هنا ، كان مليحا أبيض البشرة".

والجملة الأخيرة لا نعرف قط من أين جاءت بها نزيهة فقولها" كان مليحا أبيض البشرة" يُظهر أنها تعرفه أو أنها سمعت عنه وهي لم تعرفه من قبل أبدا كما لم يخبرها أحد عنه سوى فاتح الذي لم يحك لها إن كان مليحا أم بشعا وحتى وإن افترضنا على أسوء الفروض خطأ مطبعياً أسقط علامة استفهام في آخر الجملة بحيث تكون سؤالا فهذا أيضا مما لا يستقيم لأن السؤال لا يكون بهذه الكيفية وبالتالي فإنها لا تصلح أن تكون من كلام الفتاة.

*في ص88 وبعد عودة السعيد زوج زعرة من الحقل على غير عادته في مثل ذلك الوقت نجد الرجل يقول لزوجته التي خافت على أختها ياقوت أن يلتهمها الغول:

-  هيا، هيا، عجّلي إليها وحاولي أن تنقذيها مما تتعرض له.

فتقول له زعرة: أنا ذاهبة حالاً.

وما لا يُعقل هنا هو أنّ رجلا شديد القوة والبأس مثل رجل الريف الذي يخاف على عرضه ويذود عنه كيف له أن يرسل أو يفكر في إرسال زوجته لحماية امرأة من رجل؟ أليس أحرى أن يذهب هو؟

*النقطة الأخيرة في هذا الجزء هو كلام "الجايح" لياقوت بعد أن اقتحم عليها بيتها ، حيث يقول لها:" لما حاصر الجنود الفرنسيّون "الدُوّار" وشرعوا في قصفه بمدافعهم كان ذلك اليوم هو يوم عرسك..."إلى أن يقول لها:" قد تكون هذه فكرته ، أعرفه جباناً"

وهذا الكلام جاء في ما يقرب اثني عشر سطرا، وهذا ما لا يمكن أن يكون في موضع كهذا، وهو موضع اعتداء، إذ كيف لرجل يعتدي على امرأة يمكن أن يقول كل هذا الكلام وتسمح له بذلك دون أن تقاطعه. كما لا نعرف أنّ المعتدي يأتي ليحكي حكايا من التاريخ حدثت قبل عشرين عاما وهو يعلم أنه في أيّة لحظة سيتم اكتشاف أمره ويقع في ورطة ، كما أنّنا لا نعرف امرأة شريفة يدخل عليها رجل غصبا تتركه يفضي لها بكل هذا الكلام المستغرق للوقت الطويل!!