لماذا تأخر الحسم في اليمن؟دورُ الغرب في تأخير الحَسْم الحلقة الرابعة

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

دورُ الغرب في تأخير الحَسْم.

▪لم يعد ما يحدث في اليمن - وكذا سوريا وليبيا - شأنا وطنياً أو حتى إقليميا وعربياً، فقد تداخلت عدد من العوامل التي سمحت لقوى دولية عديدة بالتدخل بل والتحكم بالأحداث بما جعل الحرب تمتد إلى أطول مدى ممكن، بحيث لا تنتهي حتى يتحقق أكبر عدد من أهدافهم الاستراتيجية ، مما سنُفرد له مقالة خاصة.

وما يهمنا هنا هو إبراز المظاهر والحقائق التي تؤكد ضلوع الغرب في تأخير الحسم في اليمن وتعاطفه الماكر مع المليشيات الحوثية التي تساعده بدون وعي في تحقيق ما يطمح إليه من أهداف.

فهناك مظاهر وحقائق كثيرة تؤكد ضلوع الغرب عامة وأمريكا خاصة في هذا الأمر، وأهمها ما يأتي:

1-    تسليم أمريكا أسلحة نوعية للحوثيين قبل الانقلاب:

كانت أمريكا في السنوات الأخيرة قد تولت إنشاء جيش مواز للجيش اليمني؛ لاعتقادها بأن الإسلاميين الإصلاحيين مسيطرون على قطاعات عريضة منه، وهذا الجيش هو الحرس الجمهوري الذي تكوّن من حوالي أربعين لواء عسكريا يزيد قوامها عن مائة ألف مقاتل، وانتقت من هذا الجيش بضعة ألوية سميت بالقوات الخاصة أو قوات مكافحة الإرهاب، وأرسلت خبراءها لتدريب هؤلاء وتهيئتهم لخدمة الأجندة الأمريكية في المنطقة تحت لافتة محاربة الإرهاب، وأرسلت لهذه القوات أحدث الأسلحة، وقبل الانقلاب ببضعة أسابيع أرسلت أسلحة متطورة بقيمة خمسمائة مليون دولار، وأثناء الفوضى التي سبقت الانقلاب وحصار صنعاء من قبل جماهير الحوثيين وميليشياتهم، أعلنت السفارة الأمريكية في صنعاء بأن تلك الأسلحة قد فُقدت، وهي في الحقيقة لم تَضع ولكنها وجدت طريقها إلى الحوثيين، الذين انتهكوا كل بيت ومؤسسة ودائرة وشركة بل ودنّسوا مدارس تحفيظ القرآن وجامعة الإيمان وجامعة القرآن وكثيرا من المساجد، لكنهم من أول يوم دخلوا فيه صنعاء شكلوا عددا من الأحزمة الأمنية لحماية السفارة الأمريكية بصنعاء، حتى أنهم منعوا المواطنين من عبور الشوارع القريبة من السفارة، وعندما سُلّمت لهم البلد على طبق من ذهب بضغوط من أمريكا وحلفائها العرب على عبد ربه، بزعم أنهم سيؤدّبون الاسلاميين وينسحبون من حيث جاؤوا، وبعدما خرجت طواقم السفارة الأمريكية من صنعاء سُلّمت لهم سيارات السفارة الأمريكية كما أفاد العشرات من شهود العيان!

2 -إقحام الحوثيين في الحوار الوطني بنصيب يفوق حجمهم الحقيقي:

حاولت قوى ثورة فبراير أن تجر الحوثيين إلى مربع العمل السياسي السلمي وترك العمل المليشاوي المسلح ولكن بدون جدوى، حتى أنهم رفضوا الانخراط في مؤتمر الحوار الوطني بحجة أنه من مخرجات المبادرة الخليجية التي قالوا بأنهم لا يعترفون بها، وبمكر خبيث من السفارة الأمريكية أوهمت اللقاء المشترك وشباب فبراير بأنها ستقنع الحوثيين بالكَفّ عن العمل المسلح وستضغط عليهم من أجل الانضمام إلى قافلة الحوار الوطني، ولكن عليهم تقديم تنازلات كبيرة وممارسة أقصى درجات ضبط اانفس أمام استفزازاتهم، فقدّم الجميع تنازلات كبيرة من أجل سلامة الوطن ولا سيما الإصلاحيين الذين تحاك المؤامرة في الأساس ضدهم، مما مكّن الحوثيين من احتلال مركز متقدم بعد حلفائهم في المؤتمر الشعبي بين كتل الحوار، وأملوا شروطهم في وثيقة الحوار ثم في صياغة الدستور بصورة اتسقت مع الرؤى العلمانية، مما دفع تيارا من الإصلاح للانشقاق الفعلي عن قيادته وإن لم يعلن ذلك رسميا؛ متهماً إياها بالموافقة على علمنة اليمن وتغريبه تارة أو مَلْشنته وتشييعه تارة أخرى!

