في ذكرى ثورة 23 يوليو

ظلت مصر لأكثر من 1500 عام لم يحكمها مصرى واحد ثم جاءت ثورة 23 يوليو 1952 وغيرت كل المقاييس وحققت نجاحات غير مسبوقة برغم أن بعض قيادات الثورة أثناء نقاشهم الأخير لخطة الثورة توقعوا نجاح الخطة بنسبة 10% فقط وأعطيت الخطة اسمًا سريًّا وهو نصر ونُفِّذت الثورة وحققت أكثر من المتوقع.

أذكر أن الثورة اندلعت فجر يوم الأربعاء 23 يوليو عام 1952 وكان الإرسال الإذاعة يبدأ فى الساعة السادسة والنصف صباحا وكان الإذاعي القدير فهمي عمر ينفذ الفترة الصباحية كل يوم أربعاء وتم تأمين الإذاعة عن طريق جيش مصر وحضر المقدم محمد أنور السادات للإذاعي فهمي عمر : هناك بعض التعديلات على برامج الإذاعة وأنه سيقوم بإلقاء بيان خلال الميكروفون عقب بدء الإرسال مباشرة ولم يتردد فهمي عمر لحظة واحدة فى تلبية الطلب وقال لأنور السادات :  سأقول بعض الكلمات التى نحيى بها المستمعين ودخل السادات الاستديو وكان يعتزم إذاعة البيان بعد المارش العسكري الذي يعقب افتتاح المحطة الذي كان ينتهي في السادسة واثنتين وثلاثين دقيقة ولكن علم فهمي عمر من المهندسين أثناء إذاعة المارش العسكري بأن الإرسال قد قُطع من محطة أبو زعبل ولمَّا علم السادات خرج من الاستديو وأبلغ الموقف للقيادة وواصل فهمي عمر تقديم فقرات البرنامج اليومي وفقاً للمواعيد رغم علمه بانقطاع الإرسال وبعد حوالي أربعين دقيقة من انقطاع الإرسال عاد الإرسال وكان ذلك في حوالي الساعة السابعة وثلاث عشرة دقيقة فبادر فهمي عمر بإبلاغ السادات بعودة الإرسال فسأله : هل يمكن إلقاء البيان ؟ فقال فهمي عمر : بعد دقيقتين ستنتهى إذاعة القرآن الكريم وسوف يتلوه حديث دينى لمدة عشر دقائق فقال السادات : لا.. أنا سأذيع البيان بعد القرآن مباشرة وفى الساعة السابعة والربع تماما تأهب الإذاعي فهمي عمر لتقديم السادات لإذاعة البيان وإذا بالمهندسين يبلغونه مرة أخرى بأن الإرسال قد قُطع ثانية ولكن هذه المرة من مصلحة التليفونات وليس من (أبو زعبل) وفى الساعة السابعة وسبع وعشرين دقيقة عاد الإرسال مرة أخرى وكان ذلك من المصادفات الحسنة لأن نشرة الأخبار كان موعدها فى السابعة والنصف صباحاً وهو أفضل موعد يستمع فيه الناس إلى نشرة الإذاعة.

عندما  دقت ساعة جامعة فؤاد وقتئذ معلنة السابعة والنصف تأهب الإذاعي فهمي عمر لتقديم محمد أنور السادات بالصفة التى طلبها وهى أنه مندوب القيادة فقد رفض أن يقدمه باسمه وقال فهمي عمر : سيداتى وسادتى أعلنت ساعة جامعة فؤاد الأول السابعة والنصف من صباح الأربعاء الثالث والعشرين من يوليو وإليكم نشرة الأخبار التى نستهلها ببيان من القيادة العامة للقوات المسلحة يلقيه مندوب القيادة وانساب صوت محمد أنور السادات يعلن أول بيان للثورة واستغرقت تلاوته دقيقتين ونصفا واختتم القراءة بذكر موقع البيان اللواء أركان حرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة وواصل فهمي عمر قراءة نشرة الأخبار التي كان معظمها خاصا بمراسم تشكيل وزارة نجيب الهلالى ومقابلات الملك مع رئيس الوزراء والوزراء وقد سأل السادات قبل قراءة النشرة : هل يحذف منها شيئا فقال : أقرؤها كلها كما هى .. وما كاد السادات ينتهى من قراءة البيان حتى تركه لأحد الضباط القائمين على حراسة الإذاعة وعاد إلى مبنى رئاسة الجيش ولم يتم تسجيل البيان عند إلقائه فى المرة الأولى بصوت أنور السادات .. لأنه لم يكن معروفاً لدى الإذاعة وقتئذ نظام التسجيل بالأشرطة البلاستيك بل كان التسجيل يتم بأشرطة صلب بماكينات كبيرة وصغيرة بعد وصول المهندس المختص بعد الساعة التاسعة صباحاً يوميا.

