الشاة الحلوب

حسين راتب أبو نبعة

حسين راتب أبو نبعة

[email protected]

جامعة الملك عبد العزيز

كلية المعلمين بمحافظة جدة

لم تكن زيارة أم العبد لبيت خالها الكائن في أطراف البلدة خالصة لوجه الله أو لتعزيز أواصر القربى بل كان فيها مآرب أخرى أهمها  التفاوض من أجل شراء شاة تنتفع من حليبها  لأطفالها الصغار. استقبلها الخال بالترحاب و أظهر من كرم الضيافة ما لم تعهده فيه من سمات عبر الأعوام المنصرمة.

كان لديه حاسة سادسة قوية ، إذ شعر من الوهلة الأولى و من نظراتها الشاردة اتجاه قطيع أغنامه أنها تود شراء واحدة منها .عرف عن الخال مهارته و عناده في عقد الصفقات و الخبث في المساومة و إقناع الآخرين بجودة ما لديه حتى لو أدى ذلك لأن يحلف أغلظ الأيمان!

-         "أريد شاة حلوبا " قالت بصوت خافت، علها تخفف عني بعض المصاريف و تمدني ببعض الحليب تشتد به عظام أبنائي الصغار.

-         أشار بيمينه إلى شاة حلوب و أسهب في الحديث عن أصلها و الخير العميم التي ستناله  من حليبها، و أضاف :"غير أني أخشى أنك لا تقدرين على ثمنها".جرى جدال و نقاش و مساومة شديدة حول الأمر و أخيرا تمكنت من تخفيض سعرها بضعة دنانير ثم أمسكت بها و اتجهت وسط فرحة الأبناء إلى  ساحة صغيرة في أطراف منزلها، هيأت المكان و اشترت على الفور بعض الأعلاف و هي على أحر من الجمر على موعد  مع خير قادم.

لم تطل الفرحة طويلا ، جاء المساء فاتجهت نحو الشاة و معها إناء كبير كي تملؤه حليبا ، كانت الصدمة كبيرة إذ وجدت أن ضرع الشاة جاف و ليس هناك ما يشير إلى أنها كانت حلوبا ذات يوم.

تعرف أن خالها عنيد و لا يقبل إرجاع الشاة تحت أي ظرف و قد يدعي أن عين حاسد قد طرقتها أو سحر ساحر قد أصابها. تفتقت خيبة ظنها في خالها عن فكرة لا بد من تجربتها دون أن يطلع أحد عليها.في اليوم التالي اشترت ليترين من الحليب الطازج من أحد مربي الماشية و أوعزت لابنها ذي الأعوام التسعة بالذهاب لبيت خالة و يقول له حرفيا:"هذا شي بسيط من بركات الشاة، بارك الله لك في ثمنها". فوجئ الخال بهدية الحليب ، أصابته الحيرة فهو لا يصدق ما تراه عينه.

-         " لا بد أن بركات أختي الأرملة و حظ هؤلاء الأطفال قد  نزلت خيرات و قطرات في ضرع الشاة العجفاء" همس الخال

في الأسبوع الثاني من عملية البيع و بعد أن قلب المسألة  من كافة أبعادها قرر القيام بزيارة مفاجئة إلى بيت ابنة أخته ليطمئن و يبدد شكوك اعترته.

أبصرت الأرملة خالها و هو يقترب من منزلها و عيناه تتراقصان بحثا عن شئ ما، تقدمت إليه بكمية أخرى من الحليب و بيدين مرتجفتين تعزيزا  لروايتها.

عبر الخال و من دون مقدمات عن رغبته في شراء الشاة ثانية و بنفس الثمن و ألح في مطلبه كعادته.

-         أنا لست بلهاء يا خالي لأبيعك شاة حلوب  بنفس المبلغ ، لقد أحبها أبنائي فلا تحرمهم من بركاتها.

-         " أنت لن تخسري شيئا ، إضافة إلى الحليب الذي استهلكتموه  فيكون  بدون ثمن " زمجر الخال اللحوح

-         زدني ثلاثين دينارا، أعرف انك متعلق بها

تردد الخال و انتابته حالة من التردد، و أخيرا أخرج محفظة متسخة و أخرج المبلغ المطلوب ثم انطلق بالشاة يحدوه الأمل.