اجتمعنا في مطعم قرطبة، نجول عبر الصور في ماضينا الحاضر وحاضرنا الأليم. نصعد قوارب الثقافة لننجو بمن معنا من الشبان نحو شواطئ الوعي والإدراك. نرسم خطوطاً لحكاية جديدة تجمعنا بعيداً عن حالة التناحر والانفصام السياسي. فالحالة الضبابية التي تعيشها المنطقة وتحديداً الأراضي الفلسطينية تدفع بالحريصين على الوطن والإنسانية فيه لتبني دور تنويري نحو توحيد الصف،في محاولةلطي العتمة بنور الوعي، وقتل العنصرية والتطرف بروح الفهم والإدراك، وممارسة الحوار وتبني الرأي والرأي الآخر دون تخوين أو تسفيه لأي فكرة مهما كانت أو بدت، هكذا بدأت قرطبة غزة وهكذا ستستمر.

في لقائنا (صفر) حددنا البوصلة، فكان للأدب والموسيقى والفكر نصيب كبير، وعلى هامش اللقاء دردشات يقودها مخرج شاب معروف، يطلب من هذا الكوميديان الحديث عن تجربته مع الناس في غزة، وكيف نجح هذا الممثل الساخر بممارسة مهامه دون الاصطدام معالعامة الذين يضطر غالباً لمشاركتهم معه في حلقاته تلك.نتحدث حول مبادرات الحضور الناجحة، فلكل فرد في هؤلاء القراطبة حكاية نجاح، فمنهم شاعر صاحب بيان، وآخر كاتب ساخر وآخر روائي، وآخر حصد العديد من الجوائز في المسرح وموسيقي شاب.منهم من صدر له مجموعات شعرية متعددة، ومنهم منحصل على عدة جوائز دولية في الإعلام الاجتماعيورفيقه المصور الذي يعمل في وكالات أنباء عالمية، بينما هذه محاضرة جامعية وتلك إعلامية واعدة باتت تشكل حالة جديدة وأخريات، فكل واحد من هؤلاء القراطبة يشكل حجر أساس في بناء مجتمع متمايز قوي ومؤثر.

إن لقاءنا (#في_قرطبة)هو السعي لتشكيل حاضنة لتوجهاتنا وأفكارنا ورؤانا مهما اختلفنا أو اختلفت أهدافنا. وشعارنا التعاون والبناء، والرأي والرأي الآخر، دون التبعية لأحد أو الارتهان لأي مؤسسة رسمية كانت أو أهلية. فالثقافة في بلادنا بلغت حداً كبيراً من التبعية التي عزلت تلك الحاضنة عن جوهرها وحقيقتها. وصار المثقف رهينة بيد الساسة، يؤمِّن خلف هذا أو ذاك من أجل الراتب أو المنصب. حتى المؤسسات الأهلية صارت رهينة بيد الممولين بأجندات تتعارض في غالبها مع عادات وتقاليد وثقافة المجتمع.

أحد أهم الأهداف التي يرجوها القائمون على تلك القرطبة وأحسبني واحد منهم، هو استثمار الماضي من أجل الحاضر والمستقبل، وقراءة التاريخ، وفهم الفلسفات العالمية ومحاورة الفاعلين في المجتمع، وإيصال رسائل وحلول لكثير من الإشكالات التي تعيشها الأراضي الفلسطينية كي تكون هناك حالة حقيقية من التواصل بين القاعدة والقيادة، وبين المواطن المثقف والمفكر والمسؤول الذي ينتظر مخلِّصاً للأزمات المتراكمة بسبب حالة الانقسام.

أيضاً، يسعى القائمون على قرطبة في تحفيز المؤسسة الرسمية والمؤسسات الأهلية والمطاعم والمتاحف على احتواء مثل تلك التجمعات كي نشكل معاً حاضنة كبيرة برؤى مختلفة تتبنى آراء ومواقف شأنها أن تدعم ثقافة الاحتواء وتتبنى الرأي والرأي الآخر في ظل حالة التخوين والتكفير والتهميش الغير مسبوقة.

قرطبة في غزة، بنكهة التراث والحضارة تعيش وستستمر حتى يصل المواطن الفلسطيني الغزي إلى بر الأمان.

من تُرعة رأس غيطنا (حَقْلِنا) كنت أصطاد أمشاط البُلْطِيّ (أشباه المُشْط من سمك النيل المعروف)، وأنا في الثالثة عشرة تقريباً (1979م).