بعد إذاعة بيان الثورة امتلأت الشوارع المحيطة بالإذاعة بالآلاف من المواطنين وهم يقبلون جنود القوات المسلحة وقدموا لهم الشاى والبسكويت مرددين ( تحيا مصر) وبعد مغادرة محمد أنور السادات دار الإذاعة بعد إلقائه البيان الأول كثرت الاتصالات مع الإذاعة لإعادة إذاعة البيان نظراً لأن فئات عديدة من الشعب لم تتح لها فرصة الاستماع إليه وعندما استأنفت الإذاعة إرسالها فى فترة الضحى التى تبدأ فى العاشرة صباحاً وتنتهى فى الحادية عشرة والنصف كان المهندس أحمد عواد المختص بالتسجيل قد وصل وطلب المذيعون من أحد الضباط القائمين بالحراسة إلقاء البيان بصوته ليسمعه أولئك الذين فاتهم الاستماع إليه فى الفترة الصباحية وتقدم الصاغ محيى الدين عبد الرحمن وألقى البيان على الهواء مباشرة فى العاشرة صباحا وتمكن المهندس أحمد عواد من تسجيله وبدأت محطة الإذاعة تذيعه على فترات ليسمعه أكبر عدد من المواطنين ولكن قراءة الصاغ محيى الدين عبد الرحمن كانت مليئة بالأخطاء اللغوية إلى الحد الذى أثار ثائرة الكثيرين وجعلهم يتصلون بالقيادة لتدارك الموقف وبالفعل اتصلت قيادة الحركة بالرائد محيى الدين عبد الرحمن بالإذاعة وطلبت منه وقف تلاوة البيان بصوته وتكليف واحد من المذيعين بتلاوة البيان بطريقة صحيحة وكان أول مذيع يقرأ البيان بصوته هو المذيع صلاح زكى كما أذاعه المذيع جلال معوض بصوته فى نشرة أخبار الثامنة والنصف مساءً ولم يسجل البيان بصوت أنور السادات إلا خلال الاحتفال الذى أُقيم بمناسبة مرور ستة أشهر على قيام الثورة أى فى يوم ٢٣ يناير ١٩٥٣.

قولوا لمأذون البلد : فى يوم قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 كان الفنان محمد رشدى على موعد مع القدر والشهرة فقد كان محددا له أن يذيع على الهواء مباشرة من إذاعة البرنامج العام بداية من الساعة الثامنه والربع وحتى الثامنة والنصف صباحا فقرة غنائية بمصاحبة الفرقة الموسيقية وعندما ذهب الى مبنى الإذاعة فى شارع الشريفين وجد الدبابات وقابل المسئولين فأخبره رجال الثورة الموجودون وقتئذ ( الرئيس الراحل أنور السادات واللواء جمال حماد ) بأن إذاعته قد ألغيت نظرا لوجود ثورة فجلس محمد رشدى وبكى فتعاطف الموجودون معه وسمحوا له بالغناء وعندما سألوه ماذا ستغنى؟ قال :  قولوا لمأذون البلد .. قالوا : غني فاليوم فرح .. هكذا غنى محمد رشدى بينما العالم كله يتابع إذاعة القاهرة ليعرف أخبار الثورة التى قامت فى مصر وأغنية قولوا لمأذون البلد من كلمات محمد فتحي وألحان وغناء محمد رشدي .

ع الدوار : بعد يومين من قيام ثورة 23 يوليو 1952 غنى محمد قنديل من كلمات حسين طنطاوي وألحان أحمد صدقي (ع الدوار ع الدوار .. راديو بلدنا فيه أخبار).

 عبد الحليم والثورة : عندما تقدم عبد الحليم إلى لجنة الإذاعة اللجنة اعترضت على طريقة أدائه خاصة مصطفى رضا مدير معهد الموسيقى العربية الذي طلب منه الابتعاد عن غناء الخواجات وأن يقدم غناء شرقيا خالصا كذلك نقيب الموسيقيين في ذلك الوقت عبد الحميد عبد الرحمن ولكن عبد الحليم لم ييأس وكذلك الأمر لكمال الطويل الذي وجد حماس حافظ عبد الوهاب لغناء عبد الحليم.

