زجاجة من تراب حلب ..

قد تموت الأماني...لكن اثرها يبقى في الذاكرة

عاد من المهجر ....

ومعه زجاجته التي كان يشم عطرها ....صباح ...مساء ....

زجاجته التي اودع فيها تراب حلب ....

أخذت نسمات هواء حلب ....تنساب من نافذة السيارة وهي تداعب خديه...وكأنها تقول له ....{ طولت الغيبة }.... لقد نام في اقدم فندق من فنادق { بستان كليب }... نامت عيونه من التعب ....ولكن جوارحه باتت مستيقظة تتقلب على جوى جمر اللقاء الأول ....

نزل درج الفندق ببذته الثمينة ....وببيونه التي تزين قبة قميصه ....وقبعة رأسه التي ادمن على لبسها ....فهي الأمينة على ماتبقى في رأسه من ذكريات ....

جلس في هول الفندق ...يحتسي الشاي وهو يتفحص الوجوه...عله. يجد من يعرفه ....

عندما حزم حقيبته ....قال له صديقه.: وهل بقي لك احد في حلب ....

قال وبعفوية ....نعم ...هي حلب....

دمعت عيناه وهو يقول له ....في حلب ...تجد في عيون كل عجوز. جدتك ....وفي شارب كل ختيار يتربع على كرسي الحديقة ...جدك ....

وفي كل من يساعدك على حمل حقائبك ...أخوك وابن جارك ....قال: { ابوس ترابك ياحلب }....

تحسس جيبه وانامله تتلمس حواف الزجاجة

....خرج يمشي بحذائه الأوربي الأنيق .... على حجارة حواريها المصفوفة بعفوية ....كم تمنى ان يخلع حذائه الأوربي ....كي لا يدنس بنعله طهارة حجارتها ... فقد كره اسفلت الحضارة المخادعة ....والتي سرقت اجمل سني عمره....

تابع ذاكرته ....وساقته قدماه الى مدخل { الجديدة } وسوق الصوف وهو يستعرض الذاكرة ومابقي فيها من آثار متعبة ....حتى استقبلته ...ساحة الحطب ...المطلة على محل ابو عبدو الفوال .... واصر على ان يكون اول وجبة يتناولها ....هي فولات ابو عبدو....الذي استقبله بكلمة ...اتفضل خاي ... اخذ يأكل الفول وكأنه يقول لصاحبه ....ارأيت كيف استقبلني ابو عبدو....الم اقل لك ان كل من في حلب ....هم اهلي...

تابع سيره وهو يتفحص وجوه الناس ... وجوه طيبة ...ومتعبة بعض الشيئ ....لكنها تحمل بين قسماتها كل ود وتفاؤل ....

وبعد اسبوع ....ومن على كرسيه التي داوم. على الجلوس عليها في الحديقة العامة ....

التي ظن انها تجاذبه اطراف الحديث ....فقد كان يبث لها احزان مساءه المتعب في بلاد الإسفلت البعيد .... وكان يروي لها كل مساء قصة ...عاشها بعيداً عن تراب حلب ...

وقال لها { لكرسي الحديقة } سأقول لك شيئاً اشعر به الآن ....وبالرغم من انني الآن امتلك كبرى الشركات في اوربا....اقول بأنني اعتبر نفسي مفلساً ...فقد فاتني الكثير من اشياء كان علي ان أكون شاهداً عليها.... وأن اختزنها في ذاكرتي ....انني قد فرقت بين وجداني ومسقط رأسي .... وسجنت وجداني في الغربة بعيداً عن اهله ....

واعترف لك بأنني إن سافرت ....سأعود فوراً ....فقد شعرت بإبتسامة ترابها وهي تتمسك بي وتجذبني ....ثم

اخرج من جيبه زجاجة التراب ....وفتحها ....وسكب من ترابها على تراب الأرض ....وتلمسه بأنامله ....ثم براحة كفيه .....ثم اخذ قبضة منه ونثره على رأسه وقال ....ابوس ترابك ياحلب .....كل شي فيكي اصلي....

خواطر ماقبل الازمة...

فالحياة كرحلة المهاجر....

اهديها لمن احب .... ( ابو علي )

وسوم: العدد 885