يحمل فأسه محمدٌ ابن عمتي فاطمة، ليضرب موضعاً رطباً من الأرض، فتنكشف ديدانه من أرجائه كاملة أو ناقصة، فنسحبها إلى علبة الطُّعم (طعام إغراء السمك)، ثم على شط الترعة يخرج كلٌ منا دودةً، ويضربها بين كفيه حتى تخمد حركتها، ويلقمها صِنَّارته (خُطَّاف الحديد) المعلقة من قصبة طويلة بخيط طويل ثخين قليلاً معقودٍ بغماز (خشبة طافية تدل حركتها على تعلق السمك بالطعم)، بعد مسافة من الصنارة راسبة مناسبة، ثم يرمي صنارته بطعُمها من غير ثِقلٍ على أبعد مدى ممكن وينتظر.

لم يكن أروع لديَّ منظراً من أن ينجذب الغماز إلى جوف الماء!

ذاكم حوار خاص جداً بيني وبين سمكتي، أدعوها إلى الصعود وتدعوني إلى الهبوط! وكثيراً ما لبَّيْتُ دعوتها، ولكنني كنت أُنيب عن نفسي طُعم صنارتي! وقليلاً ما لبَّت دعوتي، وانخدعت للطعم؛ فانجذبت به إليَّ، وابتهجت في جَوِّ الترعة بهجةً لم أرَّ مثلها قط!

ولقد كنت أحياناً محظوظاً دون محمد ابن عمتي فاطمة، حتى كانت السمكة تلبي دعوتي بالصنارة في زِعنِفَتها لا خَيشومِها، وحتى أحفَظتُ جارتنا من العُدوةِ الأخرى من الترعة (أَغَرتُها) فسألتني لابنها أو ابنتها شيئاً مما اجتمع لي! ثم كانت ابنتها بعد سنين زوجة محمد ابن عمتي فاطمة نفسه، بُلطِيَّة بِبُلْطِيَّة!

واليوم (الخميس 11/10/2012م)، رحلتُ صيدا من بحر عمان ثلاث عشرة ساعة، أنا وعلي بن حمد الفارسي الدكتور – إن شاء الله – ومحمد بن عبد الله الغيلاني المهندس. كلا الفارسي والغيلاني من صور (ولاية ساحلية عزيزة كريمة باهرة يلقبها العمانيون "العَفِيَّة")، مشرق الشمس العربية بمحافظة الشرقية المطلة على بحر العرب من المحيط وبحر عمان من الخليج. أما الفارسي داعيَّ الكريم فصيادٌ مفتون بالصيد من كل وجه في كل وقت، وأما الغيلاني صاحب داعيَّ الكريم فبحارٌ مغامر سبقت له رحلة من صور إلى فرنسا، تلبَّثَ فيها قليلاً بالسويس والإسماعيلية من محافظات القناة المصرية!

مرَّ عليَّ الفارسي بجامعة السلطان قابوس بُعيدَ السابعة والنصف، وذهبنا نصعد ونهبط بطريق جبلي مخيف، إلى منتجع السيفة بولاية مطرح من محافظة مسقط (منتجع مترامي الأطراف مُتسولٍ على جانب مناسب من بحر عمان، لتاجر مصري كبير رجل أعمال، زعموا أن له مثله بمدينة الغردقة على شاطئ البحر الأحمر، فصدَّقت المزاعم المعالمُ)، حيث حملنا أدواتنا إلى قارب الغيلاني الراسي بالمنتجع مجاناً ترويجاً لمكان باهر لم يهتد إليه السياح، وربما حاروا بين الأشباه الكثيرة المنتشرة المُستولية على السواحل العمانية!

أعطاني الفارسي شريطي حبوب قائلاً: إذا وجدت الدُّوار والقيء فخذ من هذا حبتين ثم من هذا حبة! وألبسني سترة نجاة، فقلت "إنا لله وإنا إليه راجعون"! بقينا نعالج أحد محركي  القارب حتى انطلق يقوده صاحبه الغيلاني، على حين يجهز الفارسي أدوات الصيد وأساعده أنا، فيُخرجُ نوعين من الخيوط الثخينة القوية جداً، أحدهما شفاف يربط به صنارة أو أكثر على مسافة ثم يعقده بأثقال من الرصاص على مسافة أخرى، ثم يربطه بالخيط الآخر الأسود الذي يسميه الزَّانَة.

الله الله الله أكبر!

تبارك الله أحسن الخالقين!

ما أهون الإنسان إلى ما أبدع الرحمن!

