الإدارة الأمريكية ماضية بكل صلف في تمرير صفقة القرن بعد التأكد بأن الظروف أصبحت مواتية

عشية انعقاد المؤتمر السنوي  للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة اختصارا باسم " الأيباك"، وهي أقوى جمعيات الضغط الصهيونية أو اللوبي الصهيوني على الكونغرس الأمريكي لخدمة الكيان المحتل ، والتي تأسست سنة  1953 في عهد الرئيس أيزنهاور تحت اسم  اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة قبل أن تغير اسمها ، صرحت الإدارة الأمريكية بمناسبة حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو  هذا المؤتمر أن العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لم تبلغ  من القوة ما بلغته في عهد الرئيس ترامب . وقد أكد هذا تصريح  ترامب بأنه سيحضر الاحتفال  بمناسبة  ذكرى الإعلان عن قيام دولة إسرائيل  السرطانية في قلب الوطن العربي ، وفوق أرض فلسطين  في الرابع عشر من شهر مايو لتدشين السفارة الأمريكية التي ستفتح بمدينة القدس، والتي  سبق أن أعلنها عاصمة  أبدية لهذا الكيان المحتل ، ووقع على ذلك بأحرف عريضة عرضها أمام وسائل إعلامه بصلف عكسته قسمات وجهه .ولقد اختار ترامب إعلان تأييده اللامحدود للكيان الصهيوني  في تواريخ معينة  تزامنت مع مرور قرن  من الزمان على وعد بلفور المشؤوم ، ومرور 70 سنة على إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني ، ومرور نصف قرن  على إحراق المسجد الأقصى ، وهي تواريخ تم اختيارها بدقة للإعلان عن إطلاق ما سمي بصفقة القرن ، وهي صفقة أريد بها تصفية القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال الصهيوني في ظرف الإجهاز على ثورات وحراكات الربيع العربي ،عن طريق عودة الفساد السياسي إلى الوطن العربي بأقوى مما كان عليه  من قبل ، وهو الفساد الذي تراهن عليه الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني  معا لتمرير الصفقة دود ردود أفعال تفسدها أو تعرقلها . وبكل صلف صرح الرئيس الأمريكي أن تسوية القضية الفلسطينية أصبحت ممكنة بعدما تم تحييد قضية القدس من ملف المفاوضات النهائية، وهو يعني بعد قراره اعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني . وموازاة مع هذه التصريحات عند استقباله رئيس الوزراء الصهيوني تم الإعلان عن اعتزامه عقد مؤتمر مع أنظمة دول الخليج ،والذي سيكون بطبيعة الحال متعلقا بصفقة القرن ، وبتطبيع تلك الأنظمة علاقتها  مع الكيان الصهيوني ، وقد بدا منها استعدادا لذلك ، بل تهافتا عليه استكمالا لما تقرر في مؤتمر الرياض الذي حصل فيه الرئيس ترامب على مبالغ مالية خيالية من الأنظمة الخليجية ليكون فيها نصيب الأسد للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية  " أيباك ".ولا شك أن ترامب يرى أن الفرصة قد أصبحت سانحة لتنزيل صفقة القرن في ظل الظروف الراهنة في الوطن العربي عموما ،وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصا .

والغريب أن تسبق منظمات أمريكية موعد عقد مؤتمر اللوبي الصهيوني السنوي " أيباك "  بيوم أو يومين للإعلان عن استيائها ،ورفضها تحكم هذا اللوبي في السياسة الأمريكية ، وفي مقدراتها المالية التي بلغت مبالغ طائلة استفاد منها الكيان الصهيوني  منذ إنشائه سنة 1948 ،وهي أموال حرم منها الشعب الأمريكي ،وصرفت لفائدة الصهاينة ، ولم يحصل مثل هذا الموقف من منظمات عربية في الوطن العربي ، وكان من المفروض أن تتولى  فضح اللوبي الصهيوني والإدارة الأمريكية كلما عقد " الأيباك " مؤتمره السنوي .  ويأتي هذا الدعم لرئيس الوزراء الصهيوني في الوقت الذي تحقق معه أجهزته الأمنية بخصوص فضائح مالية، إذا جاز أن نصدق المسرحيات الهزلية الصهيونية التي يراد من ورائها تلميع صورة  هذا الكيان، وإظهاره بمظهر المجتمع الديمقراطي المثالي الذي يحاكم فيه أكبر مسؤول مقابل  ما يتمتع به  المسؤولون في البلاد العربية من حصانة إن لم نقل من عصمة  تنزههم عن كل مساءلة أو تحقيق  بخصوص فسادهم .

