عكيد (عقيد) من ورق

قاسم كيلاني

صاحب قصتنا العكيد (هو رمز أو إن شئت فقل هو صورة مصغرة من أولئك الذين ابتليت بهم

 الأمم من القادة والساسة  والزعماء ممن لبسوا -  زيفا وبهتانا - لبوس الحكمة

والشجاعة والعلم والكياسة فكشف التاريخ زيفهم وبهرجهم وتعرت نفختهم الكاذبة وغرورهم الخادع  وأحصيت سقطاتهم  وكشفت عوراتهم وكانواقبل ذلك يستقوون على الناس مستغلين خوفهم وضعفهم مسخرين ما أوتوا من سطوة المال وقوة المكر ودهاء الحيلة لفرض هيبتهم وسلطانهم يخلعون على أنفسهم ألقابا مهيبة  فهذا القائد الضرورةاك الزعيم الأسطورة وكلاهما بطل الحروب المغوار الذي لا يشق له غبار  وماهم في حقيفة الأمر إلا طبول فارغة جوفاء وهم أ شبه بالزبد والغثاء الذي مايلبث أن يذهب جفاء  صاحبناالرمز (   جحدر )ا أصبح بين عشية وضحاها العقيد

 الذ ي يهاب جنابه ويحسب أينما توجه حسابه وكان قبل ذلك مغمورا لا يؤبه به إن حضر ولا يفتقد إ ذا غاب وقد كان يمتلك من الصفات الجسدية مايؤهله لذلك فقد كان فارع الطول جسيما مفتول العضلات ولكنه كان خوارا رعديدا أجبن من نعامة وقلبه في مواطن الخوف أخف من جناحي يمامة ولكن شاء القدرفي لحظة استثنائية أن يكون في قلب  معركة حامية دامية بين بني عمومته وخصومهم من عائلة أخرى وجد فيها نفسه يحمل سكينا عظيمة أجبره على حملها أحد بني عمه مكرها مرغما أخذ يلوح بها في الهواء خائفا مذعورا يتقدم خطوة ويرجع خطوات سقط على الأرض جرحى من الطرفين هرب الجميع وبقي (   جحد             وحده  مسمرا في مكانه من شدة الخوف قد ضعفت قدماه عن حمله على الفرار تجمع الناس من كل مكان وهالهم رؤيته وحيدافي ساحة المعركة وقد تناثر من حوله عدد من الجرحى يئنون ويصر خون وهم مخضبون بدمائهم فانتشرت الشائعة انتشارالنار في الهشيم بأن (             ) كان بطل المعركة وأنه صاحب الصولة والجولةوأنه استطاع بحرفيته العالية في استعمال السكين أن يجندل  على الأرض عددا من خصومه وحده فكان لهذه الحادثة أثرها في إحاطته بهالة من المهابة والتعظيم اهتبلها فرصة ألماسية ليبسط سلطته المصطنعة وسطوته المختلسة على الناس دخل السجن فيمن دخل  وقوبل فيه بالحفاوة والتقديرمن السجناء المخدوعين: ( ياحيو البطل ياحيو العقيد تسلم البطن إللي حملتك . ) وكان قد سبقته قصة بطولاته السرابية  وعنترياته الخلبية فجلس في السجن إلى أساطين في فنون الاحتيال والنصب على الناس  فأخذ عنهم نخبة خبراتهم في ( الفتونة ) وخلاصة تجاربهم في ( العكدنة  ) ولكنها تبقى خبرات نظرية تحتاج منه أن يحسن التعامل معها في واقع الناس فخرج من السجن بعد أن تصالح طرفا النزاع وبدأ بتوطين نفسه على تحقيق مايصبو إليه  فاشترى( بكسا من  حديد وسكينا مطوية) استكمالالمهمته الرخيصة وغايته الدنيئة وأخذ يظهرهما في مجلسه المعتاد في

إحدى المقاهي الشعبية ليثير الرعب  في قلوب مجالسيه و يخترع قصصا  خرافية تبعث في نفوسهم الإعجا ب به والخوف من سطوته وكان إذا مشى قوس ذراعيه  ورفع رأسه تكبرا وغرورا وكان يفتعل بين الحين والآخر عراكا محسوم النتيجة فيختار شخصا ضعيفا جبانا فيوسعه ركلا ونطحا ولكما ينخلع لرؤيته قلب الشجاع وبقي على هذه الحال ردحا من الزمن حتى شاء الله أن يرفع عنه غطاء ستره ويظهر ماخفي من أمره  وكان بداية افتضاح لعبته القذرة شاب يتوقد حيوية وفتوة وشجاعة دفعه إعجابه (                   ) أن يتحسس ماخفي من شأنه لعله أن يصبح في قادم الأيام عكيدا مثله  حدثته نفسه مرة أن يتبعه ليتعرف أحواله عن كثب خرج وراءه في ليلة مظلمة تزمجر فيها ريح عاصف من ليالي الشتاءالباردة بعد أن ا نفض مجلسه في إحد ى المقاهي  كانت الشوارع فارغة إلا من بعض القطط السارحة والكلاب الشاردة وقد خيم عليها صمت مطبق رعيب فرأه يسرع في خطاه وهو يتلفت يمينا وشمالا تلفت الخائف