وكان الحوثيون بتكتيكاتهم وانسحاباتهم المتكررة قد أطالوا أمد الحوار حتى قارب العام، وفعلوا مثل ذلك عند صياغة الدستور، وذلك حتى يكسبوا المزيد من الوقت لإكمال عدة الانقلاب المسلح واستكمال هضم مؤسسات الدولة التي سلّمها صالح لهم تباعاً، وكان يجري في تلك الأثناء عمليات شراء واسعة وبأموال باهضة لبيوت في أماكن حساسة من سائر المدن اليمنية ولا سيما في العاصمة صنعاء، ويجري احتلال القلاع المهمة وتهيئتها للحرب ولا سيما في التباب الاستراتيجية في سهول تهامة التي تطل على البحر الأحمر، وفي ذات الوقت كان يجري حفر الخنادق داخل المعسكرات التي سلمت لهم من دولة صالح العميقة، واستحداث معسكرات جديدة، ويجري تركيب معامل لتجميع الأسلحة وصناعة الذخائر والألغام، وفي ذات الوقت يتم اغتيال عدد كبير من الطيارين غير الموثوق بولائهم، وكان كل ذلك يتم تحت سمع وبصر السفارة الأمريكية التي صارت هي الحاكم الفعلي لليمن وخاصة في تلك الفترة، هذا إن لم يتم كل ذلك بالتنسيق معها، وحدث ذلك بعلم الأمم المتحدة التي ظلت تدلل الحوثيين كما لم نسمع من قبل إلا في ما يتعلق بإسرائيل، حتى أن مبعوثها المغربي ابن عمر ذهب إلى صعدة لمقابلة زعيم الحوثيين، وظل ساعات طويلة منتظراً أن يأذن له عبد الملك الحوثي بالدخول عليه، وعندما دخل إليه كان يتعامل معه كأنه مريد أمام شيخ من مشايخ الصوفية، بينما كان يتعامل بعنجهية وغطرسة مع قادة الفصائل السياسية المغضوب عليها ممن جعلوا من مجلس الأمن الدولي عصى بأيديهم يؤدبون بها من يشاؤون!

3 - حُؤول أمريكا دون ضمّ الحوثيين إلى قائمة الجماعات الإرهابية:

كان السفير الأمريكي عندما ينتقل من مقر إقامته في صنعاء إلى مقر السفارة يقابل في طريقه عشرات اللافتات ومئات الملصقات المكتوب فيها: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود...، ويسمع أصوات المسيرات التي تردد هذا الشعار بحماس منقطع النظير، وكان يعلم أن المساجد أُجبرت على ترديد هذا الشعار، وأنه يسري في الجماهير كما تسري النار في الهشيم، نتيجة طاقة الغضب المكبوت من أمريكا وأفعالها ونتيجة صبغ الحوثيين شعاراتهم بالعامل الديني، لكن السفارة لم تأبه بشيء من ذلك، وكانت تتحرك في كل سبيل من أجل محاصرة من يعملون في أودية السياسة، ودأبت على فتح المزيد من الطرق لعبور الحوثيين نحو أهدافهم الإجرامية بحق اليمن واليمنيين، ومن ذلك أنها منعت رجلها الأول في اليمن علي عبدالله صالح من استخدام أي سلاح أمريكي في حروبه الست معهم، وحاول صالح أن يدفع المنابر الأممية لإدخال الحوثيين ضمن قائمة الجماعات الإرهابية لكن أمريكا وقفت لتلك المحاولات بالمرصاد، كما أعلن صالح ذلك بنفسه وهو ما زال رئيساً للبلد وما تزال علاقته قوية بأمريكا!

▪ وفي المقابل فإن أمريكا المتسامحة مع من يَدْعون لموتها قامت بوَصْم خصومهم السياسيين بالإرهاب، رغم أنهم لم يلعنوا أمريكا ولم يعلنوا عداوتهم لها ولا نووا شن الحرب عليها، حيث ضمت إلى قائمة الإرهاب قائد مقاومة محافظة البيضاء وقائد مقاومة محافظة الجوف، وأمين عام حزب الرشاد السلفي، وكانت قبلهم قد ضمّت القيادي الإصلاحي الشيخ عبد المجيد الزنداني إلى هذه القائمة اللعينة بل وطالبت اليمن بتسليمه، حتى نجحت في تحديد تحركاته وتحجيم تأثيره بما يُشبه الإقامة الجبرية!

