صرت كبيراً يا ولدي

غرناطة عبد الله الطنطاوي

قصة للأطفال

غرناطة عبد الله الطنطاوي

[email protected]

كان محمد يأتي كل مساء وقد اغبرّت ملابسه، واتّسخت من الطين والتراب الذي يغطي شعره وجسمه.

فكانت تصرخ به والدته معنّفة غاضبة، وتطلب منه الاغتسال وتغيير ملابسه.

فيدخل محمد الحمام ويغتسل ثم يغسل ملابسه، ثم يتقدّم إلى أمه يقبّل يديها ورجليها ويطلب منها مسامحته، لأن ملابسه اتّسخت، ولم يطع أوامرها.

مرّت الأيام والسنوات الطوال ومحمد على نفس المنوال، يغتسل ويغسل ملابسه، ثم يقبل أمه معتذراً.

في أحد الأيام جاء أبو محمد فرحاً مستبشراً، وهو ينادي أم محمد قائلاً:

-زغردي يا أم محمد.. ابنك محمد قد رفع رأسنا عالياً..

نظرت أم محمد نظرة استفسار وكأنها تطلب منه متابعة حديثه، فقال أبو محمد:

-الم تسمعي في المذياع عن التفجير عبر الأنفاق، والذي حفره أولادنا الأبطال؟؟ وقد أربك الصهاينة وخوّفهم.

قالت أم محمد:

-وما دخل محمد في هذا الموضوع؟

قال أبو محمد فرحاً:

-ابنك محمد هو من حفر الأنفاق عبر سنوات طوال.

سرحت أم محمد ببصرها بعيداً وكأنها تستعيد ماضياً ولّى، فتذكرت ابنها محمد وهو قادم وجسمه وملابسه متّسخة، فيغتسل ويغسل ملابسه، ويطلب منها مسامحته والدعاء له بالتوفيق.

في منتصف الليل جاء محمد متعباً مرهقاً، وكانت أمه تنتظره على أحرّ من الجمر.

ما أن دخل محمد البيت حتى أقبلت أمه تقبّله من رأسه ويديه ووجهه، وهو يحاول سحب يديه منها وتقبيل يديها، فقالت له أمه:

-دعني أقبّل هاتين اليدين اللتين حفرتا الأنفاق عبر سنوات طوال، وأعتذر منك لأنني كنت أنزعج منك ومن اتّساخ ملابسك، الآن يا بني عرفت سرّ الطين الذي كان يكلّلك من رأسك إلى قدميك، عافاك الله وسدّد خطاك، أنت وأصدقاؤك، انتم شرف فلسطين وأبناؤها البررة..

لقد صرت كبيراً يا ولدي