آمال

محمد محمود عبَّار

آمال - 1

كانت أمنياتها عريضة كذلك أحلامها كبيرة ، منذ أن بنى بها محمود أبو علاء، وكانت سكناهما في دار قديمة بجوار أهله، ما برح يَعِدُها أن ينتقلا إلى شقة جديدة عندما ييسر ربنا الأمور.

أيضاً المركبة الأنيقة من مشروعهما، وليس عنده إلا الناقلة الصغيرة ( بك آب ) يستعملها في عمله فهو نجار يصنع غرف النوم وما شابه ذلك، ذلك كان قدرها بعدما أتمت الدراسة الثانوية.

في أكثر الأوقات تصدح في أذنيها أصوات آلات النجارة فالمشغل مُقتطَع من الدار، لَشَدَّما يزداد سرورها بتناوله غداءه في البيت أغلب الأحيان.

وهو يختلف إلى المسجد عندما يرتفع صوت المؤذن منادياً للصلاة فيؤدي الفريضة هناك، بالإضافة لابتغائه رضا ربه حرص على نيل رضا الوالدين بالإحسان لهما وأدائه واجباته نحوهما، وهو بين إخوته مكرماً وإلى قلوب أقرانه محبباً.

سارت حياة الأسرة الناشئة رتيبة هادئة لا ينغصها مكروه.. ولا تعكرصفوها شائبة.. أمورهم إلى الأمام تسير قدماً، لما يمضِ غير قليل من الزمن حتى أبرم برفقة إخوانه عقد معرض للمنتوجات الخشبية في الشارع المرموق هناك ، ماله من عرق جبينه ورزقه من حلال.

* * *

ها قد جاءت الثورة متوجة بمظاهرات بسيطة بمطالب خفيفة.. وبوجه الأيام القلائل صارت عارمة قوية، وعبر تلك الاجواء رزقا بمولودهما البكر.. فإذا بعلاء ذا مكانة علية في عيون الأهل والخلان.

ثم تبدلت الأحوال.. وحالت الظروف بينها وبين ما كانت تتمناه من حياة هنيئة وعيش رغيد.

شباب البلدة يخرجون كل جمعة منادين للحرية والتغيير، محمود يأبى إلا المشاركة.. فهو ابن البلد.. حتى إن معرضهم في موقع بارز من سبيل الثائرين.

هي ترجوه أن يركن إلى عمله في النجارة.. وأمه أيضاً ما برحت تناديه، أما صوت والده فيأتي متمتماً: لا حول ولا قوة إلا بالله.. ربنا يجيب العواقب سليمة.

مضت الأيام على عجل فتسارعت الأحداث.. صَاحَبها قمع وإرهاب وجاء بعدها التطوير فراحت القذائف المتفجرة تتساقط هنا وهناك، كثير من الشباب غُيِّب في السجون، آخرون استشهدوا وبعض من الذين أصيبوا وكتب لهم البقاء يعانون من جراحهم ومنهم من فقد شيئاً من أعضائه.

محمود لا يألو جهداً في عمليات الإنقاذ والإسعافات الأولية، فهو ذو نخوة وشهامة.. راحت تتوسل إليه أن يبتعد عن الأماكن الخطرة.. فالعدو ماكر لا يرحم ولا يرقب في المواطنين إلّاً ولا ذمة.

* * *

هي سمعت عما حدث في الحولة وغيرها من البلدات من ذبح للأطفال والنساء بسكاكين مجوسية، شبح طويل القامة ضخم الجسم أشعث شعر الذقن حليق الرأس يتراءى لها يشحذ مديته الغليظة، فتسرع إلى وليدها تضمه تغطيه بظلها ومرة بثوبها، مشت يوماً في طرقات البلدة فإذا كثير من بيوتها مهدم.. بنايات بأكملها مدمرة.. قد خيمت عليها غيمة قاتمة بدخان أسود بعدما أكلتها النيران.. مدينتها بائسة حزينة.. أرضها محروقة وجوه سكانها عابسة سقيمة، استبدت بها الهواجس هل سيصبحون يوماً بلا مأوى.. هل ستفقد عزيزاً، تتكاثر في ذهنها الوساوس.. ولدها.. زوجها.. أهله وأهلها هل ينزحون عن ديارهم كما نزح آخرون إليهم فيما سبق، تنفض رأسها لتطرد عنها كل الخيالات.. أو الأوهام.

