الأيدي المجرمة : تقبيلها والدعاء عليها .. ثم إدمان التقبيل ، والدعاء لها !

 *) المثل الدارج يقول : اليد التي لاتستطيع عضّها ، قبّـلها ، وادع عليها بالكسر!

 هذا المثل سيظلّ ، فيما يبدو ، متّبعاً ، في أكثر المجتمعات البشرية ، على مستوى المناورات الفردية، بين الناس، وتمرير المواقف ، والتعامل مع ظروف القوّة والضعف، والتحايل عليها ! وليس في ذلك خطورة كبيرة على المجتمعات . وإذا وجِدت ، فهي محدودة ، في مجالات فرديّة معيّنة ، لاتكاد تتجاوزها ؛ حتّى لو تعدّدت مواقع هذه المناورات الفرديّة ، والبؤر الاجتماعيّة التي توجد فيها !

 *) خطورة هذا المثل ، تكمن في التعامل السياسي ، بين الأحزاب والحكومات ، أو بين الشعوب والحكومات :

 - قادة الأحزاب ، الذين يتعاملون مع حكوماتهم المستبدّة الفاسدة ، بهذا المثل (المبدأ) ، يسهِمون في إفساد الحياة السياسية ؛ لأنهم :

 1) يعوّدون عناصرهم على الذلّ والخنوع ! وهي ليست متمرّسة بفنون التعامل السياسي، ولا تفهم من المثل ، إلاّ جانبه النفسي الخلقي ؛ أيْ : مافيه من خنوع مرحلي ، وتبييت لنيّة الشرّ والغدر، والانتقام ، حين تتاح الفرصة له !

 2) تعزّز مكانة الحاكم المستبدّ الفاسد ، وتمنحه المزيد من الوقت ، لتقوية سيطرته ، والإفادة من تقبيل الأحزاب ، يديه ، في تلميع صورته بين الناس ، ولسان حاله يقول لشعبه : انظروا .. هاهي ذي ، قيادات الأحزاب السياسية ، تقبّل يدي ! فأنا حاكم صالح ؛ إذا كانت صادقة ! وهي منافقة تافهة ؛ إذا كانت كاذبة مخادعة ! فلا تعوّلوا عليها ، في الإطاحة بحكمي ؛ لأنها لن تستطيع ! وإذا استطاعت ، فستكون أشدّ فساداً منّي ، بخداعها وغشّها ، وسوء طباعها ، وهوان نفوسها ! والمبدأ ، نفسه ، ينسحب على الشخصيات البارزة ، في المجتمع ، التي تضعها ظروفها ، في مواقع القدوة للناس! فحين يرى الناس عالماً بارزاً، أو سياسياً مخضرماً ، أو وجيهاً كبيراً.. ينافق للحاكم المستبدّ ، لنيل حظوة، لديه.. يتأثّرون بسلوكه ، ويحرصون على تقليده، في الخنوع والهوان ، وبيع المبادئ والأخلاق .. لقاء مكاسب هيّنة رخيصة ، يمنّ بها الحاكم الفاسد ، عليهم .. من خيرات بلادهم ، التي هي حقوق لهم ، في الأصل !

 *) أمّا مدح الحاكم الفاسد ، وتزكيته أمام الناس ، والثناء على سياساته وأخلاقه .. فهذا بلاء أخبث من تقبيل الأيدي ، وأشدّ، وأقسى على الأمم و الشعوب ،أفراداً وجماعات!

وسوم: العدد 762