أوغلنا في البحر شيئاً حتى أدهشنا سربٌ ضخمٌ بديعٌ من أسماك الدولفين، يتقافز أقواساً على وتر سطح البحر، وخلفه قوارب الصيادين لا يريدون إلا أسماك التونة المُتيمة بأسماك الدولفين؛ فهي تتبعها حيث ذهبت، نافثةً وراءها في جو البحر من حر صدورها! قلت للفارسي: ولمَ لا يصيدون أسماك الدولفين أنفسها؟ قال: لأنها أذكى من أن تصاد! قلت: وهل هم أغبى من أن يصيدوها! ولكنه شرح لي فيما بعد، كيف يحتاج صيدها – وإن كان ممنوعاً – إلى محاصرتها كما يحاصر المطاريد!

أوقف الغيلاني قاربه، فَصَفَر، وتبين أن أحد محركيه قد تعطل، فرأى أن نلجأ إلى بندر الروضة (أقرب موائل الصيادين والبحارة والمتشبهين بهم)، لنملأ خزان الوقود اطمئناناً، ونطلب من يصلح المحرك، فإذا صفٌ مصْطفٌ، كل يريد الوقود مثلما نريد، وإذا مستودعه على مرتفع، تنزل منه الخراطيم الطويلة إلى مرسى خاص يحاذيه القارب بعد القارب.

التزمنا حدَّنا ولا سيما أننا مضطرون إلى انتظار من يصلح المحرك، وملأنا خزان القارب بمئة وعشرين لتراً، وصببنا عليها قارورتي زيت، وحفظنا إلى حينٍ قارورة ثالثة ومعنا أوعية وقود مستقلة (جَرَاكِن كبيرة)، ثم تحركنا إلى جانب ننتظر حتى حضر ثلاثة فنيين ولم يفلحوا في إصلاح المحرك، فاكتفينا بالآخر.

لم نذهب عن بندر الروضة حتى تجوَّلْتُ فيه فإذا قصر السفير الإنجليزي على مرقبة، يرفرف في سماء المكان العزيز عَلَمُه – وصورت مناظره، واسترحت إلى حمام مستراحه الأعجمي الفخم، وتوضأت، ثم صليت الظهر بالقارب، وكذلك صليت من بعدُ العصر والمغرب، وإن لم أستطع أن أكمل صلاة العصر واقفاً والقارب إعصار على صفحة البحر، فلم أكد أقعد من الركعة الأولى حتى أكملت الصلاة قاعداً سعيداً جداً بالثبات على أرضه من بعد القلق في هوائه!

أبحرنا من بندر الروضة، حتى استحسن الغيلاني موضعاً من البحر، فأوقف قاربه، ثم أقبل هو والفارسي الذي كان قد صنع صنارتين على النحو نفسه، يطعمان صنارتيهما مما معهما من أسماك السردين الميتة، يقسم كلٌ منهما السمكة على نصفين، فيتصدق بنصف الرأس على هوام البحر الطافية، ويغرز في نصف الذيل صنارته من جنب إلى جنب حتى تتمكن ولا تفلت، ثم يلقيها في الماء، ويملي لها من الخيط الطويل ما شاءت حتى تطمئن على قاع البحر – فلو لم تطمئن على القاع لانجذبت بتيار الماء إلى السطح، ولم تدرك السمك – وينتظر، وكل حين يقول: صاحبي، هل عَلِقَت زانتك؟ حتى ملَّ الغيلاني، فتحرك إلى موضع ثانٍ – فكان مثل الأول – وثالث، فإذا الفارسي يصيح: علقت! وجذبها حتى خرجت بسمكة غَزوان صغيرة، فلم يرتح كثيراً، وملَّ الغيلاني، فأعطاني صنارته، وذهب على مهلٍ يجهز صنارة أخرى، من بعد أن علمني كيف أنتبه إلى السمكة حين أجد انجذاب الزانة شيئاً فشيئاً.

أخفقتُ مرات، ثم شعرت مرة بما نبهني الغيلاني مثلما كنت أشعر صغيراً بحديث الغماز الخاص جداً، فجذبت زانتي سريعاً، فجاءتني بسمكة جرشة فاخرة أثنى عليها الغيلاني بأنها أثمن مما اصطاد الفارسي، ثم جاءتني بسمكة أبو عُرم شائكة حذرني الفارسي أن أمسكها حتى أخمد بالضرب حركتها، وكذلك فعل ببعض سمك القدّ والسِّيَّة الذي اصطاده، واصطاد الغيلاني سمكة جَرْشَة، وظهر أن الموضع مُسمِك، لولا اضطرار نُوخَذَتِنا (قائدنا) الغيلاني إلى الذهاب.