الأصوات الرهيبة عاودت تقرع أسماعها فتحاول صمها براحتيها، أزيز الرصاص ودبات القذائف والصواريخ تعقبها انفجارات عنيفة.. رهيبة مرعبة.

لم تعد تطرق  أذنيها  أصوات مكائن المنجرة، محمود لا يشغّلها إلا قليلاً، فؤاده صار هناك حيث سقط عدد من أبناء البلد فيهرع للإنقاذ والإغاثة.

غير أن القاتل الملعون يقف بالمرصاد.. يترصد ليتصيد ويعد الدقائق حتى يتجمع المسعفون، فيعاجلهم بوابل من حقده الأسود، فيقضي آخرون بين قتلى وجرحى.

أما هذه المرة فقد غدا محمود في عداد الشهداء.

* * *

صُفت الجثامين بأكفانها ومن بينها جثمانه، تَسنَّى لها رؤية النجيع المسجى الملطخ بالدماء.. لحظات حسبتها دهراً.. قلبها ينخلع من صدرها.. عيونها تغوص في غيبوبة، ثم ووري الثرى سريعاً.

أوت إلى مخدعها تلك الليلة.. دموعها ساهرة مع ندباتها، رضيعها متعلق بثديه.. في غمرة شريط الذكريات أخذتها سِنَةٌ من النوم.. عاودها مشهد المجوسي بسكينه الغليظة.. أفاقت من حلمها المزعج مرعوبة منتفضة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. من هذا المجرم اللئيم...ضمت صِنْوَ روحها بقوة.. صدّع صراخه أرجاء الدار ثم خلدت وإياه إلى السكينة.

بين الحين والآخر تُتمتم: يا رب.. يا رب.. يا الله.. انسابت خيوط الفجر.. وأجفانها متقرحة من السهاد، أسبلت -آمال- ناظريها بصعوبة بالغة نحو الأفق، ستبقى دالية العنب تظلل فسحة دارنا.. وإن هدموها سنعيد بناءها.. ولئن أخرجونا سنرجع إليها يوماً.. وسيكبر علاء بإذن الله فيصعد بخُلقه إلى العلياء.. وبدل المشغل يكون لنا مشاغل ويضع فوقها المشاعل.. من زيت زيتون جيراننا يضيء نوره المصانع والمحافل.. ونزرع العنب من جديد في بستاننا الأخضر.. زيني وبلدي وحلواني وأحمر.

آمال 2

مع تمدد ما يسمى بالربيع العربي ودخول خريف عام 2011م، تقلصت الثورة السلمية المتواترة بمظاهرات ومسيرات بعيدة عن العنف يطالب أصحابها بالإصلاحات والتغييرات نحو الأفضل.

لكن شعاراتهم التي كانت تصدح بها أصوات وألسنة السائرين الثائرين في كل آن وحين، وخاصة في أيام الجمع عقب الصلاة، شعاراتهم تلك صارت تخفت شيئاً فشيئاً مع ارتفاع أصوات الطلقات النارية والقذائف الملتهبة الحرارية من طرفين متقابلين على حد سواء، أحدهما سلطوي والآخر شعبي، مقابلة العنف بالعنف والنار بالنار، مع الفارق الشاسع في القوة والإعداد والمعدات.

حدثت العسكرة من شبان لم يدركوا مغبة ما فعلوا وما جنحوا إليه، ولضعف الوعي السياسي لديهم لم يفيئوا إلى أن السلطة تستدرجهم إلى معركة غير متكافئة وبذلك لا تكون رابحة.

رغم أن العقول الراجحة والمخضرمة في الفكر والسياسة وصاحبة التجارب السابقة بُحَّتْ حناجرأصحابها منذ اندلاع الثورة على كثير من الفضائيات وهي تحذر من عسكرة الثورة مناشدة الشباب في طول البلاد وعرضها على الاستمرار في سلمية الثورة وعدم الانجرار إلى حمل السلاح، مبينين خطر ذلك العمل على عموم المستويات وفي كافة المجالات.

