جدتي .. مانِي ماني

جلست غالية إلى جوار جدتها التي كانت تزور الأسرة البعيدة عنها، والتي كانت تعمل في بلد غير بلدها، وراحت تلقي عليها وعلى إخوتها قصصا دينية تفتح بها قلوبهم وعقولهم لئلا ينساقوا وراء تيار الفساد الذي استشرى في البلد .

 كانت غالية طالبة في الصف التاسع الإعدادي، وكانت قد ابتليت بطالبة في الصف وجارة في السكن على غير دينها، وقد عاشرتها لتسلي نفسها في غيبة أهلها، وكانت هذه وأهلها لايفتؤون بمكرهم ودهائهم يحدثون الصغيرة المراهقة عن دينهم وعن الغرب ورقيه، وعن تأخر المسلمين في العصر الحديث، وكان ذلك في غفلة عن أهلها، ولاحظت الجدة على غالية أثناء إلقاء قصصها ومواعظها انحرافا في الفكر وفي العقيدة والسلوك، فأدركت أنها وقعت في حبال الجيران غير المسلمين حين استغلوا الفراغ الروحي في قلبها لانشغال والديها عنها بظروف العمل المنهكة، وأدركت أن من واجبها أن تعيدها إلى فلك الإسلام، وأن تغرس في قلبها حب الله ورسوله وطاعتهما، وأن تبث في روعها العقيدة الصحيحة، وأن تفهمها فضائل الشريعة الإسلامية التي جعلها الله رحمة للعالمين، وذلك لتنزع من نفسها الضلالات والانحرافات المرديات .

 وكانت الجدة قد أقض مضجعها هذا البعد عن الله وكانت تسأل أيمكن أن يكون الانشغال بالمال والعمل أهم من الاعتناء بالأولاد ؟ والله سبحانه وتعالى يقول : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . " أينحرف الصغار في المدارس الأجنبية ويعجبون بحثالات الأفكار، والأهل غارقون في العمل واللهو والزيارات والنزهات ؟

 وقالت الجدة للصغيرة :

- تعالي ياحبيبتي أحدثك عن أمر هام لم تسمعي به من قبل، وفتحت الجدة شبكة المعلوماتية عن صفحة من صفحات الحضارة الإسلامية في عصورها الزاهية، وقرأت لها عن هذه الحضارة مالم تسمع به من قبل إلا اللَّمَم، ثم فتحت عن صفحة أخرى وإذا بورقة توت تعيش عليها دودة صغيرة وبجوارها بضع قطيرات من ماء وقد سجل إلى جوارها : " انظروا عجائب قدرة الله الخالق، هذه الدودة وجدت عندما انكسر عمود من الحجر الصلد، لقد كانت الدودة تشرب من هذه القطيرات وتأكل من هذه الورقة دون أن تموت أو ينتهي غذاؤها " .

 وقالت الجدة :

-انظري واقرئي .. من الذي وفر لهذه الدودة طعامها وشرابها وهي في الحجر الصوان ؟ وكيف لم تمت هذه الدودة والورقة بلا هواء ولا شمس؟

-أمر في غاية العجب ياجدتي .

-لاعجب ياحبيبتي ، فالذي خلق البحار وما فيها من سمك وزهر وشجر، والذي خلق الإنسان في بطن أمه وأطعمه وهو لاحول له ولا قوة، والذي خلق الكون وجعل الأرض والقمر يدوران بنظام حول الشمس، " وكلٌّ في فلك يسبحون" يستطيع أن يوفر لهذه الدودة طعامها وشرابها .

 وتنهدت الجدة ثم قالت : ألم تسمعي بنار الحجاز؟ لقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نارا في الحجاز لا حرارة لها سوف تضيء أعناق الإبل في بصرى الشام، وقد حدثت هذه المعجزة التي أخبر عنها في القرن السابع الهجري وتحدث بها الشعراء .

 قالت الصغيرة :

-ولكننا ياجدتي أمة متأخرة ، ويقولون إن الإسلام سبب تأخرنا، ونحن نحب الحضارة وزينتها، وقد تقدم الغرب علينا .

- يابنتي، لم نكن أمة متأخرة، فالإسلام كان سبب تقدم العرب والغرب معاً، وقد فتح المسلمون العالم وكانت شعوب كثيرة في أوربا وغيرها تعيش حياة همجية، لم يكونوا يعرفون النظافة ولا العدل ولا العلم، فلما فتح المسلمون الأندلس اطلعوا على قوانين الإسلام، ودعوته إلى حرية الإنسان والقضاء على الظلم، ونشر الإسلام قوانينه، ونبغ المسلمون في علوم شتى، ونقل الغرب عنهم هذه العلوم وصححوا كثيرا من المعارف التي كانت معروفة آنذاك .

