العملية الجراحية

من الشأن السوري......

العملية الجراحية

جمال المعاند -إسبانيا

[email protected]

- لم تلازم فراش المرض طوال عمرها المديد، إلا أياماً معدودات، وعلى فترات،  وهي الآن تدافع مرضاً عضالاً مزمناً، ما يربو على العامين والنصف، تتلمس بيدها جسداً لا يخلو شبر فيه؛ من سهام المحن، حتى لا تجد عضواً معافى، تتذكر شموخها في الماضي، وتفزع من هوانها في الحاضر،  وترنو لأحلام المستقبل .

كما تظن، أنها قضت خمسين حولاً، ما عرفت خلالها طعماً للراحة، فبين كد ممزوج بالدم، وتعب يَشُوبه الظلم، وحذر تشيب له النواصي .

هواجس لا حصر لها، تعبر عنها أحياناً بالحال أو المقال، تعتريها آلام لا توقيت لها،

وتثعب لها جروح عصية على التوقف حتى ينضب معين مصدرها .

 أبناؤها تفرقت بهم السبل، وتجاذبتهم الأهواء؛ فهم إما مشارك لها السكن، أو طاب له العيش خارجاً عنها .

 ولما ألمت بها النازلة الأخيرة، حدث أن اجتمع نفر منهم، على مرمى من سمعها، أعارتهم أذنها بينما أخذ بصرها يطوف، يبحث عن شيء لم يصل للأذن ليوصله، علّ العقل يعقل ما يريدون، تقول منافذ الإحساس المتعاملة مع مواقفهم، إنهم إما مشفق عليها، أو غير مكترث، أو متعجل للخروج من هذه المعضلة .

يمتلكها إحساس أن مشاعرهم لا ترقى لمستوى أمومتها، وأنى لها سبر ذلك و التحقق منه .

سلك كلامهم كل شعب، بين صاعد وهابط،  فمرة يريدون التنسيق بشأن أمرها، وتارة يحددون مجلساً لمشكلتها، ونادراً ما يتفقون، وإن حصل لهم ائتلاف لا يقدم ولا يؤخر، وتبقى معاناتها الأعلى صوتاً، لم تجد في كل ما يقولون أو يفعلون فائدة تذكر، فأسلمت للعقل زمام التأمل، ولما كان عقلها قد أتى على كل حادثة مراراً، توارى مستنجداً بالنعاس صديقه المنقذ عند الأزمات، فأرسل جنده لغلق الجفون، وأولئك الجنود لكثرة ما يقومون بهذا العمل اليومي، إما أنهم أدركهم التعب، أو أن مفاصل الجفون ما عادت كسابق عهدها، وبعد محاولات تتأرجح بين اليقظة والنوم، من ثم أغلقت الجفون؛ فأخبر جند النعاس، العقل أنهم في هُدنة، سِنَة من النوم، المهم أن المريضة؛ حسب ظن من حولها أنها مستسلمة للنوم، ومما بعث على طمأنتهم تنبيه شخير صدر عنها.

قال أحدهم: إن ما تعانيه أمُنا، سببه ذلك الشقاء والظلم والقهر، الذي استوطن بيتنا، ومما زاد الأمر سوءاً، انشغالنا عنها، حتى تفاقم الأمر، فالمسافات بيننا أدت إلى فرقة، لامست مقومات الحياة، فلا سلمنا لضروري، ولا راعينا حاجة، ولا خططنا لإحسان، كأننا لسنا أصائل، بعض منا تستهويه المخالفة، وتشعبت فينا الدروب، بين باحث عن مصلحة، ومخترع لقِبلة يتجه إليها، وثمن ذلك، دفعه كل منا؛ حتى أمنا المسكينة .

أجابه حاضر جالس على الأريكة الوثيرة، يا هذا؛ هذه سُنة الحياة المترامية الأطراف، ما من حي وعاقل لا يبحث عن التغيير، والتجريب سمة البشر.

 ومشكلة المسكينة هذه؛ في سوء تربيتها لأبنائها، منهم من أنشأتهم نشأة؛ تعتد بعادات الأجداد، وفيهم من شب عن طوق التقليد،  وبالتالي تتحمل هي كل ذلك، وتجني ثمار تربيتها، في الوصول لمثل هذه الحالة البائسة .

وعلق ثالث من الحضور مشكلتنا عويصة، والوقت يمضي مسرعاً، ولم نقم بشيءٍ  ذي بال،  والمفاجأة أخشى ما نخشاه، فهي أم المصائب، فهل لو انقشعت الغمة نحن قادرون على ترتيب وضع هذا البيت؟ .

قال أحدهم: ألآن تقومون بمراجعات، وتطرحون أراءً دبرية،  لقد استشرى الداء، ما فائدة رجع الكلام، لو تعاملتم بقدر من المسؤولية من بادئ الأمر لهانت المصيبة .

قالت إحدى الحضور: تحتاج مريضتنا لعملية جراحية، كلام قيل منذ بدء الداء الأخير، لكن المزايدة أخرت مرتبتها، ولو أن نسبة نجاحها غير مضمونة .

تحدث من لم يسبق له المشاركة في الحديث، إجراء العملية ضرورة، فقد ثبتَ أن إمكاناتنا لا تقوى على معالجة الواقع .

كانت الأم قد استيقظت من سِنة نومها، وأبقت على جفونها مغلقة، فسمعت كل حرف قيل، من ثم فتحت عينيها بتكاسل، فلما رأوها قالوا: سنجري لك العملية الجراحية، فإن لم تشفك تماماً، فلا أقل من أن تخفف معاناتك .

أجابت بتوافقٍ بين جسد مسجى وصوت منخفض، أو أبقى على حالتي سنينَ أخرى، لكن الغرباء الذين سيقومون بالعملية، أليس لهم أجر يتقاضونه لقاء ذلك .

أجاب أحدهم: إن من يقومون بها، لا يتقاضون أجوراً، فمن شيم مجتمعاتهم؛ المساعدات الإنسانية ! .