حتى أنت يا عجَّال

د. محمد أبو زيد الفقي

 في قرية من قري مصر  نشأ عجَّال ، لأبوين فقيرين ، لكنهما استطاعا أن يفعلا المستحيل  لتعليمه  حتى النهاية ، عمل الأب كلاّفا وعلاَّفا للبهائم ، وعملت الأم خادمة متنقلة في بيوت القرية ، حتى أتما المهمة  وأصبح عَّجال مهندسا، وعمل فترة في مجلس المدينة في إحدى المدن، وساعده قربه من رئيس المدينة على فهم كيف تسير الأمور في مجالس المدن، وكيف يتم استخراج التصاريح.

أصبح وسيطا بين الجمهور، والإدارات داخل المجلس، وجمع من ذلك مبلغا لا بأس به، أتاح له امتلاك شقة، والزواج من إحدى السيدات الفضليات.

بعد فترة حصل علي إجازة لمدة عام تتجدد، وبدأ يستغل عمله السابق، في عمله اللاحق، فأنشأ شركة بناء ليحصل على أراضي الدولة داخل المدينة، فيقيم عليها العمارات، لكن بمواد بناء غير كافية وغير صالحة، ومن ثم يبيع ويكسب مئات الملايين.

مضى علي زواجه عشر سنين، لم يرزق خلالها بولد، وكانت زوجته تعرف ما يقوم به من عمل غير مشروع، من خلال متابعة اتصالاته بالآخرين، ولطالما طلبت منه الكف عن الكسب الحرام وأن الله تعالى لا يفلح المفسدين فيقابلها بقوله المعتاد: المال يفعل كل شيء، والعلم يفعل كل شيء.. ونحن نؤمن بالله ونوحده، ونصلي ونصوم ونحج، ولا أستطيع فهمك كيف تربطين الله تعالى بالتجارة والشطارة؟

المهم، سافرا معا إلي الخارج، وعرض نفسيهما علي طبيب عالمي، وتم العلاج، وحملت الزوجة وأنجبت ولداً جميلا ، وعندما عادا إلى مصر علما أن أبويه قد انتقلا إلى الرفيق الأعلى تباعاً وقت سفرهما فانقبض قلب الزوجة لما تعلمه من عقوق زوجها الذي ترك أبويه بدون رعاية حتى ماتا وهو عنهما بعيد.

كبر الطفل حتى أصبح شابا يافعا، وتعلم في أرقى الجامعات، وكان يمثل السعادة لأبيه وأمه، وازدادت أموال عجَّال من الحرام حتى أصبح يملك عدة مصانع في مصر وخارجها، وأحب ابنه فتاة جميلة ابنة رجل أعمال علي شاكلة أبيه، وصارح أباه بذلك، ورحب عجَّال بمصاهرة المال للمال، وتحسن الأحوال فتمت الخطبة وعقد القران.

وفي يوم الزفاف تم إغلاق أكبر شارع في المدينة لمدة يومين – ولا عجب فالمال يفعل كل شيء – وفي حفل الزفاف الذي لا يمكن وصف الإسراف والبذخ فيه – حضر إلي المدينة لفيف من كبار المغنِّين، وعدد لابأس به من الراقصات المشهورات العاريات، واستمر الفرح حتى الفجر وفي النهاية أخذ العريس عروسه، وذهب إلي الدور الأخير في أحد أبراج والده، والدور الأخير هذا، عبارة عن فيلا  مساحتها 400 مترا وفوقها حمَّام سباحة في الدور الثالث عشر.

وفي تمام الساعة الحادية عشر صباح يوم الزفاف استيقظ العريس وصعد إلي الدور الثالث عشر، ووقف علي سور حمام السباحة ولسبب لا يعلمه إلا الله حتى الآن  صعد العريس إلي أعلى السور وقفز في الشارع بدلاً من أن يقفز في الحمام، وقضى نحبه، وامتلأ الشارع بالهرج والمرج، واستيقظت أمه  ونظرت فوجدت وحيدها متشحا بدمه ممدا بين جمع من الناس.

هذه الأم لكثرة فرحها أثناء حفل الزفاف وحزنها المفاجئ توقف قلبُها وفاضت روحها ودُفنت مع ابنها في يوم واحد.

وتسألني عن عجال؟ أقول لك: بقى الأب مشلولا  لإصابته بجلطة في رأسه، ولكنه عُولج، وصفى أملاكه وترك الوطن، وهاجر، مخلفاً وراءه ديونا كثيرة للبنوك وللشركات وللأفراد، وصدق مولاك: { كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } سورة القلم الآية 33.

وسوم: العدد 652