اكتشاف

امتلأت المدن والقرى بالكتابات التي تعلي من شأن الوطن وتفديه بالأرواح والمهج، فلا تمشي إلا ويقع بصرك على لافتة هنا ولافتة هناك.

"نموت نموت ويحيا الوطن"، "بالروح بالدم نفديك يا وطن"، "كفكفي دموعك يا بلد، فأبناؤك رجال لا يرهبهم في سبيلك موت ولا فناء".

ولا تجلس في مقهى أو وسيلة مواصلات إلا وأذنك تلتقط أغنيات تشحنك فتسمو روحك وتتهيأ نفسك لفعل كل شيء من أجل الوطن.

لكن رصدت التقارير ـ ويا بئس ما رصدت ـ أن أعمال أعداء الوطن في ازدياد، وأن الشعارات تسابقها التفجيرات، وأن النغمات تشوش عليها الصرخات..

اجتمع مجلس أمن البلد ليضع حداً لهذا العبث، ودار النقاش حول آليات تكثيف الجرعة الإعلانية، فلا تبقى نفس إلا ويصلها نداء الواجب وافتداء الوطن..

وبينما الصحف والإذاعات المسموعة والمرئية تسابق الزمن لتنفيذ هذه التوجيهات القديمة الجديدة، متصورة أنها قد تنجح في تحويل أنظار الناس عن الوجه الحقيقي لساسة الوطن، إذا بالسحر ينقلب على الساحر، وإذا بانتفاضة شبابية عارمة تنقض على أكبر ميادين الوطن، تغرد في ساحته، غير عابئة بالدخان، ولا بالرصاص المنهمر.

لكنهم قتلوا غدراً..

ماتوا يا ولداه..

رحمهم الله..

فوفر عليهم الشعور بالموت..

موت مثل هذا هو الحياة..

اكتشفوا تفاهة الحياة، ودفعوا حياتهم ثمناً لهذا الاكتشاف.

وسوم: العدد 623