في غضون ذلك وعلى مر الأيام وتفاقم الأحداث غدت آمال أرملة الشهيد فراحت تهدهد طفلها الوحيد ما بين يوم وليلة:

نم يا صغيري إن هذا المهد يحرسه الرجاء

من مقلة سهرت لآلام تثور مع المساء

فأصوغها لحناً مقاطعه تُؤجِّجُ فيّ الدماء

أشدو بأغنيتي الحزينة ثم يغلبني البكاء

وأمد كفي للسماء لأستحث خطى السماء.....

وهي ما زالت في عز صباها لكن قدرها كذلك فقد فقدت زوجها الشاب في وقت مبكر على خلفية الأحداث التي عصفت بالبلاد.

ذلك قدرهم وكان قدر الله أمراً مفعولاً ليس بيد أحد  لا من قريب ولا من بعيد مهما جاء من قال وقيل وأيما دخل من تفسير وتأويل.

مازالت تحمل في طيات ذهنها ذكريات من أيامها الأولى في هذه الدار.. كانت أياماً جميلة رغم السكن الجماعي لكل العائلة في دار واحدة، أقل ما فيها أن رجلها بجانبها أما حالياً فليس لها غير طفلها الوحيد، وغرفتها تلك.. الوحدة.. الوحدة قاتلة.. لا أحد في الدار يشعرها بأنها غريبة وإن كانت من عائلة أخرى.

الجميع هنا يحمل الأسى في باطنه على الفقيد الغالي محمود قد يكون بدرجات متفاوتة.. لكنه أسى ولوعة، الفقيد كان محبوباً عند الجميع.. بأريحية طيبة، إقبال وتفتح على الحياة اندفاع ونشاط في العمل،  أخلاق دَمِثة.. بر الوالدين عطف ومحبة متناهية نحو صغار العائلة.. أشياء كثيرة ماذا تقول عنها الآن وقد فات الأوان، أما معها فكان شيئاً آخر وطعماً مختلفة ألوانه.. متعددة أشكاله.

ليس له مثيل أو رديف حسب رأيها، أشياء كثيرة ضاعت بغيابه.. حتى في خضم الأحداث زاغت الأمنيات وتناثرت هباءً الأحلام.. الأحلام الوردية.

كل ذلك يكفي لإحداث اللوعة في قلبها.. قلبها مشبوب بجملة أحزان لا يعلم عمقها وعمق جراحها إلا الله.

آمال على قدر ثقافتها المحدودة لا تساعدها على تحليل الحدث وإن كانت بفطرتها كأنثى مثل الكثيرات من بنات جنسها تميل إلى السلم وتنبذ العنف والتطرف في أي شيء غير أنها ذات مرة أو مرتين سبق لها أن سمعت نصائح عبر الأثير ومن خلال المرئيات تخفف من جموح عواطف الشباب وتدعوهم إلى التعقل واتخاذ الأسباب المناسبة في واقع الناس وما يجري في البلاد وقد كان شعورها بالميل نحو تلك النصائح والآراء قوياً.

تمنت دون ندم ولات ساعة مندم.. حيث لم تعد تنفع الأمنيات تمنت لو أن أحداً استجاب لتلك المطالب المتعقلة فلم يخرج الناس وخاصة جيل الشباب عن طور السلمية التي بدأ بها بعض الناشطين... لكان الحال.. حالها هي أو حال الجميع أحسن مما هو عليه اليوم... ولكن هيهات وقد سبق السيف العذل. وقد حدث ما لم يكن بالحسبان.. قطعاً ما من أحد من ممن خرجوا دار في خلده شيء من هذا أو خطر على باله طرف مما آلت إليه الأحوال... وما حل بالعباد.

مرت عليها الأيام ثقيلة مشبعة بالآلام، كذلك الآخرون التي تعيش بكنفهم لا شك أن الحاجة أم محمود تذرف الدموع بين الحين والحين تُنفِّس بذلك عن قلبها المكلوم بفقدان عزيز غال عليها، الصمت والنظرات الطافحة أبلغ تعبيراً من آلاف الكلمات.