وكما حملنا إلى القارب أدواتنا حملناها منه، ثم نظفناه، وأبى عليَّ الغيلاني والفارسي إلا أن آخذ السمك، فأبيت عليهما بألا علم لي بطهوه ولا سبيل إليه، فأخذ الفارسي سمكة السِّية فقط، وترك سائر السمك لأحد موظفي منتجع السيفة! فعجبت له يستغني عن مثل هذا السمك الطازج الثمين ولو رأى بُلطِيَّ نهر النيل أو بُورِيَّ البحر المتوسط، لأقام له متحفاً يزوره المصريون صباح مساء!

عدنا من حيث جئنا، بوَيْلَيْنِ: ويل الليل الطويل البهيم، وويل الطريق الجبلي المخيف، فأفلتناهما بجريعة الذَّقنِ، من بعد أن كدنا ننخدع ببعض المهاوي الجبلية فنهوي إليها، وببعض الثعالب المكَّارة فندوسها، والفارسي مطمئن يصيح: انظر إلى عيون الثعالب المشتعلة، فأقول: لقد ذَلَّ من بالت عليه الثعالب!

أسرعت في البيت إلى الحمام أخلع عن نفسي عذاب اليوم وألبس نعيمه، ثم صليت العشاء واطمأنتُ أُم براءٍ التي خالفتُها إلى هذه الرحلة حتى أوصيت براءً – إن لم أكلمهم – أن يسألوا عني موج البحر أو أن يسألوا فيروز الشطآن، فلولا أنه طمأنها بأنني سأخاف أن أفعل بالبحر ما فعلته من قبل بالنيل، ما قرَّ لها بمصر قرارٌ!

clip_image002_b62d3.jpg

clip_image004_2c554.jpg

(باد كلايخين بيرك،فيلدباخ) بلدتان تقعان في قلب جنوب شرق اقليم شتيامارك النمساوي،توأمتان في الجمال والسحر والتاريخ القديم، حيث تعد (باد كلايخين بيرك) من اقدم المنتجعات والتي تضم اقدم الينابيع الساخنة من زمن الرومان في الاقليم والتي يتوجه صوبها السواح والمرضى الذين يعانون من امراض الفقرات والروماتيزم، حيث الهواء النقي والطبيعة الساحرة والمنتزهات الكبيرة والاهتمام بهذه البلدة بصورة كبيرة لجذب الزوار بالاضافة الى الفيلل التاريخية القديمة.

تقع البلدة في الجنوب الشرقي من عاصمة اقليم شتايامارك(غراتس) والتي تبعد عنها 60 كيلومتراً و 9 كيلومترات عن مدينة (فيلدباخ) وتحيط بهذه البلدة الساحرة الحقول والمزارع والاكواخ القديمة للمزارعين والفلاحين.اتخذت الطريق صوب (باد كلايخين بيرك) من (فيلدباخ) بالسفر عبر قطار قديم يتكون من قاطرة وعربة واحدة وهو من مخلفات الامبراطورية النمساوية واشبه بتحفة وكنت الراكب الوحيد وجلست بجنب سائق القطار واشبه بحلم ،سافر القطار على سكة حديدية  بين المزارع والغابات واحيانا بجنب سكة القطار شارع للسيارات وصافرة القطار تعلو في الطبيعة ووقتها تذكرت ايام الطفولة والشباب والافلام الهندية وانتابني شعور باني اعيش زمناً غير زمني وبلاداً لم اعرفها بعد وكان القطار فرحة كبيرة وربما لم اعش لحظات نادرة بعد مثل هذه اللحظات والسفر بهذا القطار وبالرغم من ان المسافة بين البلدتين تبلغ 9 كيلومترات الا انها تستغرق 35 دقيقة وتحدث لي السائق عن حياته وعمله وهذه المنطقة الجميلة من قلب الاقليم.

