هموم

عبد الزهرة لازم شباري

[email protected]

كان قد أدرك يوماً ما سيفترق عنها ، أنها حالة أكيدة لا بد منها ، هكذا هي الحياة يتمتم مع نفسه وهو يسير بين هياكل وكتل الثرى والمدر الجاثمة فوق رفات الأموات ، توقظ في نفسه بريق دافئ ينقله نحو الكون الواسع ، يسري الدم في عروقه ، تتوهج فيه الحياة ، حلاوتها ، رجسها ، عتمة مساوئها ، وغنجها !

يفترش عباءته الممزقة ويرقد عليها متوسداَ أحد القبور التي أنهكها الزمن ، لا بد أن هذا الراقد هنا أعطا لعمره شيئاً من اللهو والترف ، ومر بضجيج هذه الدنيا الفانية !

تسري في جسده قشعريرة ، يحس بعظامه تتكسر ، ينهض مسرعاً يلف عباءته تحت أبطه ويسير بضع خطوات ، تدمع عيناه وينهمر منها ماء لزج يسيل على خديه ، يفرك عينيه بقوة مهمهماً ، كلنا سنكون إلى هذا الرمس البالي سوف تمر علينا الأقدام حتما ، وسبحان من ذكره الناس بخير !

سائراً بين الرموس يكلم نفسه ويصلح ذيال عباءته التي تسح عجاجاً بدا وراءه ، يلتفت كمن يتبعه أحد ، يصرخ في أعماقه ، هكذا نفنى دون أن يبقى نبضاً يومئ لنا ، وينذر الحياة ، ودون أن نخلد إلى نوم هادئ !

 حاملاً همه الثقيل مستقبلاً منائر بدى له بريقها واضح على أشعة الشمس التي تسللت من خلال الغيوم الكثيفة ، وقف قبالتها ساكناً : لا أحمل سوى جسدي ، وجعي ، وهمومي التي أثقلت كاهلي ، لا أدري أين أجد ماء الحياة يتحسس شيب لحيته التي كست وجهه ويسح دمعة من جديد  !!

تتوهج فيه رغبة في الطيران حولها والصاق جسده بها ، إلاَ أن قدمه تتعثر بأحد القبور المثقوبة ويسقط على الأرض ، بهلع صارخاً توقظه زوجته ليجد نفسه في فراشه ترتعد فرائصه !!!