بعد أن رفضت اللجنة اعتماد عبد الحليم مطربا في الإذاعة‏ خرج من الإذاعة في طريقه إلى البيت وأثناء سيره في الشارع كان حزينا وشارد الذهن ولم ينتبه إلا على صوت سيارة مسرعة كادت أن تدهم رجلا‏‏ فأسرع وأنقذ الرجل من أمام السيارة‏‏ واكتشف عبد الحليم أن الرجل الذي امتدت له يده لشده بعيدا عن السيارة المسرعة هو مصطفى رضا رئيس لجنة الاستماع التي رفضته منذ قليل‏ وقال مصطفي رضا : أشكرك يا ابني‏ أنقذتني رغم أننا رفضنا أن نقيدك مطربا في الإذاعة‏ فضحك عبد الحليم وقال‏ :‏ أنا جريت أنقذ سيادتك‏ لأني خفت أن يتطور الغناء‏ فضحك مصطفى رضا وهو يكرر نصائحه لعبد الحليم أن يغني غناء شرقيا لا غناء الخواجات‏.‏

تقدم عبد الحليم مرة أخرى إلى لجنة الاستماع المكونة من محمد عبد الوهاب وأم كلثوم ومحمد القصبجي ورياض السنباطي وحافظ عبد الوهاب وأثنى الجميع على موهبة وإحساس عبد الحليم حيث قالت أم كلثوم : الله‏ .. وقال محمد عبد الوهاب : أعد‏. .. وقال محمد القصبجي : مبروك‏. .. وقال رياض السنباطي : أنت مكسب للغناء‏.‏

غمرت السعادة عبد الحليم وكان لابد أن يغير اسمه نظرا لوجود شقيقه المطرب إسماعيل شبانة ووفاء منه وتقديرا لمساعدات حافظ عبد الوهاب غير اسمه إلى عبد الحليم حافظ وبدأ مشواره مع الغناء وكانت قصيدة لقاء كلمات صلاح عبد الصبور أول قصيدة يغنيها بعد اعتماده في الإذاعة وهذه القصيدة كانت مكونة من 18 بيتا وأختار منها كمال الطويل 8 أبيات

بدأت علاقة عبد الحليم بضباط ثورة 23 يوليو عام 1952 قبل اندلاع الثورة بحوالي ستة أشهر فقد جمعه لقاء بالشقيق الأكبر لصلاح سالم وهى محيي سالم الذي كان من أصدقاء وحيران عبد الحليم وفي شهر نوفمبر عام 1952 أي بعد قيام الثورة ذهب عبد الحليم حافظ إلى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة وقدمه صلاح سالم للرئيس جمال عبد الناصر الذي كان وزيرا للداخلية وقتئذ وعبد الحكيم عامر وأنور السادات وللوهلة الأولى أدرك عبد الحليم أن جمال عبد الناصر هو مفجر الثورة واستمر لقاء عبد الحليم وجمال عبد الناصر نحو 30 دقيقة وخلالها تحدث حمال عبد الناصر عن دور الفن في بناء المجتمع والتعبير عن الثورة وقال لعبد الحليم : أنت ابن هذه الفترة وأعرف ماحدث ذلك عندما غنيت في الإسكندرية ورفضك الجمهور ثم أكد جمال عبد الناصر لعبد الحليم حافظ على أن الناس لاترفضه وليس فاشلا ولكنه أسلوب جديد في الأداء.

كان الرئيس عبد الناصر من أشد المعجبين بصوت عبد الحليم والمتحمسين للتجربة الحليمية في الغناء العربي وفي 18 يونيو عام 1953 أقيم حفل أضواء المدينة بحديقة الأندلس وتأخر الفنان محمد عبد المطلب عن موعد فقرته الغنائية في هذه الليلة لأكثر من ساعة فجاء قرار يوسف وهبي بأن يكون عبد الحليم البديل الذي يملأ هذه الفقرة وطلب عبد الحليم من يوسف وهبي ألا يفتتح الحفل به‏ حيث قال عبد الحليم‏ ليوسف وهبي :‏ تعرف أن الجمهور في بداية أي حفل‏‏ لا يكون في حالة الاندماج المناسبة لسماع أي مطرب‏‏ والمطرب الذي يتم افتتاح الحفل.

