مُسَاوَاة

قصص أقصر من القصيرة (15)

لم يستطع (نبيل) أن يتحمّلَ الوضع السيّئ الذي وصلت إليه حالُ المدينة الصغيرة، التي لا تضمّ سوى مِئتَيْنِ وخمسينَ أسْرة، لأنه كان يرى أنّ وجود عشرين متسوِّلاً من أرباب هذه الأسَر.. يكفي لاعتبار مدينته الجميلة من المدنِ المنكوبة، ولاعتبار وَالِيها فاشلاً في حلّ مشكلة الفقر التي تتفاقم سَنةً بعد سَنة!..

طلب (نبيل) من صديقه الوالي، أن يتّخذَ إجراءاتٍ عاجلةً لحلّ هذه المشكلة المتفاقمة، لكنّ السيد الوالي كان ينقصه بعضُ الإحساس بمعاناة رعيّته.. الأمر الذي دفع نبيلاً لمغادرة مدينته الجميلة، لأنه لا يُطيقُ أن يرى صديقَه الوالي يتنعّم في معيشته مع أسرته، بينما بعضُ الناس يُعانون من شظف العَيشِ، وقَسوة الحياة!..

حاول الوالي أن يَثنيَ صديقَه نبيلاً عن الهجرة، وأغراهُ بتذكيره بسهرات (الشطرنج) الممتعة في قصره، لكنَّ محاولاته كلها باءت بالفشل، لأنّ الوالي رفضَ كلَّ الأفكار والمشروعات التي تقدّم بها (نبيل)، لتحقيق المساواة والعدل بين الناس، وبين الوالي مع أسرته.. وأهل المدينة!..

*     *     *

بعد ثلاث سنوات، اشتاق الوالي إلى صديقه العزيز (نبيل)، وإلى سهرات (الشطرنج) الممتعة، فأرسل إليه رسالةً عاجلةً يقول له فيها:

- عُد يا نبيل إلى مدينتكَ الجميلة، وأَعِدُكَ أن أحقِّقَ للمدينة وأهلها كلَّ ما طلبتَهُ مني قبل سفرك، من العدل والمساواة بين سُكَّانِهَا أجمعين!.. فأجابه نبيل:

- بل أطلب منكَ يا صاحبي، أن تُحَقِّقَ المساواةَ والعدل، ثم أن تطلبَ مني العودة!..

بعد شهرين، أرسل الوالي إلى صديقه العزيز رسالةً عاجلةً ثانية:

- لكَ ما أردتَ يا (نبيل)، فقد تحقَّقَتْ كلُ أمنياتك، وما عليكَ إلا أن تحضرَ إلينا، لترى ما أنجزناه!..

*     *     *

حزم (نبيل) حقائبه، وعاد إلى مدينته الجميلة، وذلك بعد يومين من استلامه رسالة صديقه الوالي، وعندما وصل إلى المدينة، قرأ على بابها الضخم شِعارَهَا الجديد: (العدلُ أساسُ المُلْك، والمساواةُ أساسُ العدل).. ففرح نبيل جداً لتحقيق المساواة بين الناس!..

لدى دخوله الشارع الرئيسيَّ الوحيدَ للمدينة، لم يصدّق (نبيل) ما رآهُ بعينيه:

الوالي على سطح قصره الرائع، جالسٌ خَلْفَ (نرجيلةٍ) فاخرة.. وعلى الرصيفَيْنِ المتقابِلَيْن لشارع المدينة، قَعَدَ كلُّ أربابِ أُسَرِهَا المِئتَيْنِ والخمسين، حَليقي الرؤوسِ، طَويلي الشوارب، بثيابٍ رَثّةٍ متماثلةٍ في الشكل واللون، وأمام كلٍ منهم منديل أحمر وهو ينادي : لله يا محسنين.. صَدَقَة لله يا أهل الخير.. لله!..

وسوم: العدد 738