يوميات ناقصة "2"

يوميات ناقصة "2"

طه أبو حسين

اخترقت الجدار واخترق بعضه بعض ثيابي ولحمي ثم للقدس وصلت، جلست على احدى الأرصفة أراقب الحياة، مركبات، ناس، قطط، شوارع تتحدث بلغة لم أفهمها جيّداً.

استأنفت المسير بعد موجز راحة أثقلني أكثر، دخلت البلدة القديمة وظهري تشتد حرقته وعيني كذلك، أحدهم كان يتقدّمنا كعين تحمينا من مكروه يتربص بنا حسب اعتقاده وهو لا يعلم أننا هاربون من ذات المكروه ولو كان بصبغة وطنية.!!

مررت بأزقة لطالما أشتهيت رائحتها، لكنني لم أستطع استنشاقها فقد تغلغلت القذارة الاحتلالية فيها، ومع ذلك ابتسمت وشعرت ببعض الراحة المُقَنَّعَة.

دخلت الورشة بالتزامن مع نداء صلاة العشاء من المسجد الأقصى الذي لا أبعد عنه سوى مسافة اربعة دقائق مشيا على الأقدام، لكنني جئت لمهمة معينة تمنعني المخاطرة بعناق حبيبتي الشقراء كما علّمت حينها.

استجبت للواقع وأنا مدرك لحيثيات السجن الحيّ، استبدلت ملابسي النظيفة بملابس الشرف والكرامة ثم عكفنا على العمل بعد أن استكانت المدينة المقدسة لنبدأ مسلسل الازعاج لأجل العمار ليس إلا .

ختمنا اليوم الأول في النصف الأول من الليل، وباشرنا العمل منذ الساعات الاولى من صباح اليوم التالي، ما إن وصلت الساعة العاشرة حتى بدأت الأفكار تتسلل إليّ رغم محاولاتي طردها بكل السبل إلا أنها سيطرت عليّ وفرضت سطوتها فكنت نزيلا بين يديها .

ضاقت وضاقت،أفكار متهاوية، أحلام متطايرة، ذاكرة حيّة، تاريخ، مستقبل، حياة، ألوان، وأكثر من ذلك بكثير في ذات اللحظة، فسقطت لثقل رأسي ضحيّة الاعصار الفكري.

رحت باحثا عن منافذ الهواء مع أن السماء تراني وأراها، لكني لم أفلح.

عند الظهيرة نادى المؤذن " الله أكبر الله أكبر " فجاء الطفل أحمد، ذاك الطفل الذي أعاد اليّ الحياة بابتسامته الحيّة، الخفيفة، الملونة بألوان الطيف، نعم ابتسامته تحمل بين ثناياها كلّ الحياة، ولا أنكر أنها طاردت الموت الذي يحتويني، فانتصرت عليه مرارا إلا أنه كان يعود بغياب أحمد عن عيني.

بطبعي لا أحب تواجد الأطفال حولي ساعة العمل، أما هذه المرّة فقد كنت على استعداد فعل أيّ شيء حتى يبقى، لا لشيء؛ فقط لأفوز بساعة جديدة من الحياة.