ملحمة الصخب

محمود القاعود

[email protected]

( سرادق العزاء)

جدران زرقاء من القماش تحوط عشرات الكراسي ، مصابيح بيضاء فاقع لونها تلقى رهبة فى قلوب المعزّين، رعشة خفيفة تسرى فى رأسه وقدميه ، كان قارئ القرآن حزيناً، بينما هو الحزن نفسه .. صافح طابوراً طويلا من الواقفين، ثم اتخذ مكاناً قصياً بسرادق العزاء ، الشيخ يعيد الآيات بين الفينة والأخرى .. توقف عند قول الله تعالى " واغفر لأبى إنه كان من الضالين" ، كان الشيخ يعيد بينما هو يزيد فى البكاء حتى أخذه النشيج ونظر إليه الجميع .. وهو يقول : آآآآآآآه .. تذكر والده ... ثم سأل بعد ذلك وعرف أنه مقام الصبا !

( فى التوك توك)

أشار إليه ، فتوقف أمامه .. ركب التوك توك ، السائق غلام فى الخامسة عشر يضع شاشة أمامه بها " فلاشة" مسجل عليها ما يسمونه " أغانى شعبية" ، أصوات آلات نحاسية تكاد تصم أذنيه ، سأله من هذا الذى "يغني" أجاب باقتضاب : أوكا ! لم يفهم حرفاً مما يسمع ، وسرعان ما انتهت مهزلة أوكا ليعقبها آخر يقول : خد عليا وصل خد عليا شيك .. أنا لو قليل الأصل كنت أروح واشتكيك !

الشوارع ليست مرصوفة ، حركة التوك توك تخلف عاصفة من الغبار يكاد يخنقه ، لحظة وصوله وجدها تقف بالبلكونة ، نظر إليها ، فأغلقت الشيش بعنف..

( فى المترو)

بالكاد استطاع أن يقف محشوراً بجانبه، فى آخر عربة بقطار المترو .. الزحام المعتاد هو هو ، رائحة العرق تجعله يشعر باقتراب القيء، يتساءل عن عربة الرجال الممتلئة بالسيدات ، يجيبه من يقف بجواره : هما بيحبوا يركبوا معانا، ولو روحنا عربيات السيدات يضربونا بالشبشب ويقولك تحرش .. فى وسط هذا الزحام المقزز يأتى بصوته الجهورى : أى حاجة باتنين جنيه ،  بعد إذنك يا أستاذ خليني أعدي.. يرد باشمئزاز : هتعدى تروح فين ؟!

( أمام التلفزيون)

يقفز من قناة إلى أخرى ، فى سوريا يقضى أكثر من مائة وخمسين إنسان يومياً، صور الجثث صارت أمراً اعتيادياً .. حسن نصرالله يدعى أنه يقاوم فى سوريا ، يزعم أنه يدافع عن مقام السيدة زينب، حصيلة الدفاع بلغت مئات الأطفال والنساء والشيوخ ، الأمم المتحدة تدرج جبهة النصرة على قوائم الإرهاب !

( الكيف)

استوقفه أثناء عودته من العمل: بقولك يانجم .. معاك كبريت ؟ أجاب بحذر: ما بدخنش والله  ، فباغته: طب مش معاك نص فراولة ؟ انطلق مسرعا ولوح للتاكسى القادم .. اختفى ..