نبرة عنف

عبد القادر كعبان

[email protected]

دخلنا الصف نتدافع كقطيع الأغنام. صرخت المعلمة في وجوهنا لنعتدل في الجلوس. تمشي بين حين و آخر بين الصفوف. ترفض الشغب داخل القسم. كانت كالشرطي حين يحاول إمساك أحد اللصوص متلبسا. العيون تتركز على السبورة. تشرح  لنا المعلمة و تعيد القراءة بصوت مسموع. يدق الجرس معلنا نهاية الفترة الصباحية. يخرج الجميع بفرح و سرور. أمضي الى البيت ماشيا وسط مدينتنا الكبيرة. شوارعها و بيوتها مرصوفة. الناس لا يتكلمون. يتحركون في صمت و عزلة. فجأة وقفت أمام تجمع كبير. وجدت الجميع يتساءل بفضول:

-ما الذي حدث؟

-فتاة سرقت حقيبة يدها.. طعنها السارق و هرب..

صراخ يعلو في ذلك المكان. شتائم و كلام غير مفهوم. لفت انتباهي رجل عجوز يردد:

-العنف و السرقة عنوان لتحطيم حاجز الصمت الرهيب الذي يعيشه الناس..

لم أفهم قصده لكن تابعت الإصغاء لكلماته المتمردة على الصمت. الجميع راح يكرر كلمة عنف. أسرعت في العودة الى المنزل. فتحت الباب و دخلت الصالون. وضعت محفظتي جانبا. أمي في المطبخ كعادتها منهمكة في غسل بعض الثياب. ألقيت تحية السلام و سألتها بدوري:

-ما معنى العنف يا أمي؟

-ما الذي حدث بني؟ ما سبب سؤالك؟

-وجدت الناس في الشارع تكرر هذه الكلمة اليوم..

-للأسف الشديد.. بات العنف يتكرر في المدن الكبرى. إن الناس تعبوا من هذا الفعل الشنيع. تعبوا من السرقة و التخريب و السطو و القتل و تجارة المخدرات و غيرها من الآفات الإجتماعية..

-هي إذا أعمال عنيفة يجب محاربتها..

تنهدت بصعوبة تقول:

-الناس تفضل الصمت في هذا الزمن بني.. كل واحد منهم يخاف أن ينطق..

أعادتني كلماتها الى قصة قرأتها بعنوان "أسد في غابة الأرانب" تحكي لنا حكاية أسد يتحكم في حيوانات الغابة. يسيء معاملة الجميع و خصوصا الأرانب الضعفاء.  هو الوحيد الذي يتكلم بنبرة عنف. حتى الكلام أصبح عسيرا على الأرانب. هو يلقي الأوامر فقط و هي لا تستطيع حتى أن تنطق بكلمة. عاشت في تلك الغابة حائرة بين صمت مؤلم و بين شهوة كلام قاتلة.