عندما يَتخندق (الماضويّون) ضد (المستقبل)!

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

من المؤكد أن اليمن من أكثر البلدان تجانساً في مكوناته المختلفة:

– فهو متجانس دينياً إذ أن سكانه مسلمون بنسبة 100%،

– ومتجانس عرقياً حيث أن أبناءه جميعاً عرب أقحاح ولا توجد أقليات عرقية بينهم،

– ومتجانس مذهبياً حيث أن اليمنيين يتوزعون بين المذهبين الشافعي (80%) والزيدي (20%)، ومعلوم أن المذهب الزيدي هو أقرب المذاهب الشيعية إلى السنة، بل قيل بأن المذهب الزيدي سُنّة الشيعة أو شيعة السُّنّة، مع استثناء الفرقة الجارودية من الزيدية والتي اقتربت من الاثني عشرية في كثير من مقولاتها وحملت راية العداء للشافعية حتى أنها اعتبرتهم كفار تأويل، وشنّت الغارة على مخالفيها حتى من المذهب الزيدي، كما فعلت مع تيار المَطْرفية الذي أبيد تماماً على يد حكام الجارودية الهادوية!!

وبالمجمل فإن الشعب اليمني يمتلك كافة مقومات الانسجام والتآلف، فليس فيه التناقضات الدينية والعرقية والطائفية التي توجد في العراق وسوريا مثلاً، غير أن عهودا من التخلف والانحطاط قد تضافرت حتى خلقت العديد من التناقضات وأثمرت العديد من العداوات، ولعب العامل الخارجي دوراً في تخندق الفرقاء وإثارة الخصومات بين الأطراف، وفي إيقاظ الفتن وإشعال الحرائق، إذ وجد أعداء اليمن في الجهل والفقر بيئة شديدة الخصوبة لنشر النعرات وإشاعة ثقافة الكراهية، وفي هذه البيئة وجدوا من استجابوا لهم في تحويل اليمن إلى ساحة لتصفية الخصومات الخارجية بما فيها خصومات تأريخية تعود إلى الحسين بن علي ويزيد بن معاوية أو زيد بن علي وهشام بن عبد الملك!

ومما يجدر ملاحظته هنا أن شركاء الوطن المتشاكسين يتناسون الكثير من العداوات والأحقاد في ما بينهم، عندما يتعلّق الأمر بثورة فبراير، حيث رماها الجميع عن قوس واحدة، وهم انفصاليو الجنوب، وطائفيو الشمال، وقاعديو الشرق، بجانب حاملي راية الولاء للرئيس المخلوع صالح، فلماذا حدث ذلك ويحدث يا ترى؟ وما الذي جمعهم تحت راية الكراهية لثوار فبراير؟!

وعند البحث عن إجابة لهذا السؤال، وجدنا عدداً من العوامل التي تناصرت في ما بينها وصنعت هذا الموقف المشترك من ثورة فبراير، ويمكن القول بثقة إن أهم هذه العوامل هو أن ثورة فبراير تحاول أخذ اليمن نحو المستقبل، بينما ينتمي الآخرون إلى الماضي، ويجتهدون في العمل بكل قوة من أجل إرجاع اليمن إلى الماضي، مع الاختلاف في العهد الذي يراد إعادة اليمن إليه، وذلك على النحو الآتي:

 1- المؤتمر الشعبي العام: وهو الحزب الذي أسّسه صالح كحزب للحاكم وليس حزباً حاكما،ً إذ كان يستخدمه صالح لتحقيق مآربه في الضحك على الذقون وذرّ الرماد في العيون المطالبة بالديمُقراطية، مع استخدامه كأداة للاستفراد بالأمر وحده وتوريث السلطة لابنه، ولقد كانت الشرارة التي أدّت إلى إشعال أُوار ثورة فبراير 2011 هي مسألة توريث السلطة لأحمد ابن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ومن ثم فإن تيار المؤتمر الشعبي العام يريد إعادة اليمن إلى ما قبل 2011 أي إلى بيت الطاعة العفاشي.

 2- الحراك الانفصالي المسلح في الجنوب:

ويريد إعادة اليمن إلى ما قبل 1990، ففي 22 مايو 1990 تحققت الوحدة بين شطري اليمن: الجمهورية العربية اليمنية التي كانت تحكم الشمال، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت تحكم الجنوب، وذلك في كيان واحد هو الجمهورية اليمنية، ولقد كان الجنوب يُحكم وفق الفلسفة الاشتراكية ويدور في فلك السوفييت، مما أدى إلى تأسّن الحياة في الجنوب وانتشار البطالة والفقر وسط الأغلبية العظمى، ومع هبوب سياسة البروسترويكا من الاتحاد السوفييتي على يد الرئيس جورباتشوف كانت إحدى آثارها تململ شعب الجنوب ضد الحكم الحديدي للحزب الاشتراكي، منذ تصفيته لشركاء النضال ضد الاستعمار البريطاني، وكان الناس مسرورين في الجنوب بالوحدة أكثر من الشمال، حتى أن المواطنين بكوا من شدة الفرحة، وعندما حضر صالح إلى عدن لرفع علم الوحدة اندفع المواطنون بالآلاف للاحتفاء به، وتزاحموا على سيارته حتى أنهم رفعوها فوق الأرض والدموع تنهمر من أعينهم، فلقد كان كثيرون ينظرون إليه كأنه المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، غير أن أملهم خاب في المسيح المُخلِّص والذي خذلهم وتركهم في كفّ عفريت الفقر والفاقة! إذ بعد بضعة سنوات من الوحدة استفحل الفساد وشاعت المحسوبية، وتدهور الأمن وساءت الأوضاع المعيشية لأغلبية الناس، وتلقّى المتضررون من الوحدة، من مسؤولي زمن الانفصال، مشاعر الكراهية للرئيس صالح وحزبه بحفاوة بالغة، وما زالوا يُثوِّرون هذه المشاعر ويُؤجّجونها على جمر المظالم والأكاذيب، حتى أوجدوا تياراً عريضاً يكره الوحدة ويحقد على كل ما هو شمالي، ثم وصل الأمر إلى حد المطالبة بالانفصال والعودة إلى ما قبل 1990.

وسوم: العدد 760