رهق

عصام الدين محمد أحمد

· أتأملهم، يعتريهم السكون، يرسمهم الوجوم، الطريق يضيق، أشجار البُرتقال تظلل جنباته . · في نفوس هؤلاء مكنونات تتعرى الآن، ففي شعابهم مائة رغبة للانتقام . 

· يهتز النعش، كاد نافوخي أن يتشظى ، 

· أنزلوني الآن . 

· لا أحد ينصت، يبغون التخلًُص من هذا العبء، ليهرولوا راجعين إلى الصخب والضجر، ماذا الم بك يها المحمول ؟ ! 

· أمازال التمرُد يحتويك ؟ ! 

· ثعابين تمرق كالشهُب، ديدان تفترش الحُفرة، يتقدمون بحملهم خطوة، أتمسمر فوق أكتافهم، تغوص أقدامهم في الأحذية، يهزون النعش يميناً ويساراً وكأنهم في حلقة ذكر . · القضاة يرفلون في السماء، لكُل قاض مائة حاجب بعشرة آلاف بوق، جميعهم يصيحون بأسمى، يكنونني بأمي، يحكمون بالقصاص، لا وقت للتفصيلات الآن، فالنساء تنتظر في البيوت. ولا تدفعني للتبرير، فكُل مظلوم لن يتنازل، والويل لي، آه ... يا ليت أبي ما تزوج أمي، فلن يُشاركني أحد الهم ! · تنصب زوجتي في الدار سرادق النحيب، ولم تنتحب ؟ ؟ · ستنسين، فلم أخلف لك سوى القهر، نصيحتي لك أن تزغردي ؛ ثلاثون عاماً وأنت تبشين في وجهي، تمتصين هياج الثور، أحياناً كُنت أبوح لك ببعض آثامي، فتسخرين، وكأني صرت ملهاتك، واليوم تذرفين دموعاً جافة، فالآن لا رهق عليك ! 

· يتوارى الغسق، يضفي ذبول الشمس على المشهد نعاساً، لماذا لا يجلسون ؟ ! أسفل شجرة الليمون جيفة كلب أسود، أيصيبني العطن والعفن ؟ ! أتتحلل يداي إلى سيرتهما الأولى ؟ ؟ أتلتهم الحشرات قدمي ؟ ! وبجوار شجر اليوسفي صبي يمتطي حماراً، يولي الموكب ظهره، ابن من هذا الصبي ؟ ! وبعد هنيهة سيكون أباً لمن ؟ ؟ وحينما يحمل – كما أحمل أنا الآن – من سيمتطي الحمار ؟ ! · صرير السماء يرعدني، ساخت مفاصلي، لا تسألني عن التصلُب الذي أنا فيه منذُ ساعات ؟ ! ولا تسألني عن التكفين والتغسيل، أأنا – الآن – أبق من أسر الحياة !! ما حيلتي والعجز – كُل العجز – غاية قوتي ؟ ! · نفير السعير يركسني في دواخلي، أفتش ذاكرتي ، لا شيء فيها سوى الذنوب والقنوط، لحظات مارقة ويسنكر الباب بالطوب الحصى، لا تتركوني، تباطئوا، ها أنتم تجتازون الشواهد، لابد من الهرب، أحاول الفكاك، المشاهد تتري أمام ناظري، يأبون المكوث، ينثرون أوراقي في أذهانهم، قراطيس غثة، فيها للشيطان قول وقول، طافحة بالنفوس والشذوذ . 

· لغط وتذمُر في مدينة الجماجم، مائة مليون طفل يسفكون دمائهم في البقاع، رقاعي تذوب في سائلهم الأحمر، يسدون المسالك والدروب إلى مرقدي، يتزاحمون رافعين في وجهي بيارق الرفض . · المشيعون يتقدمون بخطوات وجلة، يتربصون الهرب، أيتركونني في العراء ؟ ! أم يهجمون على الترب، ليبقروها ثانية وثالثة، ولتكُن حرباً !! · الراقدون ينفثون روائح التقيح والتبثر، يمتشقون هراوات تتراشق منها حمم الصهر، الأكتاف ناءت بثقلي، فأوسدوني الطريق، الأوراق الخضراء تفترش القاع . · المودعون يتراجعون، يقتطعون الشماريخ والعصى، يلوذون بالبلدة القديمة، يشرعون في وجهي معاول الخربشة . · أين المفر ؟ ؟ · بل أين الممر ؟ ! ·

لماذا لا تغادر لحدك ؟ · لا تفعل؛ فقد أغلقت زوجتك الباب، وأولادك ملوك

تمت بحمد الله وتوفقه 

وسوم: العدد 670