الطاغية ولعنة الدم !؟

يحيى بشير حاج يحيى

أشعل اللفافة الخامسة ، و راح ينفث دخانها بشرهٍ وعصبية ، فتذكر أن أطفاله النائمين يضرهم الدخانالمنبعث منها ، فنهض و أغلق الباب ..

عاد إلى الفراش ،ليضع رأسه تحت الوسادة كما يفعلكل ليلة ، وقد تناول جرعة مضاعفة من دواء وصفه لهأحد الأطباء يستجلب النوم ، و يخدر الأعصاب !

لم يمر وقت طويل على إغماض عينيه ، حتى أفاقتزوجته ، و هو يردد كلمات بصوت أجش ، كأنه المخنوق.. أشعلت النور بجوار السرير ، فتأكدت أنه نائم ...

فراحت تنظر إليه تارة و إلى غرفة الأطفال تارة .

و إلى شاشة التلفاز المغلق ،فارتسمت أمامها صورةأطفال غوطة دمشق في أكفانهم وقد أرداهم الغازالسام ؟!!

تحركت عاطفة الأمومة في داخلها ، فأحست أنهابحاجة لأن تضم أطفالها الثلاثة إلى صدرها ..

سحبت الغطاء حتى رأسها ، و أدارت ظهرها مبتعدةعنه و هو لا يزال يردد كلمات مبهمة  بصوت مخنوق

            - 2-

كان للأقراص المضاعفة التي تناولها اليوم أثر فيجعله ينام قليلا ! و لكن أحلاما مزعجة مرعبة كانتتتوالى و كأنها شريط سينيمائي يُـرغم على مشاهدته!

أطفال ملفوفون بأكفان بيضاء مخضبة بالدم ينهضونمن قبورهم ، و يشيرون إليه بأصابعهم الصغيرة ،محدقين في وجهه ، مرددين : يا قاتل !!

مياه نهربردى  و قد تحولت إلى اللون الأحمر تغيّـر مجراها ،لتصل إلى بوابة القصر ، و تتجاوز الطابق الأول فيهربمنها إلى الثاني .. فتلاحقه و تضطره إلى الصعود إلىالطابق الثالث .. و هو يحاول في كل مرة أن يرتفعإلى طابق أعلى .. أصعدته إلى السطح ، و أحاطت به وقد ازدادت تدفقا و حمرة !

أراد أن يتكلم .. أن يصيح .. ففتح عينيه مذعورا و انقلبإلى الطرف الآخر !؟

الضحايا من الرجال يقتربون منه ، و قد خلعوا الأكفانليصنعوا منها حبلا ثخينا !!

تراجع إلى الخلف .. تقدموا نحوه .. تراجع أكثر .. لم يعدبينه و بين حافة الشرفة إلا القليل .. أحدهم تقدمليضع الحبل المصنوع من الأكفان في رقبته .. رجع ..ثم رجع .. ثم هوى في بركة دم ؟!!

الضحايا من البنات الصغيرات يملأن القصر ؟! فهن علىالسلالم .. فوق الأسِرّة ... عند الأبواب ! يتجهن إلىغرفة أطفاله ، يجرجرن أكفانهن ، و يهدرن بصوت واحد: نريد اصطحاب أبنائك معنا ؟! انقطع صوته و هو يصرخ: لا .. لا .. إنهم !

 فرمته إحداهن  بلفافة قطن مخضبة بالدم ، كانت تلفرقبتها ، وهي تصرخ : و كذلك كان لنا آباء يحبونأبناءهم !!

                        - 3 -

لم يعد يدري أهو في حلم أم يقظة ؟! أغمض عينيه ،و لف رأسه بيديه ، و ماهي إلاإغفاءة حتى عاودتهالأحلام....... ركب سيارته ، و انطلق باتجاه المطاربسرعة فائقة .. لم يقف عند أي إشارة .. سيارات بلونالدم تتابعه ! كلما أسرع أسرعت .. غيّـر الطريق .. لميعد ينظر ما أمامه و كلما أراد أن يصعد جسرا وجدرجالا و أطفالا ملفوفين بالأكفان يسدون عليه الطريق...

تذكر أن الجسر الخامس الموصل إلى المطار مفتوحكما سمع في نشرة الأخبار ، فاتجه إليه ، حتى إذاوصل إلى نهايته وجده مغلقا ، و على بعد أمتار منهنار حمراء كأنها الدم !!

                        - 4 -

أوقف السيارة ، و انطلق إلى السور ، و رمى بنفسه !

أفاقت زوجته مذعورة وقد كاد ينقلب عن السرير...

نظر كل منهما إلى الآخر دون أن ينبسا بكلمة .. أغمضعينيه ، محاولا أن يجد سبيلا إلى النوم ، من غير أحلامثقيلة ، و كوابيس مقلقة ، و دم يلاحقه من مكان إلىمكان!!

وسوم: العدد 629