ليت أحداً ممن تزعموا الحراك مؤخراً استعمل الكلام عوضاً عن النيران، يا إلهي إلى أين نحن نسير في الوقت الحاضر!! هي بالذات لم تشارك بأي نشاط أما قريناتها ممن درسن معها أو سبقنها وأكملن الجامعة فهي تعرف أن منهن من خرجن في أول حراك وبعضهن تعرضن للاعتقال، شيء جميل إلى هذا الحد أما فيما بعد فلا تظن أحداً يعرف إلى أين يسير... أو ما هي الخطوة التالية... صائبة أم خاطئة، ها هو عمها أو حماها جاء ذات مساء بعد لقائه بوجهاء من أهل المدينة جاء يحدثهم بما دار في اللقاء:

-إنهم يريدون تبليغ هؤلاء الشباب الذين حملوا السلاح بضرورة خروجهم من بلدتنا من أجل تجنيبها ويلات الحرب... يوجد تهديد كبير لبلدنا إن استمر المسلحون فيها... ابنه الأكبر يتساءل:

- وإن لم يخرجوا ؟

- عليهم مغادرة البلد... هكذا رأي كثيرين من رجالات مدينتنا.

- هل تعلم يا أبي أن هناك مجموعة من خارج بلدنا... جاءت من جنوب البلاد وتمركزت هنا.

- نعم... وماذا بعد؟

- هؤلاء... لديهم مدفع هاون.

- نعم... ماذا يفعلون به؟!!

- تمركزوا عند «فشوخ» على الحد الفاصل مع المعضمية... وأطلقوا عدداً من القذائف مستهدفين مطار المزة العسكري.

- هل أصابوا أهدافاً؟

- لا أظن... المهم أنهم ضربوا، ثم إنهم انتقلوا إلى منطقة جنوب المطار وضربوا من هناك عدة قذائف كي يوهموا السلطات أن هناك قوى متعددة ولديها أسلحة.

إذن قد يكون هذا  أحد الأسباب المهمة للتهديد التي تتعرض له داريا.

- وهو كذلك.

- أطلق الرجل زفرة حارة ثم أردف قائلاً:

- سامحهم الله... نحن في شهر رمضان الفضيل والناس لا تهنأ ولا يهدأ لها بال لما نتعرض له من قصف وضرب من ذلك المطار والجبل الذي يليه.

على هذا المنوال وضمن تلك العروض مضى حديث العائلة.

أما آمال فقد أمضت ما تبقى من شهر الصيام مترددة بين بيت حماها وبيت أهلها، متوخية إرضاء الطرفين.

جاء عيد الفطر السعيد، انقضى اليوم الأول منه دونما تعاسة ومع إطلالة اليوم الثاني أطلت القذائف والصواريخ من كافة المراكز العسكرية مستهدفة البلد المسكين وأهليها ومساكنهم حتى غدت سماؤها كتلة نيران ملتهبة على مدى يومين داميين.

في عتمة الدجى عندما تخفت أضواء النيران الملتهبة أخذ كثير من السكان يرحل أو يهرب خارج المدينة في اتجاهات مختلفة، حتى إن المسلحين اضطروا للخروج تحت وطأة النيران والإلحاح السابق من وجهاء المدينة، وبحيث إنهم لن يقدروا على مواجهة الكم الهائل من العسكر المحضرين لاقتحام المدينة.

عند السحر كانت الناقلة الصغيرة التي خلفها فقيدها بعد استشهاده كانت تسرع بهم من طريق متعرج ضيق شمال حاجز الفصول يقودها كبير شباب العائلة لتأخذهم إلى بستانهم قرب أراضي جديدة غرب المدينة ومعهم بعض الأغطية والحاجات وكانت هي بالذات تضغط جيداً على طفلها الوحيد وتضمه إلى صدرها مخافة أن يصيبه أي مكروه، قبيل طلوع الشمس عبرت الناقلة بحملها من بوابة كبيرة حيث استقرت بهم داخل مزرعتهم، فيها مجموعة من أشجار متنوعة وبعض الزرع وبها غرفة واحدة وصنبور ماء من خزان إسمنتي.

