البراء بن مالك

 (عامر) طفل في العاشرة من عمره ، قصير القامة ، نحيل الجسم ، تظهر في وجهه عظمتا وجنتيه (خديه) لشدة نحافته .. كان كثيراً ما يشعر بالحزن والهم من مظهره ، فهو أقصر الطلاب وأنحفهم وربما كان أدنى منهم في الجمال ، لكنه كان يحبس حزنه في قلبه ، ويأبى أن تشعر والدته بآلامه لأنه يعرف مدى حب والدته له ومدى الحزن الذي ستشعر به لو سمعته يقول هذا الكلام ..

لكن الكيل قد طفح كما يقال ، ولم يعد يحتمل استهزاء رفاقه به ، فقرر أن يصارح والدته بما يجيش في صدره .. فقال لها بحياء :

ـ يا أمي .. أريد أن أصارحك بشيء ولكن لا تحزني ..

أحست الأم بالخوف على ولدها فقالت :

ـ تحدث يا عامر ولن أحزن إن شاء الله ..

قال عامر محاولاً كتم (حبس) دموعه :

ـ أنا يا أمي أكثر الأولاد نحفاً وقصراً وأقلهم جمالاً .. وأنا أعرف أن هذا خلق الله ولا اعتراض على عطاء الله .. لكن الأولاد يضايقونني يا أمي باستهزائهم المستمر ..

سكتت الأم قليلاً .. ثم قالت بثبات وفخر :

ـ ولكنك من أذكى الطلاب في الصف وأكثرهم التزاماً بعباداتك وطاعاتك ..

الإنسان يا ولدي ليس بجماله ولا طوله ولا عرضه .. الإنسان بدينه وخلقه وشجاعته وحسن معشره .. سأروي لك قصة الصحابي الجليل (البراء بن مالك) وهو أخو حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (أنس بن مالك) رضي الله عنهما .. كان البراء يا ولدي نحيلاً جداً ، ضئيل الجسم .. ولكنه كان عملاقاً في الإسلام .. فبعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ارتد كثير من الناس عن الإسلام وكفروا بمبادئ الإسلام وهم فئة قليلة لم تفهم الإسلام كما فهمه بقية الصحابة .. فقام الخليفة (أبوبكر) رضي الله عنه بعدة معارك لقتالهم ، وفي معركة اليمامة وهي من أقوى المعارك في التاريخ حيث اجتمع أكثر من أربعين ألف مقاتل تحت راية (مسيلمة الكذاب) وقتلوا من المسلمين العدد الكبير حتى أنهم في آخر المعركة قرروا الاختباء في حديقة عالية الأسوار سميت فيما بعد (حديقة الموت) لكثرة القتلى من الكفار فيها ، حيث احتموا بأسوارها العالية وبدؤوا يرمون النبال والسهام على المسلمين كالمطر لكثرتها وكانت تقتل من المسلمين أعداداً كبيرة ، فاقترح البطل (البراء بن مالك) أن يأتوا بترس (وهو ما يوضع على صدر المقاتل لحمايته في المعركة من السيوف وغيرها) ويحملوا الترس على الرماح ويرموا بالبراء بن مالك من فوق الأسوار إلى الحديقة فإما أن يستشهد أو يفتح لهم الباب فيدخلوا على المشركين ويقتلوهم ، وفعلاً فعلوا ذلك فرُمي فوقهم كالصقر وبدأ يقطع رقابهم فقتل منهم العشرات ثم فتح الباب للمسلمين وكان عليه بضع وثمانين جرحاً ، ولما دخل المسلمون بدؤوا بقتل المشركين حتى انتصر المسلمون عليهم في تلك المعركة ، ويرجع الفضل في ذلك النصر لشجاعة البراء ولضآلة جسده التي جعلت المسلمين يتمكنون من حمله وإلقائه في تلك الحديقة .. أرأيت يا ولدي كيف أن الجسم النحيل إذا كان صاحبه يحمل عقلاً كبيراً كان أقوى من أي عملاق .. فالجسم بلا خلق ولا دين لا فائدة منه ..

ابتسم عامر بحبور وانتصار .. وحضنته أمه بحب وثقة .. 

وسوم: العدد 701