أعلن الفنان يوسف وهبي إلغاء الملكية وأعلن الجمهورية وقدم الصوت الجديد عبد الحليم حافظ مع صديقه ورفيق كفاحه محمد الموجي وكان عبد الحليم حافظ المطرب الأول بعد نشرة الحادية عشرة مساء من راديو القاهرة وفي أول ليلة من ليالي أضواء المدينة وفي حفلها الأول‏‏ وانفتح الستار على ستين عازفا أمام كل منهم نوتة موسيقية‏. وغنى عبد الحليم صافيني مرة التي رفضها جمهور الإسكندرية من قبل في الأربعينيات واستقبلها الجمهور البالغ عدده ( 13 ) ألف بإعجاب شديد وتصفيق حاد وكانت أغنية صافيني مرة كلمات سمير محبوب وألحان محمد الموجي أول أغنية يغنيها عبد الحليم حافظ في حفل فني كبير وبعد أن انتهى عبد الحليم حافظ من الغناء‏ كانت أول من هنأته ليلي مراد‏, وكان أول من قال له أنت مطرب الثورة من هنا ورايح هو وجيه أباظة المشرف علي إعداد حفل عيد الثورة الأول‏.‏

حفلة أضواء المدينة بحديقة الأندلس كانت الحفلة الرسمية الأولى لعبد الحليم حافظ وكانت أيضا أول احتفال رسمي بإعلان الجمهورية .

وبعد إجراء استفتاء عام في 23 يونيه عام 1956 تم انتخاب الرئيس جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية والتقى الشاعر صلاح جاهين والموسيقار كمال الطويل وعبد الحليم وقدموا أول أغنية وطنية وهى إحنا الشعب وذات مرة شاهد محمد حسنين هيكل الرئيس جمال عبد الناصر في شرفة مجلس قيادة الثورة وهو يغدو ذهابا وإيابا في سعادة بالغة وهو يستمع لأغنية إحنا الشعب التي ألهبت خيال الشعب المصري وكانت اللازمة في الأغنية ( سبنا في إيدك مصر أمانة ) وقال الرئيس جمال عبد الناصر لمحمد حسنين هيكل : أحسست بشعور غريب وأنا أسمع هذا التعبير .. سبنا في إيدك مصر أمانة .. إن مصر فعلا في ظرف خطير وهى بالفعل أمانة مرهونة على حسن تصرفنا وعلى شجاعتنا في المواجهة..

قالت بعض المراجع أن أغنية شعار العهد من أشعار محمود عبد الحى وتلحين عبد الحميد توفيق زكى أول أغنية غناها عبد الحليم للثورة ويقول مطلعها :

أروى آى المجد من وحى الجدود ..

نغم يعزف فى سمع الوجود ..

فشعار العهد من نور الأمل ..

اتحاد ونظام وعمل ..

 نبلغ المجد بها فى العالمين ..

يا بنى مصر ويا درع الوطن..

يأباة الضيم فى يوم المحن.

عبد الحليم حافظ قدم ما يقرب من 48 أغنية وطنية منها بالإضافة لما ذكرت أغنيات بالأحضان وبستان الاشتراكية والمسئولية وحكاية شعب وثورتنا المصرية ويا أهلا بالمعارك وصورة وقد قالت وكالات الأنباء والصحف الأجنبية أن صوت عبد الحليم حافظ هو السلاح السري الذي يستخدمه الرئيس جمال عبد الناصر لنشر مبادىء ثورة 23 يوليو .

 لقد قالت وكالات الأنباء والصحف الأجنبية أن صوت عبد الحليم حافظ هو السلاح السري الذي يستخدمه الرئيس جمال عبد الناصر لنشر مبادىء ثورة 23 يوليو .

أم كلثوم والثورة : مُنعت أغانى أم كلثوم من الإذاعة بشكل كامل ونهائى وطُردت من منصب نقيب الموسيقيين باعتبارها مطربة العهد البائد وكان ذلك فى أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 ولم يكن هذا القرار صادرًا عن مجلس قيادة الثورة بل كان قرارًا فرديًّا اتخذه الضابط المشرف على الإذاعة وصلت الأزمة إلى جمال عبد الناصر شخصيًّا عن طريق مصطفى أمين  وكان ذلك فى سبتمبر 1952 بعد الثورة وقرار المنع بأقل من شهرين وحدث نزاع على منصب نقيب الموسيقيين فتم إلغاء انتخابات النقابة وعُيّن الموسيقار محمد عبد الوهاب نقيبًا للموسيقيين وإثر هذا الموقف بلّغت أم كلثوم قرار اعتزالها للصاغ أحمد شفيق فنقل الخبر لمجلس قيادة الثورة فتوجه إليها وفد مكون من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح سالم لإقناعها بالعدول عن رأيها وعن قرار الاعتزال وقال لها الرئيس جمال عبد الناصر : إن كنا نمنع أم كلثوم من الغناء بحجة إنها من العصر البائد إذا نهدم الأهرامات بحجة إنها من العصر البائد فعدلت أم كلثوم عن قرارها وعادت لتواصل مشوارها الفنى.

