وتحكي العيون...

خديجة مصرار

من أعالي السماء أتتها هتافات الرعد المجلجل ,هناك كان البرق يمزق الرؤيا والكون الفسيح كما لو أن العالم انشطر أقساما ,وصفير الرياح علت أهازيجه كأوركسترا مريعة ,ظلام تلك الليلة كان حالكا حتى توهمت أنها كفيفة فقدت البصر , رفعت نظراتها إلى الملإ إذ هو الرعد يتلاشى والبرق انمحى لقد زال الشجن .... ربما زال ....

حاولت الحراك لتتأكد أنها ما تزال على قيد الحياة ،لفظت أنفاسا عميقة ثم تحسست نبضات قلبها واطمأنت قليلا ،لكن الليلة ما تزال كئيبة رفعت نظراتها إلى السماء مرة أخرى إذ هي قطرات مطر خفية تضرب وجنتيها بلطف ، وعلى بعد مسافة قصيرة ،على ضوء الإنارة العمومية ،توهجت قطرات أخرى وتألقت في حلة رتيبة فأيقظت نار شجنها المتراكم ، لم تصبر فأجهجت بالبكاء ، وعلى بعد خطوة واحدة فتح باب بلطف وتسللت إليه قطة من الشارع ، من فتحة ذلك الباب ، استرقت نظرة مرفقة بلفحات دفئ لاطفت وجهها البارد،من بعيد رمقت قطرات تتصبب بطيئا من صنبور فشردت، وتاهت ذاكرتها بين الأيام الخوالي التي قضتها على عتبات المنازل ثم تذكرت يوم توفيت المرأة التي كفلتها حتى سن الثامنة بعدما تخلت عنها أمها وأعطتها للمرأة المعلية مقابل بضع دريهمات ....في ذلك البيت رأت طفلا يركب دراجة صغيرة ، حلمت بامتلاك واحدة ولو لحظة ، تسللت من الباب خفية ماشية على أصابع قدميها وتاركة أثارا سوداء مبللة خلفها ، تقدمت إليه وجلة مرتعشة كريشة داعبها الريح ، التفت إليها الطفل ثم صرخ بأعلى صوت ، وهرع الكل إليه كما لو كانوا خدما يسهرون على راحة أمير ، دنا منها رجل قوي البنية ،اسود الشعر ...فحلمت أن يكون والدها، ماذا كانت لتفعل ؟ تقبل يده ؟أو قدمه حتى ؟أو ربما ستهرع لضمه ؟ أو....أو ......فلم يوقضها من حلمها ذلك غير صفعة قوية أهداها لها الرجل ذاك قائلا : ملأتم الشوارع ، اخرجي يا قذرة ...ثم دفعها وأقفل الباب بعدما لحقتها تلك القطة الوسخة أيضا ، تأوهت آهة أخرجت معها فلذات من كبدها ومنعت دموعها من الانسياب ،تم ذهبت تبلع كومة رماد أحلام صبيانية، خطت خطوات المتمرد اليائس، وكلمات المارة تنقر مسمعيها:أبي لما لا نذهب الى السرك ؟ أمي أريد حلوة ، أعطيني وعدا على أن نذهب الأسبوع المقبل إلى الملاهي ماما الحبيبة .... فناجت نفسها : أمي ، يا غاليتي التي لم أرها قط في حياتي ، أرجوك رجاء السجين لسجانه ، رجاء العصفور الأسير لقفصه ، أرجوك بكل شيء غال وجليل في حياتك أن تأتي إلي ماما الحبيبة أتدرين أنني رسمت لك في خيالي لوحة رائعة , فهلا أتيت رجاء !!

أذاق أحدكم لوعة الحزن حتى الاختناق ؟

أذاق أحدكم مرارة التعاسة حتى الو شوك على الموت ؟

أشعر أحدكم بسيف الوحدة يقتل روحه في اللحظة الواحدة ألف مرة ؟

حسنا أنا فعلت .رحمتك خالقي ،ارأف بي .

طلعت الشمس ، يوم جميل وحياة تدب في ركن من الشارع الطويل ،هناك حيث ما يقرب عشرة قطط تثب وتموء قرب جثة الطفلة المتشردة .لم تقو على تحمل البرد . بعيد صلاة الظهر شيع جثتها عشرات المحسنين وفاعلي الخير !!

أجل فاعلي الخير !!!!!!