وليس من قبيل الصدفة أن تسبق الانتخابات في مصر موعد حلول مناسبة الإعلان عن قيام دولة الكيان الصهيوني ، وهي عبارة عن مسرحية في غاية العبث  والهزل حيث يتنافس عبد الفتاح مع السيسي أي مع نفسه  على رئاسة مصر في أغرب انتخابات يعرفها العالم  كما قال بعض ظرفاء مصر بعد إقصاء كل المنافسين بالاعتقال والتهديد والوعيد أمام أنظار الأنظمة الغربية  التي تنصب نفسها وصية على الديمقراطية في العالم ، والتي أقرت من قبل ودون خجل  الانقلاب  العسكري على الشرعية وعلى الديمقراطية في مصر بصمتها  ، وهي اليوم تزكي هذه المسرحية الانتخابية الهزلية  لضمان ولاية ثانية لمتزعم الانقلاب ، وذلك لتمرير صفقة القرن باعتباره طرفا مهما في هذا التمرير  حسب ما يروج  من أخبار حول إعداده مشروعا  لتوطين الفلسطينيين في أرض سيناء كما تنص على ذلك صفقة القرن المكشوفة .

وفي هذا الظرف الذي يتم فيه الإعداد لتمرير هذه الصفقة تتحرك الطوابير الخامسة  المأجورة  والمحسوبة على الفكر والثقافة في طول الوطن العربي وعرضه للإجهاز على مناعة الأمة العربية من خلال استهداف قيمها ومبادئها ، والدفع في اتجاه التسويق للقيم العلمانية كبديل ، ويتجلى ذلك من خلال  محاولات تغيير هويتها عبر دعاية إعلامية شرسة  غير مسبوقة تستهدف الفرد والأسرة والمجتمع  عن طريق برامج أعدت بدقة ومكر وخبث لاستباحة الأعراض ، وإشاعة الفاحشة على أوسع نطاق ، وخلق هوة واسعة بين الأمة ودينها ولغتها ، وترويضها للانغماس في اللهو والعبث تخديرا لها حتى تمر صفقة القرن دون ردود أفعال من شأنها أن تفسد فرحة الكيان الصهيوني و فرحة حلفائه الغربيين  وعلى رأسهم الحليف الأمريكي الذي لم يكن تحالفه  معه أقوى مما هو عليه اليوم في فترة رئاسة ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية  رجل لأعمال المعروف بإدارة الكازينوهات  أو دور القمار ، والذي نقل إلى السياسة أسلوب المقامرة . وقد أبدى براعة في لعبة القمار خلال مؤتمر الرياض حيث عاد بحصة مالية خيالية مغتصبة  إلى بلاده  لتسريع وتيرة تمرير صفقة القرن التي يرى أن الظروف قد صارت مواتية لتمريرها أفضل مما كانت من ذي قبل .

وأخيرا نختم بالقول إن الأمة العربية الإسلامية لم يعد أماها سوى أن تعول على خالقها  لإجهاض صفقة القرن  بكل ما أوتيت من قوة ،ولرد مدبريها  وطوابيرهم الخامسة  المستأجرة في الوطن العربي  بغيظهم دون أن ينالوا شيئا  مما يحلمون به ، و سيكفيها  ربها عز وجل القتال وهو القوي العزيز. 

وسوم: العدد 762