صوت الوطن وتعرف بمصر التي في خاطري : من كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي وغنتها أم كلثوم يوم 30 أكتوبر عام 1952 في حفل أقيم في دار سينما ريفولي وخصص إيراد الحفل لمساعدة أسر شهداء ومصابي الحرب والأبطال الذين حاربوا في حرب فلسطين وكانت هذه أول مرة تصدح فيها كوكب الشرق بعد قيام الثورة وذلك في تلك الدار التي كانت قد احترقت في حريق القاهرة في 26 يناير 1952 ثم تم ترميمها وكان الافتتاح في هذه الليلة والتي حضرها اللواء محمد نجيب قائد الثورة وجموع غفيرة من أهالي الشهداء ومشوهي الحرب.

حينما ظهرت أم كلثوم على المسرح تم استقبالها بالهتاف والتصفيق ثم بدأت أم كلثوم الغناء برائعتها جددت حبك ليه فأسرت القلوب بغنائها الشجي وصوتها الساحر وبعد انتهاء الوصلة الأولى نزلت أم كلثوم إلى الصالة ومعها محمد القصبجي حيث صافحا محمد نجيب الذي قدم لهما كوبين من الشربات وعادت إلى المسرح وانطلقت تغني مصر تتحدث عن نفسها في وصلتها الثانية وتبعتها بـصوت الوطن وهتف الجميع من قلوبهم مشتركين مع أم كلثوم في إلقاء نشيدها الحماسي والذي بذلت فيه مجهوداً فنياً شاقاً عوضها عنه الرئيس اللواء محمد نجيب فاستدعاها عقب إسدال الستار ليشكرها ويهنئها على نجاحها وكانت تلك المرة الأولى التي تلقي فيها أم كلثوم أغنيتين في وصلة واحدة.

بعد الوصلة الثانية صعد محمد نجيب إلى المسرح ليلقي كلمته الموجهة إلى أسر الشهداء ومشوهي الحرب ..وتسأله أم كلثوم عن الأغنية التي يفضلها فأسر إليها بأنه يرغب بالاستماع إلى ولد الهدى.

بدأت أم كلثوم وصلتها الغنائية الأخيرة فبدأت الفرقة الموسيقية تعزف المقدمة  الموسيقية لولد الهدى فتعالت أصوات الجمهور تطالب برباعيات الخيام فرضخت أم كلثوم لرغبتهم وغنت الرباعيات بدلاً من ولد الهدى ووعدت أم كلثوم محمد نجيب بأن تغني له ولد الهدى في حفل ديسمبر القادم فقال لها بعد أن شكرها لتطوعها بالغناء في هذا الحفل : الشعب هو الذي يحكم ونحن نلبي رغباته.

مصر تتحدث عن نفسها وتعرف بوقف الخلق : سر عظمة قصيدة مصر تتحدث عن نفسها إنها مكتوبة للوطن .. الناس والأرض والتاريخ والقيم والأخلاق الطيبة .. قصيدة مصر تتحدث عن نفسها للشاعر حافظ إبراهيم الذي توفى يوم 21 يونيو عام 1932 وهذه القصيدة ضمها ديوانه المطبع عام 1937 وهى في صفحة 89 من الجزء الثاني وهى في سبعة وخمسين بيتا بعنوان مصر وقد كتبها الشاعر حافظ إبراهيم وألقاها في الحفل الذي أقيم بأحد الفنادق لتكريم عدلي يكن رئيس الوزراء بعد عودته من أوروبا قاطعا المفاوضات مع الإنجليز الذين حاولوا إخماد المد الثوري الوطني لثورة 1919 وقد استقال عدلي يكن ولم يكن حافظ إبراهيم راضيا عن سياسة يكن فلم يمدحه ولكن جعل قصيدته على لسان مصر ونشرت هذه القصيدة في 15 ديسمبر عام 1921 م .

اختارت أم كلثوم من قصيدة مصر للشاعر حافظ إبراهيم 17 بيتا من بين 57 وبدأ الموسيقار رياض السنباطى في التلحين وغنتها أم كلثوم عام 1951 كما غنتها بعد ثورة 1952 م .

