نهاية الجبابرة

نهاية الجبابرة

البراء كحيل

[email protected]

عيناه الجاحظتان تقذفان بالشرر من برجِ جثته الضخمة وكأنّه في جبروتهِ وظلمهِ فرعونٌ يعتلي عرشَ الألوهية وكأنّ الخلائقَ مادونه عبيدٌ له يملكُ لهم البقاء والممات، الشقاء والسعادة، الطعامَ والشراب، وكأنّهُ واهبُ الحياة وخالق الأرضِ والسماء، تجبّر وتكبّر ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثمَّ قال: " أنا ربّكم الأكبر".

كم ظلمَ وطغى ويتّم وشرّد؟ وكم من مظلومٍ في السجن قيّد؟ وكم من حرّةٍ هتك عرضها ؟ وهناك ترى الثكالى والأراملَ من صُنعِ يده الآثمة، فما سَلِمَ من شرّه شجرٌ ولا حجر, حتّى نسائم الصباحِ الطاهرة لوثتها أنفاسه النتنة، وحتّى أحلامُ المراهقين تحوّلت لكوابيسَ حين يزورهم في المنام، ذلك الشبحُ الذي زرعَ الرعبَ والخوفَ في قلوب النّاسِ فكأنَّما هو ذلك الوحشُ الأسطوري الذي تُخيف الأمّهات أبناءهنَّ به، ولكنّه هنا ليس أسطورياً.

كلّما أطلَّ بقامتهِ المرعبةِ سرقَ الفرحةَ من عيون الأطفالِ وأحالَ الديار إلى دمار، وغدت الروضة الغنّاء صحراءَ قاحلة فهو مُتفنن في التخريبِ والتعذيبِ والتنكيل.

وكأنّه ظنَّ أنْ لن يموتَ أبداً فخواره ترتجُّ منه الجدرانُ ومشْيتهُ تترنحُ الأرضُ من هولها، ولكنّه لفرطِ جهلهِ ماعلمَ أنَّ المصيرَ واحدٌ للأُسْدِ والفئران وأنَّ النمرودَ قتلته بعوضةٌ وفرعون مصرَ غرقَ فما نفعته قوّته وجبروته كي يسبح. وإنَّ تلكَ الدعواتِ واللعنات التي خرجت من صدورٍ مكلومةٍ وقلوبٍ مجروحة ما ضلّت طريقها لخالقه وخالقهم وأقسمَ وما يحتاج لقسم: " وعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعدَ حين".

ففي يومٍ اعتلت الشمسُ فيه كبدَ السماءِ بعدَ ليلٍ حالكٍ طويلٍ جعلَ النّاسَ آيِسةً من رحيله، كان مكتوباً في القدرِ أنَّ مُجرماً قاتلاً وسفّاحاً متجبراً قد آن أوان زوالهِ وأنَّ يد اللهِ الحانيةَ على المظلومين حوّلت الظلامَ إلى ضياء والشقاء إلى هناء والسجنَ إلى حريّة.

فغدت الدنيا وكأنّها قد اكتست ثوباً مزركشاً ولَكَأنَّ السماء تزيّنت بأبهى الحُلل فهو يومُ عيدٍ استراحت فيه البلاد والعباد من مجرمٍ نحتَ اسمه في جدارِ التاريخِ بالدماء وكتبَ سيرته مع أولئك الطغاة قبلهُ في كتابٍ عنوانه " خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ"

إنّه الموتُ الذي يستللُ إلى قصورِ الملوكِ والجبابرة لكي يحصدَ أرواحهم ويقصمَ ظهورهم وهم عاجزونَ بسلطانهم وجندهم وأموالهم أنْ يصرفوه عنهم أو يزيدوا في أعمارهم فسبحان من قهرَ الطغاةَ بالموت.

قال صلّى الله عليه سلّم في موتِ الطغاة:

"....... والعبدُ الفاجرُ يستريحُ منه العباد والبلادُ، والشجرُ والدَّوابُّ"