4 - رفض تفعيل القرار الأممي تحت البند السابع:

عندما زادت عربدة الحوثيين وحلفائهم من الإيرانيين وأشياعهم في المنطقة، وهددوا بغزو السعودية واحتلال الكعبة المشرفة وأجروا مناورات عسكرية على حدودها، وقاموا بالانقلاب على الشرعية اليمنية وعلى بنود المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني؛ قامت السعودية ومعها دول الخليج باستصدار قرار أممي من مجلس الأمن تحت البند السابع وهو القرار 2216، ويبدو أن أمريكا سمحت بذلك لأنها لم تكن تعتقد أن السعودية جادة في ما تفعل كما هي عادة عرب هذا العصر، أو ليسهل عليها جرّ السعودية إلى مصيدة الحرب والاستنزاف الطويلي الأمد، إذ منذ تلك الآونة ظلت الأمم المتحدة تحاول في الظاهر إقناع الحوثيين بتطبيق القرار الأممي، مدللةً إياهم إلى أبعد حد في هذا السبيل، حتى أنها غيّرت المبعوث المغربي بمبعوث موريتاني ثم بمبعوث إنجليزي، وما زال التدليل مستمرا، وما زالت أمريكا ترفض تطبيق هذا القرار تحت البند السابع والذي يُخوّل المجتمع الدولي حق استخدام القوة ضد من يعرقل تطبيق القرار بل إن أمريكا هددت وراء الكواليس بإلغاء هذا القرار وتعديله عندما زادت ضغوط الشرعية اليمنية والتحالف العربي عليها من أجل تطبيق القرار، ونتيجة الضغوط الأمريكية ترتفع هذه الأيام أصوات داخل التحالف العربي بالحديث عن حل سياسي يكون الحوثيون حاضرين فيه بقوة!

5 - تسهيل وصول الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين:

عندما انطلقت عاصفة الحزم قبل نهاية مارس 2015 قيل بأن أمريكا لم تكن على علم بها وأنها فوجئت بانطلاقها، وقيل يومها إن السعودية ضاقت ذرعاً بالسياسات الإيرانية في المنطقة وبالصمت الأمريكي عن مغامرات إيران وتدخلاتها في شؤون الدول وسعيها المحموم لتصدير الثورة الإيرانية؛ بذريعة أن المنطقة العربية تعاني من فراغ ينبغي ملؤه!

وفي تلك الأثناء أعلنت أمريكا تأييدها للتحالف العربي وأنها ستساهم فيه، من خلال اضطلاعها بمنع وصول الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، وذلك عبر أساطيلها وسفنها وغواصاتها التي تمخر عباب البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي وخليج عدن، وبعد مرور ثلاث سنوات من المعارك المحتدمة في عشرات الجبهات ما تزال المليشيات تقاتل بنفس الزخم، وما تزال الأسلحة الإيرانية تصل إليها بانتظام، حسبما تعلن أمريكا نفسها بين حين وآخر، بل إن أمريكا والغرب ما فتؤوا يُبدون قلقهم من هذه الصواريخ التي يتم إطلاقها على السعودية، غير أن أحدا لم يسأل نفسه: كيف تصل هذه الأسلحة الضخمة إلى الحوثيين إذا كانت المطارات في مناطق الحوثيين مغلقة وإذا كان التحالف العربي يسيطر على الجو والبر سيطرة مطلقة، وإذا كانت السواحل اليمنية كلها تحت إشراف الجيش الأمريكي وهو أقوى جيش في العالم؟!!

6 - عرقلة جهود الشرعية في الحسم وتطبيع الحياة في المناطق المحررة:

أعلن التحالف العربي ومعه أمريكا منذ الوهلة الأولى أنهم مع الشرعية ضد الانقلاب، لكنهم إلى اليوم يضعون العراقيل أمام عودة الرئيس هادي إلى عدن لإدارة شؤون البلد، عبر تحريض المليشيات الانفصالية ضده بدعم كامل وسافر من القوات الإماراتية التي هي جزء مهم من التحالف، بل ومنعت أمريكا هادي من استعادة البنك المركزي الذي كان في خزائنه خمس مليارات دولار بجانب مئات المليارات من الريالات اليمنية، وعندما استنفدت المليشيات الحوثية هذه الأموال في حربها ضد الشعب اليمني وصار رصيد البنك صفرا أعطت أمريكا الضوء الأخضر لهادي لنقله إلى عدن، ودون أن يتم دعمه من دول التحالف لتطبيع الأوضاع ودفع مرتبات اليمنيين، بغرض إحراجه أمام الجماهير، وبالفعل فقد أدّت هذه الخطوة إلى مزيد من تشويه صورة الشرعية في أذهان كثير من عامة اليمنيين!

