قصص قصيرة 820

هاجس الحذر الشديد .....   

الوقت : الساعة الثانية وأربعة وخمسين من سحر الليل ...

والعجوز يجلس كعادته وحيداً يلملم شتات نفسه ببضع كلمات يتركها تفلت كيفما

تأتي ..نثراً أم شعراً أم أقصوصة ، وفي كل أحوالها تحاول رسم تضاريس ذاكرة ،

أو أفكار بحث ...

لا أحد يبالي أويتجرأ أويهمّ بالإقتراب منه ...  يضع  ذلك ضمن حالة أوشكل

من  الحذرالذي يؤاخي الخوف ، حتى أنه يؤنس نفسه بهذه الوصفة ، بأن قد

 وجد لها شيئاً مشتركاً ، بينه وبين الآخرين من حوله، فيهربون أو يتهربون منه ،

 أوهو كذلك يتلبس ذات الشيء، فلا أحد يستطيع تحمّل ثقل هيمنته على زمنه ووقته.

يقول إن سلطته هي في حالته ، تشرّد أو تكوّرمع نفسه ، ولا أحد يعلم بذلك ... وأيضاً

يؤكد أن البعيد كذلك يخاف ويصيبه حذر أشد ، فلا يقترب منه في هذه الساعات ...

الكل يتظاهر بالنعاس أو التعب ، أو الإنشغال بالتغريدات أو الرسائل الفيسبوكية ، أو

بأي شيء آخر ، بينما يظل يجلس يرثي نفسه . .. ولّت سنين طويلة ورغم كثافتها إلاّ

أنها وفي حساباته ربما بستعرضها وكأنها  يوم واحد ، أو هكذا هي  في ذاكرته  .

 يبتسم ثم يحزن ولاضابط للدموع بعدها...ثم يكمل . !

غداً .. أو برحيل هذا الليل .. ستأتي الشمس

هكذا العجوز يتكوّر مع فتات ذاته ، يتوزع في ما تبقى من قوة  بهيكل بدنه ،

ليصارع تشرد الفتات ...

يعيش الساعات معها ، والرائي له يحسب أنه يحاول لملمتها ...وهو لا يرغب في

ذلك مطلقاً ، بالوقت ذاته يؤكد بينه وبين نفسه أنه لو استطاع جمعها ولو لساعة

واحدة لهرب من حوله الكثيرون ..!

أيضاً وعلى ذات هذه الوتيرة ، يراوده يقين أن كل المحاولات تلك يعتبرها وهم

 بالرغم من كونها مؤقتة .ولا يخفى عليه ذلك.لأنها وبكل ألوانها هي استمتاع

للآخرين وسط حالة من الخوف تتلبسهم بشكل عجيب ، ولذا لا يتردد على وصفها

بحالة الرعب وليس الخوف ..!

كل يوم يعيش هذه الملهاة وهذه ديدنته .. لايعرفها بحالة تناقض أبداً ، بل توافق

متكامل في وحدته وهم في تشتتهم والرعب بينهما عالم مشوّق ...

بكاء ما قبل الفجر ...

من يملك الصبر .. ومن يتملك شيئاً من القوة ..

على أن يعيش العجوز كل يوم هذه الساعات ، حتى إذا ما اقترب موعد استيقاظ

الفجر .. يبدأ النحيب الخفي ..بل ويبدأ البكاء ...

لم كتب له أن يستقبل نهوض الفجر وحيداً منذ زمن غابر ..؟ وهل كان حرصه

في هذه الحالة مقصوداً أو متعمداً ، وربما لو كان كذلك ، فهو من أجل أن لايراه

 أحد ، أو يسمع نحيبه أو حتى بكاءه ، إذاً هذا شاهد آخر أو تأكيدعلى إبقاء

مسافة  مكانية وزمانية بينه وبينهم ، ليظل الخوف يحيا فيها ، وبالتالي تبقى

الوصفة الأولى تلزم النفوس لكل النفوس  ، وأيضاً يبقى هو شاهد على استمرار

 هيمنته على هذا الزمن من نفسه ، ليواري  الرعب فيه أو الخوف ، فهما سيان

 بينهما وهم لايدرون ..... !

    صنوان لايلتقيان

 والضحى والليل إذا سجى ...

   بين هذا وذاك ..   من السحر

  يزحف وقت الليل بطيئاً وبطيئاً جداً ، واللحظة فيه كأنها تعدل ساعات .. والساعات

كأنّ الزمن يقف فيها ...

( والليل إذا يسر ...)   ، ويقدم الفجر من الجهة الآتية نحوه

سريعاً ، يهرول مسرعاً ، ولا يعلم أحد لم يقدم مسرعاً ، ربما ليطمئن تلك الانفس

..وربما لأمر من المدبّر  ..( أليس الصبح بقريب ..؟ ) .

وما بين الصبح والضحى مسافة بقدر ارتفاع رمح من شعاع الشمس ، فيها نذير

وندم وحزن ، ولهذا كان الصبح غريباً ، مثل أخيه الصنوان ( المغرب ) ، الذي

لايلتقي معه أبداً ، ويفارق الصبح  صاحبه الفجر بصورة عجيبة ،ذلك لأنه كساع

 البريد محملاً بالرسائل ، وعلى عجل مدهش ، يعطي ويأخذ، يسلّم ويستلم  ثم يمضي

ولا أحد من الكائنات يعلم أين مستقره وأين مستودعه ، ثم يمضي كلاً لشأنه ..

ويصل الضحى فيحط هيمنته على الكون ، ولهو خير ، وفيه كل الخير ..فيه الفضل

وفيه الفصل على كل الذين مرّوا بالنفس ..وقد جرحت ما جرحت ...

الضحى ضيف ليّن الجانب طيب المعشر ، سموح  ويسامح ، فيه كل البشائر ، يهل

بإشارة من الشمس حاملاً هديته ولا يغادرإلاّ بأمر منها كذلك ، وأجمل مافيه الوتر

يقضى بركعتين .. تغسل أدران البدن .. وتطهر جوارح النفس ... وتطمئن النفوس ،

ليقين زرع فيها من دون قصد ، وأنه لازال هناك غد مشرق ...!

وسوم: العدد 820