أصحـاب الجنّـة

كان في قديم الزمان رجل صالح وله بضعة أولاد قصّ الله علينا قصتهم في سورة (القلم) .

كان لذلك الشيخ الصالح بستان جميل عامر بمختلف أنواع الأشجار المثمرة ، وجداول الماء العذب تسقيها ، فتعطي تلك الأشجار فواكه لذيذة وكثيرة ومتنوعة .. وكان ذلك الشيخ قد جعل نصيباً في تلك الثمار للفقراء والمساكين ، الذين كانوا يتوافدون أيام قطافها إلى البستان ، ليأخذوا نصيبهم منها ، وكان الشيخ يعطيهم مما رزقه الله بنفس طيبة ، وقلب سعيد ، لأنه كان يعرف أنه بذلك يرضي الله تعالى ، ويدخل السعادة على قلوب أولئك المعذبين .

وكان أولاد الشيخ الصالح – إلاّ واحداً – يكرهون فعل أبيهم ، ويعتبرونه خرفاً وتبذيراً وإنفاقاً في غير موضعه ، حتى إذا ما مات أبوهم الشيخ ، قرّروا أن يحتكروا ثمرات ذلك البستان لأنفسهم . ليكثر مالهم ، ويسعدوا أنفسهم وأولادهم ، وليذهب الفقراء إلى الجحيم .

قال أحدهم : لقد صار البستان لنا ، وسوف نجني منه الكثير .

وقال الثاني : ولن ندع الفقراء يقتربون منه .

وقال ثالث : ولن يطمع الفقراء بعد اليوم بشيء منه .

قال أوسط الإخوة ، وكان معجباً بأبيه وبكرمه وإنفاقه على الفقراء والمساكين :

-        أنصحكم أن تسيروا على ما كان يسير عليه أبوكم ، فالله سبحانه قد جعل للفقراء والمحتاجين حقاً في هذا المال .

قال كبيرهم : إنه مالنا ، وليس لأحد حق فيه .

قال أوسطهم : بل إنه – كما كان يقول أبونا – إنه مال الله ، وقد استودعنا الله إياه، وللفقراء نصيب فيه ..

واشتد الجدال وطال الحوار ، وغلب الأخ الأوسط على أمره ، وأتمر الإخوة فيما بينهم ، أن يبكروا إلى تلك الجنة الدانية القطوف،وأن يأخذوا كل ما فيها من فواكه وثمار،

قبل أن يتنبّه الفقراء والمساكين ويأتوا – كعادتهم أيام أبيهم – ليأخذوا حصتهم ونصيبهم منها .

نام الإخوة الأشحّاء على أحلام الغد المترع بالغنى والثروة ، واستيقظوا في الهزيع الأخير من الليل ، وبادروا إلى بستانهم ، وعندما وصلوا إليه وقفوا ذاهلين ، فقد كان البستان قاعاً صفصفاً ، قد قُلع نبته ، وسقطت ثماره ، وجفت أوراقه ، وذبلت أعواده وأزاهيره ، وغاض الماء في جداوله ..

قال كبيرهم : لا .. لا.. هذا ليس بستاننا ..

وقال الآخر : إنّ بستاننا جنّة تجري من تحتها الأنهار ، وهذا خراب بلقع .

قال أوسطهم : بل إنّه بستانكم .. قد أرسل الله عليه طائفاً من البلاء جعله كما ترون ، لأنكم لم تفعلوا كما كان يفعل أبوكم ، لم ترضوا الله فيما أعطاكم ، لم تعطوا الفقراء حقهم الذي فرضه الله لهم في بستانكم .. ولقد نصحتكم ، ولكنكم لا تحبون الناصحين ..

وندم الإخوة على ما كانوا بيّتوه ضد الفقراء ، ولكن بعد فوات الأوان .. (( قالوا: سبحان ربِّنا إنّا كنّا ظالمين ، فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ، قالوا : يا ويلنا إنّا كنّا طاغين ، عسى ربّنا أن يبدلنا خيراً منها ، إنّا إلى ربّنا راغبون . )) .

وسوم: العدد 795