نشيد الحرية : في عام 1951 سجل محمد عبد الوهاب نشيد الحرية (كنتَ في صمتِكَ مرغمْ) شعر كامل الشناوى والحان وغناء محمد عبد الوهاب ولكن السلطات الملكية منعت إذاعة نشيد الحرية وبعد أيام من ثورة 23 يوليو 1952 أُفرج عن نشيد الحرية وأعتبر نشيد الثورة وقد اعتمدت إذاعة البرنامج العام المقدمة الموسيقية لهذا النشيد كشعار نشرة الأخبار حتى أيامنا هذه.

دقت ساعة العمل : استوحى الشاعر حسين السيد أغنية دقت ساعة العمل من كلمة للرئيس جمال عبد الناصر عام 1962 ولحن الكلمات وغناها محمد عبد الوهاب وهذه الأغنية جسدت ثورة 23 يوليو .

كما قدم محمد عبد الوهاب نشيد الجيل الصاعد والوطن الأكبر والكثير من الأغنيات وعلى مدار الشهور والسنوات التى أعقبت الثورة خرج عدد كبير من الأغانى التى قدمت للثورة ومنها أغنية نشيد التحرير للفنانة ليلى مراد أغنية ويقول مطلعها :

على الإله القوى الاعتماد ...

 بالنظام والعمل والاتحاد ..

فانهضى يا مصر يا خير البلاد ...

 وأصعدى للمجد وأمضى للرشاد

 نذكر أيضا أغنيات أجراس الحرية  لفايدة كامل وأجمل بلاد يا بلادى لإبراهيم حمودة وأجمل نهار لسعاد محمد وأحب بلد  لفايزة أحمد وأحبك يا بلادى للمجموعة وأحبك يا بلدى لحورية حسن وأحرار لمحرم فؤاد وأحسن جيوش للمجموعة وأحكم يا شعب لفايدة كامل وأحلى عمرى لعبد اللطيف التلبانى وإحنا الأحرار لمحمد قنديل وإحنا الثوار لمحمد عبد المطلب وإحنا النهاردة لعباس البليدى وإحنا هنا لكارم محمود.

الموال الذي أبكى عبد الناصر : فوجىء الريس حفني صاحب الـ 50 موال وكان يعمل بإذاعة الإسكندرية باتصال من  رئاسة الجمهورية لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر .. أصيب الرئيس حفني بالدهشة من ذلك فهو ليس من السياسيين بل ومن المعجبين بثورة يوليو 1952وذهب الريس حفني لرئاسة الجمهورية وفوجئ بالاستقبال الحار من الرئيس جمال عبد الناصر وأخبره بإعجابه بموال  الغربة طالت على وحين سمع الموال بكى فقال الريس حفني : مايبكيك ياسيادة الرئيس ؟ قال : لم أجد وصفا يناسب حالتي أثناء غربتي في فلسطين أثناء الحرب سوى كلمات هذا الموال بهذا الأداء ومقدمة الموسيقية صعيدية وأنا من الصعيد ثم نصح الريس حفني بتسجيل أغانيه على اسطوانات وطرحها للمواطنين .

 عندما رفض عبد الناصر تطعيم أولاده : في عام 1961 تم اختيار الطبيب الكبير النبوي المهندس رائد طب الأطفال وزيرا للصحة وكان في مقدمة مسئولياته إدخال مصل فاكسين سولك الذي تم اكتشافه للقضاء على شلل الأطفال وفي كتاب أطباء مصر كما عرفتهم للصحفي القدير صلاح جلال ذكر أن الدكتور النبوي المهندس قال : الرئيس عبد الناصر كان في غاية الاهتمام بإدخال المصل إلى مصر واتصل عده مرات بالسفير الأمريكي لإدخال المصل إلى مصر وعندما تقابل السفير الأمريكي مع الرئيس جمال عبد الناصر أهداه كميه من المصل لتحصين أطفاله الخمسة هدى وخالد ومنى وعبد الحكيم وعبد الحميد جمال عبد الناصر فسأله الرئيس جمال عبد الناصر عن إمكانية شراء الفاكسين لوقاية أطفال مصر من شلل الأطفال فرد السفير انه باهظ الثمن فأعاد الرئيس جمال عبد الناصر الهدية وقال للسفير : لا يمكنني أن أحمى أطفالي من مرض لا يستطيع غيري من الآباء أن يحموا أطفالهم من

وسوم: العدد 679