اَلْحَمَلُ.. صَدِيقِي..

محسن عبد المعطي عبد ربه

محسن عبد المعطي عبد ربه

[email protected]

كَانَ فِي بَيْتِنَا خَرُوفٌ يَأْكُلُ الْبَرْسِيمَ وَالْخُبْزَ وَأَحْيَاناً اَلتِّبْنَ وَالدِّرِيسَ(الْبَرْسِيمَ الْجَافَّ) وَكَانَ عِنْدَمَا يَجُوعُ يَصِيحُ قَائِلاً:مَاءْ مَاءْ فَنَعْرِفُ أَنَّهُ جَوْعَانُ وَيُسْرِعُ أَحَدُنَا بِتَقْدِيمِ بَعْضِ فُرُوعِ الْأَشْجَارِ الْخَضْرَاءِ لَهُ فَيَأْكُلُهَا بِنَهَمٍ وَكَانَ عِنْدَمَا يَعْطَشُ أُسْرِعُ وَأَفُكُّهُ وَأَذْهَبُ بِهِ إِلَى التُّرْعَةِ لِيَشْرَبَ كَبُرَ الْخَرُوفُ شَيْئاً فَشَيْئاً وَأَصْبَحَ لَهُ قَرْنَانِ ذَاتَ يَوْمٍ أَخَذَ الْخَرُوفُ يَصِيحُ بِقُوَّةٍ : مَاءْ مَاءْ أَسْرَعْتُ وَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ الطَّعَامَ فَرَفَضَهُ فَمَلَأْتُ حَلَّةً بِالْمَاءِ وَقَدَّمْتُهَا إِلَيْهِ فعَافَ الْمَاءَ وَظَلَّ يَصِيحُ: "مَاءْ مَاءْ" فَكَّرْتُ فِي سَبَبِ صِيَاحِهِ وَأَثْنَاءَ تَفْكِيرِي لَمَحْتُ شَاةً عَلَى مَقْرَبَةٍ مِنَ الْخَرُوفِ يَنْظُرُ الْخَرُوفُ إِلَيْهَا بِشِدَّةٍ وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ "آهٍ أَيُّهَا الْخَرُوفُ كَأَنَّ هَذِهِ الشَّاةَ عَرُوسُكَ سَأَفُكُّ لَكَ الْحَبْلَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى الشَّاةِ وَيَتِمَّ زَوَاجُكُمَا" وَبَعْدَ فَتْرَةٍ وَجَدْتُ بَطْنَ الشَّاةِ قَدْ كُبُرَتْ وَعِنْدَمَا اشْتَدَّ بِهَا الْأَلَمُ أَشْرَفَ أَبِي عَلَى وِلَادَتِهَا أَنْجَبَتِ الشَّاةُ ثَلَاثَةَ حِمْلَانٍ فَرِحَ بِهِمُ الْخَرُوفُ  وَالشَّاةُ وَقَامَا بِرِعَايَتِهِمْ حَتَّى كَبِرُوا كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ وَلَدِ الشَّاةِ قَائِلاً:"أَيُّهَا الْوَلَدْ" قَالَتْ أُمِّي:يَا عِصَامُ إِنَّ اسْمَهُ الْحَمَلُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ وَكَانَتْ  أُمِّي أَحْيَاناً تَحْلِبُ الشَّاةَ فَتُعْطِينَا اللَّبَنَ اللَّذِيذَ تَغْلِيهِ أُمِّي وَتَضَعُهُ فِي كُوبٍ وَتَضَعُ عَلَيْهِ السُّكَّرَ وَتُقَلِّبُهُ فِيهِ وَتَقُولُ:اِشْرَبْ يَا عِصَامُ لِتَكْبَرَ مِثْلَ صَدِيقِكَ الْحَمَلِ ذاتَ يَوْمٍ قَالَتْ لِي أُمِّي:مَا رَأْيُكَ يَا عِصَامُ فِي أَنْ أَخْلِطَ لَكَ اللَّبَنَ بِالْعَسَلِ الْأَبْيَضِ (عَسَلِ النَّحْلِ)؟!!! قُلْتُ:"فِكْرَةٌ جَيِّدَةٌ يَا أُمِّي" قَالَتْ أُمِّي:إِنَّ اللَّبَنَ مَعَ الْعَسَلِ سَيُسَاعِدُ عَلَى نُمُوِّكَ  يَا عِصَامُ وَنُمُوِّ عَقْلِكَ وَتَفْكِيرِكَ  قُلْتُ:"شُكْراً يَا أُمِّي..ذَاتَ يَوْمٍ وَجَدْتُ الثَّلَاثَةَ حِمْلَانٍ يَرْضَعُونَ مِنَ الشَّاةِ فِي فَرَحٍ وَكَبِرْتُ وَكَبُرَتْ مَعِي الْحِمْلَانُ وَتَزَاوَجَتْ وَأَنْجَبَتْ كَمَا تَزَوَّجْتُ أَنَا وَأَنْجَبْتُ وَأَصْبَحَ أَوْلَادِي أَصْدِقَاءً لِلْحِمْلَانِ الصَّغِيرَةِ وَأَصْبَحَتْ لَنَا ثَرْوَةٌ كَبِيرَةْ.