شد الحزام

فنجان القهوة الذي أعددته للتو ساخن جدا. ينقصه السكر. حاولت البحث عنه داخل المطبخ. للأسف قد نفذ كالأمل في حياتنا الروتينية المملة. وقفت أمام نافذتي المغلقة. المطر يتساقط بشدة من السماء. المشهد مروع. الأحوال الجوية سيئة منذ أسبوع.

عدت لأرتشف تلك القهوة الباردة. فتحت الراديو القديم على نشرة الأخبار. باغتني صوت المذيعة تتحدث عن الاقتصاد الجزائري. وضعت الفنجان جانبا. صفعتني كلماتها "اقتصادنا تحت الضغط" بسبب تراجع سعر برميل البترول. سنوات عجاف قادمة. تخيلت بلدنا اليوم كشجرة ميتة تقف حزينة تحت المطر.

تذكرت حينما خرجت منذ يومين. الأمطار تهطل بغزارة.غرق الحي جراء انسداد البالوعات. ألقيت التحية على بائع الخبز. وجدته مهموما متقلب المزاج. أخبرني أنه متخوف مما تحمله رياح سياسة التقشف والتقنين في أيامنا القادمة. ألقيت نظرت في وجهه البائس متسائلا:

- انني لا أفهم. ماذا يحدث للناس؟

التفت إلى أرغفة الخبز وقال:

- الأزمة الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة الجزائرية جعلت الجميع متخوفا لأنهم مجرد ضحايا لا أكثر.

حملت رغيفا. فكرت وقلت في نفسي معه حق. إنني أيضا مثل الآخرين مجرد ضحية. كل ما أفعله هو السير وسط القطيع الذي اكتوى بارتفاع الأسعار.

شكرته. واصلت السير. استوقفتني حلاقة الحي وهي تنظف الزجاج الخارجي للمحل. ألقيت عليها التحية. فاتحتني بنبرة قلق عن موضوع الأزمة الاقتصادية الحادة قائلة:

- حياتنا صارت لا تطاق. حتى البنات ليست لهن رغبة في التردد على الصالونات للتزين والمحافظة على الجمال.

أجبتها سائلا:

- لمن ستتزين البنات اليوم يا ترى؟! العنوسة تفرض نفسها في أيامنا البائسة هذه.

هزت رأسها تضيف:

- ربما أنت محق، غير أن اهتمامات الفتيات تغيرت في زمن السرعة.

سألتها:

- كيف؟!

عاد صوتها بنبرة قوية يقول:

- أصبحت المرأة مهتمة أكثر بالتعليم وترغب في الاستقلال المادي والمعنوي، وهو ما جعلها تنفر من الفقير وتبحث عن الثري أو الشاب الذي يتوافق مع مستواها وطموحاتها التي لا تنتهي، فتصطدم مع الوقت بشبح العنوسة.

أخذت أستعيد في ذهني صورة ذلك اليوم الذي وجدت فيه صديقا يجلس وحيدا يدخن سيجارة. أخبرني أنه تقدم لخطبة فتاة غير أنها رفضته لأنه مجرد عامل نظافة في البلدية. هي جامعية تطمح لتحقيق انجازات عظيمة مع من يكون في مستواها الأكاديمي. فكرت لربما قد يصبح كارها للنساء.

الأمطار تواصل الهطول بشدة. واصلت المشي وحيدا. لقد أصابني البلل بشكل كبير. دخلت إلى أحد المقاهي. هناك الأجواء دافئة. جلست وطلبت فنجانا من القهوة. سمعت أحدهم يشتم الحكومة. أما صاحبه فراح مرددا بصوت منخفض:

- ماذا تقول يا رجل؟! أنا لا أحب أن أراك منزعجا هكذا.

عاد وأشعل سيجارة. أخذ نفسا عميقا. واصل قائلا:

- كان على حكومة التقشف أن تفكر جديا ببدائل عن مداخيل البترول وليس اللجوء إلى سرقة جيوب المواطنين الضعفاء.

وبخه صديقه بنبرة خوف:

- أنت مجنون كما أرى. قد تسمعك الشرطة. نحن في مكان عام. لن أجيء معك إلى هنا بعد اليوم.

تركتهما يتجادلان وخرجت. لاحظت ارتفاعا في منسوب المياه المتساقطة في بعض الأماكن. فضلت العودة إلى البيت. واصلت السير مسرعا. باغتني تمزق في حذائي القديم. فجأة! وجدت الحافلة تتوقف. أسرعت وركبت وسط الزحام. واجهتني ملامح امرأة عجوز وهي تتذمر من ارتفاع الأسعار. كانت تهم بدفع ثمن تذكرة النقل. ربما وجدتها فرصة للحديث عن سياسة شد الحزام لمسايرة الواقع الجديد المفروض. وقفت بالقرب منها. باغتنا صوت الراديو من جديد منبئا عن الشلل الكبير في حركة السير الذي تسببت فيه غزارة الأمطار مما خلف حادثا أليما تمثل في انقلاب حافلة قد نجا فيها السائق لوحده بأعجوبة. 

وسوم: العدد 705