هناك أحست آمال بشي من الطمأنينة مع خليط من بقايا رعب تساورها كما تساور باقي حرائر العائلة رغم ابتعادهم مسافة لا بأس بها عن موقع مدينتهم واختفاء مبانيها عن أنظارهم ما زالت الدبات والأصوات العنيفة المرعبة تطرق مسامعهم.

بداية أخذوا يرتبون أمورهم بعيداً عن قصف يطالهم، بل يطالهم حر الصيف وقيظ العشر الأخير من شهر آب اللهاب، وقد قرروا أن يكون مبيت النساء في الغرفة وأما الرجال فيكون العراء مكانهم ولابد أن يكون أحدهم على يقظة وحذر من أي طارئ، أما النهار فيضيع بين عمل بالبستان وأفياء أشجاره وما يلزم العائلة من خدمات رغم الحالة النفسية القلقة المريبة التي يعيشها الجميع مثل غيرهم من أهالي بلدهم المنكوب.

في ذلك اليوم هدأت الأمور فجأة وساد سكون ما بعد العاصفة ومعها هدأت القلوب في مواقعها من الصدور، صحا النائم من نومه إذ كان ينام على أصوات القذائف والانفجارات وإذا ما سكنت استيقظ فزعاً لغرابة ما اعتاد عليه،كذلك هي صحت من نومها على قرقعة رعب وحيدها، حطت الطيور على أغصانها وآوت إلى أعشاشها بعدما غرَّبت بعيداً عن ديرتها، حتى نباح كلب بعيد ومواء قط قريب لم يعد يسمع في خضم المعمعة.

مع إطلالة يوم 24 -٨ -2012 أطلت على المدينة قوات عسكرية تجتاحها من كل حدب وصوب، عناصر من الفرقة السابعة أو العاشرة تمشط المدينة من بيت إلى بناية تفتش وتمحص البيوت بحثاً عن سلاح أو ما يريبها، ولا يخلو بعض الضباط من تحذير لمن يجدوه أمامهم:

-لا أحد يطل من بلكون أو نافذة على مدى يومين قادمين

-انتبهوا وخذوا حذركم ممن يأتي وراءنا، إياكم ممن يأتي بعدنا، نحن جيش عادي فقط نقوم بحملة تفتيش لا تخافوا منا.

ثم جاء أصحاب الشارة الحمراء، من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري ومن تبعهم من طوائف وملل مشبوهة أتوا من خارج البلاد.

وما غادروا المدينة إلا وقد تركوا بصماتهم الدموية في كثير من المناطق، قتل بالجملة دون تفريق ولا تمييز بين شيوخ وأطفال ونساء عزل، عائلات بأكملها ذهبت ظلماً وعدواناً.. لاشفيع ولا رفيق ولا صريخ، وقد بلغ عدد الشهداء الموثقين بالصور والأسماء ٧٢٠ غالبيتهم أو يكاد لا  يكون أحد منهم قام بأي نشاط أو حتى خرج في مظاهرة سلمية منذ بداية الحراك الشعبي وحتى تلك الساعة، كذلك حدثت إصابات كثيرة -جراء القصف وإطلاق الرصاص وقذائف الدبابات- بلغت 1000جريح  وقرابة100مفقود، و100معتقل في ذلك اليوم البائس.

استمر ذلك العمل الإجرامي على مدى يوميين ومن ثم تم الانسحاب بعد ارتكاب مجزرة مروعة من أفظع وأشنع مجازر التاريخ.

بعيد ذلك قام أناس من المدينة ممن كتب لهم البقاء على قيد الحياة بالبحث عن الجثث وجمعها وكان دفنها في مقبرة جماعية قرب مسجد أبي سليمان الداراني.

بعد الهدأة الصامتة الحزينة الأليمة راح الناس يعودون إلى بلدتهم رويداً رويداً.

أما آمال فكانت كلما دارت في ذهنها قصة ما حدث تصر على أسنانها.. تضم طفلها إلى صدرها.. تغشاها حالة فزعة.. يرتعش جسدها وتذهب فيما يشبه الغيبوبة. 

وسوم: العدد 682