القوى العظمى اسم بلا معنى

محمد هيثم عياش

[email protected]

برلين /‏06‏/04‏/14/ يطل علينا كل سنوات متعددة خبراء سياسيون بكتب يضعونها يتكهنون بها حول مستقبل هذا العالم . فقد أطل علينا عام 1995 المفكر الامريكي ومستشار وزارة الخارجية الامريكية  صموئيل هونينغتون بأطروحته التي قدمها بشكل مختصر بندوة حول تطورات السياسة الدولية دعا اليه معهد الفريد هيرهاوزين بفرانكفورت التي تحمل عنوانا / حرب الثقافات / مؤكدا فيها ان الحرب الباردة التي وضعت اوزارها عام 1989 ستندلع من جديد تحت غطاء حرب بين الاسلام والمسيحية وان الاول سينتصر بالنهاية على الثانية ثم عاد وأكد إثر هجمات 11 ايلول/ سبتمبر عام 2001  وبالتحديد في يوم 3 تشرين أول/ اكتوبر بمبنى  بيت ثقافات العالم بالعاصمة برلين  ليؤكد لنا بأن الحرب التي تكلم عنها قد اندلعت بالهجوم على مركز التجارة الدولي بنيويورك والهجوم على وزارة الدفاع الامريكية / البنتاجون / مشيرا بأن القوة العظمى بالعالم هوجمت بعقر دارها من قبل المسلمين . الا أن هونينيغتون أكد بأطروحته / حرب الثقافات / الى احتمال وقوع حرب بين الكاثوليكية والارتودوكس  فهي بالواقع قد اندلعت اوائل التسعينات  بالبلقان فاوروبا الغربية الكاثوليكية حاربت اوروبا الشرقية  الارتودكسية فروسيا واليونان وصربيا ومقدونيا  ودول شرقية أخرى كانت وراء دعم صربيا ضد كرواتيا وسلوفينينا الكاثوليكيتين اللتين تحظيان بحماية كبيرة من المانيا والنمسا وفرنسا وايطاليا وغيرها . أما البوسنة فقد كانت ضحية أطماع ارتودوكس الصرب  لقيام صربيا الكبرى وأطماع كرواتيا لقيام كرواتيا الكبرى  مضيفا وقتها أما حرب فانية بين العقيدتين المسيحيتين فلن تقع وذلك لمواجهة الاسلام هذا الدين الذي استطاع ان يقف على رجليه في كل مرة يتعرض لها لهجوم واحتلال وأثبت للانسانية قوته الدينية والسياسية والاجتماعية فقد كاد الصليبيون ان يمحو الاسلام من بلاد الشام ومصر وكادوا ان يصلوا الى شبه الجزيرة العربية فاذا بالمسلمين يتنادون لحماية هذا الدين وهكذا كان فقد عاد الصليبيون من حيث أتوا صاغرين ، كما كاد التتار أن يجعلوا من المسلمين اثرا بعد عين واذا بهم يتعرضون لهزيمة قاسية  جعلتهم أضحوكة ذلك الزمان . وجاء العثمانيون ليمحوا عن المسلمين عنوان الذل والهوان الذي اصيبوا بهما معلنا وقتها ان الاسلام سيكون المنتصر بالحرب الدائرة حاليا بين الثقافات .

ثم جاء المفكر والسياسي الامريكي  باول كينيدي لينعي لنا  بأطروحته نيل شهادة عليا / دكتوراه / التي وضعها عام 1987 حول / القوى العظمى وأفولها بالقرون الوسطى -  الدولة العثمانية ودولة هابسبورج /بعيد الحرب العالمية الثانية/ وفاة الاتحاد السوفيتي  ويؤكد  لنا عام  1998 بندوة دعا اليها معهد كريستوفر شتريزمان بالعاصمة القديمة لالمانيا بون أفول نجم الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الامريكية كقوتين عظميين بالعالم . فشمس الاتحاد السوفييتي وكقوة تضاهي الولايات المتحدة الامريكية افلت جراء هزيمته التي مني بها على يد الافغان وساهمت سياسة الرئيس الروسي السابق ميخائيل جورباتشوف الاصلاحية  وراء انهيار الاتحاد السوفييني بشكل رسمي عام 1991 أما انهيار الولايات المتحدة الامريكية بشكل تام فلن يكون الا اثناء العشر الاول من القرن الحالي . ثم أعلن عام 2005 بأن الولايات المتحدة الامريكية تحتضر وتعاني من سكرات الموت . 

