امرأة من الجنة

دخلت مع أمي إلى غرفة المعاينة .. استقبلتني الممرضة بوجه غير الوجه الذي استقبلت به الوالدة من البشاشة والترحيب والتأهيل .. ويكأنها تعامل أمي كقديسة على الرغم من مظهرها أي الممرضة الذي لا يوحي بالتدين مطلقاً .. فالشعر السابل المفرود على الأكتاف .. والجينز الضيق والبلوزة القصيرة التي تشف ما تحتها وتصف .. ثم سألتني بحدة :

_ أين عمو ؟ لماذا لم يحضر مع الماما ؟

قلت لها بتعجب :

_ أحببت أن أرافق الوالدة في المراجعة الثانية بعد عملية عصب اليد .. ولكن لماذا تسألين عنه ؟

قالت بحزن :

_ هو والوالدة ينشران البركة والراحة النفسية في كل زيارة لهما ..

وجاء دور الوالدة فدخلنا غرفة الطبيب .. كان الطبيب في مقتبل الخمسين من عمره .. مظهره ومظهر عيادته يدل على الرقي والفخامة والأناقة .. ما إن دخلت أمي العيادة حتى ترك الطبيب مقعده واتجه نحوها مرحباً بها داعياً إيها للجلوس على المقعد وجلس على ركبتيه ممسكاً بيدها المجروحة يفك الضماد بهدوء وأتقان طالباً منها الرضى والدعاء الصالح منادياً إياها بأمي .. وما إن أنهى عمله وربط يدها بضماد آخر حتى التفت نحوي وقال بخشوع :

_ ما سمعت صوتاً خاشعاً شجياً بالقرآن كصوت أمي .. في العملية يا أختي كانت أمي مخدرة موضعياً وكادت تنام أثناء عملنا فقلت لها :

_ يا أمي ممنوع النوم نخاف على السكر والضغط من الهبوط .. اشغلي نفسك بأي شيء كي لا تنامي .. فاستأذنت مني أن تقرأ ما تيسر من القرآن فسمحت لها .. فإذا بها تبهرنا بصوتها الشجي الرباني .. أخذت عقولنا وأسماعنا بصوتها الرباني ..

لم أشعر إلا وصوت نحيبي يعلو بغير قصد .. سألني الطبيب عن السبب فقلت له :

_ أمي قطعة من الجنة ..

وسوم: العدد 832