الملك المخلوع والملك المخدوع

د. غيضان السيد علي

د. غيضان السيد علي

وفور أن تم إلقاء القبض على الأسد الظالم لأهل مملكته  وإيداعه سجن المزرعة الزرقاء،  حتى نادى المنادي في الغابة الخضراء بفتح باب الترشح لشغل وظيفة "ملك الغابة" خلفاً للملك المخلوع، وعلى من يرى في نفسه الكفاءة ليصبح ملكاً للغابة فعليه التقدم لإثبات مواهبه أمام لجنة الحكماء العشرين وهم الشيوخ الكبار من أهل الغابة وسكانها الذين لهم خبرة كبيرة ودراية بأمورها، وهم جميعا من كبار الحيوانات .

فتقدم الثعلب في البداية وأخذ يعرض حِيلَهُ الماكرة أمام اللجنة؛ وكيف أنه مكار وخبيث ولا يفوقه في المكر والحيلة أحد من سكان الغابة، لكن لجنة الحكماء لا تريد ملكاً خبيثاً ماكراً محتالاً فرفضت ترشحه؛ فأعلن الثعلب عن غضبه الشديد وحنقه على لجنة الحكماء العشرين وأتهمهم بالغباوة والجهل.

ثم تقدم الحصان وأخذ يصهل صهيلاً جميلاً ثم يرقص رقصات رائعة، ولكن لجنة الحكماء لم ترى في الصهيل والرقص مقومات الملك العادل المطلوب فرفضت ترشحه للمنصب.

فتقدم البلبل الذي أخذ يشدو بالغناء المطرب حتى تراقصت كل حيوانات الغابة على صوت أغانيه الشجية وكادت حيوانات الغابة جميعاً أن تختاره فهو رقيق ومسالم ومحبوب من الجميع .. لكن لجنة الحكماء لم ترض عنه ولم ترى فيه مقومات الحاكم المناسب.

ثم جاء النمر من بعيد مسرعاً ليكشف عن سرعته التي لا يفوقه فيها أحد، وأخذ يبرز عضلاته المفتولة، ويظهر قوته التي تمكنه من البطش بكل من يخرج على قوانين الغابة ونظامها الملكي، لكن اللجنة رأت فيه شبهاً من سابقه الملك المخلوع فرفضت ترشحه للوظيفة .

وهنا جاء الدور على القرد الذي أظهر حكمة وعقلاً قريباً من حكمة الإنسان العاقل وأخذ يبرز مهاراته في القفز والتعلق بالأشجار بيد واحدة بشكل لافت للنظر، فتم اختياره من لجنة الحكماء ملكاً للغابة. ولكن لجنة الحكماء اشترطت عدة شروط على الملك الجديد كان من أهمها  شرطان: أن يحكم بالعدل ويقيم المساواة بين كل أفراد المملكة، وأن يحافظ على قصر الحكم نظيفاً وجميلا ومنسقاً وذو رائحة طيبة عطرة. وإذا أَخَلَّ بأحد هذين الشرطين سيتم خلعه مباشرة ويتم إيداعه السجن كسابقه الأسد الملك المخلوع .

وجاءت الحيوانات من كل مكان في الغابة لتهنئ القرد الملك الجديد، ثم انصرفت جميعاً إلا الثعلب، الذي أقترب من القرد وقال له أنا أسعد سكان الغابة بفوزك بمنصب الملك لأني أكثر سكان الغابة حباً لك .. فالقرود والثعالب عائلتان صديقتان منذ أزمنة طويلة؛ ولذلك فإني سأنصحك نصيحة رائعة كي تحافظ على القصر نظيفا وذا رائحة طيبة، وهي أن تتناول شربة من مسحوق نبات (السلمكي ) هذا، فإنه سيجعل الروائح التي تخرج منك طيبة وذات رائحة عطرة، فأخذ القرد منه مسحوق نبات (السلمكي) وشربه، فأصيب بعد سويعات قليلة بالإسهال فملأ القصر بالقاذورات، فلما جاءت الحيوانات في الصباح وشمت الرائحة الكريهة من داخل قصر المملكة، قررت لجنة الحكماء على الفور خلع القرد من منصبه لإخلاله بالشروط، فلما تظلم القرد بأنه قد وقع في خديعة الثعلب اللئيم، قالت لجنة الحكماء مقولتها الحاسمة " إن من يخدعه الثعلب لا يستحق أن يكون ملكاً".