اثرا قبل الرحيل المر....

ساعة الميلاد في السادس والعشرين من فبراير العام 1946 .. ولحظة الرحيل في الثاني من أغسطس سنة 2016 .. والمشوار بين دفتي هذا العمر كان رحلة من الأخذ بالتحصيل ومن ثم العطاء الثر للإنسانية جمعا من حصيلة عقل ذلك العالم الكميائي الدكتور أحمد حسن زويل بن محافظة دسوق المصرية التي خلدت إسمه باطلاقه على أحد أهم ميادينها و كانت الأم مصر سباقة ايضا فخصصت مساحة قدرها مئتان وسبعون فداناً لتقام عليها مدينة زويل العلمية العملاقة التي كانت مبادرة خالصة من المجتمع المصري فقامت باستقلالية مواردها حيث لا تغول من جهة بعينها عليها !

رحل الرجل بعد أن حصل على جائزة نوبل للكمياء نظير إختراعه خاصية للتصوير الليزي السريع بمقاييس الوحدات المليونية في السرعة .. وحصل على أوسمة يصعب حصرها من كل أنحاء العالم حتى اسرائيل إنحنت لتقلده أحدها مثلما فعلت الجهات البابوية لآن العلم لا جنسية له ولا دين ولا عنصرية في النظر اليه ممن يقدرونه حقيقة !

الرجل رغم حصوله على الجنسية الأمريكية و وفاته على أرضها لكنه أوصى بدفنه في ثرى مصر .. وكان قد اشترى من حر ماله قطعة أرض لتكون مقبرة له في وطنه الأول ومحطة رحلته الأخيرة .. التي مشاها ما بين العظمة في الحياة والخلود بعد الرحيل وسارت خلف نعشه للوداع مسيرة عسكرية رسمية أمها أهل الدولة على كافة مستوياتهم وتبعتها مسيرة شعبية خرجت تبكي الرجل بأعمق المشاعر الصادقة التي تعجز النائحات المستأجرات في جنازات النكرات عن الإتيان بدمعها السخين !

وبالمقابل وياللحسرة عليك يا سودان زمان الغفلة فمنذ شهور قليلة نسمع لأول مرة باسم عالم سوداني متخصص في الترجمة و ضالع في تاريخ أفريقيا وأنساب أفخاذ قبائلها .. ومن نبهنا اليه بعد رحيله ليس الإعلام السوداني ولم تنعه الدولة التي لا تعرف عنه شيئا .. وإنما إحدى المحطات الفضائية المصرية التي قالت بالحرف الواحد وهي تعدد جنسيات الذين قضوا في حادث الطائرة المصرية .. إن من بينهم شخصية علمية عالمية هامة وهو الدكتور محمد صالح زيادة وطفقت تعدد مراحل حياة و تاريخ الرجل ومناقبه العلمية وحتى قرية ميلاده في أقاصي المديرية الشمالية وقد كان في طريقه اليها لتلقي العزاء في فقد والدته ..قادما من باريس حيث كان يعمل خبيرا دوليا في منظمة اليونسكو!

ولكن الجهل بالعظماء لا يمحى أثرهم أو حتى التجاهل والإنصراف لرفع الوضعاء الذين يبحثون عن التعظيم بالدفع المقدم في عهود الإنحطاط لن يخلق منهم عظماء ..لآن العظمة الحقيقية في الحياة تُشترى بالعطاء الذي يصبح أثراً بالروح بعد السفر النهائي للجسد الفاني .. بل ويصبح ذكرهم العطر ركائزا في ذاكرة الزمان كله ليرتسم عليها سفر الخلود الذي يحفره التاريخ نحتا بلسان الصدق على حوائطة الصلبة كالحور العتيق وليس بالنفاق كتابة للمجد الزائف سطورا على صفحات الماء الجاري الى مصبات الفناء !

وسوم: العدد 682