7 - الإصرار على بقاء الحديدة في يد المليشيات:

الحديدة هي الميناء الرئيسي للبلد في البحر الأحمر، كما هي عدن في خليج عدن والبحر العربي، وقد حاولت الشرعية بدعم من التحالف العربي التركيز على تحرير الحديدة التي ظلت المليشيات تتنفس من خلالها، سواء من حيث استيراد ما تريده من مواد وسلع أو من خلال المورد المالي الذي تمثله، إذ تستلم المليشيات يوميا مئات الملايين من الريالات على شكل ضرائب ورسوم جمركية وإتاوات، بجانب أن الجزء الأكبر من الإغاثة والمساعدات الإنسانية تصل إليه، مما يمنح المليشيات كرتاً إضافياً حيث تُوزّع جزءا منها على الموالين لها، وتبيع الجزء الآخر في السوق لتعزيز مواردها المالية!

8 - التعاون مع مراكزهم الحقوقية وتبنّي تقاريرهم:

في الجانب النظري يرى الغربيون أن الحوثيين مليشيات انقلابية، لكن الجانب العملي ينحو منحى آخر، حيث يتعامل الغرب مع المليشيات عبر أياديه الحقوقية ومؤسساته المدنية كأنهم جماعة تحرُّر وطني تستحق التعاطف والمساعدة ولو بطرق غير مباشرة، ونرى ذلك من خلال مظاهر عديدة، ومنها التغطية الإعلامية الخبيثة لما يحدث في اليمن، حيث يتم تجاهل الإعلام الغربي لجرائم الحوثيين التي تجاوزت كل حد وتصويرهم في أسوأ الحالات بأنهم طرف من أطراف التنازع المسلح على السلطة، حتى أنني لم أجد وسيلة إعلام غربية واحدة تتحدث عن حرب بين طرفين طرف تمثله المليشيات الانقلابية وطرف تمثله الحكومة الشرعية المغدور بها!

وبجانب ذلك فإن الوفود الغربية تذهب لمقابلتهم في صنعاء كأنهم حكومة شرعية، مقابل تجاهل بعضها للشرعية المعترف بها دوليا، وكانت الكويت قد بذلت جهودا جبارة لجمع الانقلابيين والحكومة الشرعية في مفاوضات مباشرة استمرت أشهرا، وظل الحوثيون يتلاعبون بالحوار ويمارسون ألاعيبهم وينقضون غدا ما أبرموه اليوم، وكافأهم السفير الأمريكي بأن أفرد لهم لقاء خاصاً لم يزدادوا بعده إلا عُتوّاً ونفورا، حتى فشلت المفاوضات تماماً!

ويَسمح الغربيون للمنظمات والمراكز المحسوبة على الحوثيين بحضور الاجتماعات الرسمية مثل مجلس حقوق الإنسان في جنيف، ويسمح لها بإلقاء خطابات في بعض البرلمانات الأوروبية، ويتم تبني ما يرد في تقاريرها من أكاذيب أو مبالغات وإبرازها كحقائق لا تقبل النقاش، بل ويتم توظيفها في القيام بحملات ضغط على الشرعية والتحالف!

ووصل الحال إلى استثمار هذه التقارير التي تتحدث عن جرائم كبيرة في حق المدنيين تصل إلى حدّ الحديث عن إبادة جماعية، وذلك بغرض ابتزاز التحالف العربي وإدخاله في القائمة السوداء، وتبنّي دعوات لمنع تصدير الأسلحة إلى دوله ولا سيما السعودية.

وبجانب الضغوط على الحكومة والتحالف العربي عبر هذه المنظمات الغربية وأذرعها المحلية، تقوم بعض هذه المنظمات للأسف بالضغط على الحاضنة الشعبية للجيش الوطني، عبر منع وصول المساعدات الإنسانية إليه وحصرها على مناطق نفوذ الحوثيين، حتى أن مئات الأسر المعدمة في تعز - على سبيل المثال - غادرتها إلى صنعاء من أجل الحصول على نصيب من تلك المساعدات، مع أن مساعدات مركز الملك سلمان تصل إلى الحديدة قبل عدن، وإلى صعدة قبل تعز، وإلى حجة قبل مأرب!

_____________

أ.د. فؤاد البنّا،رئيس منتدى الفكر الإسلامي،أستاذ العلوم السياسية جامعة تعز.

وسوم: العدد 763