في هذه المنطقة وفي الفنادق الضخمة وفي الينابيع الساخنة يبحث الانسان عن الهدوء وراحة البال والسلام وطمأنية الروح، فهذه الحمامات التاريخية استرخاء تام للانسان في اقليم شتايامارك وشعاره(قلب النمسا الاخضر) نسبة الى طبيعة الاقليم الساحرة.ضيوف هذه الحمامات لهم برنامج كامل من التمارين الرياضية والتدليك وامسيات رقص وتذوق الشراب وامسيات ثقافية وادبية وعادة المرضى مصابون بامراض الفقرات والروماتيزم والاخر بالامراض النفسية والبحث عن النقاهة وعلى نفقة الدولة.لقد كانت هذه الحمامات والينابيع الساخنة موجودة من زمن الرومان وهم من اعترفوا بها للعلاج وتطورت من تلك الفترة وهي ملاذ آمن ومكان رائع واليوم تفتح الحمامات ابوابها للجميع وليس للمرضى فقط للاستحمام والسباحة وتم تطوير احواض السباحة بعد ان ادخلت لعبة الاضواء الى الاحواض وكذلك الحجر والخشب وجمالية الاحواض الخارجية في الحمامات يكمن في فصل الشتاء حين يهطل الثلج على الاحواض والناس تسبح تحت هطول الثلج. تبلغ مساحة الينابيع الساخنة 2500 متر مربع مع الاحواض الداخلية والخارجية وتم تقسيم الاقسام والاماكن مثلا :مناطق للاسترخاء،مناطق للقراءة،مناطق للهدوء المثالي للذين يعشقون العزلة بعد السباحة.الاحواض الخارجية تحيطها حديقة كبيرة داخلية مسيجة لمنع دخول الغرباء واسعار التذاكر للزوار تبلغ تقريبا 20 يورو لليوم الواحد.

هذه البلدة مشهورة وذاع صيتها من خلال مدرسة السياحة والفندقة ويتوجه اليها الطلبة من جميع انحاء اوربا والنمسا ولها سمعة جيدة وبدورها تعد اشهر مدرسة للسياحة والفندقة بالاضافة الى المنتزة الكبير الذي يقابل المدرسة ويعكس سحر البلدة وجمالها.الفيلل التاريخية وجه عريق لهذه البلدة التي استوطنت قبل الميلاد. يبلغ عدد ساكنة بلدة (باد كلايخين بيرك)5278 نسمة  حسب آخر احصائية لها وتقع ضمن حدود مدينة (فيلدباغ)(عاصمة منطقة جنوب شرق اقليم شتايامارك) والتي يبلغ عدد ساكنتها 13 الف نسمة وتقع في قلب جنوب شرق الاقليم وتبعد 50 كيلو متراً عن عاصمة الاقليم (غراتس).

قوة وثقل المدينة في النمسا لا يكمن في عدد ساكنتها بقدر تاريخها القديم والحاضر فمدينة (فيلدباغ) لها مركز جميل ومن بعيد يمكن لمح برج الكنيسة الملون بالالوان المتفتحة وزخارف جميلة واما الكنيسة فهي جوهرة المدينة كما يسمونها،لكن مركز الثقل يكمن في متحف المدينة (تابور) فهوعلامة بارزة وتأسست بناية المتحف عام 1469 والمتحف يوثق الحياة والشعب في جنوب شرق الاقليم من العصر الحجري الى الماضي القريب ،متحف متنوع بمجاميع انتقائية فردية ويقع في مركز المدينة وهو اغناء وثروة من العصور القديمة وفي السنوات الاخيرة فازت مجاميع المتحف بجوائز تقديرية ويتوزع المتحف على 35 غرفة وبدوره يعد ثروة الاقليم،وتسمى المدينة ببركان الاقليم لما لها من نشاط وحياة واقتصاد عن طريق الحمامات والينابيع الساخنة التي ترجع لها بالاضافة الى المنتجعات.

تعد المدينة نقطة التقاء الفنانين العالميين والمحليين وكذلك كثرة النشاطات الثقافية الكثيفة والفنية والرياضية ومنها وجود ملاعب التنس الداخلية والخارجية وركوب الخيل والاجواء الساحرة في المنطقة تنشط حركة الرياضة والسياحة. الحياة الثقافية في (فيلدباغ) تشمل الكثير من النشاطات والامسيات الثقافية والمعارض الفنية والمحاضرات والحفلات الموسيقية. تعد كنيسة المدينة من الابنية التاريخية القديمة والتي وثقت بان البناية قد شيدت عام 1188 ومرت بمراحل خراب وتطوير على مر التاريخ واخر من طورها كان عام 1900 من قبل المصمم(يوهان باشر) على اسلوب عصر النهضة . لقد كانت سمة الفلاحة والفلاحين على هذه المدينة عبر التاريخ وتعد من المستوطنات القديمة والتي عاشت عصور قبل الميلاد ولعبت دورا كبيراً في الحرب العالمية الاولى بوجود معسكر كبير للاسرى فيها ضم 50 الف اسير وفي الحرب العالمية الثانية احتلت من قبل الجيش الاحمر وتضررت المدينة وقتها كثيرا.مدن تضم التاريخ والطبيعة في سلة السحر والجمال في النمسا

