استوديو تحليل الأخبار
ستوديو تحليل الأخبار
السعيد ابراهيم الفقي
خرج من عيادة الطبيب ومعه ورقة طويلة
معنونة : تحليلات:
تحليل دم كامل
تحليل نفسي كامل
تحليل تاريخي للأمراض
تحليل جغرافي جسدي
تحليل اجتماعي
تحليل أخلاقي
تحليل تربوي
تحليل عقائدي
تحليل انتمائي
تحليل تاثيري
==========
هبط المسكين إلى الشارع وهو يرتعد، لأول مرة في حياته يطلب منه الطبيب مثل هذه الأنواع من التحاليل.
سار في الشارع مهتزا، يبحث عن معامل التحاليل، تارة يسأل المارة، وتارة أخرى يقرأ العناوين واللافتات، لعله يستدل على معمل تحاليل.
==========
حرث المدينة بحثا، حتى تورمت أفكاره ، وتقطعت به الأسباب، وسال صديد معلوماته فأفسد وظائف السمع والنظر والإحساس.
وجف لعابه من كثرة التساؤل، وتناثرت تساؤلاته على العامة والخاصة وعمال الشورع، وحراس العمائر والبنايات.
==========
أخرج هاتفه وتفاعل مع " الأرقام الهامة " ، التي تقوده في كل " مهمة " :
هو: الو، لم أستطع الوصول إلى معمل تحليل!
الأول: هل أصابتك الحالة؟
هو: الو، أريد أن أصل الى معمل تحاليل!
الثاني: هل تشعر بالغثاء والرغبة في القيء؟
هو: الو، أين توجد معامل الحاليل؟
الثالث: هل تشتهي طعاما خاصا؟
هو: الو، أرجوك ! دلني على أقرب معمل تحاليل، الطبيب ينتظرني، كاد صبري أن ينفذ، أنت الرابع سيدي!
الرابع: أنا الرابع؟ إذا، رصيدك نفذ فعلا، توقف عن الكلام، أنت حالم، لقد تخطت حالتك الخطوط الحمراء.
==========
اصطدم بعربة بائع متجول، تبعثرت محتوياتها، لم يشعر بشيء، لم يعتذر، ألقى بالهاتف في وجه البائع، وراح يركض لاهثا يسابق كلاب الشوارع، التي هربت خوفا وذعرا.
==========
احتضن عمود إنارة، ومازال يلهث، هبط بجوار العمود وهو يلهث، جلس القرفصاء وهو يلهث، بكى بصوت عال وهو يلهث، ضحك بصوت عال وهو يلهث، صمت مرتعدا وهو يلهث، تكوم على نفسه خوفا من المارة وهو يلهث.
==========
حملوه إلى أقرب مستشفى، وفي الاستقبال حاول بعض الأطباء أن يتعاملوا معه، لكن دون جدوى، لم يصلوا إلى شيء.
نقلوه إلى العناية الفائقة.
==========
المساعد الأول: الفحوصات تقول أن الجسد لايوجد به كسور أو جروح!
المساعد الثاني: ولم يمر بنوبات قلبية!
المساعد الثالث: المريض ليس به أي أثر ظاهر لمرض عضوي!
كبير الأطباء: ( يبدأ الحديث مع المريض) كيف تشعر؟
لم يرد ولم يتحرك.
كبير الأطباء: أين أنت الآن؟
نظر الى الطبيب في ذهول لم ينطق.
كبير الأطباء: ماهي مهنتك؟
انتفض كأن حية قد لدغته، وحاول أن يتكلم، لكن الكلمات خرجت مبعثرة الحروف، متقطعة الصوت: م- ح- ل- ل........
كبير الأطباء) : آه! محلل ..........؟
أومأ برأسه ، موافقا، ثم لفظ بعض الكلمات المبعثرة: خ- ب- ي- ر ...............
كبير الأطباء: آه خبير ..........؟
انتبه بعض الشيء، محلل سياسي، خبير استراتيجي ، خبير أمني،
انتفض مرة أخرى، صائحا: لا لا لا ، لم أعد شيئا، أنا منتهي الصلاحية، لقد انتهت صلاحيتي، لقد نفذ رصيدي.
كبير الأطباء: هل سجلت بياناتك في الاستقبال؟
أخرج بطاقة الهوية وناولها الطبيب.
الاسم: عبد مصالح منفذ
المهنة: خبير استراتيجي ومحلل سياسي ومنسق أمني
تاريخ الولادة: 1900 ميلادية
كبير الأطباء : أنت لست في حاجة إلى معمل تحاليل طبية. أنت في حاجة ماسة إلى " ستوديو تحليل الأخبار بالتلفاز القومي"
شهق شهقة عالية ارتجت لها جدران الغرفة.
==========
سقط .. وتدلى رأسه إلى الأرض .. وثبت فمه وأنفه في فوهة فردة حذائه الأيمن .. وسقطت بطاقة الهوية من يد الطبيب .. فوقعت في فردة حذائه الأيسر.
