الحمامة الوالهة

على جهاز الغاز في برندة بيتنا بنَتْ حمامة عشها ، وجلست على بيضتها أياماً جاوزت العشرين ، وكان ذَكَرُها يأتيها بطعامها ، وكنت قد وضعت إناء صغيراً للماء قربها.

منذ اسبوع أو أكثر فقست البيضة عن صغيرها ،كنتُ أتمتع بهديلها ، وكأنها تغنّي له حباً وحناناً ذكرني بحنان أمي وهي تعتني بإخوتي الصغار وتغني لهم بصوتها الحلو الراقي وهي تطعمهم أو تنظفهم أو تمسح أجسامهم،رحمك الله يا أمَّ الحنان واللطف والحبّ.

لم ألقَ أمس الأول صغير الحمامة في العش على سقف جهاز الغاز ، قلت لعله طار مع أمه ، فحملتُ العش بأوساخه إلى سلة المهملات، ثم أردت أن أنظف أرض البرندة ففوجئت بالصغير على الأرض، فحملته على سلة تشبه العش إلى مكانه.

نزل إلى الارض سريعاً فانتبهْتُ حين أمعنت النظر فيه ألى أنه مشوه الخلقة في أطرافه السفلية ،وكأن أحد جناحيه على غير ما يرام،

جاء أبواه فلم يجداه على جهاز الغاز ولم ينظرا إلى أسفل ،فبدأا يلوبان حول البرندة ، وكنتُ أحسُّ باضطرابهما ، وأرجو أن ينظرا إلى الأسفل قليلاً ليراه .

لم تطل حيرتهما ، فقد رأياه ونزلا إليه ، يدوران حوله، ويذهبان ثم يعودان ، وكأنهما يفكران فيما يستطيعان فعله، لكنهما رضيا من الغنيمة بالإياب – كما يقول المثل- ظلّا يومين يذهبان ويعودان دون أن يفعلا شيئاً ، 

وبدأت حركة الصغير تضعف، قدمت له بعض الخبز وكاس الماء الصغير فعاف ذلك، وهدأتْ حركتُه ، فما تراه يتحرك إلا حين أدنو منه.

قررت أن أحمله إلى عامل البقّالة القريب من منزلنا ، فقد علمت أنه يهتم بمثل حال الصغير هذا ، فأخذه مبتسماً ووعد بعلاجه.

جاءت أمه تبحث عنه ، فلم تره، ذهبَتْ في البرندة يميناً وشمالاً فلم تحظَ به، وقفَتْ على جهاز الغاز تهدل بصوت حزين ذكرني بقصيدة أبي فراس الحمداني :

              أقول وقد ناحت بقربي حمامة 

               أيا جارتا لو تعلمين بحالي

ولئن كان أبو فراس يئن في أسره ويظن صوت الحمامة دليلَ الحزن ، فإني أحسستُ من هديلها الحزن والشوق والألم الحقيق لفقد صغيرها، وكانها تبكيه أو ترثيه ..وحُق لها ذلك ،إنها الأم ، وما أدراك ما الأم، ولو كنت أسطيع إخبارها لفعلتُ ...ولكنه سليمان عليه السلام من يفعل ذلك.....

وسوم: العدد 1049