نحن الآن في يوم 10 أكتوبر 1980، زلزال عنيف يضرب الأصنام سابقا والشلف حاليا، ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، عمارات إنهاات، غبار تعالى وتتطاير من شدة البنايات المنهارة. وتعطّلت المدارس ولم يعد بالإمكان دخولها، فقيل لنا إستعدوا لمواصلة الدراسة بتلمسان، وقد كنا من قبل في متوسطة طريق وهران المقابلة للمعهد، المعروف حاليا بثانوية بوعيسي.

نزلنا محطة قطار الشلف، وكانت قبل زلزال 10 أكتوبر من أفضل المحطات في الجزائر، بل الشلف كلها كانت جميلة بهية.

نزلنا بتلمسان، وبالضبط بمتوسطة الكيفان بالكيفان، وقد أعدت خصيصا لأبناء الأصنام القادمين من هول الزلزال.

متوسطة الكيفان.. المتوسطة جديدة، وكنا الأوائل الذين إستفدنا من خدماتها. كانت تحتوي على مرقد، ومطعم، وفناء، وأقسام، وإدارة.

لاأتذكر أني دخلت الإدارة، ومصطلح الإدارة لم نكن نعرفه يومها. ونفس الثقافة حملتها معي وأنا طالب في الجامعة، فلم أكن أعرف الإدارة إلا مضطرا ونادرا جدا.

وبما أن المتوسطة كانت جديدة لم تكتمل، وظروف زلزال الأصنام فرضت عليهم إستقبال أبناء الأصنام سابقا، فإن الأشغال بقيت جارية. وأتذكر جيدا أن الشاحنة الكبيرة المختصة بتسوية الأرضية، قامت بتسوية الأرضية داخل المتوسطة، وبما أن هلع الزلزال مازال في الأذان، فرّ الطلبة وقفز بعضهم من النافذة، وحدث هلع كبير داخل المتوسطة، ومن يومها لم يعد صاحب الشاحنة لما قام به من قبل.

وحينها تأكد أهل تلمسان، أن هول الزلزال عنيف لايطيقه الكثير ولا يتحمله الكثير، فكيف بهؤلاء الصبية الصغار.

ثلج تلمسان.. لأول مرة أزور تلمسان، ولأول مرة في حياتي أرى الثلج من خلال تلمسان. كنا يومها إلى الفقر أقرب، ولم تكن لنا الملابس اللازمة لمقاومة الثلج، خاصة وأن الرحلة إلى تلمسان جاءت على حين غرة، ولم نكن نعلم ولا أهلينا يعلمون أن تلمسان بها برد وثلج.

أصيب جمع كبير من التلاميذ بأضرار بالغة في أيديهم وأرجلهم، جراء البرودة الشديدة وتهاطل الثلوج، ضف لها عدم الاستعداد من حيث اللباس والحذاء المناسب.

ومن الصور العالقة بالذاكرة ولا يمكن للتلميذ أن ينساها أبدا. حين سقط المطر ذات شتاء بتلمسان، خرج التلاميذ إلى ساحة متوسطة الكيفان، واجتمع بعضهم، منهم زميلي عبد القادر هنية، وهو الآن متقاعد عن العمل برتبة عسكرية عالية، فجعل من الثلج كرة كبيرة جدا حتى إنه إختفى وراء الكرة، ولم يستطع الأستاذ المكلف بتسيير التلاميذ من رؤيته.

المسجد الكبير بتلمسان.. صورة المسجد الكبير بوسط مدينة بتلمسان مازالت راسخة ولن تغادر مخيلة الطفل أبدا. مسجد كبير جدا يحتوي على زرابي غليظة عديدة، حتى أن المصلي لايستطيع وضع رجليه فوق الأرض من كثرة الزرابي وعلوها. حين يقف المصلي وكنت يومها طفلا في 14 من عمري في أقصى المسجد، لايستطيع أن يرى الجهة الأخرى المقابلة من شدة طول المسجد وكبره.

كانت تزين المسجد ثرية في وسطه ومقابلة للمحراب، كانت كبيرة جدا لم يرى الطفل الحجم والطول، وكان المنبر طويل جدا وذا جمال وفن يلفت الأنظار.