المذعور ثم مالبث أن سمع عواء كلب يركض وراءه ترافق مع طقطقة علب العصير والقناني الفارغة تتقاذفها الريح الغاضبة من مكان لآخرفأطلق ساقيه للريح لايلوي على شيء وهو يردد : ( استرها معانا يارب ) فتبين للشاب أن عقيدهم الموهوم كذاب أشر وأنه نصاب مخادع يخاف من خياله  حدث الشاب بعض أصحابه المقربين بالذي رأى : (يجوز ماتصدقوني إذا قلت لكم إنو العقيد جحدر خواف وجبان وإنولهو عقيد ولا هم يحزنون ) فلم يصدقوه ونصحوه إذا اراد السلامة أن يطبق فمه ولا ينبس بكلمة مخافة أن يغضب عليه العقيدفيغضب لغضبه أصحابه ومعجبوه فيحدث له ما لا تحمد عاقبته فحز في نفسه تكذيبهم له وإنكارهم عليه فعقد العزم أن يلقن هذا الأفا ك درسا  يعض منه أصابع الندم على كل لحظة خدع فيها الناس بعنجهيته الجوفاء وغروره المزيف كان صدر الشاب يغلي غليان المرجل حقدا وغضبا وهو يرى هذا المحتال يتمادى في غيه وضلاله ومكره وخداعه وجد نفسه أمام المقهى وفي يده سكين عظيمة و يصرخ بصوت هادر تشم منه رائحة التحدي :

( ياجحدر إذاكنت عقيد اطلع بره اتحداك إذا  تقدرتواجهني ) خرج الناس من المقهىى وهم في غاية الدهشة

والاستغراب من الذي يجرؤ على هذا التحدي  تسمر العقيد في مكانه وقد بدا قلقا مضطربا ممتقع اللون ترتجف عروق رقبته من شدة الهلع حتى كاد أن يجثو على الأرض يعلن ندمه وتوبته عن خداعه الماكروتزويره المشين ولكن دبت الحمية  في صدور أصحاب العقيد فتأ لبوا على الشاب وأخذوا يضربونه ويضربهم حتى وقع على الأرض مضرجا بدمه وبهذا تملص جحدر من الإحراج المذل الذي  كاد أن يطيح بغروره الهش وعنجيته الفارغة

لاحظ بعض الحاضرين علامات الخوف والذعر على جحدر فوقع في أنفسهم أنه كاذب محتال همس أحدهم : (لماذالايقبل التحدي إذا كان شجاعافليجابه  وحده ) ثم سكت على مضض خائفا من الكثرة الكاثرة التي كانت تساند العقيد وتدعمه عن جهل وغباء ثم جاءت الفاضحة أو القشة التي قصمت ظهرالبعيرفقد كان جحدر يجلس في المقهى كعادته وحوله لفيف من أصحابه قد فغرت أفواههم إعجاباوهو يحدثهم بغرورخادع وتكبرزائف عن مغامراته الأسطورية اللامعقولة دوى صوت انفجار رهيب بلغت به القلوب الحناجر ذعرا تدافع الحاضرون يلتمسون الخروج من المقهى وماج بعضهم في بعض وهم يصرخون : علقت والله. اللي يحب النبي يخلع )   تناثرت الكراسي وانقلبت الطاولات وكان العقيد اول الفارين وقد ارتفع صوته مدويا وهويدوس على أصحابه ليخرج من الباب فلم يستطع فألقى بنفسه من النافذة: (ياويلي، يارب دخيلك استرنا يارب )وهي عبارة تنم عن خوف بعيد الغور عميق في نفسه الجبانة ثم هدأت النفو س وشعرت بنسمة من الأمن تدغدغها وتلفها بغلالة من السلام الهادئ و الطمأنينة المريحة وذلك عندما سمعت أحدهم ينادي : (ياناس لاتخافوا الصوت إللي اسمعتوه كان انفجاردولاب شاحنة مرت قدام المقهى) رجع الجميع إلى المقهى وقد تعالت أصواتهم بضحكات مضحكة  وقهقهات هستيرية باستثناءشخص واحد هرب ولم يعد وهو قعيدهم الأفاك الذي خلف وراءه بكسا من حديد وسكينا وبللا على الكرسي الذي كان يجلس عليه له رائحة منتنة .لم ير بعدها في أي  مكان واختلفوا فيما بينهم إلى أين ذهب ولكنهم اتفققوا جميعا على أنه عقيد من ورق .

رمتني بدائها وانسلت

كانت امرأة تتمتع بذكاءأسطوري يحسدها عليه كثير من النسوة اللاتي عاشرنها أوصاحبنهاولكن هذا الذكاء الذي ميزها عن غيرها من أترابها لم تكن تسخره  في وجوه الخير والبر وإنما كانت تستخدمه  لأغر اض دنيئة وأهداف وضيعة كانت تسعى بالنميمة بين الناس فتثير بينهم الأحقاد والضغائن وتدبرالمكائد البغيضة  وتحيك المؤامرات الخبيثة فتفرق بين الأحباب وتؤجج نار العداوة بين الأصحاب فكملا خربت من بيوت مؤتلقة عامرةوكم قطعت من وشائج أحكمت حبالها إذا حلت في مكان استعاذ أهله بالله من فتنها الشيطانية وتوسلوا بكل دعاء يجأرون به إلى الله من شرورها المبيرة ودسائسها المهلكة.