- ولكننا الآن متأخرون .

-السبب أننا تركنا التمسك في ديننا، الله سبحانه وتعالى قال لنا:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " .ولكننا انجرفنا وراء أفكار انهزامية لبست ثياب الدين زورا وبطلانا كما فعل المتصوفة المنحرفون، فتخلى الناس عن الحركة والنشاط والعلم، وراح عدونا ينهض ويتسلح، ثم غلبنا في حروبه واستعمرنا وأخذ خيرات بلادنا فنهض وسقطنا، ولا زلنا نغط في سبات عميق ونتبع إرادة عدونا بلا وعي ولا تفكير .

-ما هذا ؟ لم أسمع بذلك من قبل ... أنا لم اسمع بهذا من قبل .

-لازلت صغيرة يابنتي، والماكرون يستغلون صغرك وجهل الناس، ويشوهون الحقائق ويبثون السموم في روع أبنائنا فيكرهون دينهم ويصيرون أعداء له، وقد يحاربونه مع الأعداء .

-لم أكن أعرف هذا ولا شيئا من حضارتنا الإسلامية، والحمد لله أن جاء بك إلينا لتنقذيني من الفساد .

- بل قولي من النار لأن من يكره الإسلام يكن خالدا في النار، والمرء مع من أحب ياصغيرتي، فاحذري أن تصادقي من يسيء إلى الإسلام .

 وتابعت الجدة :

-الله سبحانه وتعالى شرط علينا التوحيد وتطبيق الشرع معا، فالله واحد ولا إله آخر معه ، ولا يقبل شريعة غير شريعته وقد قال : " فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكلٍّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا "، ولو اتبعنا شريعة غير شريعة الله أصابنا الضعف والظلم والخلافات لأن البشر لايمكن لهم أن يعدلوا بغير شرع الله سبحانه .

- ولكن الغرب تقدم علينا .

-ولكن الغرب ليس جميعه متقدما، وليس جميع غير المسلمين متقدمين، انظري إلى الفلبين يأتينا منها من يخدمنا لفقرهم وتأخرهم، والهندوس في الهند والبوذيون في الصين وسيريلانكا هذه المناطق كلها غير مسلمة وهي دول متاخرة اجتماعيا .

-والغرب؟

-لو أننا لم نعط الغرب ثرواتنا لما صار بهذه القوة، ونحن لدينا المال والبترول والبشر والمياه و... ولو استعملنا خيراتنا في تقوية أمتنا لانتصرنا على العالم كما انتصر هارون الرشيد على النصارى، وكما انتصر السلطان العثماني محمد الفاتح عليهم عندما فتح القسطنطينية وجعلها مدينة إسلامبول وهي حاليا إستانبول .

- لم أكن أعرف هذا من قبل .

- وهناك علماء مسلمون في أوربا، وفي أمريكا سبعة ملايين عالم غير أمريكي .

- يا الله !!..

-ثم انظري يابنتي إلى سكان بنايتنا هذه، إنها تضم سكانا مسلمين ونصارى أوربيين وأمريكيين وهندوسا و... ونحن جميعا نأكل من سوق واحدة، ونشرب مما نشتريه منها، فهل الدين منعنا من ذلك ؟ وهل اشتروا أجود من طعامنا وشرابنا ؟

-لا

-إذا القضية ليست كما أوهمتك صديقتك وأهلها، وإنما قضية وجود أموال مع الإنسان أو أنه لايملكها، فمن كان لديه مال يشتري به مايشاء بدا بمظهر حضاري، ومن لم يكن لديه لم يستطع ذلك، مهما كان دينه .

-إذاً القضية ياجدتي : ماني ماني

 قالتها الصغيرة بلكنة أعجمية تعلمتها من المدرسة الأجنبية، فقالت لها الجدة :

-بل قولي بلغتك العربية ماتريدين ، فنحن لنا لغتنا ولهم لغتهم، ولنا شخصيتنا ولهم شخصيتهم، ولنا هويتنا ولهم هويتهم، فلا تتخلي عن لغتك لأنها لغة دينك، والحفاظ عليها حفاظ على قرآنك، كلام ربك، ولو كانت هناك لغة أجمل من العربية لأنزل الله سبحانه بها كلامه للبشرية عامة .

- لقد فهمت ماتقصدين وحدثيني كل يوم عن حضارتنا وهويتنا فلن أتكلم عن أمتنا بسوء بعد اليوم .

-إن شاء الله ياحبيبة القلب .

ملاحظة: على الرغم من أني لاأوافق على استخدام كلمة أعجمية بدلا من العربية إلا أني قلتها هنا سخرية بمن يهمهم المال فحسب ولا يبالون بالفكر .