الغلام فيروز والملك

أحمد ياسر أرمنازي

يحكى: أن بعض الملوك طلع يوما الى اعلى قصره يتفرج فلاحت منه التفاتة فرأى امرأة على سطح دار الى جانب قصره لم ير الراؤون أحسن منها , فالتفت الى بعض جواريه فقال لها : 

لمن هذه؟ فقالت : يامولاي هذه زوجة غلامك فيروز.

فنزل الملك وقد خامره حبها و شغف بها فاستدعى بفيروز و قال له :

يا فيروز

قال :

نعم يا مولاي

قال الملك:

خذ هذا الكتاب و امض به الى البلاد ( الفلانيه) و ائتني بالجواب.

فأخذ فيروز الكتاب و توجه الى منزله فوضع الكتاب تحت رأسه و جهز امره و بات ليلته فلما اصبح ودع اهله و سار طالبا لحاجة الملك و لم يعلم بما قد دبره الملك.

و أما الملك فإنه لما توجه فيروز قام مسرعا و توجه متخفيا الى دار فيروز فقرع الباب قرعا خفيفا , فقالت امرأة فيروز :

من بالباب؟

قال:

أنا الملك سيد زوجك, ففتحت له فدخل و جلس فقالت له:

أرى مولانا اليوم عندنا 

فقال: زائرا . فقالت : أعوذ بالله من هذه الزيارة و ما اظن فيها خيرا .

فقال لها : ويحك إنني أنا الملك سيد زوجك و ما اظنك عرفتني .

فقالت : يا مولاي ولقد علمت انك الملك ولكن سبقتك الاوائل في قولهم:

سأترك ماءكم من غير ورد.......... وذاك لكثرة الوراد فيه

إذا سقط الذباب على طعام ...........رفعت يدي و نفسي تشتهيه

و تجتنب الاسود ورود ماء.......... إذا كان الكلاب ولغن فيه

ويرتجع الكريم خميص بطن........... ولا يرضى مساهمة السفيه

و ما احسن يا مولاي قول الشاعر:

قل للذي شفه الغرام بنا........... و صاحب الغدر غير مصحوب

والله لا قال قائل أبدا...............قد أكل الليث فضلة الذيب

ثم قالت:

ايها الملك تأتي الى موضع شرب كلبك تشرب منه . 

فاستحيا الملك من كلامها و خرج و تركها فنسى نعله في الدار. 

و أما ما كان من فيروز فإنه خرج و سار ثم تفقد الكتاب فلم يجده معه في رأسه فتذكر انه نسيه تحت فراشه, فرجع الى داره فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره, فوجد نعل الملك في الدار فطاش عقله

و علم أن الملك لم يرسله في هذه السفرة الا لامر يفعله .

فسكت ولم يبد كلاما و اخذ الكتاب و سار الى حاجة الملك فقضاها ثم عاد اليه فأنعم عليه بمائة دينار . فمضى فيروز الى السوق و اشترى ما يليق بالنساء , و هيأ هدية حسنة و أتي الى زوجته فسلم عليها و قال لها : قومي الى زيارة بيت أبيك . قالت : و ما ذاك؟؟؟ قال : إن الملك أنعم علينا و اريد أن تظهري لاهلك ذلك. قالت: حبا و كرامه.

ثم قامت من ساعتها و توجهت الى بيت ابيها ففرحوا بها و بما جاءت به معها.

فأقامت عند أهلها مدة شهر فلم يذكرها زوجها ولا ألم بها. فأتى إليه اخوها و قال له : يا فيروز إما أن تخبرنا سبب غضبك و إما أن تحاكمنا الى الملك. قال فيروز : إن شئتم الحكم فافعلوا , فما تركت لها علي حقا.

فطلبوه الى الحكم فأتى معهم , و كان القاضي إذ ذاك عند الملك جالسا الى جانبه .

فقال أخو الصبية :

أيد الله مولانا قاضي القضاة إني أجرت هذا الغلام بستانا سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة و اشجار مثمرة فأكل ثمره و هدم حيطانه و أخرب بئره. فألتفت القاضي الى فيروز و قال له : ما تقول يا غلام؟؟؟ فقال فيروز: أيها القاضي قد تسلمت هذا البستان و سلمته إليه احسن ما كان .

فقال القاضي: هل سلم إليك البستان كما كان . قال : نعم , ولكن اريد منه السبب لرده.

قال القاضي: ما قولك؟؟؟ قال فيروز: والله ما رددت البستان كراهة فيه و إنما جئت يوما من الايام فوجدت فيه أثر الاسد , فخفت أن يغتالني 

فحرمت دخول البستان إكراما للأسد.

و كان الملك متكئـا فاستوى جالسا و قال: يا فيروز ارجع الى بستانك امنا مطمئنا, فوالله إن الاسد دخل البستان و لم يؤثر فيه أثرا ولا التمس منه ورقا ولا تمرا ولا شيئا ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة و خرج من غير بأس و الله ما رأيت مثل بستانك ولا أشد احترازا من حيطانه على شجره.

فرجع فيروز الى داره و رد زوجته و لم يعلم القاضي ولا غيره بشئ من ذلك 

وسوم: العدد 729