كارنتيكا تلمسان.. كنا نأكل الكارنتيكا ونحن صغارا بالأصنام سابقا ومازلنا لكن بنسبة قليلة، لكنها في تلمسان أكلة رئيسية، وتقدم بشكل جذاب لذيذ ومرفوقة بكوب عصير بارد. وتزداد جاذبيتها وحب الكبار والصغار لها، حين تقدم في فصل الشتاء ساخنة، فيضاف لها كمية من الكمون وقليل من الهريسة، فتغري صاحبها لطلب المزيد.

سيدي بومدين.. زرت ضريح سيدي بومدين ورأيت وأنا الطفل، تهافت النسوة على الضريح، وتقديم قليل من المال للقائم على الزاوية. ومن الصور التي مازال يحتفظ بها الطفل، ذلك الشيخ الكبير الوقور، صاحب اللحية البيضاء، يمشي بهيبة ووقار، يتبعه خلق كبير من النساء والرجال، لعلّهم ينالون منه دعاء الصالحين لأبناءهم وبناتهم، ولم يغتر بالجمع الكبير من النّاس.

مكتبة دار الحديث.. زرت يومها مكتبة دار الحديث، كانت في ذلك الوقت أي سنة 1980-1981، قديمة يبدو عليها آثار القدم، إحتوت على طابقين. ولا أذكر هل كانت هناك مكتبة أم لا؟، فمن عادتي زيارة المكتبات مذ كنت طفلا.

المنصورة.. لاأعرف المسافة الفاصلة بين الكيفان والمنصورة، لكن كنا نسير للمنصورة مشيا على الأقدام، ولا أعرف أننا في تلمسان ركبنا حافلة أو سيارة أجرة، فقد كنا في وسط المدينة، وكانت كل الأماكن قريبة منا.خلال زيارتي

كانت المنصورة بأطلالها وتاريخها العريق، يزورها الكثير ويتفقدها الكثير. لكن بعد مضي 35 سنة على زيارتي لها، أقول وقد شارفت على الخمسين من عمري..

كانت زيارتنا فردية ونحن أطفال، وكان على القائمين من تلمسان أن يخصصوا لنا مرشدا عارف بالآثار والتاريخ يحسن التحدث مع الأطفال، فيشرح لنا تاريخ الجزائر من خلال أطلال المنصورة، فيرسخ في الطفل حب الجزائر وعشق تاريخها.

لم أشهد خلال زياراتي للمنصورة الزوار الأجانب يومها. وما زلت لحد الآن أتساءل عن غياب الأجانب.

كان يظهر على المنصورة يومها إهمالا أثّر على منظرها، فأمست كأنها مهجورة، تثير الرعب والفزع في زائرها. والآن وبعد 35 سنة، مازال الطفل يتساءل، كيف حالها؟. هل تحسن منظرها؟. أرجو أن يكون أفضل وأحسن من عهد الصبا.

مدرسة أشبال الثورة.. كانت هذه المدرسة بوسط تلمسان، ونحن لانعرف عنها غير الصور الممتد عبر وسط المدينة والمرتفع جدا. وكنا حين نسأل  عن الصور يقولون لنا إنه مدرسة أشبال الثورة، فنحن إذن لانعرف من المدرسة غير الصور. وأظن أن تلمسان يومها، كانت تزخر بأصوار قديمة جدا تعود لقرون، لا أتذكر غير هذا الصور.

قصور تلمسان.. أعيد وأكرر، جئت من عائلة بسيطة جدا وربما كانت إلى الفقر أقرب. بيتي في حي بن سونة من غرفتين، ونحن 10 أفراد. كانت دهشتي كبيرة جدا لما رأيت من قصور عالية، وبنايات فخمة، رأيتها لأول مرة في حياتي، فعلمت من يومها أن أهل تلمسان أغنياء أثرياء. ولست أدري، لو زرتها الآن بعد 35 سنة، هل مازالت تلمسان غنية ثرية. أرجو أن يزيد الله في غناها وثراءها.

دروس الكيفان.. كانت المتوسطة مناسبة لصلاة الجماعة، والحفاظ على الشعائر الدينية بقدر المستطاع. أتذكر أن الأستاذ الهاشمي وأستاذ آخر لايحضرني الآن إسمه، كان يصلي بنا صلاة الفجر، وكان ذا صوت حزين مبكي، يشرفون على الصلاة وتعليم التلامذ أمور دينهم.

