ابدأ بالواقع!

سماء غائمة . أغصان الزيتون تتمايس في الهواء النشط . الناظر للجو يتوقع مطرا بين لحظة وأخرى . انخفاض قليل في الحرارة  سيأتي بالمطر . منتصف أكتوبر . ما نزل من المطر حتى اللحظة زهيد جدا موازنة مع هذا الوقت في سنين خلت . رشة عابرة في نعومة الندى . أين مطرة الصليب ؟ مطرة الزيتون التي تغسل الورق والحب وتريح القاطفين من الغبرة  التي تغشى أجسادهم وثيابهم مزعجة بغيضة . يتذكر ناظرا إلى موضع قدميه . يتذكر اليوم والشهر . السبت 27 سبتمبر قبل سنين أربع . انفطر الموضع جدولا دافقا لقوة ما انهمر من مطر . أحس مشيا وخفق ملابس  . حدث ما كان في باله . زوجته قادمة بصينية القهوة . لا يحتسيان قهوة الأصيل منتظمين . يحتسيانها وفق حالتهما النفسية . الغيم والمطر يشوقانهما  إلى احتسائها . توقفت على عدة  أمتار وقالت منفعلة مشرقة الوجه : مطرت !

رد : نزلت على يدي حبة .

ونظر إلى  أصل إبهام يمناه . وفي الحال انسكب المطر . خطف الصينية مترفقا وهرول إلى المضافة المنعزلة عن البيت ، فتبعته بطيئة وإن قصدت الإسراع . صب القهوة من الغلاية التي لا تسع سوى فنجانين . المطر يتصل منهمرا تزيد ملامسته للشجر صوته علوا . يخترق صوته  دق ملح على بوابة سور البيت .

لم يمسا قهوتهما بعد . تقوم متثاقلة وتتجه إلى البيت . يتأنى في الخروج لتدخل البيت قبل ظهور القادم .

يفتح البوابة . قال : أهلا . تفضل !

كان أحد المارة حزبه المطر . شربا القهوة . قالت له بعد صلاة المغرب في المضافة : تصدقني ؟

_ كل عمري أصدقك .

_ حلمت أننا في طريق ، وانفصلت مني ولا أدري أين ذهبت . كابوس استيقظت منه فزعة .

قال : سأعود إليك .

ونهض وتابع : سأصنع القهوة بنفسي .

 وضحك مردفا : خسىء الكابوس . لتكون أحلامنا جميلة يجب أن نجعل واقعنا جميلا . ابدأ بالواقع !

ومضى إلى البيت .

وسوم: العدد 644