ثم جاء خبير شئون الارهاب ومسئول توسعة ملف  حلف شمال الاطلسي / الناتو / سابقا والدبلوماسي الامريكي روبرت كاجان زوج مسئولة قسم شئون اوروبا بوزارة الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند التي نصحت الرئيس الاوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش بعدم الاكتراث بالاوروبيين قائلة له كلمتها المشهورة / فوك ذا اوروب / ، ليؤكد لنا بندوة دعت اليها اكاديمية العلوم السياسية والعسكرية بالعاصمة برلين مساء يوم السبت 5 نيسان/ابريل احتفاءا بالصحافي  الالماني وخبير الشرق الاوسط والعالم الاسلامي بيتر شولاتور لبلوغه سن التسعين ، بأن شمس الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى  قد غابت وأفلت ولن تعود للشروق مرة أخرى .

وأكد كاجان ان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش / الابن / اعلن الحرب ضد ما يطلق عليه بالارهاب في افغانستان واحتل العراق وبذل جميع جهوده لارغام الدول العربية ارساء الحريات العامة وانتهاج الديموقراطية في بلادها كان من اجل ان يثبت للعالم قوة امريكا فالعراق كان مهيئا للاحتلال منذ عام 1991 أما أفغانستان فدولة منهارة أراد بوش وحلفاؤه أثبات قوتهم العسكرية والسياسية بانهم قادرون على التغيير فيها واعلان الدول المشاركة عسكريا الانسحاب من تلك الدولة نهاية عام 2014 الحالي دليل واضح على هزيمتها أمام شعب تلك الدولة كهزيمة امريكا بفيتنام والاتحاد السوفيتي بافغانستان أما الرئيس الحالي باراك اوباما فهو يسعى بين الحين والآخر  إثبات بلاده بالقوة العظمى الا انها بالواقع لم تعد عظيمة .

وعزا كاجان أفول نجم الولايات المتحدة الامريكية لعدم تنفيذ وعودها بتأديب نظام بشار اسد فالاسلحة الكيمياوية التي اعتبر اوباما استخدامها تجاوزا للخطوط الحمراء سرعان ما اختفت جراء قبول واشنطن مقترحات موسكو بالعودة الى ما يُطلق عليه بمؤتمر جنيف / 2/ وانتهجت بريطانيا وفرنسا الدولتين  اللتين تعتبران من القوى العظمى نهج اوباما الذي أحال موضوع التدخل العسكري بسوريا الى مجلس الشيوخ الامريكي / الكونجرس / فرفض البرلمان البريطاني التدخل العسكري في سوريا بينما زعم الرئيس الفرنسي فرانسوا اولند عدم مقدرته وحده على تأديب بشار أسد وإنهاء ماساة الشعب السوري ثم جاءت الحكومة الالمانية لتؤكد ضرورة الحل السياسي علما بأنه لا حلا سياسيا لانهاء  ماساة الشعب السوري . أما  جامعة الدولة العربية فقد اعتبرها كاجان بجامعة  الثرثرة  فزعماء هذه الجامعة متفقون على الهوان والتبعية للغرب الذي فقد جميع ما يملكه من الهيبة مشيرا بأن هناك مقولة للخليفة سيدنا عمر ابن الخطاب / رضي الله عنه /  يقول فيها / اذا ذل العرب ذل الاسلام واذا عز العرب عز الاسلام / والعالم يرى ذلك بعينه ويلمس ذلك حاليا .

وأكد كاجان الذي وضع مؤخرا كتابا تحت / عنوان / نحن الدول العظمى بلا قوة / من المقرر أن ينزل الى دور الكتب  بعد ترجمته الى الالمانية في وقت لاحق من شهر حزيران/يونيو المقبل  بأن ضوضاء الغرب بما فيه الولايات المتحدة الامريكية واعلان الغضب والاستياء من روسيا لضمها شبه جزيرة القرم الى حظيرتها والاحتكاك والتحرش باوكرانيا انما هي فقاعات هوائية فالعقوبات الاقتصادية ضد روسيا لن تضر موسكو بل ستضر الغرب ولن يكون هناك أي احتكاك عسكري بين الفريقين المذكورين  واذا كانت هناك مناوشات قد تقع انما هي عبارة عن عرض عضلات فقط .