الدعوة إلى زيارة القدس المحتلة

بين الوقت والآخر تتجدد الدعوة في العالم العربي والإسلامي إلي قيام مواطني هذين العالمين بزيارة القدس المحتلة ، والصلاة في مسجدها الأقصى الذي أضحى في هذا الزمان " أقصى " حقا حتى على أهل القدس نفسها ، وبقية الفلسطينيين في الضفة وغزة وأراضي ال1948. مجدد الدعوة هذه المرة أبو مازن في مؤتمر الأزهر الأخير حول القدس . وتتنوع المواقف رفضا وقبولا لهذه الدعوة ، وللرافضين مبررات ، وللقابلين مبررات . ونحن مع الرافضين الذين هم الأكثرية الكبيرة التي منعت حتى الآن هذه الزيارة وإلا لما تجددت الدعوة إليها ، وموجبات الرفض كثيرة :

أولا : تمثل الزيارة اعترافا ضمنيا من الزائرين ودولهم بالاحتلال الإسرائيلي للقدس وبقية الأرض الفلسطينية .

ثانيا : ستتحكم إسرائيل في كل إجراءات هذه الزيارة ، وسيكون لها الكلمة الوحيدة في قبول أو رفض زيارة الأشخاص أو الهيئات التي قد تزور القدس  ؛ بصفتها صاحبة السيطرة الفعلية على القدس وعلى الضفة الغربية ، ووفق نوعية علاقتها بدول الزائرين .

ثالثا : ستكون الزيارة مصدرا كبيرا جدا للدخل الإسرائيلي : سيقيم الزوار في فنادق إسرائيلية داخل أراضي 1948، وليس في فنادق القدس فحسب لعجزها عن استيعاب أعدادهم الكبيرة ، وسيأكلون في مطاعم إسرائيلية ، وسيشترون بضائع إسرائيلية يعودون بها إلى بلدانهم .

رابعا : ستسهل الزيارة على الجهات الأمنية والاقتصاية الإسرائيلية إقامة علاقات مع بعض هؤلاء الزائرين لمصلحة إسرائيل .

خامسا : ستمهد هذه الزيارة للاعتراف الرسمي بإسرائيل في العالم العربي والإسلامي من خلال العلاقات التي ستقيمها الجهات الإسرائيلية المختلفة مع بعض الشخصيات الوازنة الزائرة ، ومن خلال الإغراءات التي ستعرضها لاستمالة هذه الشخصيات الرسمية والإعلامية والاقتصادية وغيرها .

وماذا سيجني أهل القدس وغيرهم من الفلسطينيين من هذه الزيارة ؟! أقل القليل إن جنوا شيئا أصلا . وبرهنت إسرائيل دائما قدرتها على استخلاص المنافع الجمة من التطورات والأحداث التي تبدو في مظهرها وأحيانا في لبابها مضرة بها . ولننظر إلى أحداث ما سمي توهما وخطأ ربيعا عربيا ! كلها جلبت النفع واسعا لإسرائيل ، وجلبت كبار المآسي وفادح الويلات للدول التي انفجرت فيها ، وجعلت مصيرها كدول موضع شك حقيقي . وظفت إسرائيل تلك الأحداث بالتآمر مع أميركا وبريطانيا وفرنسا وبعض الدول العربية لمنفعة إسرائيل ولمنفعة هذه الدول الغربية صاحبة المطامع الدائمة في ديار العرب والمسلمين . وغريب أن يدعو أبو مازن العرب مسلمين ومسيحيين ، والمسلمين إلى زيارة القدس في الوقت الذي لا يستطيع فيه أن يقنع إسرائيل أو " يترجاها "  للسماح لفلسطينيي الضفة وغزة بزيارة القدس  والصلاة في الأقصى . صلاة الأوقات في الأقصى يقيمها أهل القدس بمشقة وعنت تحت تهديد الأمن الإسرائيلي وتحرشات المستوطنين ، وصلاة الجمعة يسمح بها لعدد يحدده مزاج هذا الأمن حسب السن ، فتكون حينا لمن هم فوق الأربعين ، وحينا لمن هم فوق الخمسين . دعوة أبي مازن العرب والمسلمين إلى زيارة القدس جزء من المعركة الخاسرة للسلطة الفلسطينية مع إسرائيل خارج الساحة الفلسطينية الفعلية مثل إصرارها الذي تشدد بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ؛ على الانضمام للمزيد من المنظمات الدولية ، والبحث عن راع جديد لمفاوضاتها مع إسرائيل بعد "حردها" من الراعي الأميركي الذي اقتنعت أخيرا أنه شيطان رجيم خالص الانحياز لإسرائيل ! قلنا مرارا وقال سوانا وقال الشعب الفلسطيني مقاومةً وشهداءَ ومعتقلين أن معركتنا الصحيحة مع عدونا في الأرض الفلسطينية لا خارجها . نعم ، نعارك في الساحة الدولية بالأساليب الصحيحة الفعالة مع وجوب الإدراك في الوقت نفسه أن هذه المعارك ليست بديلا مغنيا عن معركة الداخل . إنها إضافة جانبية تعززها ولا تكفي كِفاءها  بحال ، ولمنظمة التحرير سفارات أكثر مما لإسرائيل ، فماذا أفادت هذه السفارات ؟! إنها أعباء مالية وأوهام دبلوماسية . المعركة الفلسطينية الصحيحة المضمونة النجاح يجب أن تتركز في الأرض الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني الذي حفرت سنوات الانقسام الإحدى عشرة في روحه ونسيجه أعمق الصدوع ؛ معززة بمعارك ذات قيمة فعلية في الساحة الدولية . ولو انتظرت المقاومة في غزة العون والعدل  من الساحة الدولية ، ولم تقاتل الاحتلال فيها جيشا ومستوطنات بالنار والدم لما مضى على طرد الاحتلال ومستوطناته منها الآن قرابة ثلاثة عشر عاما . خطأ قاتل أن نضع الكلمة مكان السيف ، أو نضع السيف مكان الكلمة ، والصواب استعمال كل واحد منهما في وقته الصحيح الذي يحتمه .

وسوم: العدد 756