صورة أتذكرها جيدا، كنا يومها ندرس في القسم، فدخل علينا الأستاذ الهامشي، وبعد أن طلب الإذن من الأستاذ، طلب منا أن نستخرج كتاب التاريخ وبالضبط الصفحة التي تحتوي على صورة سيّدنا عيسى عليه السلام، فطلب من تلاميذ المتوسطة كلها، لأنه مرّ على كل الأقسام، أن يقوموا بتمزيق الصفحة التي تضم صورة سيّدنا عيسى عليه السلام، باعتبار أنه لايجوز رسم الأنبياء.

ذات يوم أحضر الأستاذ الهاشمي تلميذا جميلا أبيض البشرة من تلمسان، وقدّم لنا درسا دينيا لاأتذكر موضوعه. وحين انتهى من إلقاء كلمته، طلب مني أن أقدّم درسا ، فارتجلت ودون إعداد مني، درسا أشرح فيه حديث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ دخل علينا رجل أشعث أغبر..الحديث"، وأعجب الجميع بكلمتي، وكانت أفضل بكثير من كلمة الشاب التلمساني من حيث حلاوة الصوت، وحسن الاستشهاد، والارتجال الجيد، والتسلسل المطلوب، واللغة الفصحى الحسنة . وربما مايحزن له المرء بعد مرور 35 سنة، عدم تسجيل تلك الدروس يومها.

أستاذي ثابت.. إمتاز أستاذي ثابت بحسن المظهر دوما، فقد كان يومها في عزّ شبابه، وربما كان عامه الأول، والأدب الجم، وحرصه على النظافة والنظام داخل القسم. فرح كثيرا بتلامذته حين زاره المفتش لأول مرة، فقد كنا في المستوى المطلوب، وامتثلنا لتعليماته التي قدّمها لنا بشأن زيارة المفتش. وكانت من نتائج الزيارة، نجاحه وتألقه. بل إن المفتش حين فاجئه بالزيارة للمرة الثانية، لم يجد فرقا كبيرا مقارنة بالزيارة الأولى، ووجد لدى تلامذته نفس الاجتهاد والانضباط والتنظيم، فتأكد له النجاح.

كان يحبني كثيرا، ومعجب بما أقول وأكتب، وقد لقيت منه كل أنواع الشكر والتشجيع. وبعد 35 سنة، يظل التلميذ الصغير، يعترف بفضل أستاذه ثابت، ويهدي له هذه الأسطر، التي كان سببا في ظهورها وبروزها.

بين يدي الآن كشف النقاط، الذي كان يكتب يومها بخط اليد وباللغة الفرنسية، ملاحظة الأستاذ ثابت بشأن تلميذه معمر حبار. جاء في الفصل الأول من سنة 1980-1981 "نتيجة حسنة. طالب نشيط وجدي في أعماله واصل". وجاء في الفصل الثاني " طالب نشيط وجدي يستحق التشجيع".

تلمسان في ضيافة الشلف.. في العام الموالي من انتهاء السنة الدراسية بتلمسان، وعودتي للبيت، زارني الأستاذ الهاشمي في الشلف، رفقة زميله الأستاذ الذي كنا نناديه بـالحزامة في العام الأول فيما أتذكر، وزارني أيضا في العام الثاني، رفقة أستاذ آخر.

وقد أحسنت الضيافة وأنا الطفل في 15 من عمري، ويعود الفضل في إكرام ضيفي من تلمسان إلى أبي رحمة الله عليه الذي تكفل بمصاريف الضيافة، وهو الفقير الذي يطعم 10 أبناء بالقليل القليل الذي يتحصل عليه من سهر الليل وعرق النهار. وكذلك يعود الفضل إلى أمي رحمة الله عليها، التي تكفلت بإعداد الطعام والشراب والمبيت، ونحن مازلنا يومها تحت آثار الزلزال. ونسأل الله أن تكون هذه الأسطر في ميزان الوالدين، رحمة الله عليهما.

 لم يزُر سور الصين العظيم فليس برجلٍ"

وزرت سور الصين العظيم أنا وصاحبي حكيم الصيني المستعرب، فلما أشرفنا على بابه قال سائقنا: يدعي الصينيون أنه من لم يزر سورهم فليس برجل! قال صاحبي مبتسماً، ولم يكن زاره من قبل: سنرى، يتحدى وهو على البر!

فلما طرنا في سماء التلفريك على المهاوي البطينة أخذه مثلُ الموت، ثم لما دَلَفْنَا على طريق السور صاعدين وهابطين في البرد الشديد، حرَّ حرارة المصيف، وتعثَّر تعثُّر الزَّلِق، وإذا السُّور غرور! أما أنا فقد كنت من فقدان حذائي الرياضي في كربٍ عظيم!

المزيد من المقالات...