جانب الرصيف

د. عامر البوسلامة

[email protected]

تقدم نحوي بحنو، اقترب مني بلطف، يذكرك بالشعوب المبتسمة، مع أدب جم، وإظهار ذوق رفيع، تبدو عليه ملامح السكينة والوقار، مع حذر وترقب، أسمعني بعض الكلمات الدافئة، تشبه نسائم الصباح في الربيع:

- نحن نحبكم، أنتم ملح البلد، لكم سابقتكم النضالية، وتضحياتكم المعروفة، ومواقفكم المشرفة، وفكركم النظيف، وتاريخكم الناصع.

 ومن حيائه بالكاد أميز ما يقول، همس في أذني، يطلب من عرض الدنيا قليل، ويعلل ذلك بالمصاب والكارثة، وكيف أنه يتحمل مسؤولية خمسين أسرة، وتسعين يتيم، ومائة فقير، اعتذرت له، شارحاً حالي، ومبيناً موقعي، وكيف أن مصيبة الناس كبيرة،  ومواردي محدودة، وذكرته ببعض المعاني التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان وقت الشدة، ووعدته بشيء قليل، أقتطعه من قوت أولادي .

نظر إليّ نظر حنق وازدراء، وألم وحسرة، وتحول وجهه إلى مسرح قديم، وكأني بصدره صار يغلي، يهمهم...يزفر...يرعد...ذكرني بمدفأة بيت جدي، التي كان وقودها من الحطب، يضرب ببطن كفه على ظهر يده الثانية.

التفت إلى جماعة كانوا يجلسون جانب الرصيف الذي كنا نقف عليه، وخاطبهم بصوت مرتفع، أجش، فيه حمق، كأنه برميل سقط من مكان مرتفع.

- يا شباب!! كلامكم صحيح، الآن تأكدت من ذلك، هؤلاء القوم فجرة، فسقة، يؤمنون بنظريات الغرب في الحرية، والمفاهيم الفلسفية، ويستخدمون الدين للقضايا السياسية.